«بات» بعبري.. دور بارز في إثراء الوعي الثقافي والتاريخي
تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT
تعد قرية «بات» بولاية عبري من القرى التاريخية لاحتضانها آثارا مدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لدى منظمة اليونيسكو، وتلعب بات دورا مهما في إثراء الوعي الثقافي والتاريخي للزوار وتعكس التطور الحضاري والازدهار الذي شهدته المنطقة على مر العصور، مجسدة العبقرية المعمارية العمانية والتراث الثقافي الذي يشكل محل اهتمام وإعجاب الزوار والباحثين.
ويقوم الأهالي بمشروعات ذاتية لتنمية المنطقة ويتطلعون لإنشاء متحف وقرية سياحية وسد لتغذية المياه الجوفية وترميم حصن الوردي.
«عمان» زارت القرية العريقة والتقت بالشيخ أحمد بن سعيد المقبالي لتسليط الضوء على ما تضمه البلدة من مكنونات تاريخية وثقافية وما تشهده من تنمية وتطور، حيث يوضح المقبالي: أن البلدة تعتبر مدينة أثرية تاريخية تقع شرق ولاية عبري، وتبعد عن مركز مدينة عبري حوالي 35 كيلو مترا، وقد سميت بهذا الاسم وفقا للروايات المتداولة بين الأهالي باعتبارها نقطة العبور بين المناطق الجبلية والمناطق السهلية وهناك روايات تشير إلى أن أصل اسمها صرفيت ولكون البلدة معبرا للناس من المناطق الجبلية إلى المناطق السهلية كان الناس يبيتون أو يستريحون فيها.
ويضيف قائلا: إن بلدة «بات» تقع في الجانب الشرقي الشمالي من مركز ولاية عبري ويحدها من الجانب الشرقي بلدة العبلة ومن الجانب الغربي بلدة الوهرة ومن الشمال الشرقي بلدة لبانة وبلدة مقنيات ومن جهة الجنوب سلسلة من الجبال الممتدة.
معالم حضارية
ويضيف: أن آثار «بات» تعتبر أحد المعالم الأثرية والتاريخية، حيث توجد العديد من المقابر الأثرية تقدر بحوالي ألف قبر أثري تعود إلى فترة حفيت وفترة أم النار، ومقابر حفيت يعود تاريخها إلى (2700 / 3200) قبل الميلاد وتقع غالبية هذه القبور في قمم الجبال، وهي ممتدة من بلدة بات والوهرة وإلى وادي العين بولاية عبري.
ويشير المقبالي إلى المعالم الحضارية والتاريخية بالبلدة المتمثلة في بعض القصور الأثرية ومنها قصر الرجوم الذي يتكون من ثماني غرف محاطة ببئر مركزي وتحيط بالقصر العديد من الغرف المتلاحقة، ويبرز القصر التصميم المعماري التقليدي والنظام الداخلي الفريد للبناء والتشييد في العصور السابقة، كما يوجد بها قصر السلمي وهو يعتبر واحدا من القصور الجميلة ذات الهندسة المعمارية المتقنة ويضم العديد من الغرف والمساحات المتنوعة التي تعكس الحياة القديمة والتقاليد المحلية، وقصر الخفاج الذي يحتل مكانة مهمة بين المعالم التاريخية والأثرية بالبلدة ويتميز بتصميمه البديع الذي يوفر للزوار نظرة فريدة للتراث المحلي وقصر المطيرية.
مقومات سياحية
ويتابع قائلا: وتشتهر البلدة بالعديد من المقومات السياحية وتتمثل في الحصون التاريخية كالحصن الوردي، الذي يتوسط البلدة ويقع في منطقة الحارة التي تعتبر أعلى قمة بالبلدة ويتكون من عدة غرف يحيط بها سور عظيم يصعب الدخول إليه في العصور السابقة ويعد رمزا للعراقة والقوة، ويوجد بها حصن الغالة ويقع في حارة الغالة الأثرية في الجانب الشرقي الشمالي من حصن الوردي قرب فلج الزعبي ومشيد على مستوى الأرض ليس على قمة عالية، كما تضم بيت العود التاريخي وهو حاليا مندثر وقد كان في السابق عبارة عن منزل تقليدي يضم عدة غرف ويعود تاريخ بنائه إلى عصور سابقة، وقد تميزت عمارته بالتصميم العربي التقليدي ويعتبر مرجعا هاما للتراث المحلي، كما يوجد حصن الزاميات الأثري، ويعتبر رمزا للبنية المعمارية القوية ذات المعالم التاريخية البارزة، ويعد مرجعا يجذب الزوار والباحثين والمهتمين بالتاريخ والثقافة على مر العصور.
كما تشتهر البلدة بالعديد من الأودية ومن بينها وادي الهجر ووادي السرير ووادي الشويعي ووادي الجبيات، وتعد هذه الأودية منابع مهمة للمياه وتساعد على تغذية المنسوب الجوفي للمياه وللأفلاج ببلدة «بات»، وتمتاز هذه الأودية بجمال طبيعتها الخلابة وتضاريسها المتنوعة مما يجعلها وجهة لمحبي الطبيعة والمشي والاستمتاع بالمناظر الطبيعية البكر.
منجزات تنموية
وعن المنجزات التنموية التي حظيت بها بلدة «بات» يقول: إن بلدة بات بولاية عبري كغيرها من البلدان والقرى بسلطنة عمان حظيت بالعديد من المنجزات التنموية والحضارية وتتمثل في رصف الطريق المؤدي إلى البلدة، والطرق الداخلية، وتوجد بها مدرستان وهما مدرسة حذيفة بن اليمان للتعليم الأساسي، ومدرسة بات للتعليم الأساسي، كما تم توصيل شبكات الكهرباء لمنازل وبيوت الأهالي وترميم وإصلاح قنوات مياه الأفلاج وهما فلجا الزعبي والسياح.
جهود الأهالي
وذكر المقبالي: أن الأهالي قاموا بجهود ذاتية من أجل النهوض والارتقاء بالبلدة، من خلال تشييد جامع كبير وإنشاء مجلس عام لتقام فيه مختلف المناسبات الاجتماعية والدينية والعديد من المناشط والفعاليات، بالإضافة إلى ذلك قاموا بجهود حثيثة في مجال مكافحة حشرة دوباس النخيل، وسوسة النخيل الحمراء بالتعاون مع المديرية العامة للزراعة والثروة الحيوانية بمحافظة الظاهرة كما يحرص الأهالي والشباب على صيانة وتنظيف أفلاج البلدة وعمل معسكرات عمل بها.
ويتطلع أهالي قرية «بات» إلى قيام الجهات المعنية بإنشاء سد على وادي الهجر لزيادة المخزون الجوفي للمياه ولتغذية منسوب المياه لفلجي الزعبي والسياح، وإقامة متحف بالقرب من آثار بات، ورصف الطريق من بات إلى وادي العين لربط الآثار بين الموقعين، وإنشاء مركز صحي وترميم حصن الوردي مع إقامة قرية سياحية بالبلدة لتكون نقطة جذب سياحي ورافدا اقتصاديا.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
معركة الوعي: كيف يحاول الكيزان إعادة التاريخ
معركة الوعي: كيف يحاول الكيزان إعادة التاريخ
احمد ود اشتياق
يعيش السودان في خضم صراع مرير، ليس فقط بالسلاح والنار، بل في ميدان آخر أشد خطورة وهو ميدان الذاكرة والوعي الجمعي. فبينما تتواصل الحرب وتتعقد الأزمة، تخرج من تحت الركام حملات دعائية تقودها القوى التي كانت جزءًا من النظام المباد، وعلى رأسها الحركة الإسلامية – الكيزان – في محاولة لإعادة صياغة التاريخ، وتقديم أنفسهم كحماة للوطن والمواطن، في سردية مشوهة تتجاهل دورهم الأساسي في الخراب الذي تمر به البلاد.
في هذه الرواية الجديدة، يحاول الكيزان تصوير خصومهم السياسيين كخونة وعملاء، ويصنعون من أنفسهم “الوطنيين الغيورين”، متناسين عشرات السنين من القمع والنهب والفساد وإشعال الحروب.
إنهم لا يكتفون بإخفاء الحقيقة، بل يشنّون حملة منهجية لتشويه ذاكرة الثورة، وتحويل الشهداء إلى “ضحايا مؤامرة”، والثوار إلى “أدوات خارجية”، في مشهد عبثي يراد له أن يتحول إلى حقيقة سياسية وثقافية جديدة.
تصريحات المصباح واتهامات العمالة وبيانات العسكر هذه ليست مجرد دعاية عابرة، بل هي عملية تحوير شاملة تستهدف جوهر الثورة السودانية ومعانيها.
أدواتها ليست البنادق، بل المنابر الإعلامية، وخطاب الكراهية، والمحتوى الموجّه الذي يعيد تدوير الأكاذيب القديمة في قالب جديد.
إنها محاولة لقتل الفكرة التي وُلدت في ديسمبر، وتكريس خطاب سلطوي يعيد السودان إلى زمن الطاعة والخوف.
وفي هذا المناخ، يُستدعى الماضي بكل ما فيه من تشويش، حيث تسعى تلك القوى إلى تبييض سجلها الملطخ، وتقديم نفسها كطرف عقلاني يسعى إلى “الاستقرار” في مقابل من تصفهم بـ”الفوضويين”. لكن الحقيقة تظل واضحة لمن عاش التجربة: لا استقرار بدون عدالة، ولا سلام بدون مواجهة الحقيقة.
و هنا تبرز أهمية التوثيق واهتمام القوى المدنية بالاعلام . فالمعركة ليست فقط سياسية أو عسكرية، بل معرفية وأخلاقية. يجب أن ندوّن ما جرى، ونحفظ أصوات الشهداء، ونعيد بث مشاهد الثورة التي لا يمكن إنكارها، ونسرد القصص الصغيرة التي صنعت المعنى الكبير. فالحقيقة وحدها هي القادرة على مواجهة هذا السيل الجارف من التضليل.
الثورة السودانية لم تكن لحظة عابرة، بل بداية طريق طويل نحو التغيير. وما يعيشه السودان اليوم هو اختبار لإرادة هذا الشعب في ألا يُختطف تاريخه مرة أخرى.
فالتغيير الحقيقي لا يأتي ببيان عسكري أو خطاب سياسي، بل يأتي من إصرار الناس على ألا يُخدعوا مرتين، وعلى أن يحتفظوا بذاكرتهم حيّة، عصية على الكسر، وقادرة على رسم المستقبل.
هكذا تُخاض معركة الوعي… لا بالرصاص، بل بالكلمة. لا بالإنكار، بل بالتوثيق. ولا بالهروب، بل بالمواجهة.