تقرير لـ «هيومن رايتس ووتش» يكشف أدلة مرئية لإنتهاكات طرفي الحرب في السودان
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
سلط تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” مزيدا من الضوء على الانتهاكات التي تحدث في الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ 15 أبريل من العام الماضي.
التغيير ــ وكالات
وقالت المنظمة في تقرير على موقعها الإلكتروني، ، إن الجيش وقوات الدعم السريع والمسلحين التابعين لها، أعدموا بإجراءات موجزة، أشخاصا أثناء احتجازهم، دون محاكمة، وعذبوهم، وأساءوا معاملتهم، ومثلوا بالجثث.
وأشارت المنظمة إلى أنها حللت 20 مقطع فيديو، وصورة واحدة، لعشر حوادث نُشرت بمنصات التواصل الاجتماعي بين 24 أغسطس 2023 و11 يوليو 2024.
وتُصوّر 8 فيديوهات وصورة واحدة أربع حوادث إعدام خارج القانون، منها إعدامات جماعية لـ 40 شخصا على الأقل.
بينما تُظهر 4 فيديوهات تعذيب وسوء معاملة 18 محتجزا. في حين تُظهر تسعة مقاطع تشويه 8 جثث على الأقل، وفق تقرير “هيومن رايتس ووتش”.
ونوّهت المنظمة إلى أن العديد من المعتدين والضحايا يرتدون ملابس عسكرية، “مما يوحي بأنهم مقاتلين”، مشيرة إلى أن بعض الضحايا يرتدون ملابس مدنية، في حين يظهر المحتجزون وهم غير مسلحين، ولا يشكلون أي تهديد لآسريهم.
وبحسب مراصد حقوقية، فإن “عمليات التمثيل بجثث قتلى المعارك الحالية”، بدأت مع حادثة مقتل والي ولاية غرب دارفور، خميس أبكر، في يونيو الماضي بمدينة الجنينة.
وأظهر مقطع فيديو جثة الوالي القتيل يجرها بعض الأهالي على الأرض وهي موثقة بالحبال، بينما يقذفها آخرون بالحجارة، في حضور مئات من المواطنين، بينهم نساء وأطفال.
وقال باحث السودان في “هيومن رايتس ووتش”، محمد عثمان، “أظهرت الأطراف المتحاربة في السودان تجاهلا صادما للحياة الإنسانية والكرامة، وينبغي محاسبة القادة على عدم منعهم لهذه الجرائم أو معاقبة مرتكبيها”.
انتهاكاتوأشارت المنظمة إلى أنها أرسلت في 19 أغسطس ملخصا تفصيليا لنتائجها بالبريد الإلكتروني مصحوبا بأسئلة محددة إلى المتحدث باسم قوات الدعم السريع، المقدم الفاتح قرشي، والمتحدث باسم الجيش، العميد نبيل عبد الله، ولم يرد أي منهما.
ويرى الخبير الاستراتيجي، عبد المنعم الزاكي، أن “الجيش مؤسسة منضبطة” ولن يتورط في “انتهاكات ممنهجة”، مشيرا إلى أن قادته أكدوا كثيرا أنهم لن يسمحوا بأي تصرفات خارج القانون.
وقال الزاكي لموقع الحرة، إن الحرب تلازمها بعض التصرفات الفردية التي تنتج إما من الحماس الزائد، أو من حالة الغبن والاحتقان الشديد.
وأشار إلى أن “قوات الدعم السريع ارتكبت فظائع وانتهاكات فوق كل التصورات”، مما قد يقابله تصرفات فردية من الطرف الآخر، تتضمن انتهاكات، تنطلق من الثأر الشخصي، أو الغبن الذاتي.
ولفت الخبير الاستراتيجي إلى أن ما صدر من انتهاكات من أفراد يرتدون أزياء الجيش، لا يعني بالضرورة أن ذلك يمثل موقف مؤسسة الجيش الرسمية.
وأضاف “كل الانتهاكات المؤثقة منسوبة لقوات الدعم السريع، بما في ذلك تصفية الأسرى والمحتجزين، والاعتقال والتعذيب بشبهة مساندة الجيش”.
وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أفادت في فبراير الماضي، أن الجيش وقوات الدعم السريع، احتجزا مئات المسلحين، وأن حالة معظمهم ومكان وجودهم مجهولان.
وشكل مجلس الأمن، في أكتوبر 2023، بعثة دولية لتقصي الحقائق في الانتهاكات المتعلقة بالنزاع في جميع أنحاء السودان.
اتهاماتوقالت هيومن رايتس ووتش إنه بالنظر إلى حجم الانتهاكات وندرة التحقيقات الموثوقة من قبل الأطراف نفسها، ينبغي لأعضاء مجلس الأمن تجديد ولاية البعثة في دورة المجلس المتوقعة خلال شهر سبتمبر الجاري.
وبدوره، شكك مستشار قائد قوات الدعم السريع، أيوب نهار، في الاتهامات التي تتهم قواتهم بالتورط في عمليات إعدام وقتل للأسرى والمحتجزين وتمثيل بالجثث.
وقال نهار، لموقع الحرة، إن ظهور أشخاص يرتدون أزياء قوات الدعم السريع، في مقاطع فيديو، توثق لانتهاكات وإعدامات، لا يعني بالضرورة أنهم ينتمون فعلا إلى قوات الدعم السريع.
وأضاف “مع ذلك، نحن نشير إلى أن هناك بعض التعديات التي تحدث كنتاج طبيعي للحرب، ونسعى جاهدين لإيقافها، من خلال لجان تحقيق جادة وفعالة”.
وأشار مستشار قائد قوات الدعم السريع إلى أن أنجح الوسائل وأسرعها لإنهاء الانتهاكات، والتحقيق في الجرائم وتقديم المتورطين للعدالة، يتمثل في إيقاف الحرب، وهو “ما نحرص عليه، ويرفضه قادة الجيش”.
وأكد المتحدث ذاته ترحيب قوات الدعم السريع بأي لجنة تحقيق محلية أو دولية مستقلة، تهدف للتقصي عن الجرائم والتعديات، منوها إلى أنهم سبق أن رحبوا بالتعاون مع اللجنة التي شكلها مجلس الأمن الدولي للتحقيق بالانتهاكات.
ودعت منظمة هيومن رايتس ووتش الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، للعمل معا لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات في السودان، بما في ذلك فرض عقوبات فردية محددة الهدف.
وأضافت “ينبغي للبلدان التي تقود محادثات وقف إطلاق النار والوصول الإنساني، أن تعالج انتهاكات الأطراف المتحاربة، وتضمن وجود بند للمراقبة القوية لانتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، في أي اتفاق تتوصل إليه”.
ويشير الزاكي إلى أن “الانتهاكات التي تحدث من قوات الدعم السريع لا تحتاج إلى تبيان أو أدلة، لأن من يظهرون في مقاطع الفيديو التي توثق تلك الانتهاكات، يباهون بانتمائهم، ويفاخرون بما يرتكبون من انتهاكات”.
وأضاف “يجد عناصر ميليشيا الدعم السريع الذين يتورطون في الانتهاكات، التأييد من قبل قادة الميليشيا، لأنها لم تقدم أيا منهم إلى محاكمة، على الرغم من ادعائها أنها شكلت لجنة للتحقيق في الانتهاكات”.
وفي المقابل، يرد نهار، بأن قوات الدعم السريع شكلت قوة لحماية المدنيين، وأنها أصدرت قبل يومين توجيهات صارمة لعناصرها، للتقيد بقوات الاشتباك وحماية المدنيين.
وأضاف “نحن لا نتحدث عن فراغ، ولدينا معلومات كاملة عن ضباط الجيش وعناصره المتورطين في قطع رؤوس عدد من الأشخاص في مدينة الأبيض، وفي قرية تاي الله بولاية الجزيرة بوسط السودان”.
وأشار إلى أن قوات الدعم السريع قدمت بعض المتورطين في الانتهاكات إلى المحاسبة، وأن هناك آخرين في انتظار المحاكمة.
ومنذ أبريل 2023 تدور في السودان حرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”.
جرائمواتُهم الجانبان بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك القصف العشوائي لمناطق مأهولة بالسكان، خلال النزاع الذي خلف عشرات الآلاف من القتلى، وأدى إلى تشريد أكثر من 10 ملايين شخص، وفق الأمم المتحدة.
كما اتُهم الطرفان بنهب وعرقلة توزيع المساعدات الإنسانية، فضلا عن تدمير النظام الصحي الهش أصلا.
وتوقفت الغالبية العظمى من العمليات الإنسانية، في حين تغرق البلاد في “واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في الذاكرة الحديثة”، وفق الأمم المتحدة.
الحرة / خاص – واشنطن
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع انتهاكات
إقرأ أيضاً:
السودان.. فرص نجاح الحكومة الجديدة في ظل التحديات الماثلة
بعد ما يقارب الأربع سنوات من قرارات رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والتي قضت بحل حكومة الدكتور عبد الله حمدوك في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 وفض الشراكة مع قوى الحرية والتغيير تم تعيين الدكتور كامل إدريس رئيسا للوزراء في أيار/ مايو الماضي. وإدريس الذي يتكئ على تجربة طويلة في العمل في المنظمة العالمية للملكية الفكرية مع علاقات واسعة مع جهات داخلية وخارجية؛ لا يُعرف له انتماء سياسي للأحزاب السودانية، وكان مرشحا مستقلا في الانتخابات الرئاسية التي جرت في العام 2010، وتردد اسمه أكثر من مرة بعد سقوط نظام الرئيس عمر البشير وخاصة بعد قرارات قائد الجيش، ولكن تأخر تعيينه نتيجة تطورات سياسية داخلية وخارجية. ويجيء تعيينه لهذا الموقع المهم وسط تحديات كبيرة تشهدها البلاد، الأمر الذي يطرح تساؤلا مركزيا عن فرص نجاحه وسط هذه الأمواج العاتية التي تحيط بالبلاد وتكاد تعصف بها إلى المجهول..
فعلى المستوي العسكري والأمني، لا تزال الحرب التي تشنها مليشيا الدعم العسكري منذ أكثر من عامين تتواصل في أكثر من ولاية، فمن بين ولايات السودان الثماني عشرة تسيطر مليشيا الدعم السريع بشكل كامل على أربع ولايات في دارفور، بينما تحتدم المعارك في تخوم الفاشر؛ عاصمة الإقليم في ولاية شمال دارفور، أما في إقليم كردفان فإن الحرب تدور سجالا في ولاياتها الثلاث مع تقدم ملحوظ للجيش في كل محاور القتال، غير أن اصطفاف قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان عبد العزيز الحلو مع المليشيا قد يعقد التحركات العسكرية للجيش وخاصة في ولاية جنوب كردفان. وفي وسط السودان لا سيما ولاية الجزيرة والعاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث، لا تزال أصداء الانتصارات التي حققها الجيش بطرد المليشيا تتردد، غير أن تلك الانتصارات ليست إلا خطوة في مشوار طويل يتطلب توفير الأمن والخدمات، خاصة وأن المليشيا اعتمدت تكتيكا جديدا يقوم على استهداف المنشآت الحيوية في المدن الآمنة، ولا سيما العاصمة الإدارية بورتسوان، بالمسيرات الاستراتيجية، ثم الحاجة للوقوف على العودة الطوعية لملايين من المواطنين ما بين نازح ولاجئ، والعمل على عودة الحكومة نفسها للعاصمة الخرطوم، حيث تباشر مهامها حاليا من مدينة بورتسودان الساحلية على البحر الأحمر (ألف كيلو متر شرقي الخرطوم)..
يحتاج رئيس الوزراء كامل إدريس أن يتجاوز عتبة التشكيل الوزاري للوصول إلى الملفات الصعبة ومباشرة مهامه، ولا تبدو خطوة تجاوز تلك العتبة يسيرة
وفي الملف الاقتصادي، تنتظر الحكومة المتوقع تشكيلها تركة ثقيلة أحدثتها الحرب الحالية، فقد استهدفت مليشيا الدعم السريع وبشكل ممنهج كل المؤسسات الاقتصادية، من مصانع وبنوك، ودمرتها تدميرا شاملا في العاصمة الخرطوم، وهناك تقديرات أولية تقول بأن حجم الخسائر يتجاوز 215 مليار دولار في القطاع الصناعي والزراعي وحده، بينما تقول تقارير المنظمات الإنسانية إن 70 في المئة من المستشفيات والمؤسسات الصحية خارج الخدمة حاليا، والخسائر في البنية الصحية يقدر بحوالي 11 مليار دولار، كما أن المليشيا قد قامت بعمليات نهب واسعة ومنظمة استهدفت ممتلكات المواطنين ومدخراتهم، بجانب تخريب خدمات المياه والكهرباء وسرقة معدات الطاقة والمحولات الكهربائية. والتحدي الأبرز في هذا المحور هو في كيفية إعادة تشغيل النظام الاقتصادي وإعادة بناء منظومته اللوجستية، وضمان توفير المطلوبات العاجلة لتحريك عجلة الاقتصاد..
وعلى المستوى الإنساني، تتحدث الأمم المتحدة عن أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث تسببت الحرب في مقتل ما بين 70 ألف إلى 100 ألف شخص من المدنيين، وتجاوز عدد النازحين واللاجئين لدول الجوار عشرة ملايين، وتوقفت العملية التعليمة لأكثر من ستة ملايين تلميذ مدرسي وأكثر من 700 ألف طالب جامعي..
وبعد تحرير الخرطوم بدأت عودة المواطنين لمنازلهم، ولكن لا تزال الشكوى قائمة من انعدام الخدمات الأساسية خاصة بعد استهداف مليشيا الدعم السريع لمحطات المياه والكهرباء بالمسيرات الحربية، ويقول والي ولاية الخرطوم إن حكومة الولاية قادرة على توفير الأمن والخدمات. وتتزايد الأزمة الإنسانية في ولايات دارفور وبعض مناطق ولايات كردفان، حيث لا تزال المعارك دائرة، مما يضعف قدرة المواطنين على الوصول لمزارعهم وممارسة نشاطاتهم الاقتصادية المطلوبة..
أولويات ملحة وعقبات في الطريق..
يحتاج رئيس الوزراء كامل إدريس أن يتجاوز عتبة التشكيل الوزاري للوصول إلى الملفات الصعبة ومباشرة مهامه، ولا تبدو خطوة تجاوز تلك العتبة يسيرة بالنظر إلى ما تسرب للإعلام خلال الأيام الماضية من إصرار أطراف اتفاق جوبا وأبرزهم حركة العدل والمساواة برئاسة الدكتور جبريل إبراهيم الذي يشغل منصب وزير المالية، وحركة جيش تحرير السودان برئاسة مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، على الاحتفاظ بنفس الوزارات المهمة كالمالية والمعادن والتي ظلت تشغلها منذ التوقيع على اتفاق جوبا في 2020، بينما يقول تفسير آخر إن الحكومة ملزمة فقط بنسبة الـ25 في المئة التي نصت عليها اتفاقية جوبا للسلام دون النص على وزارات محددة، كما أن تطاول الفراغ التنفيذي خلق أوضاعا وزارية في الخدمة المدنية اضطر معها مجلس السيادة لممارسة بعض الصلاحيات التنفيذية في الفترة الماضية، وتحتاج مستويات الحكم لإعادة تنظيم الاختصاصات بما يخلق الانسجام ويؤسس للتعاون البناء دون تدخل من أحد الأطراف في صلاحيات الآخر.
وعلى كل حال، فإن المهمة المركزية أمام رئيس الوزراء وحكومته المرتقبة هي استعادة عمل أجهزة الدولة لتعمل بكفاءة وقدرة تمكنها من إعادة تفعيل ديوان الخدمة العامة، والعمل على نقل الحكومة للعاصمة القومية الخرطوم، وهو ما يتطلب وبصورة عاجلة دعم قوات الشرطة والأمن وأجهزة العدالة كالنيابة والقضاء لتقوم بدورها، إذ مع بداية عودة النازحين لمنازلهم برزت مشكلة التفلتات الأمنية في الخرطوم من مجموعات كانت تعمل مع قوات الدعم السريع التي قامت إبان سيطرتها على الخرطوم بإطلاق سراح آلاف الموقوفين في السجون وتسليحهم في معركة عدوانها ضد الشعب السوداني. ثم إن الحكومة بحاجة عاجلة لخطة اقتصادية إسعافية تركز على الإسراع بتحريك عجلة الإنتاج في محاور الزراعة والصناعة والاستثمار، وتوظيف الموارد المتاحة كالذهب والبترول والموانئ، لتوفير الأرضية المناسبة لانطلاق برنامج إعادة الإعمار الكبير.
وفي الوقت الذي تخوض فيه القوات المسلحة معركة الكرامة ضد المليشيا، فإن الحكومة مدعوة لبذل الجهد الكبير لتوفير مظلة الدعم الداخلي والخارجي من أجل استكمال تحرير البلاد وهزيمة مشروع المليشيا، وهي ليست مهمة سهلة خاصة في ظل التصعيد الخطير الذي شهدته الحرب في الأسبوع الماضي باحتلال المليشيا لمنطقة المثلث الحدودي الاستراتيجية بين السودان مصر وليبيا، وذلك بمساندة من مليشيات ليبية مدعومة من خليفة حفتر، وعلاقات مضطربة مع دول الجوار في تشاد وجنوب السودان وكينيا التي توفر ملاذا لقيادات المليشيا العسكرية والسياسية.
وفي الوقت الذي تخوض فيه القوات المسلحة معركة الكرامة ضد المليشيا، فإن الحكومة مدعوة لبذل الجهد الكبير لتوفير مظلة الدعم الداخلي والخارجي من أجل استكمال تحرير البلاد وهزيمة مشروع المليشيا، وهي ليست مهمة سهلة خاصة في ظل التصعيد الخطير الذي شهدته الحرب في الأسبوع الماضي باحتلال المليشيا لمنطقة المثلث الحدودي الاستراتيجية بين السودان مصر وليبيا
ويزداد التحدي في هذه النقطة من سعي المليشيا لإنشاء حكومة موازية في دارفور والمناطق التي تسيطر عليها، على غرار التجربة الليبية، وعلى الرغم من فشلها حتى الآن في ذلك إلا أن الأمر يتطلب تحركا ديبلوماسيا فاعلا يحاصر المليشيا ويقضي على طموحاتها السياسية. وما يشجع في هذا الأمر هو الترحاب الذي قوبلت به خطوة تعيين رئيس الوزراء من قبل الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية وأطراف إقليمية عدة، ويرجح أن يعود السودان عضوا فاعلا في الاتحاد الأفريقي بعد رفع تجميد عضويته منذ قرارات الخامس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر 2021. وفي آذار/ مارس الماضي أدان الاتحاد الأفريقي محاولات المليشيا إقامة حكومة موازية، وهو ما اعتبره المراقبون تحولا في الموقف الأفريقي نتيجة التغيير الذي تم في رئاسة المفوضية والجهود الكبيرة التي اطلع بها مندوب السودان في المنظمة الأفريقية المهمة. وفي ظل تراجع الحديث عن الحلول السياسية، تحتاج الحكومة لصياغة مشروع متكامل للتعامل مع المستجدات المتوقعة في هذا الإطار..
وبعد الفراغ من المهام العاجلة تنتظر الحكومة المقبلة مهمة كبرى، وهي كيفية تهيئة البلاد نحو الوضع السياسي الطبيعي وإنهاء حالة الانتقال الهشة التي استطالت منذ سقوط النظام السابق في نيسان/ أبريل 2019، وكان من المرجح أن تنتهي بالانتخابات بعد أربع سنوات. والتحدي الأبرز هنا هو في تفكك الحاضنة السياسية التي تقف خلف الجيش وفشلها في تكوين تحالف مرن يمكنها من الدفع السياسي والاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب، وتحتاج الحكومة والمجلس السيادي لتعميق التشاور مع الأطراف السياسية لتنظيم الحوار السوداني- السوداني الذي وعد به رئيس الوزراء في أول خطاب له بعد أداء القسم، وذلك للنظر في كيفية التحول نحو الانتخابات وإنهاء حالة الانتقال. وفي خضم ذلك تطل قضايا لا تقل أهمية مثل رتق النسيج الاجتماعي الذي مزقته الحرب، وخطاب الكراهية الذي انتشر بصورة كبيرة بين المكونات الاجتماعية..
ومع كل تلك التحديات الكبيرة يبدو التفاؤل وافرا بين مكونات الشعب السوداني لاستعادة الأمن والاستقرار بعد تعيين رئيس الوزراء، وقبله تحرير العاصمة الخرطوم وبداية عودة النازحين واللاجئين لمنازلهم، وبداية حياة جديدة يتلمسون فيها دروب الأمل ومسارات المستقبل..