العمانية: أكّد عدد من الباحثين والمختصين أنّ مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الاجتماعية أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، إلا أنها تُعدُّ سلاحا ذو حدين، إذ أفرزت عدّة تحدّيات، منها تأثيرات على السلوك الاجتماعي التي من شأنها أن تؤثر على تشكيل وتغيير علاقاتنا وهويتنا الاجتماعية.

وقال الدكتور رجب بن علي العويسي خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية بمجلس الدولة: إنّ منصات التواصل الاجتماعي أصبحت تؤدي دورا كبيرا في صناعة توجهات الشباب ورسم صورة المستقبل لديهم، والتأثير على الاتجاهات الاجتماعية والقيمية والأخلاقية، وتمجيد السلوكيات الاستهلاكية وتأثيرها على قناعاتهم الفكرية وطموحاتهم، بل في تقديرهم للواقع الاجتماعي، وقراءتهم للجوانب المتعلقة بالرغبات الشخصية والاحتياجات الذاتية.

وأضاف: إنّ التحولات التي ارتبطت بالمنصات الاجتماعية في ظل ظهور من يُسمَّون بالمشاهير والمؤثرين فيها، وحجم ما قدمته لهم الدعاية والإعلانات التجارية وبرامج التسويق والترويج من فرص اقتصادية وموارد مالية ومكاسب مادية بات يُلقي اليوم بظلاله على قناعات الشباب وتوجهاتهم الشخصية وقراءتهم للمستقبل بل وقناعاتهم حول التعليم والعمل والمهنة والوظيفة، والحريات الفكرية والاجتماعية ومفاهيم الاستقلالية الشخصية والعلاقات الأسرية والاجتماعية.

وذكر أنّ ما تتناوله منصات التواصل الاجتماعي باتت في أحيان كثيرة بصورة قد تتنافى مع الثوابت المجتمعية والأولويات، وبالتالي ظهرت طبيعة الصورة الذهنية التي بات يُسقطها الشباب على مشاهير هذه المنصات، والتباينات في المحتوى الرقمي المقدَّم واتجاهه نحو تمجيد الخروج على المبادئ والأخلاق وتعظيم ثقافة الاستهلاك والمنافسة المادية والاهتمام بالمظاهر الشخصية.

ولفت إلى ما يُثيره واقع منصات التواصل الاجتماعي من مشاهد وأحداث ومواقف -حتما تعبر عن ممارسات فردية وسلوكات شخصية- تدعو إلى المزيد من المراجعة والتأمل والبحث والتقصي في تبني سياسات وطنية تُعزز من المحتوى الرقمي المنتج في ظل ما يمنحه من تنوع في الخيارات والفرص والبدائل التي تمنح الشباب فرص الاختيار الكفء والأداء المتناغم مع الهوية والسمت العُماني.

وذكر أنّ ترهل الممارسة الفكرية عبر هذه المنصات وارتفاع سقف التأثير السلبي المعزز بصعود الهشاشة الفكرية والنفسية لدى الشباب في التعامل مع المعلبات الفكرية التي تُلقي سمومها هذه المنصات الاجتماعية -في أكثر الأحيان- باتت تُلقي بظلالها على النموذج الأخلاقي العماني وإعادة توجيهه بطرائق مختلفة في ظل تكرار الدعوات المبطنة أو المؤثرات الكونية والفضاءات المفتوحة التي تحاول رسم صورة ضدية لهذه الأخلاق في علاقتها بأولويات الإنسان المعيشية وضروراته الحياتية بالتقليل من مساحة الالتزام الأخلاقي.

وأكّد أهمية الالتزام الأخلاقي في استخدام منصات التواصل الاجتماعي باعتباره تعبيرا أصيلا عن فقه المجتمع العماني ومساحة أمان تحفظ المجتمع وتحافظ على كيانه، لتضع الأخلاق العمانية على المحك وتُشوّه صورة الشخصية العمانية التي غرفت من منابع العقيدة والقيم الأصيلة مع أهمية المحافظة على مستويات عالية من التوازن زادا يقيها من أي مشوهات لجماليات الصورة أو أي مُسببات للخدش في قيم الحياء.

ولفت إلى أنّ الرهان في هذا الجانب يقع على الإعلام والتعليم ومؤسسات التنشئة الاجتماعية والمسجد والخطاب الديني والضبط الأسري والتربية الوالدية والقانون والتشريع في إعادة إنتاج مسار المتابعة وتشخيص الحالات ورصدها وفهم العوامل الباعثة إليها، والأسباب التي تقف خلف هذا الاغتراب القيمي والأخلاقي من بعض مكونات المجتمع، وحالة عدم التورع أو البعد عن الشبهات التي بات الفرد يزج فيه لتوجيه الأنظار إليه، أو سلب فقه المبادئ منه، أو تغيير قناعاته والتأثير عليه بدوافع ذاتية.

وأكّد أهمية تعظيم البعد الإيجابي الذي توفره منصات التواصل الاجتماعي من بدائل لاحتواء الشباب وتعميق فرص الوعي وترسيخ ثقافات إيجابية تسهم في تغيير السلوك النمطي السائد في المجتمع وضبط انتشار الظواهر السلبية والفكرية بين الشباب.

وشدّد على أهمية الحاجة إلى إعادة هندسة السلوك الشبابي في المنصات الاجتماعية، وتقوية حضور الفضيلة والهدف والمنهج والمحتوى كموجهات أساسية تُخرج المنصات الاجتماعية من أيديولوجية التصرف وأنانية الذات وفوقية المصالح وكومة التراكمات السلبية التي غيبت الشباب عن مهمته وأولوياته إلى رُقي المنافسة وصقل الشخصية والتعامل مع الصدمات وردّة الفعل وتمكينه من إدارة واقعه وحوكمة ممارساته في إطار من الوعي والتحليل والريادة والمنافسة.

وقال معمّر بن علي التوبي أكاديمي وباحث متخصّص في الذّكاء الاصطناعي: إنّه إلى جانب ما يمكن أن نراه من تطور رقمي في عالم الاتصالات والتواصل الاجتماعي نتيجة انبثاق منصات التواصل الاجتماعي، فإننا نرى جانبا سلبيا يُهدّد السلوك الاجتماعي للإنسان وقيمه المجتمعية بسبب ما يمكن أن تُحدثه منصات التواصل الاجتماعي عبر التفاعل غير المحكم والواعي من قبل أفراد المجتمع، فنجد أنّ هذه المنصات الرقمية أحدثت تغييرات في السلوك الفردي والجمعي للأفراد من حيث التعبئة الثقافية المفتوحة على مصراعيها التي تُعدُّ جزءا من منظومة "العولمة الرقمية".

وأضاف: إنّ أبرز السلبيات التي يمكن أن نلحظها في هذا التفاعل الرقمي ظاهرة الإدمان الرقمي الذي لم يعد حكرا على الألعاب الإلكترونية، بل شملت أيضا وسائل التواصل الاجتماعي واستعمالاتها غير المقننة والمحكومة، فتُحدث تغييبا للوعي السليم الذي يكون أسيرا لعالم رقمي تتباين فيه الأحداث بين الحقيقة والتزييف، فيغدو العقل البشري أسيرَ هذه الأحداث التي يمكن أن تكسبه حسا عاطفيا غير حقيقي يتبنّى بواسطته أفكارا وقيما تخالف نمطه الاجتماعي والديني، فيقع في فخ الانفصال عن الواقع المجتمعي الذي يعيشه، ليعيش واقعا لا ينتمي إليه بشكل مباشر.

وذكر أنّ مثل هذه الظواهر أدت إلى تفاقم ما يمكن أن نُطلق عليه بالقطيعة المعرفية التي تجعل من الإنسان متبنِّيا لصناعة معرفية مصدرها منصات التواصل الاجتماعي، فتضاعفت ساعات استهلاكه لهذه المنصات، وانعزاله عن البيئة الواقعية، وتراجعت مستويات القراءة والمطالعة، وتقلصّ الشغف المعرفي ليُستبدل بشغف التفاعل مع المنصات الرقمية، وأوجدتُ بعضا من الدراسات التي أكّدت تضاعف حالات الاكتئاب والقلق والتوتر النفسي الذي صاحب ظاهرة الإدمان الرقمي منها إدمان استعمال وسائل التواصل الاجتماعي.

وأشار إلى أنّ وسائل التواصل الاجتماعي ومنصاتها الرقمية أعادت تشكيل الإنسان من ناحية القيم التي بدورها تُؤثر على سلوكه الشخصي، فبات الإنسان الرقمي أكثر سطحية لا يتحرك بوعي عميق ذي بُعد مجتمعي متشرّب بالقيم الاجتماعية والدينية.

وبيّن أنّ هذا ما شكّل العقل الجمعي الجديد للمجتمع الذي يمكن أن يتأثر بأحداث لا تمس واقعه، فينقاد إليها دون وعي، فيسهل تحوّله إلى أداة بيد أصحاب الأيديولوجيات، ويخضع وفقَ هذه المعايير السطحية الواهمة إلى قانون القطيع الذي يجعل منه أداة عنف أو ترويج تجاري دون أن يكتشف وقوعه في هذا الفخ لافتا بأنّ الجيل الحالي الذي ولد في فترة العصر الرقمي سيكون أكثر عرضة لتلك المخاطر.

وذكر أنّ من بين المظاهر السلبية التي تولّدت من التفاعل المجتمعي مع منصات التواصل الاجتماعي ظاهرة "الشهرة" المرتبطة بصناعة ما يُطلق عليهم بـ"المشاهير" التي تحوّلت عند الجيل الحديث -خصوصا- إلى تعلق غير مبرر برموز محطات التواصل الاجتماعي، وهذا ما قاد إلى تفاقم أزمة السطحية المجتمعية التي وصفها المفكر الكندي "آلان دونو" بـ"نظام التفاهة" الذي يُوحي بتفكك القيم المجتمعية العميقة واستبدالها بقيم تفاهة تُهمّش الإنسان ونظامه الذاتي والاجتماعي.

وأفاد بأنه أصبح من السهل أن نستشرف شيئا من المظاهر المستقبلية التي ترتبط بخط سير المجتمع وأفراده مع المنظومة الرقمية المتمثلة في منصات التواصل الاجتماعي، ونرى تفاقم أزمتها نظير ما تكسبه من فراغ فكري ومعرفي في العقل البشري دون الادعاء أن هذه قاعدة عامة، فثمّة عدّة أشكال مرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن نتوقع وجودها مستقبلا تأخذ منحنى التطوير من المظاهر الحالية بعضها يصب في جوانب إيجابية.

ورأى أنّ من بين هذه الجوانب الإيجابية، نمو النشاط الاقتصادي الرقمي الذي سيتخذ من المنصات الرقمية وسائل للترويج التجاري نظرا لقوة تأثيرها، وهذا ما سيكسر نظام الاحتكار التسويقي الذي كان بيد كبرى المؤسسات التجارية التي يمكن أن تصل بصوتها إلى المستهلكين بوسائل إعلانية مدفوعة، ولكن سيُتاح للجميع بما فيهم صغار المستثمرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى جمع غفير من الجمهور دون تكاليف باهظة.

وأشار إلى أنّ من بين الجوانب السلبية للمنصات الاجتماعية مضاعفة مظاهر التفاهة والهشاشة الفكرية والمعرفية التي ينبغي أن تعالج وفقَ أطر ثقافية متوازنة ومتوازية مع النمو الرقمي دون الإخلال بالحركة التقنية وتطويراتها.

ويرى الباحث الاجتماعي مبارك بن خميس الحمداني أنّ هناك ثلاثة تحولات رئيسة للمختصين في علم الاجتماع أفرزتها وسائل التواصل الاجتماعي في البنية الثقافية للمجتمعات، وخاصة فيما يتصل بالبنى الثقافية للأسر إذ تُسهم في توسيع الفجوة الثقافية بين الأجيال، ويرتبط الثاني بـ"تنسيب القيم"، فيما يرتبط الثالث بإعادة تشكيل المفاهيم المرتبطة بالأسرة والثقافة الاجتماعية بشكل عام.

‏وقال إنه في الجانب الأول المرتبط بتوسيع الفجوة الثقافية أصبحت هناك أجيال متفاوتة، إذ أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي كمحرك في إضفاء طابع لكل جيل، ووسعت اختلاف القيم الثقافية لكل جيل، إضافة إلى طبيعة التوقّعات والتفضيلات والممارسات والسلوكيات.

وأضاف إنه أصبح ما يعرف بالجيل الصامت وجيل الطفرات السكانية وجيل السبعينات وجيل الألفية وجيل التقانة، ويرمز لها عادة بالحروف X & Y & Z، مضيفا إنه عندما ننظر للخصائص التي أضفتها مواقع التواصل الاجتماعي تحديدا للجيل الأخير فنجدها تتمثل في خمس خصائص أساسية، وهي: السرعة والاجتزاء، والحرية الافتراضية، والآنية واللحظية، والانتماء والهويات العالمية، والرؤية الأحادية للواقع.

ووضّح أنّ هذه الخصائص لا يمكن الحكم المطلق بكونها سلبية تماما ولكنها تعتمد على مستويات النضج في التعامل مع وسائل التواصل، ومدى انخراط الفرد في الفضاءات الواقعية مقابل الفضاءات الافتراضية ومدى وجود آليات ثقافية لدى المجتمع لتحييد التأثيرات السلبية لهذه المواقع بالإضافة إلى قوة منظومة الثقافة المجتمعية.

‏وذكر أنه في جانب تنسيب القيم فإن هذه المواقع، ومن خلالها انخراط الأفراد خلالها في فضاء من القيم العالمية، أعطت الكثير من الأسئلة لدى طيف واسع من الجيل حول حقيقة القيم وجذبت بعض الأفراد للانخراط في قيم عالمية بعضها قيم إيجابية وبعضها قيم سلبية، لافتا إلى أنّ مكامن الخطوة في هذه الجزئية تكمن فيما إذا كانت منظومة القيم لدى الأفراد مؤسسة بطريقة هشة، ومنها تحدث الانكسارات الثقافية والقيمية.

‏وبيّن أنه في جانب إعادة تشكيل المفاهيم المرتبطة بالأسرة والثقافة الاجتماعية بشكل عام، فقد وفّرت مواقع التواصل الاجتماعي نمطا من التفضيلات والتوقعات المختلفة لدى الأفراد المنخرطين فيها خاصة فيما يرتبط بتفضيلات الأسرة والزواج والممارسات الاجتماعية وكذلك التفضيلات المتصلة بالجوانب الثقافية الأخرى.

‏ويؤكد أنه في المجمل العام تبقى المنصات الاجتماعية مجرد أدوات تُحرّكها المضامين المعرفية والاتصالية التي تحمُلها ويعتمد تأثيرها سلبا وإيجابا على مدى وجود منظومة قيمية وثقافية راسخة لدى المجتمع وعلى دور المؤسسات الاجتماعية في حفظ هذه المنظومة ونقلها عبر الأجيال سواء عبر العمليات الأسرية أو التعليمية أو الدينية أو نشاط الأنساق الاجتماعية الأخرى.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مواقع التواصل الاجتماعی وسائل التواصل الاجتماعی منصات التواصل الاجتماعی المنصات الاجتماعیة هذه المنصات یمکن أن وذکر أن الذی ی التی ت إلى أن

إقرأ أيضاً:

بنكراد: شبكات التواصل الاجتماعي منعت بإصرار وترصد إعادة تشكيل الرأي العام

قال سعيد بنكراد، الباحث والمفكر والمترجم المغربي، إنه جرى تحول فكري عميق في مفهوم النخبة بالمغرب، الذي بات  يناقش في سياق جديد، مرتبط بظهور الرقميات الحديثة، التي أصبح لها أثر في إعادة تشكيل كل الفضاءات.. (الثقافي والسياسي والفكري)، ليس فقط بالمغرب لوحده بل في العالم ككل.

ويؤكد بنكراد في مداخلة مستفيضة على هامش مشاركته مساء أمس الثلاثاء، في ندوة علمية نظمتها مؤسسة الفقيه التطواني بالرباط، تحت عنوان: «النخبة المغربية في زمن التغيير: من صناعة القرار إلى أزمة التأثير»، أنه قبل الحديث عن أزمة النخب لابد أن نتحدث عن الحاضن لها، وهو سقوط مفهوم الرأي العام وانتفاء شيء اسمه الرأي العام، والذي ارتبط تاريخيا منذ القرن الثامن عشر إلى الآن بمجتمع يقرأ ويثقف نفسه، ويعلم نفسه بنفسه.

عوض  هذا الرأي العام وجدنا أنفسنا وخاصة داخل شبكات التواصل الاجتماعي يضيف الأستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط، في الندوة الفكرية التي تولى إدارة جلستها كل من بوبكر التطواني، رئيس المؤسسة، وعبد الحق بلشكر، مدير موقع « اليوم 24 »، أمام ما نسميه « الرأي »، وليس الرأي العام، فهناك فرق جوهري بينهما بمعنى، أن الرأي لا يفكر وإن فكر  يفعل ذلك بشكل سيء وهذا كلام للمفكر الفرنسي غاستون باشلار وليس لي يضيف بنكراد .

إذا دخلنا إلى شبكات التواصل  الاجتماعي وفقا للمفكر السيميائي،  نجد أنها عملت باصرار وترصد على تدمير كل ما يسهم في إعادة تشكيل دائرة هذا الرأي العام الذي نتحدث عنه.

المقصود بالرأي وفقا للباحث بنكراد هي الأحكام العامة، أحكامنا حول الذوق واللباس حول حادثة ما أو قضية سياسية، في حين أن العلم شيء آخر، فهو لايستقيم  وجوده في الحياة إلا عندما نتخلص من الرأي، لأن هذا الأخير مدمر للعلم والتفكير، ولذلك لعبت الشبكات التواصلية دورا مركزيا في تدمير هذه المسألة.

ترافق مع هذا محاولة للعب على اللغة، وفقا للباحث ذاته، هي محاولة التغيير من أسماء الأشياء دون أن يتم التغيير من الوضع الذي يعيشه الناس،  يقول المفكر بنكراد في مداخلته، « لم تعد لنا أفكار من قبيل الصراع الطبقي والمناضل..وأصبحنا على العكس نأتي بمفردات ومفاهيم تحل محل المفاهيم القديمة، أي تخفف من وقعها، أو تفرغها من مضمونها، من قبيل .. أصبحنا نقول المتعاونون بدل العمال، والشركاء الاجتماعيون بدل النقابات،  ونتحدث عن المجتمع المدني بدل الشعب، و بدل أن نتحدث عن المنتوج الثقافي أصبحنا نتحدث عن العرض السياسي، وهي كلها مفاهيم مستوحاة من الرأسمالية وكانت مرتبطة آنذاك بتوزيع جديد للإنتاج.. ».

وفقا لهذا التحليل بدا اليوم أن  نمحي من قواميسنا كل الكلمات التي تثار حولها الشبهات، ولن نحتفظ إلا بالكلمات التي لفكر معين وتعمل على تكريس وضع معين..وكنتيجة لذلك  سقطت مجموعة من المفاهيم من قبيل أيضا، مفهوم اليساري والتقدمي والرجعي والحداثي والكلاسيكي، وهي مفاهيم سقطت في نظر المفكر بنكراد من تلقاء ذاتها، فقد « كان إذا نعت برجعي كان لاينام لأكثر من عشرة أيام فهي كانت أكثر من سبة ».

يوضح المفكر بنكراد، أنه يتحدث عن سقوط النخبة وخروجها من دائرة الفعل الثقافي والسياسي، وهل استطاع المثقفون المغاربة أن يبلوروا رأيا ثقافيا يعني نكون أمام نخبة ثقافية قوية لها قدرة على أن تصدر بيانا من أجل قضية بعينها، قبل أن يخلص أنه أمر مفقود على الإطلاق، يقول الباحث في نحليه » عندنا مثقفون منتشرون وتوزع دمهم على كل الأحزاب وكل المنظمات، ولم يتبلور أبدا رأي عام خاص بالمثقفين ».

عوض كل هذا سيأتي المؤثر يضيف بنكراد، والغريب بالنسبة للمفكر في علم السميائيات، أنها كلمة  لاتثير قلق أحد، انتشرت عند اليساريين والإسلاميين وعند اللذين لا دين لهم!!،  كلهم يستعمل كلمة مؤثر وكأنها مفهوم مركزي في التفكير وكأننا أمام فاعل حقيقي، في حين أن كلمة مؤثر لا يفهم الناس معناها لغويا؟ بماذا يؤثر المؤثر وكيف؟، عوض أن نكون أمام مناضل فاعل حقيقي، تم إفراغ الفعل المدني من حمولته الحقيقية، بالنسبة إلى بنكراد يجب أن نأتي بكلمة أخرى تؤدي نفس الدور الذي كان يقوم به وهي في أصلها كلمة لايراد منها سوى التشويش على إقامة رأي عام يمكن أن نعود إليه..بل الأخطر من ذلك يضيف الباحث، ما اصبح يروج على منصة الترسال « واتساب » ومنصة « الفيسبوك « ، من إحداث مجموعات بمنطق العشيرة الصغيرة، والاتفاق المسبق، من أعجبنا أصبح صديقا لنا ومن لم يعجبنا أخرجناه.

وفقا لهذا التحليل اصبحنا أمام مفهوم المجتمع السائل، التي تعني ببساطة أنه لاشيء ثابت ولا قار، ولا نستطيع أن نؤسس لعلاقات حقيقية بين المجتمع، أو نؤسس لأدوار من الممكن نستمر في الوجود من خلالها، ولايمكن أن نسهم في فكرة يمكن أن نتقاسمها فيما بيننا، فكل شيء في تغير مستمر، وهنا سيختم الباحث مداخلته بافراغ مفهوم المثقف من معناه، لصالح مفهوم جديد وهو الخبير، فهما وإن كانا يشتركان في المعرفة، فإنه في المقابل نجد أن المعرفة لدى الخبير « محايدة » لم تلطغها السياسة ولا شيء آخر، إنها معرفة صافية موجودة خارج الصراعات السياسية والاجتماعية، ويقدم الخبير معرفته استنادا على لغة الأرقام والجداول.. في حين أن المثقف كان دائما منخرطا في الفعل الذي يقوم به، وأغلب ما يقوله الخبراء هو ما توده السلطة.

 

كلمات دلالية الرأي العام السميائيات المؤثر النخبة سعيد بنكراد مؤسسة الفقيه التطواني مفكر ندوة

مقالات مشابهة

  • «استشاري نفسي»: الجيل الحالي يواجه تحديات نفسية غير مسبوقة بسبب مواقع التواصل الاجتماعي
  • حادث غريب لسيارة في الصحراء يثير الجدل على منصات التواصل ..فيديو
  • من تايلاند.. مايان السيد تشعل مواقع التواصل الاجتماعي
  • ملحمة نارية.. كمين القسام المركب بخان يونس يتصدر منصات التواصل
  • بنكراد: شبكات التواصل الاجتماعي منعت بإصرار وترصد إعادة تشكيل الرأي العام
  • لحماية الأطفال على منصات التواصل .. أستراليا تلوّح بعقوبات تصل إلى 50 مليون دولار
  • حادث مأساوي لطفلة يُشعل مواقع التواصل
  • حزب الاتحاد: يجب تحصين المنطقة من سيناريوهات الانفجار التي تهدد الشرق الأوسط
  • دهس الطفلة يثير غضب المغرب ويشعل مواقع التواصل
  • بعد سنوات من الغياب.. كارين فهمي تريند منصات التواصل بلقطة مع “مو صلاح”