الرؤية- كريم الدسوقي

 

في عصر الذكاء الاصطناعي والصور المفبركة، وجدت "كلوي ساتون" نفسها في موقف لم تتخيله أبدًا، تمثَّل في الدفاع عن حقيقة وزن طفلها.

الأم الأسترالية البالغة من العمر 25 عامًا، تواجه اتهامات من متابعيها البالغ عددهم 8.1 مليون شخص عبر منصات التواصل الاجتماعي، مفادها أنها تستخدم الذكاء الاصطناعي لتزييف صور ابنها البالغ من العمر 19 شهرًا، ليبدو وكأنه يزن 33 باوندًا (15 كيلوجرامًا)، حسبما أورد تقرير نشره موقع "نيويورك بوست".

"هناك الكثير من الأشخاص الذين يعتقدون أنه ذكاء اصطناعي، لكنه ليس ذكاءً اصطناعيًا. هذا ابني، إنه مجرد طفل كبير"، هكذا أكدت ساتون لمتابعيها المُشكِّكين، واضطرت لاتخاذ تدابير استثنائية لإثبات أن طفلها حقيقي؛ بما في ذلك إظهار طوله مقارنة بطولها البالغ 5 أقدام و6 بوصات؛ حيث يشغل الطفل أكثر من نصف طولها.

لم تكتفِ ساتون بذلك؛ بل أحضرت زوجها البالغ طوله 6 أقدام و2 بوصة في مقطع فيديو؛ ليظهر الطفل بحجم مُذهل. وتنوعت التعليقات بين المُشكِّكين والمتعجبين، فبينما علَّق أحد المُشكِّكين قائلًا: "بالتأكيد هناك ذكاء اصطناعي مُتورِّط في هذا الطفل الكبير!"، وسأل آخر متعجبًا: "هل هو من أنجبكِ؟".

ظاهرة الأطفال العمالقة

وتبيَّن أن طفل ساتون ليس الوحيد في هذه الظاهرة؛ فأليكسا برييغو، أم أمريكية أخرى، أفادت أن ابنها كاسون وصل إلى 30 باوندًا بعمر 11 شهرًا فقط، وشاركت تجربتها معه في تقرير نشرته صحيفة "ذا بوست"، موضحةً أن الغرباء يخطئون في تقدير عمر طفلها ويعتقدون أنه في الثالثة من العمر.

وسلَّطت حالة ساتون وطفلها الضوء على تحدٍ جديد في عصر الذكاء الاصطناعي؛ حيث أصبحت الحقائق الطبيعية موضع شكٍ من الجمهور بسبب انتشار المحتوى المُزيَّف؛ الأمر الذي يُشير إلى أن التطور التكنولوجي- رغم فوائده- قد يخلق أحيانًا بيئةً من عدم الثقة تجاه أبسط الحقائق الإنسانية، وأن على الناس في المستقبل أن يكونوا مستعدين لإثبات حقيقة أطفالهم أمام عالم رقمي أصبح الشكُ أساس التناول لحكاياته.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي سرّع تفشّيها.. كيف تميّز بين الحقائق والمعلومات المضللة؟

حذرت صحيفة غارديان البريطانية من خطر الانتشار المتسارع للمعلومات الزائفة والمضللة في ظل وجود الذكاء الاصطناعي ومنصات التواصل الاجتماعي، لافتة إلى أن عقول البشر مهيأة لتصديق هذه المعلومات، خصوصا إذا كانت متوافقة مع معتقداتهم.

وفي مقال نشرته الصحيفة، بيّن البروفيسور توني هايميت أن أدمغة البشر مبرمجة على تصديق المعلومات الجديدة، خاصة إذا كانت تتوافق مع آرائنا، وأوصى بضرورة التوقف عند التعرض للمعلومات بالعموم، وعرضها على جملة من الأسئلة سعيا لاختبارها وكشف حقيقتها.

اقرأ أيضا list of 1 itemlist 1 of 1معهد بوينتر: كلما انتشر الذكاء الاصطناعي ازدادت أهمية المحررينend of list

وحذر هايميت -وهو كبير العلماء الأستراليين- من أن المستويات العالية من المعلومات العلمية المضللة تهدد رفاهية الأسر والمجتمعات، مشيرا إلى أن المشكلة تتفاقم بمعدل ينذر بالخطر.

البشر يميلون بطبيعتهم إلى تصديق المعلومات الجديدة، لا سيما إذا كانت بسيطة أو مألوفة أو تأتي من أشخاص نثق بهم، وكلما رأيناها أكثر، بدت أكثر مصداقية حتى لو كانت خاطئة

بواسطة توني هايميت - كبير العلماء الأستراليين

العواقب الوخيمة للمعلومات المضللة

وأوضح هايميت أن الناس حين تنشر الأكاذيب حول اللقاحات أو البراسيتامول أو الطاقة النظيفة -على سبيل المثال- تكون العواقب مأساوية في بعض الأحيان، مشيرا إلى أن الأمراض التي يمكن الوقاية منها مثل الحصبة، تعود الآن إلى المجتمعات الأسترالية بسبب مخاوف لا أساس لها من اللقاحات.

وتترك المعلومات الزائفة تأثيرها على الفرد والمجتمع وفق البروفيسور الأسترالي، إذ يمكن أن تضر بصحة الإنسان، وتؤدي إلى اتخاذه قرارات مالية سيئة، وتقوّض قدرته على اتخاذ قرارات صحيحة.

أما على المستوى المجتمعي، فتهدد الثقة في المؤسسات، وتسمم النقاش العام، وتدفع الناس إلى التطرف، فالمعلومات الخاطئة تجعل من الصعب الاتفاق على الحقائق، وتعطل إمكانية العمل الجماعي لحل المشاكل المشتركة، كما تقوض التماسك الاجتماعي والمرونة الديمقراطية.

المعلومات الكاذبة تترك عواقب وخيمة على المجتمعات والأفراد (شترستوك)

الخبر السار؟

إعلان

ويقول هايميت إن ثمة خطوات بسيطة تمكّن من مكافحة المعلومات الخاطئة، خاصة إذا فهم الناس سبب تعرضهم لها.

وبصفته عضوا في المجلس الوطني للعلوم والتكنولوجيا، استحضر هايميت تقارير المجلس عن المعلومات المضللة في العام الماضي، والتي أظهرت أننا قد نكون عرضة للمعلومات المضللة بسبب طريقة عمل أدمغتنا.

وتشير الأبحاث إلى أن البشر يميلون بطبيعتهم إلى تصديق المعلومات الجديدة، خاصة إذا كانت بسيطة أو مألوفة أو تأتي من أشخاص نثق بهم، ولفتت هذه الأبحاث إلى أننا كلما رأيناها أكثر بدت أكثر مصداقية، حتى لو كانت خاطئة.

وعلل البروفيسور هايميت الظاهرة بالقول "عندما نواجه كميات كبيرة من المعلومات، غالبا ما نعتمد على الاختصارات العقلية"، وأضاف أن هذه الاختصارات تساعدنا على معالجة المعلومات بسرعة، لكنها قد تأتي بنتائج عكسية، خاصة عندما تكون المعلومات عاطفية أو مهددة، أو تأتي من أشخاص نثق بهم أو متشابهين في التفكير، فحينها نكون أكثر عرضة لتصديقها.

لا بد من التوقف عند التعرض للمعلومات، كي نعرضها على أسئلة تختبرها وتكشف حقيقتها (شترستوك)

ولفت هايميت إلى أنه وفي ضوء طريقة عمل أدمغتنا، لا بد من التوقف وطرح الأسئلة التالية عندما نواجه معلومات جديدة:-

هل هذه أفضل المعلومات التي يمكنني الحصول عليها؟ هل ستصمد أمام الفحص العلمي؟ هل جاءت من شخص يستخدم المنهج العلمي أم مجرد شخص أتابعه على الإنترنت؟

وأوضح أن الأمر لا يحتاج إلى أن يكون الإنسان عالما ليتمكن من تمييز العلم الجيد من السيئ، موصيا أنه "إذا كنت في شك فابحث عن الإجماع العلمي"، وهو اتفاق جماعي بين الخبراء يستند إلى أدلة متراكمة.

وأكد أهمية المراجعة من قبل الأقران -حيث يختبر العلماء أعمال بعضهم البعض- في اكتشاف الأخطاء وتصحيحها، وضرب مثالا عما حدث في بداية جائحة كورونا، حيث قلل العلماء في بادئ الأمر من تأثير انتقال العدوى عن طريق الهواء، لكن الدراسات التي راجعها الأقران سرعان ما صححت هذا الفهم، مما أدى إلى تحديث النصائح الصحية.

ونبه هايميت إلى أن الثقة في العلم لا تعني الإيمان الأعمى بالعلماء، مشددا على أنها ثقة في المنهج العلمي المتمثل بالتنبؤ والاختبار والمراقبة والتحسين.

وقال إنه من الصعب فرز المعلومات أثناء التعرض لها مباشرة إذا لم تتوفر الثقة بقدرتنا على الفرز بمفردنا، مؤكدا أهمية دور المؤسسات في هذا الإطار بالإضافة إلى التعليم والمشاركة المدنية، في حماية المجتمع من موجة الأكاذيب.

وأكد أن بعض الأكاذيب سهلة الكشف، مثل خدع علاج السرطان، وهراء الأرض المسطحة، وفق تعبيره، غير أن هناك معلومات خاطئة أخرى يصعب اكتشافها، ولكنها لا تقل خطورة، مجددا تحذيره من أنه "يجب أن نكون يقظين للغاية لأن المخاطر كبيرة للغاية".

وخلص البروفيسور هايميت إلى أن ما وصفه بالرفاه الجماعي يعتمد على قدرتنا على التمييز بين العلم الموثوق به والخيال المقنع، كما يعتمد على استعدادنا للتفكير النقدي، والبحث عن أدلة من مصادر موثوقة، وإبقاء ما أسماها "أجهزة كشف الأكاذيب لدينا" قيد التشغيل.

إعلان

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي سرّع تفشّيها.. كيف تميّز بين الحقائق والمعلومات المضللة؟
  • خبراء صحة: الذكاء الاصطناعي يخلق شعورا بالتشويس النفسي
  • "عمانتل" تطلق منصة ذكاء اصطناعي للرد على استفسارات الموظفين والبحث في البيانات
  • لا أحد يريد لوكورنو.. لوبوان: خيار ماكرون يثير الدهشة بالداخل والخارج
  • OpenAI تطلق تطبيق الفيديو الذكي Sora.. ذكاء اصطناعي يحول الصور إلى مشاهد حية
  • ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر فيديوهات خادشة للحياء بهدف الربح
  • أداة ذكاء اصطناعي تمنح العلماء فهماً أعمق لجهاز المناعة
  • إطلاق "مختبرات يوتيوب".. تجربة ذكاء اصطناعي جديدة تعيد تعريف طريقة استماعك للموسيقى
  • Red Hat تدعو المؤسسات العربية لبناء ذكاء اصطناعي خاص لضمان الاستقلالية وحوكمة البيانات