لجريدة عمان:
2025-12-14@16:20:38 GMT

بين المتنبي وكارل روجرز !

تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT

يهرب الإنسان من مآسي الحياة مع قلة حيلته إلى مهارب وملاجئ شتَّى، ويتخيّر ملجأه كما يتخيّر صديقًا، فما الغرض من الملجأ إن لم يمنحنا الطمأنينة، أو المتعة حتى !. أستلذ بسماع الشعر ويطربني، لا لمصاحبة النغم، بل لما فيه من معانٍ تفوق قدرة الفنان بريشته، والساحر بسحره أن يمثّلاها كما يفعل الشاعر؛ ومن ذلك بيت المتنبي: « كَفى بِجِسمي نُحولًا أَنَّني رَجُلٌ * لَولا مُخاطَبَتي إِيّاكَ لَم تَرَني»، فكيف سيرسم الفنان رجلًا نحيلًا، وفي الوقت ذاته لا يمكن رؤيته بحال؟ وكذلك بالنسبة إلى الساحر الذي أسقط فـي يده وهو يحاول تجسيد البيت.

وإذا كانت الحياة منحت قبلتها لآينشتاين الذي جاء بعدما تضافرت جهود العلماء قبله، وبنى على أبحاثهم، فقد كان حبة الكرز فوق الكعكة بتعبير الغرب، أو تبزيرة العيد للحم الشواء عندنا، فقد كان المتنبي العبقريَ الذي لبس بُردة الشعر، وأحاط به إحاطة السوار بالمعصم، فقلَّما تبحث عن معنى ما -خيرًا كان أم شرًا- ولا تجد نظيرًا له فـي شعر المتنبي.

في صباح تعيس وأنا أشعر بقلة الحيلة بعد قراءة الأخبار الموجعة للإبادة التي يتعرض لها أهلنا الغزاويون، والعدوان الصهيوني على لبنان؛ قلتُ دعني أستمع إلى شيء من الشعر؛ كي أستطيع إنجاز مهامي اليومية وأستطيع التركيز ولو قليلا على ما فـي يدي من أمور عالقة. تذكرتُ صديقًا عزيزًا لم أستمع إليه منذ مدة طويلة، صديًقا طالما رافقني فـي السيارة والبيت والمدرسة والطفولة. بحثت فـي محرك البحث عن المتنبي، واخترت أول قصيدة ظهرت لي بصوت فالح القضاع؛ فحلّت النشوة والدهشة محلَّ الانكسار واليأس. بدأت يومي منتشيًا بقول المتنبي الذي أجابني عن سؤال النفس، «لماذا يموت كل هؤلاء البشر ويقاومون بضراوة ولم ييأسوا!» فجاء الجواب: «إذا اعتادَ الفتى خوضَ المنايا* فأهونُ ما يمرُّ به الوحولُ».

أحاول التعمق فـي علم النفس واستكشاف معالمه بطريقة جادة وحقيقية هذه المرة، فلا أريد أن أقرأ العقد الفريد فـي الوقت ذاته الذي أقرأ فيه ديوان سيلفيا بلاث، أو أن أقرأ نقد العقل المحض فـي وقت قراءتي لعينية ابن سينا بغض النظر عن صحة نسبتها إليه-، ولكن الحياة لا تتيح لك الخيارات المتعددة دائمًا، بل تلقي إليك بما تخبئ ولك الخيار فـي الأخذ أو الإعراض. متصفحًا نشأة علم النفس وتطوره، وقعت عيني على فصل عن عالم النفس الأمريكي كارل روجرز الذي طور ما نستطيع أن نطلق عليه «علم النفس الإيجابي»، وهو ببساطة -بلغة غير علمية- يركز على تحقيق المرء لذاته وتطويرها من مبدأ أن النفس البشرية تتوق إلى الكمال. •أقرأ أكثر عن مدرسة روجرز وماسلو، فأسمع صهيل خيل المتنبي آتية من أقاصي التاريخ لتخبرني عن فارسها الذي بثَّ فـي شعره نماذج مما يمكن اعتباره «العلاج المتمركز حول الشخص أو العميل» أو (Person-Centered Therapy) كما سماها روجرز.

أثّرت مدرسة روجرز فـي معاصريه، ومنهم المؤلف ورائد الأعمال الأمريكي دبليو. كليمنت ستون الذي تنسب إليه مقولة شهيرة تستعمل إلى اليوم «صوّب -رميتك- إلى القمر، فإن لم تصب القمر فستصيب النجوم»، فإذا بي أجد بيت المتنبي «إذا غامَرتَ فـي شرفٍ مرومِ * فلا تقنَعْ بما دونَ النجومِ». وعبارة المتنبي أبلغ كلاما ومعنى، فالنجوم أعلى مرتبة وأبعد شأوا. كما أن هذا البيت يتطابق مع مفهوم «تحقيق الذات» فـي نظرية روجرز، وهو سعيه لأن يحقق أقصى ما يريد مستعملًا إمكانياته الكاملة تمامًا. ومن المعلوم أن أحمد بن الحسين بحر زاخر، وإذا ما أردنا أن نتخيّر من ديوانه أبياتًا تتسق مع نظرية روجرز فلن يسعفنا المقام، ولكننا نتخير منها ما يتطابق تطابقًا عجيبا مع نظرية روجرز، كالبيت الذي يقول فيه

«على قدرِ أهلِ العزم تأتي العزائمُ * وتأتي على قدرِ الكرامِ المكارمُ»، فهو يتفق مع أحد المفاهيم الأساسية فـي نظرية روجرز، وهو الفرق بين الذات الحقيقية والذات المثالية. لذلك نجده يعبّر فـي هذا البيت عن الفجوة بين ما هو عليه حقًا وما يريد أن يكونه.

وفي العموم، نجد أن المتنبي فـي ديوانه -برواياته المختلفة- يحيط بنظرية روجرز تمام الإحاطة، وهي النظرية المرتكزة على ستة أسس فـي مجالها الأوسع؛ تحقيق الذات، الذات الحقيقية والذات المثالية، التقدير الإيجابي غير المشروط، التطابق أو الأصالة، التعاطف، البيئة المواتية للنمو، أؤمن أن علم النفس يتيح لنا قراءة شخصيات الماضي قراءة جيدة، كما أنه يرينا نسخة غير النسخة المتعارف عليها، فقراءة المتنبي على سبيل المثال من خلال نتاجه الأدبي، يقرّبنا من نفسية المتنبي ورؤيته للأمور، وهو ما يجعلنا نفهمه فهمًا أعمق ونسبر أغوار روحه جنبًا إلى جنب مع معرفة مرامي أبياته وقصائده، متجاوزين اللغة التي تحتمل الأوجه، إلى الصورة الأشمل للشاعر الإنسان.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: علم النفس

إقرأ أيضاً:

من هو رائد سعد الذي اغتالته إسرائيل بعد 35 عاما من المطاردة؟

غزة- أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مساء اليوم السبت اغتيال رائد سعد القيادي في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، باستهداف سيارة مدنية على الطريق الساحلي جنوب غرب مدينة غزة.

وزعم الاحتلال أن اغتيال سعد جاء ردا على خرق لاتفاق وقف إطلاق النار، بتفجير عبوة ناسفة في وقت سابق بقوة من الجيش الإسرائيلي داخل غزة، لكن القناة الـ 12 العبرية قالت إنه "تم استغلال الظروف المواتية لاغتياله دون أي علاقة بأي انتهاك للتهدئة".

وأطلق الجيش الإسرائيلي على عملية اغتيال سعد اسم "وجبة سريعة"، حيث سنحت له الفرصة لاغتيال الرجل الثاني حاليا في الجناح العسكري لحركة حماس، بعد القيادي عز الدين الحداد الذي يقود كتائب القسام.

وباغتيال رائد سعد تكون إسرائيل قد نجحت في الوصول إليه بعد أكثر من 35 عاما من المطاردة، تعرض خلالها للكثير من محاولات الاغتيال.

مسيرة قيادية

ولد رائد حسين سعد في الخامس عشر من أغسطس/آب عام 1972 في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، والتحق مبكرا بصفوف حركة حماس، وبدأ الاحتلال يطارده في بداية الانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987.وعتقلته قوات الاحتلال أكثر من مرة.

حصل على درجة البكالوريوس في الشريعة من الجامعة الإسلامية أثناء وجوده في السجن عام 1993، حيث كان نشطا حينها في الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة حماس، وحصل سعد على شهادة الماجستير في الشريعة من الجامعة نفسها عام 2008.

وبحسب المعلومات الخاصة التي حصلت عليها الجزيرة نت، التحق سعد بالعمل العسكري مبكرا، وعمل مع قدامى المطاردين من كتائب القسام أمثال سعد العرابيد، ويعتبر من أواخر جيل المطاردين في مرحلة انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000.

وتولى سعد منصب لواء غزة الشمالي في  كتائب القسام عام 2007، وكان ممن أشرفوا على تأسيس وتأهيل القوة البحرية للكتائب في غزة.

إعلان

وفي عام 2015 ترأس ركن العمليات، وكان عضوا ضمن مجلس عسكري مصغر مكون من قيادة كتائب القسام في قطاع غزة، إلى جانب القياديين محمد الضيف ومروان عيسى، وذلك في الفترة الواقعة بين عامي 2012 و 2021.

كيف تناول الإعلام الإسرائيلي عملية اغتيال رائد سعد في غزة؟.. التفاصيل مع مراسلة #الجزيرة فاطمة خمايسي#الأخبار pic.twitter.com/gLL2nMKLsc

— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) December 13, 2025

تقول إسرائيل إن سعد كان مسؤولًا عن الخطط العملياتية للحرب، حيث أشرف على خطوتين استراتيجيتين شكّلتا أساس الاستعداد التنفيذي لعملية طوفان الأقصى: الأولى إنشاء كتائب النخبة، والثانية إعداد خطة "سور أريحا"، الهادفة إلى حسم المعركة ضد فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي.

وزعم الاحتلال -خلال الحرب الأخيرة على غزة- اعتقاله أثناء اقتحام مجمع الشفاء الطبي في مارس/آذار 2024، ونشر صورته حينها ضمن مجموعة ممن تم اعتقالهم، قبل أن يعترف بأنها وردت بالخطأ مما يشير إلى ضعف المعلومات الاستخبارية المتوفرة عنه لدى الاحتلال الإسرائيلي.

وتعرض سعد أيضا خلال الحرب لعدة محاولات اغتيال، كان أبرزها في شهر مايو/ أيار عام 2024، بقصف منطقة سكنية بمخيم الشاطئ، وعرض الجيش الإسرائيلي مكافأة مالية قيمتها 800 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للوصول إليه بعد فشل اغتياله.

ونقلت إذاعة الجيش أن إسرائيل بحثت عن رائد سعد لفترة طويلة جدا، وسعت إلى اغتياله مرتان في الأسبوعين الماضيين، لكن الفرصة لم تكتمل، وبمجرد أن تم التعرف عليه مساء السبت وهو يستقل مركبة برفقة حراسه الشخصيين، نفذت الغارة على الفور.

واقع أمني جديد

وأمام اغتيال إسرائيل الشخصية العسكرية الأبرز في المقاومة الفلسطينية منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يعتقد الباحث في الشأن الأمني رامي أبو زبيدة أن "الاحتلال لا يتعامل مع التهدئة في قطاع غزة بوصفها حالة توقف عن الحرب، بل كمرحلة عملياتية مختلفة تُدار فيها المعركة بأدوات أقل ضجيجا وأكثر دقة".

وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن الاغتيالات والاستهدافات الانتقائية التي نُفذت مؤخرا تكشف بوضوح أن الحرب لم تنتهِ، بل أُعيد تدويرها ضمن نمط جديد يقوم على الضرب المتقطع، وإدارة الصراع بدل حسمه.

ولفت إلى أن الاحتلال يحرص على اختلاق مبررات ميدانية لتسويق عدوانه باعتباره ردا دفاعيا، "غير أن هذا الخطاب لا يخرج عن كونه محاولة مكشوفة لإعادة تعريف مفهوم الخرق نفسه، بحيث يصبح أي حادث أمني أو اشتباك محدود أو اختلاق أحداث غير موجودة -في عمق سيطرته داخل الخط الأصفر- ذريعة كافية لتنفيذ عملية اغتيال".

ويرى أبو زبيدة أن الاحتلال يسعى لفرض معادلة جديدة قوامها "أن التهدئة لا تعني الأمان"، وأنه يحتفظ بحق الضرب متى شاء، ويسعى من خلال هذا السلوك إلى فرض قواعد اشتباك أحادية الجانب، تمنحه حرية العمل الجوي والاستخباراتي داخل القطاع دون التزامات سياسية أو قانونية.

وأشار إلى أن الضربات المحدودة لا تهدف فقط إلى إيقاع خسائر مباشرة، بل إلى الحفاظ على زمام المبادرة، ومنع المقاومة من الانتقال من مرحلة الصمود إلى مرحلة التعافي وإعادة التنظيم، وإبقاء البنية التنظيمية للمقاومة في حالة استنزاف دائم.

إعلان

وفي البعد الأمني لفت أبو زبيدة إلى أن كثافة العمل الاستخباراتي تشير إلى أن الاحتلال يستغل فترة الهدوء لتحديث بنك أهدافه استعدادًا لجولات قادمة، وهو ما يفسر عدم تسريح وحدات سلاح الجو والطيران المسيّر، واستمرار عمل شعبة الاستخبارات العسكرية بكامل طاقتها.

ويعتقد الباحث في الشأن الأمني أن "السيناريو الأخطر يكمن في تطبيع هذا النمط من الاستباحة، بحيث تتحول الضربات الخاطفة إلى حالة دائمة، تُنفّذ على مدار الوقت، وإن كانت أقل كثافة من الحرب الشاملة، وهذا يعني عمليًا تكريس واقع أمني جديد في قطاع غزة، تُنتهك فيه التهدئة بشكل مستمر، ويُفتح الباب أمام نزيف دم متواصل بلا سقف زمني أو ضمانات حقيقية".

مقالات مشابهة

  • الأردن يدين الهجوم الذي وقع في أستراليا
  • الرئيس عون يدين الإعتداء الذي وقع في سيدني
  • من رجل القسام الثاني الذي اغتالته إسرائيل؟
  • إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذي ما زالوا في غزة
  • جروسي يدعو لضبط النفس في الحرب الروسية الأوكرانية لتجنب وقوع حوادث نووية
  • من هو رائد سعد الذي اغتالته إسرائيل بعد 35 عاما من المطاردة؟
  • الوكالة الدولية الذرية: من الضروري ضبط النفس لتجنب وقوع حادث نووي
  • ما أهمية إقليم دونباس الأوكراني الذي تسيطر روسيا على معظمه؟
  • "الناجي الوحيد".. لقب "بتول" الذي جردها الفقد معانيه
  • من وحي ” علم النفس “