[email protected]
مهما حاولنا ان ننحاز الي مكاسب التجربة السياسية في السودان , وأن نصفها بالتجربة الريادية , باعتبارها الدولة الأولي الأفريقية جنوب الصحراء التي نالت استقلالها , وتبنت من بعد نظاما سياسيا قائما علي التعددية الحزبية و الانتخابات , فإنها في الحقيقة لا تخلو من أعطال بنيوية واضحة , والأعطال هنا تتصل بآلية النظام السياسي و الاجتماعي و الذي تشرف عليه النخب المتعلمة أو التي اكتسبت حظها من الوجاهة الاجتماعية التي كرسها المستعمر لأغراض تخص إدارة شأن الدولة أبان فترة الحكم البريطاني الكونونيالي (( Colonialism)) .
لقد نشأ العقل السياسي السوداني وتشكلت و تحددت ملامحه وبرزت تجلياته , أينما توزع علي الجغرافيا السودانية , من البني الثقافية و الاجتماعية والنفسية و ظل يتغذى منها و يتزود بمعطياتها حتي تجلت السمات التي تحدد فهم السلطة السياسية و مقاصدها و غاياتها والتي تقوم في الغالب علي الاستحواذ و التملك والارتياب و الطرد . و ظل النسق الاجتماعي الحاكم وفي كل العصور يمثل نسقاً حزبيا أو شموليا ذو طبيعة أيدولوجية قبلية وايدلوجية جهوية . و رغما عن اختلاف طبيعة الهيمنة ,فانهما يقومان علي بنية الاخضاع وتعبران عن اديلوجيتي حكم ترجع الي تواريخ ما قبل الدولة الحديثة والي علاقات من طبيعة اقطاعية مدعمة بالمال و السلاح و السلطة الرمزية , حتي و ان تحالفت مع طبقة الانتجلنسيا .
و من نافلة القول , فإن النخب التي ظلت تحكم البلاد , ومنذ الاستقلال , حتي في ظل الفترات الديمقراطية , هي وحدها من يملك اصدار القرار و تنفيذه , وليس الشعب , اذ لا وجود لإرادة شعبية متحررة تملك قراراها بنفسها , أو ارادت تنظيمية حزبية فاعلة تستطيع أن تغير موازين الحكم لمصلحة ماهو شعبي جماهيري ينأي و ينفك عن تأثير قادته الرمزيين . وإن جل ما يثار في سوح البرلمانات و ميادين السياسة و الاعلام المختلفة , لا يعدو أن يكون مجرد مقولات أدبية شاعرية دعائية يطلقها قادة الأحزاب بغية توجيه العقل الجمعي للتعبية الشعبية , متبعة أساليب التصعيد الهيجاني العرقي الطائفي الحزبي و القبلي و الديني . و هو تصعيد لا يعتبر بالمعرفي التنويري , ولا بالرؤية السياسية المستقبلية الراشدة , وهذا هو السياق السائد رغما عن وجود طبقة من المثقفين المستقلين و رغما عن وجود نتاجات ثقافية مستقلة عن النسق الرسمي العام .
إن مقولات التعددية السياسية والثقافية في البلاد ليست سوي مظهر كاريكاتوري لا يلامس الجوهر الثوري و لا الأساس النظري الذي تقوم عليه التجربة السياسية , وهذا يتطلب , وبصورة ملحة التعديل و العمل علي ترسيخ القيم علي نهج صحيح- و يتطلب من جهة أخري , ظهور نخب سياسية جديدة تحل محل النخب التقليدية , وتعمل علي وضع تصورات حزبية بديلة تتخلي عن المواريث الانشقاقية الماضية والأيدولوجيات الاحادية المتزمتة , تعبر عن ارادة الشعب و تعيد تعريف علاقات الهامش بالمركز و تفعيل المشاركة الشعبية الواسعة وتصحيح تصورات هذا العقل السياسي الشائه.
لقد أضحت القيم التاريخية الحديثة كالتنمية والحرية وسائر حقوق الانسان والديمقراطية و المساواة والتعاون الاجتماعي , موضوعا من مواضيع المقدس , وهذا لن يتحقق الا بتوسيع المواعين السياسية و تعزيزالمشاركة المجتمعية . و لكن , وبازاء ذلك , فان الارادة الشعبية ما تزال مغيبة , وإن من يعمل علي تمثيلها حاليا هم قادة الأحزاب التقليديون و جنرالات الجيش و ثلة المثقفين مجهضي الأجنحة . و من اجل تجاوز ذلك , لا بد من حضور نخب سياسية جديدة , تحمل رؤي و أفكار تستنهض معها منطقا جديدا , و بعقل سياسي سوداني مختلف, يمتلك القدرة على إنتاج فكر سياسي جديد يعيد الأمور إلى نصابها ويعيد تحديد الأولويات السياسية والاقتصادية الفكرية والتربوية تمكنهم من اللحاق بركب الحضارة الإنسانية والتفاعل معها ويحررهم من عقلية القبيلة و التسلط و الغاء الآخر , وتقود لتأسيس مشروع نهضوي سوداني ناظم , متكامل .
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الموسم المعتاد
سارة البريكية
يتوافد على المحافظة الجنوبية من سلطنة عمان أعداد كبيرة في هذا الوقت من السنة، وكل من توجه إلى الجنوب أعاد شحن قواه العقلية والروحية ومشاعره، لأنه باختصار انعطاف يستحق التعب، فالشخص الفقير يذهب قاطعا مئات الكيلومترات حاملا معه الكثير من التفكير طيلة الطريق لأن الميزانية محسوبة، هذا المبلغ للبترول، وهذا للسكن، وأما هذا المبلغ للطعام، وهذا للتسوق، ولكنه رغم ذلك حذر، فأطفاله يرغبون ويحلمون ويتمنون، ولكن الجود بالموجود.
وأما الأشخاص الأغنياء، فيصعدون الطائرة غير مكترثين لسعر التذكرة، ويسكنون في أرقى الفنادق والفلل، ويتنزهون في أرقى المطاعم والمولات، ولا يحسبون كم سيكون السعر المناسب لوجبة أو لجولة أو للبترول.
وبين هذا وذاك، نرى مشاهير السوشيال ميديا يتوافدون باتجاه الجنوب للحصول على أكبر عدد من الإضافات، وذلك باختلاطهم مع المشاهير الآخرين الذي سبقوهم في المضمار، إلا أنهم في خلاف وحقد وحسد مستمر.
ولا يخلو أي نطاق من المشاعر السلبية والحديث عن الآخرين، فلان هكذا وفلان هكذا ولكن من باب الإنصاف فالساكت عن الحق شيطان آخر، ولكننا نأمل دائما بصفاء النفوس بين الجميع.
إن محافظة ظفار تشهد نشاطا اقتصاديا كبيرا، وتنوعا ملحوظا في مختلف المناطق، حيث تشهد مناطق المحافظة ارتفاعًا ملحوظًا في عدد السياح الذين يزورون البلاد، وهذا من شأنه الواضح في فتح مشاريع جديدة وتطوير مستمر ومتجدد في الخدمات المقدمة والمرافق الخدمية، بحيث عند زيارة المواقع يكون هناك نوع من التطوير والتجديد الإيجابي الذي يجعل الشخص يجدد القدوم إلى المحافظة، فالتنوع هو المطلوب.
إن بلدنا تزخر بطبيعة خلابة خاصة في هذا الموسم، وإن لم تستغل هذه المواسم لخدمة المواطنين بالدرجة الأولى كتوفير وظائف معينة أو السماح بإقامة مشاريع جديدة بدون الضغط على كاهل المواطن، ومعاملة المواطن كمستثمر خارجي، فلو وضع أصحاب القرار أيديهم في يد المواطن المستثمر بدون فرض قيود إجبارية أو ضرائب كبيرة، لساهم ذلك في مساعدة المواطنين على رسم خريطة أكبر وأجمل، إلى جانب السماح لهم بفتح مشاريع مؤقتة تعمل كل عام خلال الموسم في أماكن متفرقة بدون الحاجة لكسر الظهور في استغلال هذا الموسم ورفع الأسعار عليهم لكانت الدنيا بخير.
إن توفير بيئة استثمارية مناسبة للجميع من شأنها الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين والسياح، فالمواقع السياحية التي يتوافد إليها عدد كبير من السياح هي استثمار وتوفير فرص استثمارية جديدة من خلال بناء الفنادق والمنتجعات والحدائق والمطاعم وغيرها من الخدمات المختلفة كزيادة عدد المراكز الصحية والأسواق التجارية وجعل محافظة ظفار وجهة عالمية للسياحة والترفيه.
إن محافظة ظفار تحمل مساحات واسعة، فلو سمح للمستثمرين العمانيين والخليجيين وغيرهم من بناء منازل وشقق سكنية وتجارية ومجمعات ومراكز ترفيهية لتنوعت الوجهات السياحية وازدادت فرص العمل وقل الاستغلال في أسعار الفنادق والشقق الفندقية، وذلك لتوفر البدائل الجديدة، لأن الاستغلال لدى البعض في هذا الوقت كبير، حيث كان سعر الشقة في اليوم الواحد من 15 ريالا إلى 30 ريالا عمانيا، والآن يصل السعر من 50 إلى 70 ريالا عمانيا في الليلة الواحدة، وهذا نوع من أنواع الاستغلال الذي يجب المحاسبة عليه والمراقبة الدائمة.
إن بلدنا الجميل عُمان واحة غناء تحمل الكثير والكثير من الفرص الاستثمارية التي يمكن الاستفادة منها بشكل أفضل، ولكننا لا نستطيع أن نتحكم بأصحاب القرار، بحيث يجب وضع تسهيلات لمن يرغب في الاستثمار العقاري، لأن الفائدة المرجوة ستعم الجميع، وستكون في النهاية في خدمة المواطن والوطن.
رابط مختصر