وعود الساسة كوميديا سوداء.. احذر سرقة أسنانك في جورجيا الباسمة
تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT
سراييفو – إنه العام 2012 في جورجيا حيث تجري انتخابات حاسمة، وفي حملته الانتخابية التي يشترك شعارها مع اسم الفيلم الوثائقي "جورجيا الباسمة"، وعد الرئيس الجورجي السابق ميخائيل ساكاشفيلي، سكان بلاده الفقراء بإرسال "جيش من أطباء الأسنان" لتركيب أسنان جديدة تجعل ابتسامتهم "هوليودية"، وبدأ أطباء الأسنان في خلع أسنان البسطاء المتسوسة أو حتى التي لم تكن بحاجة لخلعٍ استعدادًا لاستبدالها مجانًا بمجرد الفوز في الانتخابات.
ولكن بعد هزيمة انتخابية مريرة، لم يحصل البسطاء على أسنانهم البيضاء الصناعية "اللؤلؤية" الجديدة وجاءت المعارضة للسلطة مع مئات المواطنين الجورجيين بلا أسنان ودون أمل يلوح في الأفق لإصلاحها.
ووسط ضحكات الجمهور وغضبهم أحيانا، عُرض في مهرجان الجزيرة بلقان السابع للأفلام الوثائقية، الفيلم الوثائقي "جورجيا الباسمة" للمخرج والسينمائي الجورجي الشاب لوكا بيرادزي، الذي أخذ المشاهدين لقرية جورجية نائية، متتبعا حياة سكانها البسطاء والمزارعين وكبار السن، ومستعرضا وجوها وأفواها بلا أسنان تمثل بحد ذاتها تحذيرا شديد اللهجة من تصديق وعود الساسة الشعبويين والتصويت لأسباب شخصية بحتة.
قصة رمزيةوقال المخرج لوكا بيرادزي إن القصة رمزية وفريدة واستلهمها من محاولة الساسة أخذ أجزاء من أجساد البشر، مما جعله يعتقد أن "هذا العبث يمكنني من إنشاء أيقونة لتعامل الساسة في كل بلد مع الناس، وكيف يتم تقديم الوعود كل مرة ولا يتم الوفاء بها".
وأضاف في حديثه للجزيرة نت "عندما ذهبت إلى القرية والتقيت بهؤلاء الناس شعرت أنه يجب علي أن أروي هذا النوع من القصص لأنني رأيت كيف يعيشون في طبيعة خلابة وكيف لم يفقدوا حس الدعابة وكيف يحاولون الخروج من دائرة الأكاذيب هذه"، وأردف قائلا "رأيت كيف يتذكر السياسيون ووسائل الإعلام هذه الأماكن النائية فقط أثناء الانتخابات".
في الوثائقي، الجميل والمرير في آن، بقي الناس المغلوبون على أمرهم بلا أسنان، وتقبلوا مصيرهم بقدر من السخرية والفكاهة، وواصلوا حياتهم اليومية واحتفالات الزفاف والعناية بالمزروعات والحيوانات، فالحياة تستمر بلا أنياب، والبسطاء دوما هامش أو حاشية على متن الرؤساء أو الرؤساء المحتملين وحتى المرشحين الخاسرين
وفي الوثائقي، الجميل والمرير في آن، بقي الناس المغلوبون على أمرهم بلا أسنان، وتقبلوا مصيرهم بقدر من السخرية والفكاهة، وواصلوا حياتهم اليومية واحتفالات الزفاف والعناية بالمزروعات والحيوانات، فالحياة تستمر بلا أنياب، والبسطاء دوما هامش أو حاشية على متن الرؤساء أو الرؤساء المحتملين وحتى المرشحين الخاسرين.
وميخائيل ساكاشفيلي، الذي عاش في بلدان عديدة ويجيد 7 لغات، تولى -بالإضافة إلى رئاسته لجورجيا من 2008 حتى 2013- منصب حاكم مدينة أوديسا الأوكرانية بعد حصوله على الجنسية الأوكرانية عام 2015. ومع ذلك، دخل في خلافات مع الرئيس الأوكراني الذي عينه وسرعان ما غادرها.
واعتقل الرئيس السابق -المؤيد للغرب الذي قاد في عام 2003 "ثورة الورود" التي أطاحت بالنظام الشيوعي الجورجي- العام الماضي بعد فترة قصيرة من عودته إلى جورجيا على خلفية محاكمة غيابية تعود لسنوات مضت.
وتنتمي قصة الفيلم لأفلام وحكايات "التاريخ البديل من أسفل" حيث تقدم الأحداث التاريخية من منظور البسطاء بدلا من منظور الحكومات والقادة والرؤساء.
ويجمع الوثائقي السينمائي بين التراجيديا التي تضفي دراما مضاعفة على حياة أبطالها، والكوميديا التي تبدو كقناع إنساني لا يخلو من آلام البؤس، مع مناظر طبيعية مذهلة للريف الجورجي الأخضر ونمط حياة محلي ساحر يبقى محفوظا في ذاكرة المشاهد، وأبطال عاديين هم القرويون الذين لم يطلبوا حتى أسنانا جديدة.
وإذ تدور فصول اللعبة السياسية أمام الكاميرات بعيدا عن حياة القرية وواقع سكانها، يتابع الوثائقي قصة الضحايا بعد أكثر من عقد على خلع الأسنان الأليم، ورغم أن أبطال الفيلم من البسطاء لا يشتكون كثيرا أمام الكاميرا من أسنانهم المفقودة ولا صعوبة المضغ والكلام ولا تشوه صورهم، لكن في كل مرة يفتحون أفواههم محاولين الابتسامة أمام الكاميرا يتذكر المشاهد القصة كلها.
ومع ذلك فالحياة ليست بائسة تماما في القرية النائية، بل فيها أوجه الفرح والدفء والحميمية المفقودة في قاعات السياسيين، واختار المخرج أن يجعل الكاميرا تتجول في القرية وبيوتها مؤثرا الصمت والتدخل المحدود للغاية تاركا الفرح يأخذ مجراه في حياة البسطاء الذين وثِقوا فيه وتركوه يصور حياتهم بأريحية.
الحياة ليست بائسة تماما في القرية النائية، بل فيها أوجه الفرح والدفء والحميمية المفقودة في قاعات السياسيين، واختار المخرج أن يجعل الكاميرا تتجول في القرية وبيوتها مؤثرا الصمت والتدخل المحدود للغاية تاركا الفرح يأخذ مجراه في حياة البسطاء الذين وثِقوا فيه وتركوه يصور حياتهم بأريحية
ويظهر في الفيلم العديد من الثنائيات من قبيل الريف والمدينة، ذوي النفوذ الذين يظهرون في التلفاز ويذهبون للقرى ببذلهم الأنيقة في مواسم الانتخابات وبين البسطاء من سكان القرى الذين لا يأبه بعضهم بما يجري في المدينة بينما ينخدع آخرون بخطابات السياسيين الحماسية، لكن المفارقة الأكبر بالفيلم، في العنوان، الذي هو أيضا شعار الحملة الانتخابية، فالابتسامة الجورجية بلا أسنان، ووحدهم الفقراء يبتسمون أحيانا بالمزيد من الألم حتى إن ابتسامتهم تصبح أكثر دلالة على البؤس.
وحدهم الفقراء يبتسمون أحيانا بالمزيد من الألم حتى إن ابتسامتهم تصبح أكثر دلالة على البؤس
يحقق الفيلم توازنًا دقيقًا بين التراجيديا والكوميديا، مما يضفي عليه طابعًا إنسانيًا وعاطفيًا عميقًا. فهو لا يكتفي بعرض المآسي والخيبات، بل يستخدم الفكاهة لتخفيف حدة الألم وإتاحة مساحة للتفكير العميق في وعود السياسيين الزائفة وتأثيرها على حيوات البشر.
في "جورجيا الباسمة"، كانت "كلمات الشرف" الانتخابية مدعومة بوعود أقل طموحًا وأرخص وأقل تكلفة من الوفاء بها، وكأنها درس للتحذير من سهولة التلاعب بالبسطاء الذين يستغلهم الساسة، دون أن يشكّوا على ما يبدو أو لا يرغبون في الشك بأن آمالهم قد تُخدع كالمعتاد.
وانطلق، قبل أيام، مهرجان الجزيرة بلقان السابع للأفلام الوثائقية (AJB DOC) بالتزامن مع البرنامج المهني لصناعة الوثائقيات "أيام الجزيرة الوثائقية" بالعاصمة البوسنية سراييفو، ويعرض المهرجان 24 فيلما وثائقيا تتناول العنف ضد الفلسطينيين وتتناول أيضا الاضطرابات الاقتصادية والسياسية في العالم، تحت شعار "العدالة؟"، وبالإضافة إلى ذلك عقد برنامج مصاحب يشتمل على عروض خاصة وحلقات نقاش وجلسات تدريب لصانعي الأفلام الشباب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی القریة
إقرأ أيضاً:
أسنان عين شمس تستضيف ندوة "اطمن" ضمن الحملة العالمية لمناهضة العنف
استضافت كلية طب الأسنان جامعة عين شمس ندوة بعنوان "أطمن" ضمن فعاليات الحملة العالمية "16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة"، التي انطلقت في ديسمبر الجاري تحت رعاية الأمم المتحدة والمجلس القومي للمرأة.
جاء ذلك تحت رعاية الدكتور محمد ضياء زين العابدين، رئيس جامعة عين شمس، والدكتورة غادة فاروق، نائب رئيس الجامعة لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، وبإشراف الدكتور كريم البطوطي، عميد كلية طب الأسنان، والدكتورة ولاء حامد، وكيلة الكلية لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة.
واستهدفت الندوة بشكل رئيسي طلاب وطالبات الكلية والعاملين بها، لتوعيتهم بطرق الحماية من مختلف صور العنف داخل وخارج الحرم الجامعي، سواء في الأماكن العامة أو الخاصة، مع تسليط الضوء على جهود جامعة عين شمس والكليات المختلفة نحو توفير بيئة تعليمية آمنة ومحمية للجميع.
وألقت الدكتورة شيماء نعيم، مدير إدارة التخطيط الاستراتيجي بالمجلس القومي للمرأة، نيابة عن المستشارة أمل عمار، رئيس المجلس القومي للمرأة، كلمة أوضحت فيها الخدمات المقدمة والجهود المبذولة من قبل الدولة لدعم الأسرة المصرية وخاصة المرأة المصرية. كما سلطت الضوء على كافة الخدمات في مجالات التمكين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وآليات الحماية، مشيرة إلى خطوط الشكوى الساخنة مثل الخط الساخن للمجلس القومي للمرأة والخط الساخن لمباحث الإنترنت.
وألقت الدكتورة هند الهلالي، مدير وحدة دعم المرأة بجامعة عين شمس، كلمة تطرقت فيها إلى الخطوات والآليات السليمة للتعامل مع الأزمات ومكافحة جميع أشكال العنف، وخاصة الرقمي والإلكتروني، وطرق التوجه الرسمي عبر الخطوط الساخنة والإجراءات القانونية المعمول بها.
وعلى هامش الندوة، تم تنظيم ورشة تدريبية لمجموعة من الإداريين والإداريات، تناولت آليات التغلب على الضغوط والتحديات اليومية في بيئة العمل والأسرة. وأدارت الورشة الدكتورة أماني عبد العال، أخصائي النفس الإكلينيكي بوحدة دعم المرأة ومناهضة العنف، باستخدام تقنيات فنية متنوعة مثل العلاج بالفن، الرسم، الفنون الإيقاعية، والنحت لتعزيز الصلابة النفسية، خاصة خلال فترة الدراسة والامتحانات.
شهدت الندوة تفاعلاً إيجابياً من الإداريين الذين طرحوا أسئلة مهمة أثرت المناقشات، مما أتاح منصة لتبادل الخبرات وتعميق الفهم حول كيفية مواجهة العنف وتأمين بيئة آمنة داخل الجامعة.
تأتي هذه الفعالية ضمن الجهود الوطنية المتواصلة لحماية المرأة والطلاب داخل المجتمع الجامعي، وتجسيدا للدور الفعال الذي تلعبه جامعة عين شمس والمجلس القومي للمرأة في مكافحة العنف وتعزيز بيئة تعليمية وسكنية آمنة للجميع.