مواجهة المسيحيين بالديموغرافيا وقانون الانتخاب
تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT
كتبت هيام قصيفي في" الاخبار": ثمّة شعور دفين بأن ما طُبّق بعد الطائف من ممارسة نُسبت إلى النظام السوري وحده، لا يزال يشكل - بعد 19 عاماً على خروج الجيش السوري - نموذجاً يعتمده الثنائي، ومعه - في مفاصل أساسية - القوى السنية، ويتقاطع معه وليد جنبلاط بحسب الملفات التي لا تسبب حساسيات فاقعة مع القوى المسيحية حفاظاً على الواقع في الجبل.
لم يكن فتح السجال حول قانون الانتخاب على لسان الرئيس نبيه بري الشرارة التي أطلقت النقاش حول ما لا يريد الآخرون إعطاءه للمسيحيين، بعدما «ضاقت عينهم بقانون ارتضاه المسيحيون وتوافقوا عليه، فأرادوا اليوم تغييره». هذا الموقف سبقه كلام نسبه نواب في التيار الوطني إلى الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، قبل مدة، يقول فيه إن المستقبل توافق مع بري وجنبلاط على تغيير قانون الانتخاب، ما أثار حينها نقزة لدى نواب مسيحيين اعتبروا أن الحريري يرمي هذه العبارة قبل سنتين من موعد الانتخابات لتهيئة الأجواء لمعركة حول القانون، يتوافق فيها المسلمون في وجه القوى المسيحية التي قبلت النسبية والقانون المُعتمد، وحين أظهرت نتائجه خروج المسيحيين من عباءة بقية القوى السياسية، أرادوا تغييره.
اليوم، يتحوّل قانون الانتخاب إلى واحد من الأسلحة التي يراد منها سحب المزيد مما لا يزال يمثّل الرافعة التي يستطيع المسيحيون التمسّك بها من داخل النظام.
وثمة أسئلة يمكن التوقف عندها في سياق مراجعة ما يراه المسيحيون في حقيقة تفكيرهم:
أولاً، من المفيد التذكير بأن ثائرة القوى السنية كانت تثور لدى أي التباس يتعلق بالاستشارات لتسمية رئيس الحكومة وصلاحياته، وحين تتأخّر تسميته من القصر الجمهوري، وحين يغمز أي سياسي من قناة رئيس الحكومة أياً كان اسمه، فتنعقد فوراً لقاءات رؤساء الحكومات السابقين لتسجيل موقف اعتراضي. اليوم، يقارب الشغور الرئاسي عامه الثاني، وكرسي الرئاسة الماروني فارغ، ولا أحد يبدي امتعاضه من هذا الغياب. وكل ما يقوله المسيحيون من مواقع سياسية ودينية لا يؤخذ به. ورغم كل الاختلافات التي تُسجل بين الثنائي والقوى السنية، ولا سيما المعارضة منها لحزب الله، تبقى هناك دائماً مساحة للالتقاء حول ملفات تكرّست بفعل ممارسات ما بعد الطائف. وحتى تخطّي مبدأ انعقاد جلسات مجلس الوزراء في غياب رئيس الجمهورية أصبح مكرّساً وكأنه عرف يؤخذ به، من دون الرجوع إلى أي مسلّمات أساسية تحكم الأخذ بموقع رئاسة الجمهورية وعدم القفز فوقه وكأن لا ضرورة له.ثمّة شعور دفين بأن ما طُبّق بعد الطائف من ممارسة نُسبت إلى النظام السوري وحده، لا يزال يشكل - بعد 19 عاماً على خروج الجيش السوري - نموذجاً يعتمده الثنائي، ومعه - في مفاصل أساسية - القوى السنية، ويتقاطع معه وليد جنبلاط بحسب الملفات التي لا تسبب حساسيات فاقعة مع القوى المسيحية حفاظاً على الواقع في الجبل. تطبيق الطائف بمعناه السوري، لم يعد حكراً على السوريين، صار جزءاً لا يتجزأ من تعامل القوى غير المسيحية مع المسيحيين، وبتغطية من حلفاء مسيحيين، موارنة وأرثوذكس وأقليات تعيش في الفلك نفسه.
لم يكن فتح السجال حول قانون الانتخاب على لسان الرئيس نبيه بري الشرارة التي أطلقت النقاش حول ما لا يريد الآخرون إعطاءه للمسيحيين، بعدما «ضاقت عينهم بقانون ارتضاه المسيحيون وتوافقوا عليه، فأرادوا اليوم تغييره». هذا الموقف سبقه كلام نسبه نواب في التيار الوطني إلى الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، قبل مدة، يقول فيه إن المستقبل توافق مع بري وجنبلاط على تغيير قانون الانتخاب، ما أثار حينها نقزة لدى نواب مسيحيين اعتبروا أن الحريري يرمي هذه العبارة قبل سنتين من موعد الانتخابات لتهيئة الأجواء لمعركة حول القانون، يتوافق فيها المسلمون في وجه القوى المسيحية التي قبلت النسبية والقانون المُعتمد، وحين أظهرت نتائجه خروج المسيحيين من عباءة بقية القوى السياسية، أرادوا تغييره.
اليوم، يتحوّل قانون الانتخاب إلى واحد من الأسلحة التي يراد منها سحب المزيد مما لا يزال يمثّل الرافعة التي يستطيع المسيحيون التمسّك بها من داخل النظام.
وثمة أسئلة يمكن التوقف عندها في سياق مراجعة ما يراه المسيحيون في حقيقة تفكيرهم:
أولاً، من المفيد التذكير بأن ثائرة القوى السنية كانت تثور لدى أي التباس يتعلق بالاستشارات لتسمية رئيس الحكومة وصلاحياته، وحين تتأخّر تسميته من القصر الجمهوري، وحين يغمز أي سياسي من قناة رئيس الحكومة أياً كان اسمه، فتنعقد فوراً لقاءات رؤساء الحكومات السابقين لتسجيل موقف اعتراضي. اليوم، يقارب الشغور الرئاسي عامه الثاني، وكرسي الرئاسة الماروني فارغ، ولا أحد يبدي امتعاضه من هذا الغياب. وكل ما يقوله المسيحيون من مواقع سياسية ودينية لا يؤخذ به. ورغم كل الاختلافات التي تُسجل بين الثنائي والقوى السنية، ولا سيما المعارضة منها لحزب الله، تبقى هناك دائماً مساحة للالتقاء حول ملفات تكرّست بفعل ممارسات ما بعد الطائف. وحتى تخطّي مبدأ انعقاد جلسات مجلس الوزراء في غياب رئيس الجمهورية أصبح مكرّساً وكأنه عرف يؤخذ به، من دون الرجوع إلى أي مسلّمات أساسية تحكم الأخذ بموقع رئاسة الجمهورية وعدم القفز فوقه وكأن لا ضرورة له.
ثانياً، جاء توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة ليشرّع الباب على تساؤلات (لا تتعلق بممارساته الفعلية التي غطّى بموجبها ارتكابات كل الطبقة السياسية) حول الذهاب المستدام في كل مرة إلى مساءلة قيادات مسيحية، بدءاً مما حصل مع رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع بعد الطائف وصولاً إلى توقيفات 7 آب، إلى انفجار مرفأ بيروت وتعطيل القضاء للتحقيق فيه، والتي لا يظهر فيها سوى استهداف للمسيحيين، مرتكبين أم أبرياء، من دون الالتفات إلى أيّ من التجاوزات التي تحصل في بيئات أخرى.
ثالثاً، حين أطل الوزير السابق الياس المر من عين التينة، وقبل الثنائي بعدها بتسليم المديرية العامة للأمن العام إلى العميد الياس البيسري، كان ذلك بداية عودة التركيبة السابقة إلى لعب أدوار داخل البيئة السياسية المسيحية. الإشادات المتبادلة بين المر ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية ومحاولة استقطاب رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إليه، تعادل كذلك استقطاب الأخير لشخصيات سياسية مناطقية تدور في فلك الثنائي وسوريا. في المقابل جاءت استقالة النواب الأربعة من التيار لتثير تساؤلات حول الأدوار التي يمكن أن يستفيد منها الثنائي في إطار تأكيد الحضور داخل المجتمع نفسه الذي يحتفظ بعلاقة سويّة مع قيادة التيار إياها. لكنه، في المحصّلة، يبقي نفسه مؤثّراً فاعلاً بينهما في انتظار الانتخابات المقبلة.
رابعاً، وأخيراً، لم يعد تكرار الكلام عن التركيبة الديموغرافية ليثير أي التباسات أو نقزات جديدة داخل القوى المسيحية. فالتهويل المتكرر أفرغ الكلام الحقيقي من مضمونه، ولم يعد يشكل سيفاً فوق رؤوس المسيحيين، لذا كان الانتقال إلى مرحلة قانون الانتخاب لأنه يسحب فعلياً البساط من تحت المسيحيين. ثمة سقف هو اتفاق الطائف يحمي التركيبة اللبنانية. المشكلة في حال التخلي عنه تكمن في خلق رؤى سياسية أخرى، والكلام هنا لا يتعلق فقط بالمطالبة بالفيدرالية، بل بعمق النظرة التي تتكرّس حيال العيش تحت سقف واحد.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: ل قانون الانتخاب القوى المسیحیة القوى السنیة رئیس الحکومة بعد الطائف لا یزال لم یعد
إقرأ أيضاً:
التحرك الأمريكي في ليبيا.. مصالح متجددة في ظل إدارة ترامب الثانية
أولًا: عودة ليبيا إلى واجهة الاهتمام الأمريكي
مع بداية الولاية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، استعادت ليبيا مكانة متقدمة ضمن أولويات السياسة الخارجية الأمريكية, ويأتي ذلك في سياق إقليمي ودولي يشهد تحولات متسارعة، أبرزها تصاعد الصراع في الشرق الأوسط، واحتدام التنافس بين القوى الكبرى داخل القارة الإفريقية، ما جعل من ليبيا بوابة استراتيجية لا يمكن تجاهلها.
ثانيًا: خلفيات وأبعاد الزيارة الأمريكية
زيارة مستشار الرئيس الأمريكي، مسعد بولس، إلى كل من طرابلس وبنغازي، لم تكن مجرد بروتوكولية، بل يمكن قراءتها باعتبارها خطوة استطلاعية لجمع معلومات مباشرة من الفاعلين الليبيين، وتشكيل تصور دقيق لصانع القرار في واشنطن حول موازين القوى واتجاهات النفوذ.
وقد عبّر بولس خلال لقائه مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، عن قلق الولايات المتحدة العميق من الوضع الأمني في العاصمة طرابلس، في ظل استمرار انتشار السلاح بيد التشكيلات المسلحة، وغياب سيطرة حقيقية للدولة على هذه القوى.
ويأتي هذا القلق خصوصًا بعد الاشتباكات التي شهدتها العاصمة قبل نحو أربعة أشهر بين قوات حكومية وتشكيلات تابعة لقوة “دعم الاستقرار”، والتي قلّص الدبيبة نفوذها مؤخرًا، ما فاقم التوتر داخل طرابلس. واليوم، تعيش العاصمة على وقع حالة احتقان أمني متصاعدة، وسط مخاوف من تفجر الوضع في أي لحظة.
هذا الواقع دفع بولس إلى التركيز خلال محادثاته على أولوية الأمن والاستقرار، مشددًا على أن استمرار حالة التفلت الأمني يعيق أي مسار سياسي أو اقتصادي، ويثير قلقًا أمريكيًا ودوليًا متزايدًا مما قد يحدث، خاصة في ظل اقتراب استحقاقات مفصلية، منها الحديث عن تنظيم الانتخابات واستئناف المسار السياسي.
تأتي هذه الزيارة أيضًا في لحظة حساسة، حيث تواجه المنطقة خطر التصعيد بين إسرائيل وإيران، وهو ما يهدد إمدادات الطاقة العالمية، ويجعل من ليبيا — بثرواتها وموقعها الجيوسياسي — بديلًا استراتيجيًا في الحسابات الأمريكية.
ثالثًا: السيطرة الميدانية ودلالاتها الاستراتيجية
لا يمكن فصل التحرك الأمريكي عن المعادلة الميدانية الليبية. إذ يسيطر الجيش الليبي على نحو 80% من مساحة البلاد، وهي مناطق تحتوي على أهم الحقول النفطية والثروات المعدنية، إضافة إلى مناطق استراتيجية متاخمة لدول الساحل الإفريقي.
هذه السيطرة تعكس واقعًا أمنيًا يختلف عن حالة الانقسام السياسي، وتفتح المجال أمام فرص استثمارية وتنموية، لأن المصالح الاقتصادية — بما فيها الاستثمارات الأمريكية المحتملة — لا يمكن أن تتحقق في غياب الأمن والاستقرار. ولذلك، فإن هذه السيطرة تُمثل نقطة جذب لأي انخراط دولي يسعى لحماية المصالح الاستراتيجية في ليبيا.
رابعًا: واشنطن والمنافسة الدولية في إفريقيا
في الوقت الذي تُرسّخ فيه الصين وجودها الاقتصادي في إفريقيا، وتتابع فيه روسيا تعزيز مصالحها الاستراتيجية في عدد من الدول الإفريقية، تسعى واشنطن لإعادة التمركز في القارة، انطلاقًا من بوابة ليبيا.
فالتحرك الأمريكي يحمل طابعًا مزدوجًا: مواجهة تنامي النفوذ الروسي – الصيني، وتأمين إمدادات الطاقة، خصوصًا في حال تدهور الوضع في الخليج أو شرق المتوسط. وليبيا تُعد خيارًا مطروحًا، خاصة بعد أن أثبتت السنوات الماضية أن غياب الدور الأمريكي فتح المجال لتنافسات إقليمية ودولية معقدة.
خامسًا: آفاق التحرك الأمريكي وحدوده
ورغم هذا الاهتمام المتجدد، لا تزال السياسة الأمريكية في ليبيا تتسم بالغموض النسبي، إذ لم تُعلن الإدارة الأمريكية حتى الآن عن مبادرة واضحة أو رؤية متكاملة للحل، كما أن تعاطيها مع خريطة الطريق الأممية الحالية لا يزال ضبابيًا.
ويُثير هذا تساؤلات حول مدى استعداد واشنطن للانتقال من الدور الرمزي إلى دور فاعل في حلحلة الأزمة الليبية، خاصة في ظل الانقسام الحاد بين المؤسسات، وانتشار السلاح، وفشل المبادرات السابقة.
ليبيا بين الفرصة والتنافسإن عودة ليبيا إلى حسابات الإدارة الأمريكية تعكس تغيرًا في التقديرات الاستراتيجية، لكنها تظل مرهونة بمدى قدرة الأطراف الليبية على استثمار هذه اللحظة، والذهاب نحو توافق حقيقي يتيح بناء دولة مستقرة.
ففرص التنمية والشراكة مع القوى الكبرى قائمة، لكن تحقيقها يتطلب أولًا التأسيس لسلطة وطنية موحدة تُنهي الانقسام، وتفتح الباب أمام استثمار الموقع والثروات في مصلحة الليبيين.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.