لجريدة عمان:
2025-12-14@12:45:07 GMT

حرب مبارك الصغيرة

تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT

حرب مبارك الصغيرة

نهض مبارك من نومه كعادته مع أذان الفجر، توضأ واستغفر وهلل وكبر في طريقه للمسجد، ورغم برودة الطقس وحلكة الظلام، لم يكترث، مشى وهو يشعر بنفسه خفيفًا، وبأن أنوار الفجر الأولى تكاد تتداخل في مسامات جسمه، شعر بفرحة غامرة، وهو يكاد يصل إلى السكة الأخيرة التي سوف توصله إلى المسجد، لمح في لحظة تلك العيون البراقة، وصوت نباح حاد شرس يصدر من خلف مكب النفايات، لم يكترث مبارك بداية للصوت وحاول تجاهله عبر السير في خطوات أكبر لتقليص تلك المسافة للوصول إلى المسجد، غير أن الصوت الذي صدر بشكل أكثر حدة واتصالا دفعه للنظر مرة أخرى للمكان الذي يقبع فيه ذلك الكيان، دقق النظر، كان كلبًا ضخمًا بلون أسود حالك لا يضاهيه سوى لون الظلام المنتشر حوله.

ما أثقل قلب مبارك! زرع في قلبه حالة من الخوف والتوجس هو منظر تلك العيون التي ظلت ترمق كل حركاته بلا خوف، رفع مبارك حجرًا لإخافته، الغريب أنه لم يتزحزح قيد أنملة، رمى بالحجر الذي اصطدم بإحدى قوائمه غير أن نظراته ظلت ثابتة ترمق مبارك، شعر مبارك هذه المرة بخوف كبير، وسرت في داخله قشعريرة باردة، استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وأكمل خطواته نحو المسجد، لم يدرِ مبارك كيف أدى ركعتي الفجر، ولم يتذكر السورة الأولى التي قرأها إمام المسجد خليل المطوع، كل ما كان يشغله هو أن يعود إلى بيته ليمر بمكب النفايات فلا يعثر على ذلك الكلب الذي أقلق راحته وشغل تفكيره وقلبه.

في طريق عودته لم ينتظر مبارك خروج الناس للتسليم عليهم، أسرع الخطى ودقات قلبه تتسارع بلا توقف، وصل إلى مكب النفايات شعر لحظة بالراحة حين لم يشاهد تلك العيون المحدقة به، غذّى السير نحو بيتهم، غير أن تلك العيون التي ظهرت في مواجهته مباشرة أوقفت الدماء في عروقه، وكاد قلبه أن يثب من صدره، قرأ المعوذتين واستغفر ربه في سره، سار بهدوء متوقعًا هجومًا مباغتًا، حمل حجرًا أكبر من الحجر السابق، بعد عدة خطوات التفت إلى الخلف، ما زالت تلك العيون مصوبة نحوه لا نباح يصدر من ذلك الكلب ولا أي صوت وهو ما يثير رعب مبارك بشدة.

وصل مبارك إلى بيته نظر نظرة أخيرة للخارج، كان الوضع هادئًا بشكل أثار ريبته، أخيرًا شعر بالراحة حين وضع رأسه على الوسادة، وغطى نفسه بالبطانية، وحاول مرارًا وتكرارًا تجاهل صورة ذلك الكلب المخيف التي انطبعت في ذاكرته، ورفضت أن تتزحزح من أمام ناظريه.

في نومه تخبط مبارك في عدة مشاهد متتابعة لم تكن بينها أي صلة، غير أن المشهد الأكثر بروزًا كان مشهد كلب أسود ضخم يهاجمه ويحاصره من عدة اتجاهات، بل وحاول عضه بأنيابه الطويلة من رقبته، الجهد الذي بذله مبارك في الحلم لمحاولة الهرب من ذلك الكلب كانت مستميتة قطع خلالها مسافات طويلة، واختبأ في أماكن كثيرة ضيقة وواسعة غير أنه في كل تلك الحالات كان يشاهد وجه الكلب أمامه، وعيونه الحمراء تكاد تخترق عينيه وصدره، أدرك مبارك أن الكلب لن يتركه ولو اختبأ في أعمق بقعة وأقصى مكان، وقف مكانه، واقترب منه الكلب بكل هدوء كان الجزع هو سيد المشهد، ودقات قلبه تعلو دون توقف حتى صدر ذلك العواء المخيف الممزوج بزمجرة عالية كادت أن تصم أذني مبارك... ونهض مبارك من الكابوس مثقلا بحبات من العرق وبحركة حادة أزال البطانية من فوقه، شعر بجفاف حاد في حلقه، وداهمه شعور غريب وهو يسير نحو المطبخ ملتقطًا أنفاسه المتسارعة بصعوبة.

في الساعات القادمة حاول مبارك تجاهل تفاصيل ذلك الكابوس الذي أفزعه وطرد النوم من عينيه، جلس لتناول الفطور بهدوء لم يكن منتبهًا لثرثرة زوجته ولا لصراخ أولاده من حوله، كما لم ينتبه لعدد فناجين القهوة التي شربها دون توقف، استعد للذهاب في سيارة الأجرة التي ترك محركها يشتغل منذ دقائق، فكرة الكلب ما زالت تستحوذ على تفكيره، والغريب بأنه يشعر بالخوف من مجرد الحديث عن الموضوع رغم فيض الكلمات التي تكاد تسد حلقه.

ظل تائهًا مشغول الفكر لم يتذكر عدد الركاب الذين ركبوا سيارته، كما لم يحص عدد الأموال التي حصل عليها، ولم يثرثر مع الراكبين كعادته.

عاد إلى البيت وهو ينتظر أذان الظهر، ويترقب اللقاء الموعود بذلك الكائن الذي ينتظره، كان الضوء يملأ المكان والشمس جاثمة بكل ثقلها على الكون، لم يجده، توقف للحظة ليتبين مكان جلوسه، كان مكان جلوسه يبدو جليًا عبر الرمال، وآثار خطوات كثيرة تتحرك باتجاه واحد، نظر مبارك بخوف نحو اتجاه الخطوات التي وجدها تسير باتجاه واحد وبإصرار غريب نحو بيتهم، ترك مبارك الطريق المؤدي لمسجد قريتهم الصغير وتتبع آثار الخطوات وجدها تنتهي عند باب بيتهم بالضبط، أحس بحركة خفيفة نظر بسرعة ليجد ذلك الكلب الأسود يرمقه بنظرة واحدة مخيفة، ثم يتحرك ببطء ليختفي، لم تكن لدى مبارك الشجاعة ليبحث عنه أو يطارده، داهمه شعور بالارتباك والتقييد، فتسمر في مكانه عدة لحظات حتى سمع صوت إقامة الصلاة فجرجر رجليه الثابتتين واتجه نحو الطريق الترابي.

في الأيام التالية صار ظهور الكلب أكثر وضوحًا وتكرارًا، يرمق مبارك بنظرات ثابتة، والأغرب من ذلك أن أحدا لم يتحدث عن رؤيته لأي كلب. يمر من ذلك الدرب مجموعة من الرجال حياتهم، ما زالت كما هي وثرثرتهم ما زالت تعلو عقب كل صلاة، بينما يحاول مبارك السير بسرعة تاركًا التجمعات هاربًا من كل الأسئلة.

كبرت الهواجس في صدره، وأصبح مبارك أكثر فزعًا ومترقبًا لأي هجوم مرتقب، الغريب أنه يخرج في لحظات متباينة، وتصبح هيئته أكثر رعبًا في فترات الليل، وصار يزوره في معظم أحلامه التي تتحول إلى مطاردات دائمة تنتهي بانهزام مبارك، بينما صوت النباح يصل ليوقظه ويسرق النوم من بين جفونه.

أصبح جسده هزيلا وبان التعب على ملامحه، أراد اليوم فتح باب الحديث مع صديقه سالم بن تعيب غير أنه شعر بقوة تمنعه من الحديث، الكلمات لا تخرج، أو تخرج ناقصة لا شيء يربط بينها، حاول سالم أن يتبين ما يريده مبارك، كان العجز الذي يشعر به قويًا وغريبًا، نهض من فوق الحصير، ونفض التراب عن ملابسه، وسار بخطوات غير متوازنة، وبرزت في داخله فكرة مخيفة، وأدرك أن الكلب سوف يباغته في ليلة من الليالي، وسوف يقضي عليه بطريقة وحشية.

صار مبارك يعد الليالي ويترقب حركات الكلب في ذهابه وإيابه، بل وشاهده وهو ينظر إليه من نافذة غرفته، حاول الاستنجاد بزوجته غير أن ذلك الوجه اختفى بغتة كما ظهر، ولم ينم مبارك طوال تلك الليلة، بينما بحث في ذاكرته طوال ساعات طويلة عن كلب آذاه أو عمل سيئ ارتبط بأحد الكلاب، لم يتذكر سوى معاقبته لكلب صغير مع ثلة من أصدقائه أكل دجاجاتهم منذ سنوات طفولته البعيدة، وهذا يناقض ما يفعله ذلك الكلب الذي يبحث عنه باستمرار ويحدق فيه دون توقف.

اليوم بالتحديد شعر مبارك بشعور غريب بعد أن صام عن الكلام والحديث، واكتفى بأقل القليل من الماء والزاد، أحس بأن عليه مواجهة الكلب اليوم بكل قوته، حمل في جيبه سكين العيد التي كان يقطع بها اللحم، كانت دقات قلبه تعلو رغم أنه لم يخرج من البيت، سار في الظلام رغم خوفه، كانت حركته غير متوازنة، وصل إلى ذات الموضع، توقف وجد نفس تلك العيون تحدق فيه، أخرج سكينه بيد مرتجفة، صدر صوت مخيف من بين شفتي الكلب، ونهض بكل جسمه ليواجه مبارك، حاول مبارك إخافته عبر تحريك السكين في الهواء، العيون ما زالت كما هي مصوبة على عين مبارك، كان يتحداه، خوف مبارك خانه وشله عن الحركة، حين رأى بأن الكلب قلص المسافة بينهما في حركة واحدة سريعة...

في ساعات الصباح الباكر سمع الرجال في المسجد صوت صراخ حاد متواصل أثار خوفهم وارتباكهم، كما يقسم بعضهم بأنه شاهد مبارك معفرًا بالتراب وهو يصارع الهواء من حوله بسكين حادة كبيرة ويصرخ بكلمات كثيرة غير واضحة.

حين حمله الرجال كان يرتجف ويتمتم بكلمات غير مفهومة عن كلب ونباح، شعر الرجال بالحزن والحسرة على مبارك، حملوه نحو بيتهم، بينما أدار رأسه بكل قوة ليشاهد من خلف أكتافهم الكلب بنفس الصورة وهو يرمقه بتحدٍ، عجز مبارك عن القيام بأي حركة، واكتفى بهز السكين في الهواء بحركة غير مفهومة.

رحمة المغيزوي قاصة عمانية صدرت لها عدة مجموعات قصصية بينها «كاذية بنت الشيخ» و»ذاكرة ورق» و»سفر المنامات».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تلک العیون ذلک الکلب ما زالت غیر أن من ذلک

إقرأ أيضاً:

صبا مبارك بفستان مُحتشم من حفل توزيع جوائز مهرجان البحر الأحمر

ظهرت الفنانة صبا مبارك، على السجادة الحمراء لحفل توزيع جوائز مهرجان البحر الأحمر السينمائي في نسخته الخامسة والتي تقام في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية.

بالأحمر .. يسرا تضيء ريد كاربت حفل توزيع جوائز البحر الأحمر السينمائي ثقافة البحر الأحمر تحتفي باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة (صور) قصور الثقافة تنظم أنشطة متنوعة بكفر تصفا ضمن برنامج "مدارسنا بالألوان" الثلاثاء .. انطلاق قافلة ثقافية وفنية عبر المسرح المتنقل بقرى المحمودية مصطفى كامل يستعد لطرح أغنية جديدة بعنوان “هما كده”.. قريبًا نهال طايل عن أزمة محمد صلاح: حكى عن عظمة الفراعنة تامر عبدالمنعم : لو توسط حسن يوسف لإبنه لشاهدناه الآن صاحب بطولات في السينما فيلم قصر الباشا يكتفي بـ 100 ألف جنية في آخر ليلة آخر إيرادات فيلم فيها إيه يعني أمس أوسكار عودة الماموث .. حصيلة إيرادات الفيلم أمس

وتألقت صبا مبارك، على السجادة الحمراء، بفستان من اللون البيستاج الأنيق .

مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 

تستضيف مدينة جدة خلال الفترة من 4 إلى 13 ديسمبر، مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2025، الذي يستهدف دعم الأعمال السعودية والعربية الجديدة والواعدة في عالم السينما، حيث تشارك هيئة الأفلام بـ 5 أفلام محلية.

 

وتقدم الهيئة عروضًا لأفلام سعودية مدعومة من برنامج "ضوء"، من بينها فيلم "هجرة" الممثل الرسمي للمملكة في النسخة الـ98 من جوائز الأوسكار، وأفلام: "شرشورة"، و"المجهولة"، و"الهندول"، و"حفل افتتاح"، مع تخصيص جناح تعريفي يُبرز برامج الهيئة ومبادراتها الداعمة لتطوير الصناعة السينمائية.

 

كما نُظمت جلسة حوارية متخصصة بعنوان "تعرّف على الممولين السعوديين"، لاستعراض أنواع المشاريع التي يستهدف الممولون الرئيسيون دعمها وآلية التقديم عليها، وجلسة الطاولة المستديرة بالتعاون مع مجلة "هوليوود ريبورتر" بمشاركة خبراء دوليين ومحليين.

ويقدّم المهرجان بوصفه إحدى أبرز الفعاليات السينمائية في المنطقة، وأول مهرجان سينمائي دولي يُقام في المملكة؛ مجموعة من الإنتاجات الإبداعية التي تروي قصصًا متنوعة من أنحاء العالم؛ ليشكل منصة مهمة للاحتفاء بالمبدعين المحليين والعالميين. 

مقالات مشابهة

  • تغييرات في النظام المالي للدوري الإنجليزي لصالح الأندية الصغيرة
  • الثلاثاء.. تدشين مبادرة "تمكين" لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة
  • بسرعة 60 ميلًا في الساعة.. هذه السيارة الصغيرة أسرع من بورش
  • برج الجدي حظك اليوم السبت 13 ديسمبر 2025..لا تدع التفاصيل الصغيرة تشتت تركيزك
  • فرض رسم جمركي على الطرود الصغيرة من خارج الاتحاد الأوروبي
  • للحد من هيمنة التجارة الإلكترونية الصينية.. الاتحاد الأوروبي يفرض ضريبة على الطرود الصغيرة
  • فضل يوم الجمعة: يوم مبارك يجمع الطاعات والدعوات والأجر العظيم
  • محافظ أسيوط: تعاون جديد مع المؤسسة الوطنية الهندية للصناعات الصغيرة
  • ضوابط تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.. فيديو
  • صبا مبارك بفستان مُحتشم من حفل توزيع جوائز مهرجان البحر الأحمر