وُلِـدَ الفـرد في التّـاريـخ الحـديث مع ولادة الحـقّ المـدنـيّ والسّـياسـيّ. قبل هـذا لم يكـن هنـاك فـردٌ بالمعـنـى الـدّقـيق، بـل كـان كـلُّ واحـدٍ جـزءا مـن نـظـامٍ جـمـاعـيّ يـنـتـمي إليـه ويـتـحـدّد بـه. كـان مشـدودا إلى روابـط الأهـل والعـشيـر: عائـلـة أو عـشيـرة أو قـبيـلة وما في معنـاها، مُـنْحـكـماً بـما تـقـضي بـه من قـيـمٍ ومن أحكـام؛ ذاتُـه من ذاتـها الجـماعيّـة: ذائـبـةٌ فيها ومـنـدغمـةٌ ولا كيـانَ خـاصّـاً لـه يستطيـع الاستـقـلالَ بـه عن النّـظـام الجـمْـعـانيّ السّـائـد.
ليس يـعْـنينـا، في هـذا المقـام، أن نـحـلِّـل عـملـيّـة التّـفـكُّـك التي شـهِـد عليها النّـظـامُ الجـمْـعـانـيّ في العصـر الحـديث وتـولّـدت منـها الفـردانـيّـةُ في صـيـغـتـها الأولى، والأسبابَ والعـوامل التي كانت في أساس ذلك التّـفـكُّـك، فـتـلك مسـألـةٌ تخـرُج عن نـطـاق السّـياق الذي نحـن فيـه، إنّـما يـعْـنينـا أن نـقـف على عـلاقـة التّـرابُـط التّـلازمـيّ بين الفـرد ومنـظـومة الحـقـوق وعلى دور الـدّولـة، على نحـوٍ خـاصّ، في إنـتـاج تلك العـلاقـة التّـلازمـيّـة بيـنـهـما، بـغيـةَ رصْـدِ وجْـهٍ مـن وجـوه الحـقـوق التي يـقـع توزيـعُـها داخـل النّـظام الاجـتـماعـيّ بـناءً على أحكـام قوانيـن الـدّولة الحـديثـة؛ نعـني حـقـوق الأفـراد.
حـين قـلـنا، في منـاسـبات سابـقـة، إنّ الـفـرد ليس معـطًـى طـبيـعـيّـاً وإنّـما هـو معـطًـى سـياسـيّ، وأنّ الأفـراد والمـواطنـيـن لم يخـرُجوا من أرحـام أمّـهـاتـهـم إلى العالـم وإنّـما خـرجـوا من أحشـاء المؤسّـسات السّـياسيّـة (= الـدّولـة) والـقوانـيـن...، فـلـكي نشـدِّد على أنّ الـدّولـة وحـدهـا مَـن اسـتطـاع أن يعـيـد هـنـدسـةَ المجـتـمـع على قـوامٍ جـديد مغايـر لذلك الذي سـاد لأحـقـابٍ من الزّمـن مـتـطاولة، اخـتـفـت في هـذه الهنـدسـة صـورة الجـمـاعات الأهـلـيّـة من عصـائـب وعشـائـر وقـبائـل أو، قُـلْ، اخـتـفـى أيُّ تـشـريعٍ قـانـونيّ شـرعـيّ لها وكـأنّـها، بالنّـسبة إلى الـدّولـة الوطـنيّـة، غيـرُ ذاتِ وجـود فيـما انـصـرف اعـتـرافُ الـدّولـة وقـوانيـنـها إلى كيـانٍ اجـتـماعيّ واحـد هو الفـرد. إنّـه الوحـدة الاجـتـماعـيّـة المـعـتـرَف بـها من الـدّولـة، من دون سـواهـا ابـتـداءً، ثمّ قـبـل سـواها تاليـاً (الجمـاعـات الإنتاجيّـة والمهـنـيّـة والتّـعاونيّـة والمدنـيّـة ثمّ السّـياسيّـة)؛ إذْ هـو مَـن تـخاطِـبُـه قـوانيـنُـها في المـقام الأوّل. لـقـد كـان مـدار هـذه الهـنـدسـة الجـديـدة للمـجـتمع - التي نـهـضتِ الـدّولـة بـإنجـازهـا - على عـمـلـيّـة فَـرْدَنَـة Individualization المجـتـمـع؛ أي قـسـمتـه إلى أفـراد مستـقـلّـين. وقضـتِ الفـردنـةُ هـذه - في ما قضـت بـه - بفـصـل هـؤلاء عن كـلّ الرّوابـط التي تشـدُّهـم إلى جماعـات أهليّـة وعـصـبيّـات جمـاعـويّـة، وإحكـام ربطـهم بكـيانـيّـةٍ عـليا واحـدة ومرجعيّـة هي الـدّولـة، وإعـادة تحديـدهم بما هُـم منـتـمون إليها، حصـريّـاً، ومحـكـومـون بـقوانيـنـها.
بـهذا المعـنى، إذا كـان مبـدأ الفـرديّـة قـد تَـوَلَّـد من عـمليّـةِ نـقـضٍ شاملـة لمـبـدأ الجـمـاعـويّـة، الذي عليه سارت سـنـن المجـتمـعات الإنسانـيّـة لآلاف السّـنيـن، فإنّ ذلك ليس يـعـني، أَلْـبَـتَّـةَ، أنّـه مبـدأٌ يـقـع في مـوقـع تَـقابُـلٍ دائـم مـع مبـدأ النّـظـام الجـماعـيّ؛ آيُ ذلك أنّ الفـرد المُـنْـفَـكَّ عـن روابـط الانـتـماء الجـمْـعانيّ هـو، في الوقـت عيـنِـه، الفـردُ المنـتـمي إلى جمـاعـةٍ اجتـماعيّـة جـديـدة أعلى من الجمـاعـات الأهـليّـة السّابـقـة هي الجمـاعـة الوطـنيّـة. إنّـه خـاضـعٌ، مـثـل غـيره من أفـرادها، لمنظـومـة القـوانيـن التي تـسُـنّـها الـدّولـة لشـؤون الجمـاعـة تـلك. هـكـذا نُـدْرِك أنّ الفـردانيّـة - في ابـتـداء نشـأتـها على الأقـلّ - لم تـمـثّـل مصـدرَ تـهـديـدٍ للـدّولـة والمجـتـمع؛ ليس فـقـط لأنّـها منـتـوجٌ سياسيّ من منـتـوجـات الـدّولـة فـقـط، بـل لأنّـها لا تـتـحـقّـق كـفـردانـيّـة إلاّ بالـدّولـة، ثـمّ لأنّـها ملـجـومـة بأحكـام القـوانيـن التي تـفرضـها الـدّولـة؛ الأمـر الذي يمـنـع من تـهـديـد السِّـلم والاستـقـرار من طـريـق انـتـهـاك تلك القـوانـيـن: التي منـها، مـثـلاً، تـغـليب المصالـح الخاصّـة على المصالـح العامّـة، إرادة الفـرد على إرادة الجمـاعـة الوطـنـيّـة، الحـريّـة الفـرديّـة على الـدّولـة والقـانـون. هـذا يـؤدّيـنـا إلى الكـلام على الوجْـه الأَعْـنَـى بالاهـتـمام في مـوضـوع الفـرد وحـقـوقـه هـو المتـعـلّـق باللّحظـة السّـياسيّـة الانـعـطافـيّـة التي يكـون فيها الفـردُ مـواطـنـاً؛ أي التي يـتـطابـق فيـها مـبـدآ الفـرديّـة والمُـواطَـنـة فـيـتـولّـد منـه تَـشَـبُّـعٌ جـديـدٌ للفـرديّـة بالمبـدأ الجمـاعـيّ الذي تـمثّـله منـظـومـةُ المواطَـنـة.
المـواطـن، في الـدّولـة الحـديثـة، تجسـيدٌ مـاديٌّ سـياسـيّ لـعـلاقـة جـدليّـة بيـن مبـدأيـن يجـمعـان، في بـنيـةٍ واحـدة، بيـن الفـرديّ والجمـاعـيّ هـما: الحـقّ والواجـب. المـواطـن - ويُسـمّـى في اللّـغـة السّياسيّـة الأمـريكـيّـة دافـعَ الضّـرائب - مـلتـزمٌ تجـاه الـدّولـة التي هو عضـوٌ فيـها بأداء واجبـات تُـرتّـبـها عليه الـقـوانيـن: من احتـرام القـانون إلى دفْـع الضّـرائـب إلى التّـضحـيّـة (الخـدمـةُ العسـكـريّـة منـها). مجـرّد انـتـمائـه إلى الـدّولـة وتَـمـتُّـعـه بـحمـايـتـها يـفـرض عليه أداء واجـبٍ يعـرف أنّـه سـيسـتـفـيـد منـه (لأنّـه واجـب جمـاعيّ). في المقابـل تـلـتـزم الـدّولـةُ - التي هـي المـجـتـمعُ منـظَّـماً ومُـمَـأسَـسـا - بـتـمـتـيـعـه بحـقوقـه المـدنـيّـة والسّـياسيّـة التي بـهـا تـكـون مـواطـنَـتُـه مكـتـملـةَ الأركـان. لا مكـان، في الـدّولـة الوطـنـيّـة، لـمقايـضـةٍ بيـن الحـقّ والواجـب لأنّـهـما مـعـا قَـدمَـا المواطـنـة التي بهـما تمـشـي هـذه والتي بـهـما يكـون الـفـردُ مـواطـناً. هـكـذا يـرفـع مفـهـومُ المواطِـن الفـرد من حـدوده النّـوويّـة الصّـغـرى (الفـرديّـة) إلى الحـدود الجماعـيّـة. إنّـه ليس فـردا فحسـب، صاحـب حـقّ، بـل هـو فـردٌ صـاحـبُ حـقٍّ وعليـه واجـب... تجـاه الجمـاعـة الوطـنـيّـة. على أنّـه في الحاليـن مـعـاً (الفـرد والمـواطـن) يكـون للحـقّ طـابـع فـردي؛ لأنّ الـدّولـة تُـفَـرْدِن المجـتـمـع (= تُـصـيِّـرُهُ أفـراداً) وتُـقْـطِـع لـهم الحقـوق بمـا هُـم كذلك: أفـراد.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الس ـیاسی ـة الفـردی ـة الن ـظـام الـد ولـة ـة التی لأن ـه ـة الت
إقرأ أيضاً:
جلال كشك.. الذي مات في مناظرة على الهواء مباشرة وهو ينافح عن رسول الله
يقدّم الكاتب والباحث المصري جمال سلطان في هذا المقال، الذي تنشره "عربي21" بالتزامن مع نشره على صفحته في فيسبوك، قراءةً حميمة ومكثّفة في سيرة واحد من أكثر المثقفين العرب إثارة للجدل وحضورا في معارك الوعي خلال النصف الثاني من القرن العشرين: محمد جلال كشك.
فمن خلال استعادة شخصية كشك وتجربته الفكرية وتقلباته وتحولاته وصراعاته، لا يكتب سلطان مجرد شهادة شخصية، بل يعيد تفكيك مشهد ثقافي وسياسي كامل، كانت فيه مصر ـ والعالم العربي ـ تتشكل تحت وطأة الإيديولوجيات الكبرى، والمشاريع السلطوية، وصدامات الهوية، ومحاولات التأريخ والهيمنة على الذاكرة.
تتكشّف في هذه السطور صورة كاتب عركته التجارب، واشتعل بالأسئلة، وامتلك جرأة لا تلين في مواجهة ما اعتبره زيفا أو تزويرا للوعي، حتى آخر لحظة في حياته.
طاقة صحفية وفكرية مذهلة
كنت في شبابي مغرما بالكاتب الراحل الكبير محمد جلال كشك، وما زلت، كان الرجل طاقة صحفية وفكرية مذهلة، ولديه صبر ودأب على القراءة والكتابة بشكل تحار فيه العقول، ويكفي أنه كان يقرأ كتب الراحل الكبير أيضا محمد حسنين هيكل ويجري مقارنات صبورة بين ما يكتبه هيكل في النسخة الانجليزية التي تصدر للتسويق الخارجي وما يكتبه في النسخة العربية ، ليكشف عن تناقضات في الروايتين، وهو جهد صعب للغاية، كما كان كتابه المهم "ودخلت الخيل الأزهر" أهم موسوعة حديثة في تسجيل جرائم الغزو الفرنسي لمصر، والعملاء الذين خدموه في الداخل، والكتاب أثار ضجة في حينه، كما كان كتاباه: كلمتي للمغفلين، وثورة يوليو الأمريكية، من أخطر الكتب التي صدرت عن تجربة ثورة يوليو وعبد الناصر، وهو ما قلب عليه القوميين والناصريين بشدة، وهو كان يبادلهم كراهية بكراهية وله كتابات أخرى في هذه المعارك .
لذلك كانت سعادتي كبيرة عندما قدمتني له الكاتبة الكبيرة صافي ناز كاظم، خاصة عندما قرأ كتابا لي صدر في أول التسعينات الماضية "أزمة الحوار الديني"، وأبدى إعجابه الشديد به، وكان مندهشا أن كاتبا شابا يكتب بتلك اللغة والمعلومات، ودعاني لزيارته في شقته بالزمالك وأكرمني كرما حاتميا مما جعلني أحكي تلك "العزومة" الفاخرة لصافي ناز على سبيل التباهي بأنها أتتني من كاتب كبير في قيمة وقامة جلال كشك، فلما بلغه كلامي وغزلي في العزومة غضب، واعتبر أن "العزومة" وما فيها من أسرار البيوت وأنني بذلك لم أحترم بروتوكل الزيارات، فلم يكررها ثانية، وبصراحة كان محقا في ذلك وقد تعلمت من هذا الموقف فيما بعد، لكني وقتها خسرت الكثير من الحمام المحشي والمشوي وخلافه، رغم أنه ـ رحمه الله ـ لم يكن يأكل إلا قليلا بسبب إصابته بالسكر والكوليسترول وأمراض أخرى اجتمعت عليه .
شهدت أفكار محمد جلال كشك تحولات، مثل تحولات عبد الوهاب المسيري وعادل حسين وطارق البشري وجيل كبير من المثقفين المصريين، بدأ حياته الفكرية والسياسية ماركسيا وكان من مؤسسي الحزب الشيوعي، ثم تركه وتركهم وقدم نقدا عنيفا للماركسية ومنظماتها في الستينيات ونشر سلسلة مقالات أزعجت الاتحاد السوفيتي، حتى ردت عليه صحيفة البرافدا واعتبرت أن وجود جلال كشك في الصحافة المصرية هو إساءة للاتحاد السوفييتي، وكانت علاقات عبد الناصر وقتها قد توثقت بموسكو، فأوقفه عبد الناصر عن الكتابة وعن العمل كلية ثلاث سنوات كاملة، ولم يعد إلا بعد النكسة، فعاد إلى مؤسسة أخبار اليوم، ثم ترك مصر كلها وهاجر، وقضى حقبة من حياته في بيروت في حالة لجوء اختياري بعد مضايقات عصر السادات، حتى كانت الثمانينيات حاسمة في توجهه إلى الفكرة الإسلامية، والانحياز للإسلام كحضارة وهوية للأمة وشرط لنهضتها.
لم يمكث جلال كشك بعدها سوى ثلاثة أشهر فقط، وكان من كرم الله عليه أن مات بأزمة قلبية وهو في مناظرة على الهواء ضد نصر حامد أبو زيد يدافع فيها عن رسول الله في وجه خطابات علمانية وغربية متطرفة، فقبضت روحه وهو على هذه الحال.كان جلال كشك يجمع بين الجدية والصرامة في الكتابة وبين خفة الظل والصراحة في المواجهة، وعندما ابتلي في سنواته الأخيرة بسرطان البروستاتا، كان يتردد على لندن للعلاج والفحص، وفي آخر زيارة طبية، أجرى التحاليل، فقال له الطبيب أن أمامه ما بين ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر فقط في الدنيا ثم يموت، ويومها كتب مقالا مؤثرا للغاية في مجلة أكتوبر، وكان لها شأن في تلك الأوقات، كان عنوانه "أنعي لكم نفسي"، وحكى فيه ما جرى وأنه ينتظر الموت خلال ستة أشهر على الأكثر، هي كل ما بقي له من الدنيا، ويودع قراءه، ورغم الحزن والمفاجأة، إلا أنه لم يتخل عن خفة ظله في هذا المقال، فحكى فيه أنه بعد أن تسلم من المستشفى اللندني التحليل الذي يؤكد قرب وفاته، فوجئ باتصال يأتيه من شركة أمريكية متخصصة في "دفن الموتى"، وقالوا له: مستر جلال نحن لدينا تجهيزات راقية للجنازات، ومقابر مميزة وبأسعار مناسبة ويمكن أن نحجز لك مقبرة تسرك!!، وراح في المقال يلعن سلسفيل جدودهم، ولم يمكث جلال كشك بعدها سوى ثلاثة أشهر فقط، وكان من كرم الله عليه أن مات بأزمة قلبية وهو في مناظرة على الهواء ضد نصر حامد أبو زيد يدافع فيها عن رسول الله في وجه خطابات علمانية وغربية متطرفة، فقبضت روحه وهو على هذه الحال.
كان جلال كشك شرسا في معاركه الفكرية، موسوعي الثقافة، قوي الحجة، حاضر الذهن، صاحب جلد وصبر غير عادي على البحث والكتابة، لذلك كان مزعجا جدا لأكثر من تيار فكري ، وبشكل خاص كان مكروها من الأقباط المتطرفين، ومن استصحبوا الوعي الطائفي من المثقفين في كتاباتهم عن تاريخ مصر، ولذلك كان يكرهه بشدة الناقد المعروف لويس عوض وكذلك غالي شكري ، خاصة وأنه في كتابه "ودخلت الخيل الأزهر" كشف عن دور "المعلم يعقوب" والفيلق القبطي الذي شكله للقتال بجوار الجيش الفرنسي الذي احتل مصر، وكان لويس عوض يثني في كتاباته على "المعلم يعقوب" عميل الاحتلال الفرنسي ويعتبره بطلا .
أيضا، يكرهه الناصريون بشدة، لأنه صاحب أهم الكتب التي كشفت عن الدعم الكبير الذي قدمته المخابرات الأمريكية "CIA"، لانقلاب ضباط حركة يوليو 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، وكان كتاباه "كلمتي للمغفلين"، و"ثورة يوليو الأمريكية" أشبه بزلزال ضرب الوعي الخرافي الذي سوقته آلة الدعاية الناصرية على مدار عقود، وذلك بسبب ما حواه الكتاب من وثائق وأدلة دامغة على الاتصالات واللقاءات السرية التي كانت تجري بين عبد الناصر وبعض ضباطه وبين السفارة الأمريكية، والترتيبات الأمريكية لدعم وحماية انقلاب الضباط ومنع جيش الاحتلال الانجليزي من التدخل، حيث كان جيشهم يرابط في منطقة القناة، على بعد ساعة واحدة من القاهرة.
أيضا، كان يحظى بكراهية شديدة من محبي الأستاذ محمد حسنين هيكل، ومجاذيبه، لأنه القلم الوحيد الذي جرؤ على إهانة هيكل وإحراجه، بل وإعلان احتقاره وتحديه، في مقالات كثيرة، وفي كتب أيضا، وكشف تناقضاته، كما كشف تمريره لمعلومات غير صحيحة على الإطلاق، وتعتبر تضليلا للرأي العام، وكان له صبر عجيب في تتبع هيكل وإحراجه، ولذلك كان الناصريون وأنصار هيكل أكثر من شنعوا على جلال كشك، وأطلقوا حوله الشائعات والشبهات، ورموه بالاتهامات المرسلة والسخيفة والكاذبة التي يسهل إطلاقها على أي أحد، بدون أي دليل، محض كراهية وبهتان وتصفية مرارات عالقة في النفوس.
تتفق أو تختلف مع جلال كشك ، الذي توفاه الله في العام 1993 ، إلا أنك لا يمكن أن تتجاهل أن الثقافة العربية والصحافة العربية خسرت بموته قلما جبارا، وطاقة لا تكل ولا تمل من إثارة المعارك الفكرية والصحفية التي أحدثت استنارة حقيقية في جيل بكامله من المثقفين المصريين والعرب أراد البعض لهم أن يرسفوا في أغلال الزيف والبهتان، يرحمه الله .