طالب الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب شيخ الأزهر تجديد وعي الأمة بذاتها وتاريخها العريق المشرف، وقدراتها المادية والروحية، وطاقاتها الخلاقة، وأن تكون على يقين من أنها تملك دواءها إن أرادت، وأن تكون على ذكر دائم من قوله صلى الله عليه وسلم في شأن أمته: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها.

."

 

 

كما طالب أن تبذل قصارى الجهد للتضامن مع أطفال غزة ونسائها وشبابها وشيوخها، ومع شعوبنا في السودان واليمن وغيرها، وأن نعلم أن ذلك ليس منة يمن بها على هذه الشعوب المعذبة في الأرض، وإنما هو واجب القرابة في الدين، وصلة الدم والرحم والمصير المشترك".

 

رسالة خاتمة للرسالات الإلهية

 

أوضح شيخ الأزهر خلال كلمته التي ألقاها بمناسبة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، الذى نظمته  وزارة الأوقاف بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، أن المطابقة بين أخلاق القرآن الكريم وأخلاقه ﷺ هي السر في اختصاص نبي الإسلام برسالة تختلف عن الرسالات السابقة، حيث جاءت رسالة خاتمة للرسالات الإلهية، ورسالة عامة تتسع للعالمين جميعا: إنسا وجنا، وزمانا ومكانا؛ بينما جاءت الرسالات السابقة رسالات محدودة بأقوام بعينهم وفي زمان معين ومكان محدد لا تتجاوزه لمكان آخر.


وبين فضيلته أن أخلاق محمد ﷺ وإن تنوعت عددا ومنزلة وعلو درجة وكمال شأن، حتى وصف بالإنسان الكامل - فإن صفة من صفاته هذه قد انفردت بالذكر في القرآن الكريم، وهي: صفة «الرحمة» التي وصف بها ﷺ في قوله تعالى في آواخر سورة التوبة، في معرض الامتنان الإلهي على المؤمنين، حيث بعث فيهم رسولا منهم، وصفه بأنه حريص على هدايتهم، وأنه «رؤوف رحيم» بهم، ثم ذكرت صفة «الرحمة» مرة ثانية في قوله تعالى في آواخر سورة الأنبياء: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وجاءت بأسلوب القصر الذي يدل على أن هذا الرسول اتحد ذاتا وأفعالا بصفة: «الرحمة» حتى صارت سجية راسخة متمكنة في مشاعره، ومتغلغلة في أطوائه، ومسيطرة على تصرفاته.


وتابع شيخ الأزهر أنه ﷺ قد أكد اتصافه بالرحمة بقوله في سنته الشريفة: «إنما أنا رحمة مهداة»، وطبقه في كل تصرفاته مع البشر ومع جميع الكائنات والمخلوقات، وكان ينزع في كل تصرف من تصرفاته من معين هذه الرحمة التي فطره الله عليها، وألان بها قلبه، وكان ذلك من أقوى أسباب دخول المشركين في الإسلام: "فبما رحمة من الله لنت لهم.."، بل إنه كان رحمة للناس حتى في مواطن الحروب والاقتتال والصراعات المسلحة بين الأمم والشعوب.

 

وأشار فضيلته إلى أن أول ما يطالعنا من تجليات الرحمة النبوية في مواطن الحروب والاقتتال هو: أن القتال في شريعة الإسلام لا يباح للمسلمين إلا إذا كان لرد عدوان على حياتهم أو دينهم أو أرضهم أو عرضهم أو مالهم، أو غير ذلك مما يدخل تحت معنى: «العدوان» بمفهومه الواسع، أما القتال نفسه، أو حرب العدو، أو: الصراع المسلح، فله في شريعة الإسلام خطر وأي خطر، وله قواعد وضوابط وتشريعات شرعها الله تعالى!، وطبقها رسوله ﷺ تطبيقا عمليا وهو يقود بنفسه جيوش المسلمين في معاركهم مع أعدائهم، وأمر أمته بالتقيد بها كلما اضطرتهم ظروفهم وألجأتهم إلى مواجهة عدوهم..

وأوضح شيخ الأزهر أن أول ما يلفت النظر من قواعد الاقتتال لرد العدوان في الشريعة الإسلامية: قاعدة «العدل»، وهي قاعدة كلية بعيدة الغور في شريعة الإسلام، أمر الله بالالتزام بها في معاملة الصديق والعدو على السواء: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"، ثم إن قاعدة العدل هذه تستدعي قاعدة ثانية تلازمها ولا تفارقها في أي تطبيق، وهي قاعدة: «المعاملة بالمثل» والتي تعني أول ما تعني حرمة تجاوز حدود العدل إلى حدود الظلم والعدوان على الغير، يتبين ذلك من قوله تعالى: "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به  ولئن صبرتم لهو خير للصابرين".


وتابع فضيلته أن من قواعد الإسلام العامة في القتال التزام مبدأ «الفضيلة» ومبدأ «الإحسان» الذي كتبه الله على كل شيء سواء تعلق هذا الشيء بالإنسان أو بالحيوان، وقد ترجم أمراء المسلمين وقادة جيوشهم، مبدأ «الفضيلة» هذا إلى لوحة شرف في قوانين الحروب، لا يعرف التاريخ لها نظيرا في غير معارك المسلمين، وها هو الخليفة الأول، أبو بكر "رضي الله عنه" يودع قائد جيشه إلى الشام ويقول له: «أوصيكم بتقوى الله، لا تعصوا، ولا تغلوا، ولا تجبنوا، ولا تهدموا بيعة- أي: كنيسة أو معبدا.."

وأضاف شيخ الأزهر أن صورة القتال في الإسلام لا تكتمل بدون الإلمام بصورة «الأسرى» في الحروب الإسلامية، لافتا إلى أن فقه «الأسير» في الإسلام يدور على أمرين لا ثالث لهما، حددهما القرآن الكريم في قوله تعالى: "فإما منا بعد وإما فداء"، والمن على الأسير هو إطلاق سراحه وتحريره بغير عوض ولا فدية، أما فداؤه فهو تحريره وإطلاق سراحه مقابل فدية يدفعها هو أو تدفع له، مبينا أن الأسير الذي يأسره المسلمون من جيش العدو يحرم على المسلمين قتله، كما تدل الأحكام الفقهية على وجوب إطعام الأسير، ووجوب الإحسان في معاملته، وحمايته من الحر والبرد، وتوفير ما يكفيه من كسوة وملابس، وإزالة كل ما يصيبهم من ضرر، ووجوب «احترام مراكزهم وكرامتهم الشخصية حسب مكانة كل فرد منهم»، مستلهمين في ذلك إلى دعوته ﷺ للرفق بالناس في قوله: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف» وقوله: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم».

 

 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الأزهر شيخ الأزهر الإمام الأكبر ذكرى المولد النبوي قصارى الجهد أطفال غزة شیخ الأزهر قوله تعالى فی قوله

إقرأ أيضاً:

محافظ الشرقية ينعى الدكتور أحمد عمر هاشم: رحل أحد كبار علماء الأمة وضميرها المستنير

بقلوب يملؤها الحزن والإيمان بقضاء الله وقدره، نعى المهندس حازم الأشموني محافظ الشرقية العالم الجليل الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ورئيس جامعة الأزهر الأسبق، الذي وافته المنية صباح الثلاثاء الموافق السابع من أكتوبر 2025، بعد رحلة طويلة حافلة بالعطاء العلمي والدعوي، قدم خلالها مثالاً للعالم العامل الذي نذر حياته لخدمة الإسلام ونشر قيم التسامح والاعتدال.

وأكد محافظ الشرقية في بيان النعي أن الراحل كان عالماً كبيراً ومفكراً مستنيراً وداعية من طراز فريد، حمل لواء الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ودافع عن وسطية الإسلام وسماحته في مواجهة التطرف والغلو.

 وأشار إلى أن مصر والعالمين العربي والإسلامي فقدا برحيله قامة علمية ودعوية نادرة، طالما أثرت العقول والقلوب بفكرها المستنير وخطابها الرصين، وأن ما تركه من إرث علمي سيظل باقياً على مر الأجيال.

وُلد الدكتور أحمد عمر هاشم في السادس من فبراير عام 1941 بقرية بني عامر التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، حيث نشأ في بيئة علمية ودينية حببت إليه القرآن والسنة منذ نعومة أظفاره، والتحق بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر، وتخرج فيها عام 1961، ثم نال الإجازة العالمية عام 1967، وواصل مشواره الأكاديمي حتى حصل على الماجستير عام 1969 والدكتوراه في الحديث وعلومه، ليصبح لاحقاً واحداً من أبرز المتخصصين في هذا المجال داخل الأزهر وخارجه.

تدرج الفقيد في المناصب العلمية حتى نال درجة الأستاذية عام 1983، ثم تولى عمادة كلية أصول الدين بجامعة الزقازيق عام 1987، قبل أن يُعيَّن رئيساً لجامعة الأزهر عام 1995.

 وخلال فترة رئاسته للجامعة، عُرف عنه حرصه على تطوير العملية التعليمية والاهتمام بالبحث العلمي ورعاية الطلاب الوافدين من مختلف دول العالم الإسلامي.

 كما كان عضواً بارزاً في مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء، وشارك في الحياة العامة عضواً بمجلسي الشعب والشورى بالتعيين، كما تولى رئاسة لجنة البرامج الدينية بالتلفزيون المصري، وكان صوتاً للأزهر في الإعلام والبرامج الدينية لعقود طويلة.

عُرف الدكتور أحمد عمر هاشم بحبه الشديد لرسول الله ﷺ، وكان حديثه عن السيرة النبوية يجذب القلوب ويُلهب المشاعر، حتى صار اسمه مرتبطاً بمحبة النبي والدفاع عن سنته، وكان نموذجاً للتواضع والزهد، قريباً من الناس، يسمعهم ويعطف عليهم، متحدثاً بلغتهم ومخاطباً وجدانهم بعلم وخلق رفيع. 

وقد حصل على العديد من الجوائز والتكريمات تقديراً لعطائه، من أبرزها جائزة النيل في العلوم الاجتماعية عام 2014، وهي أرفع جائزة تمنحها الدولة المصرية.

ترك الراحل إرثاً علمياً ضخماً من المؤلفات والمحاضرات التي نشرت علمه في شتى بقاع الأرض، منها كتاب “الإسلام وبناء الشخصية”، و“من هدي السنة النبوية”، و“الإسلام والشباب”، و“قصص السنة”، و“الشفاعة في ضوء الكتاب والسنة والرد على منكريها”، وكلها تعكس عمق فكره وتمسكه بمنهج الوسطية والاعتدال الذي دعا إليه طيلة حياته.

يُشيَّع جثمان العالم الجليل ظهر اليوم الثلاثاء عقب صلاة الظهر من الجامع الأزهر الشريف، في جنازة مهيبة تليق بمكانته العلمية والدعوية الرفيعة، التي رسّخها عبر مسيرة حافلة بالعطاء امتدت لعقود طويلة في خدمة الإسلام والسنة النبوية.

 ومن المقرر أن يُنقل الجثمان عقب صلاة الجنازة إلى الساحة الهاشمية بقرية بني عامر التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، حيث يُوارى الثرى في مدافن العائلة عقب صلاة العصر، في مشهد يملؤه الحزن والوفاء لعالمٍ حمل راية العلم والدعوة لعقود طويلة.

وأعلنت أسرة الفقيد أن العزاء سيقام مساء اليوم بالساحة الهاشمية بقرية بني عامر مسقط رأس الدكتور أحمد عمر هاشم، ليتمكن أهالي الشرقية ومحبيه من وداعه وتقديم واجب العزاء. كما تقرر إقامة عزاء آخر يوم الخميس المقبل بمدينة القاهرة، ليتيح الفرصة لتلاميذه ومحبيه من مختلف المحافظات والعواصم العربية للمشاركة في وداع أحد كبار علماء الأزهر الشريف، الذين تركوا أثراً خالداً في نفوس الملايين بعلمه وخلقه ومنهجه الوسطي المستنير.

وأكد محافظ الشرقية أن الراحل كان ابناً باراً بمحافظته، وواجهة مشرفة لأهل الشرقية، رفع اسمها في أروقة الأزهر وميادين الدعوة في الداخل والخارج.

 وأضاف أن وفاته تمثل خسارة كبيرة لمصر وللأمة الإسلامية جمعاء، داعياً الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدمه من علم ودعوة وخدمة للوطن والدين، وأن يُلهم أسرته وطلابه ومحبيه الصبر والسلوان.

واختتم المحافظ نعيه قائلاً: رحم الله العالم الجليل الدكتور أحمد عمر هاشم، فقد كان رمزاً من رموز العلم والخلق والوسطية، وستبقى سيرته العطرة نبراساً يهتدي به طلاب العلم والدعاة إلى يوم الدين.

مقالات مشابهة

  • حاكم الشارقة لـ «الموظفين»: تحسسوا الرحمة وأنتم تطبقون القانون
  • حزب الله يطالب بوحدة الموقف وخيار المقاومة في ذكرى طوفان الأقصى
  • نائب الشيوخ: مصر والسعودية صمام أمان المنطقة وتجسيد لوحدة الرؤية والمصير المشترك
  • محافظ الشرقية ينعى الدكتور أحمد عمر هاشم: رحل أحد كبار علماء الأمة وضميرها المستنير
  • أفنى عمره في خدمة الإسلام.. محافظ الغربية ينعى الدكتور أحمد عمر هاشم
  • وزير الأوقاف ناعيا الدكتور أحمد عمر هاشم: أفنى عمره في نشر تعاليم الإسلام السمحة
  • الجامع الأزهر ينعي أحمد عمر هاشم: لبّى نداء ربّه بعد عمرٍ حافلٍ بالعلم وخدمة الإسلام
  • «المنبر» أفضل فيلم بمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط
  • كلمات خلدها التاريخ.. كيف أيقظ الشيخ الشعراوي الروح القتالية للجنود خلال حرب أكتوبر؟
  • قدوة في نشر العلم.. عضو الأزهر للفتوى: أول معلمة في الإسلام هي الشفاء بنت عبد الله