إعفاء القبيلة من تفويج مساكينها للموت
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
إعفاء القبيلة من تفويج مساكينها للموت
صلاح شعيب
القبيلة في السودان لا تقوم قائمتها إلا لدى مساحة حيازتها للأرض التاريخية. ولا تتشرعن إلا في نطاق حيزها الوجودي المحصور بالحواكير، والدوامر، والديار. أما خارج هذه الحوزات المتوارثة فلا يوجد لها سلطان شرعي نافذ على أعضائها الموزعين في تخوم البلاد. وما يثبت هذا الزعم كثير.
وعلى النقيض: إلى أي مدى تستطيع قبيلتي، أو قبيلتك، أن تخضع نظرنا دائماً لرؤاها العامة، وخصوصاً السياسية، وذلك حين يتخذ العمد، والنُظار، والشراتي، والمكوك، قراراً بتأييد فكرة سياسية، أو نظام حكم ما؟، وهل بالضرورة يكون قرار زعامات هذه القواعد القبلية المتعلق بتأييدها الجيش أو الدعم السريع – مثلاً – ملزماً على مجموع الكيان العشائري الذي تتفرق انتماءاته على عموم تياراتنا الحزبية، أو الجماعات المستقلة سياسياً؟
الأسئلة من هذا النوع تترى حتى في حال وجود تكوينات، أو دوائر مستترة داخل الدولة، أو المجتمع، إذ هي تملك هنا تحيزات قبلية لأهلها، أو هم أنفسهم يكونون أجساماً في مجالات السياسة، والاقتصاد، والرياضة، والفن، لتخدم سرياً فرد القبيلة، وبالتالي يكون العرف على مدار قرون، أو سنوات، هو أن هذا الأجسام فاعلة، وتورث تعاونها القبلي هذا لأجيال، وأجيال.
تاريخياً، لاحظنا أن دور القبيلة يتصاعد وينخفت أثناء وجود التوتر الأمني لمركز للبلاد في فترات الحرب، وكذلك حين تحين أوان الانتخابات. ما عدا ذلك فإن القبيلة بوجودها الجغرافي في أزمان الاستقرار السياسي، والأمني الضئيلة يتراجع، خصوصاً في فترة ما بعد الاستقلال. بل ينصرف أعضاء القبيلة في الجغرافية المحددة، وخارجها، إلى المزيد من الانشغال بالعمل القومي المدني، او العسكري، او التجاري، إلخ. وعندئذ تذوب هذه الذرية السودانية في فضاء الانتماء السياسي، والأيديولوجي، والثقافي، والفني، ويعبرون عن روح قومية بدوافع شتى. فأبناء وبنات القبائل المتحدرين من الريف تجدهم يحاولون إثبات وجودهم القومي بالعطاء المهني، والإبداعي. وبعضهم يعضدون الانحياز القبلي، وبعضهم الآخر ينخرط في التحيزات القبلية بمفرده، أو بدعم الجماعات المستترة الضيقة لخدمة كل ما هو قبلي يليهم.
اعتقد أن مشكلتنا ليست في القبلية أصلاً، أو في عطاء فردها جِذراً. إن المشكلة تكمن في قدرة الأوليغارشية السودانية على توظيفها في لحظات السلم والحرب. فمتى ما كفت النخب الفاعلة في الدولة عن توريط القبيلة في صراعاتها بقيت القبيلة آمنة، وضرورية، للحفاظ على وجودها، وثقافاتها، وفنونها. بل هي مصدر التنوع الإثني المفروض في الوجود.
من هنا نطالب بعدم الزج بالقبائل السودانية بلا استثناء في هذا الصراع الذي يبتدر عناصره الأوليغارشيون العمل لصالحهم وحدهم، وقليل من أقرباء الدم، وليس كامل أفراد القبيلة الذين ينتمون للكتلة الحرجة التاريخية.
في هذه الحرب..مهما تمت سرقة لسان حال القبيلة، أو ترميزاتها الثقافية، والاجتماعية، أو قرارها، أو الجمع بينها والقبائل المتجاورة، لتكوين تحالفات جهوية لإنتاج الموت والدمار، فإن الحقيقة البائنة أنه لا يوجد أحد يملك شرعية في القبيلة إلا النظار، والعمد، والشراتي، والمكوك، فقط في حدود سلطاتهم العرفية في الأرض الجغرافية المحددة التي توارثوها أباً عن جد. أوليس لأبناء القبيلة الواحدة مناظير سياسية متعددة، ويناضلون من أجلها حتى التفدية بالروح؟ أوليس داخل الأسرة الواحدة – ناهيك عن القبيلة – البعثي، والشيوعي، والمنتمي للمؤتمر السوداني، والأحزاب الاتحادية، وأحزاب الأمة، والحركة الشعبية، والمستقلين، وهل يملك هؤلاء جميعاً اتفاقاً حول الموقف من الحرب الدائرة؟
يا أيها الذين يسترزقون بدم الإنسان السوداني المغيب عقله: كفوا عن تجييش القبائل لصالح أبنائكم، وأحفادكم. فالله يراقب إثمكم المستتر. الوسومالقبلية حرب السودان
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: القبلية حرب السودان
إقرأ أيضاً:
عادل الباز يكتب: سياسة امريكا.. ثلاثية وقدها رباعي.!!
1 في أي تحليل سياسي، لا بد من النظر في السياق الذي تجري فيه الأحداث وترتيبها زمنيًا لمحاولة فهم وتفكيك وكشف الأهداف التي تسعى إليها الأطراف الفاعلة في القضية محل البحث. في هذا الإطار، نسعى لقراءة البيان الأخير الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية بشأن الحرب في السودان، والذي يفضح “ثلاثية” قائمة على المصالح، وازدواجية المعايير، والتواطؤ، وتُقدَّم كأنها مشروع سلمي وأخلاقي وإنساني، بينما هي مجرد أداة لتحقيق المصالح، وإدارة النفوذ، وتمتين التحالفات.
2
ما إن عاد ترامب محمّلًا بالتزامات تريليونية من الإمارات، حتى بدأت أجندة الاتفاقيات السرية، وخاصة فيما يخص السودان، تتكشف شيئًا فشيئًا. وكما يرغب السيد ترامب في أن يحصد الدولار الإماراتي، هناك أجندة إماراتية لا بد من تمريرها عبر أمريكا لتصبح تلك التريليونات مستحقة و”حلالًا” وواجبة الدفع.
3
فما إن عاد السيد ترامب، وبعد أقل من أسبوع، حتى أُثيرت كذبة “الأسلحة الكيميائية” التي يُزعم أن الجيش استخدمها ضد المتمردين، ثم أعقب ذلك الإعلان عن عقوبات ستصدر خلال شهر يونيو على قادة الجيش بناءً على تلك الكذبة. وسرعان ما استدعت الخارجية الأمريكية ثلاثة سفراء من الإقليم، هم سفراء مصر والإمارات والسعودية، للقاء نائب وزير الخارجية الأمريكي، كريستوفر لانداو، والمستشار الأول لشؤون أفريقيا، مسعد بولس.
هكذا أصبح اللعب على المكشوف. الإمارات لا تعطي ولا تشتري سلاحًا أمريكيًا لوجه الله؛ فهناك متطلبات يجب على أمريكا تلبيتها، خاصة إذا كانت تلك المتطلبات تخص دولة لا تعني أمريكا في شيء، ولا يضيرها أن تدينها أو تفرض عليها عقوبات، أو حتى تضربها عسكريًا.
4
متطلبات الإمارات تتمثل في مساعدتها على الخروج من ورطتها التاريخية التي دخلت فيها برجليها، وغرقت فيها حتى أذنيها،وتلطخت أيديها بدماء السودانيين حين دعمت ومولت ميليشيا مجرمة، لأجل ذلك استدعى السيد كريستوفر السفراء الثلاثة: ريما بنت بندر آل سعود من المملكة العربية السعودية، والسفير معتز زهران من جمهورية مصر العربية، على عجل. ثم أصدرت الخارجية بيانًا يدعو إلى وقف الحرب فورا في السودان، وليس في غزة أو أوكرانيا! ففي حين تسارع الولايات المتحدة لإدانة السودان وفرض عقوبات عليه، نراها تدافع عن إسرائيل التي ترتكب كل ما في دفاتر الحروب من جرائم، بل وتزوّدها بالسلاح والدعم السياسي الكامل لإنجاز مهمتها في إبادة شعب غزة.!
5
… ولكن لماذا تطالب أمريكا بوقف الحرب في السودان تحديدًا؟ يقول البيان:
“انطلاقًا من إدراكهم أن الصراع في السودان يهدد المصالح المشتركة في المنطقة، وتسبب في أزمة إنسانية كبرى”.
والسبب الثاني:
“الولايات المتحدة لا تعتقد أن هذا النزاع قابل للحل العسكري”.
وبناءً عليه :
“ينبغي على المجموعة الرباعية أن تبذل جهدًا مشتركًا لإقناع الأطراف المتحاربة بوقف الأعمال العدائية والتوصل إلى حل تفاوضي”.
ولتغطية الأسباب الحقيقية التي دفعت أمريكا لهذا التدخل العاجل جاء في البيان :
“أكد نائب الوزير، في ضوء التأثير الإقليمي المتزايد للأزمة السودانية، التزام الولايات المتحدة بالعمل عن كثب مع دول المجموعة الرباعية من أجل معالجة هذه الأزمة”.
ثم ماذا بعد؟
“ناقش كريستوفر معهم الخطوات التالية لتحقيق هذا الهدف”، وهو إيقاف الحرب!
هذا بيان “تعاين فيه تضحك وتمشي ما تجيه راجع!”، لأنه بيان تتدثّر فيه المصالح بالأكاذيب، ويثير الغثيان في كل فقرة من فقراته!.
6
انظر – يا هداك الله – إلى مقولة:
“الصراع في السودان يهدد المصالح المشتركة”؟
أي مصالح مشتركة تلك التي تهددها حرب السودان الآن وهي تجري على سهول كردفان وأقاصي دارفور؟ هل لأمريكا، أو مصر، أو السعودية، أو الإمارات مصالح مشتركة هناك؟ بل هل لهذه الدول مصالح مشتركة في السودان أصلًا؟ وما هي؟ وهل تلك المصالح التي في البحر الأحمر، يهددها السودان أم تهددها الحرب في اليمن؟ وماذا فعلت أمريكا لحماية المصالح المشتركة في البحر الأحمر بسبب حرب اليمن؟ وماذا عن الموانئ والقواعد العسكرية الاماراتية المنتشرة في البحر الاحمر والتى تهدد بالفعل الأمن الإقليمي ؟. إن الحديث الفضفاض عن “مصالح مشتركة” يخفي خلفه رغبة إماراتية – بتواطؤ أمريكي – في بسط النفوذ على موانئ السودان وسواحله، وتأمين خطوط الذهب والموارد الطبيعية، حتى وإن تم ذلك عبر حروب الوكالة.
7
ولكن هب أن هناك مصالح مشتركة فعلًا، فبعد أكثر من عامين من الحرب المستمرة ، كيف اكتشفت أمريكا فجأة أن تلك المصالح المشتركة المزعومة تهددها حرب السودان؟ ولماذا الآن؟
بعد أن وعدت الإمارات باستثمار تريليون و300 مليون دولار في أمريكا وبعد أن تم دحر وهزيمة الجنجويد في خمس ولايات، والزحف مستمر لتحرير بقية الولايات؟ الآن فقط وفي هذه اللحظة أصبحت الحرب تهديدًا وجوديًا للمصالح المشتركة؟!
قل يا ايها المنافقون الكاذبون من يصدقكم؟!!
8
بصفاقة مدهشة، يتحدث البيان عن أن الحرب تسببت في “أزمة إنسانية كبرى”، وهذا يحدث في حين أن إدارة كريستوفر نفسها أصدرت قبل شهرين قرارًا بوقف المساعدات الأمريكية التي تقدمها (USAID) للسودان، مما زاد من تفاقم الأزمة الإنسانية التي يتحدثون عنها!
كيف تتحدث أمريكا عن أزمة إنسانية وتمنع الإغاثة عن السودان؟ بلاش استهبال.
9
يقفز البيان مباشرة إلى النتيجة:
“هذا النزاع غير قابل للحل العسكري”
منذ متى عرفتم أن هذا النزاع غير قابل للحل العسكري؟ قبل هزيمة الجنجويد؟ أم بعدها؟
حين كانت الميليشيا متمددة في طول البلاد وعرضها، لاذوا بالصمت، حتى تكمل الميليشيا مهمتها في ابتلاع البلد عسكريًا. أما الآن بعد أن دُحرت، فجأة “لا حل عسكريًا للصراع”! في وقت يُحرز فيه الحل العسكري تقدمًا حاسمًا على الأرض!!.
إذا كان الادعاء أنه “ليس هناك حل عسكري”، فما هو الحل إذًا؟
يقول البيان المهترئ:
“وقف الأعمال العدائية والتوصل إلى حل تفاوضي”.
بالله شوف! أليس هذا السيناريو قد تكرر سابقًا؟
ألم تدعُ أمريكا في الأسبوع الثالث للحرب إلى حل تفاوضي؟ وافق الجيش على ذلك وذهب وتم توقيع اتفاق جدة كأول حل تفاوضي.
فما الذي حدث؟ لم تُنفذ الميليشيا الاتفاق الذي شهد عليه العالم والرباعية.
لم تُحاسب أو تُعاقب الميليشيا، بل واصلت أمريكا في تدليلها وبريطانيا في حمايتها في مجلس الأمن فلماذا تدعو أمريكا الآن إلى حل تفاوضي جديد وكأن ما جرى على يديها لم يكن؟ وكيف نثق في “حل تفاوضي” ثانٍ بينما الأول لا يزال معلقًا؟
حل تفاوضي الآن بدون تنفيذ الأول يعني ببساطة إعادة الميليشيا إلى دائرة الفعل العسكري والسياسي مجانًا. وهذا هراء. وهيهات أن يحدث.
10
في ختام البيان هناك إشارة مهمة ولكنها مبهمة تقول:
“ناقش كريستوفر معهم – السفراء – الخطوات التالية لتحقيق هذا الهدف”.
ما هي تلك الخطوات التالية؟
ماذا يُخبئون لنا؟ وإلى أين يسيرون؟
لا بد أن هذه “الخطوات التالية” لا تزال قيد التشاور، أو لم يتم الاتفاق عليها بعد. ومن المرجح أن تشمل:
– استخدام دول أخرى كأدوات ضغط
– آليات من منظمات دولية ومجلس الأمن
– تصعيد سياسي بمزيد من العقوبات
– تصعيد عسكري محتمل، قد يشمل ضربات دقيقة تستهدف مواقع وشخصيات هامة.
كل ذلك قد يكون من أجل التمهيد لمؤتمر إقليمي أو حتى دولي، لعملية تفاوضية تشارك فيها الإمارات – ممولة الحرب ومرتزقة الجنجويد – ليجلسوا على طاولة واحدة مع الضحايا .!
هدفهم: التوصل إلى اتفاق مفروض يحقق ما لم تستطع الإمارات وميليشياتها تحقيقه بالحرب.
لكن هيهات! لماذا؟
لأن الذي يفاوضهم هذه المرة ليس الجيش، ولا الحكومة، بل الشعب.
ولن يستطيع أحد أن يتحدث باسمه أو يوقع نيابة عنه.
الشعب يعرف تمامًا ما يريد:
المليشيا وممولوها وأعوانها… خارج المشهد السياسي والعسكري.
غير ذلك؟ بل بس ، ولتَركب أمريكا وسدنتها وعملاءها أعلى بواخرها لتغزونا… فليس لدينا ما نخسره.
بلادنا وقد دمروها، لم يتبقَّ إلا كرامتنا
وهذه لن نفرط فيها ما دمنا نخوض معركتنا الأخيرة تحت راياتها.
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتساب