الرد العقلاني على شاعر البلاط الدموي
تاريخ النشر: 27th, September 2024 GMT
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
لسنا حاقدين على أحد وإنما نريد العيش بلا خونة، وبلا منافقين، وبلا انتهازيين. .
فجأة وبالتزامن مع اتساع ساحة القتال، وتصاعد النيران في جنوب لبنان. انبرى الشاعر السوري أنس إبراهيم الدِّغيم، فرفع رايته الأموية الحمراء دفاعاً عن آل سفيان، واعلن عن موقفه المشاكس والمعارض للشاعر الفلسطيني الكبير (تميم البرغوثي).
وفجأة تذكر (الدغيم) قصيدة قديمة للبرغوثي في رثاء سيد الشهداء (الحسين)، فنفض عنها تراب صحراء الغاضرية، وكتب قصيدة مناهضة لها بنفس الوزن والقافية دفاعا عن الإرث الدموي الذي تلطخت به صفحات المراجع العربية كلها قديمها وحديثها. وشهد به كبار المؤرخين: ابن عساكر، وابن حوقل، وابن خلكان، والبلاذري، والديار بكري، والتنوخي، والواقدي، والمقريزي، والسيوطي، والطبري. إلى آخر القائمة التي تمتد حتى عصرنا الحالي. كلهم تحدثوا بالتفصيل الممل عن مجازر الأمويين وظلمهم على مدى 91 عاماً، فقد رجموا الكعبة المشرفة مرتين بالمنجنيق، وقتلوا فيها جمع غفير من الصحابة والتابعين، واستباحوا المدينة المنورة ثلاثة أيام بلياليها، وارتكبوا أبشع المجازر والمعاصي في فاجعة الطف بكربلاء. ويتعين على الذين ظلوا يتغنون بتراث آل مروان ان يختاروا ما يشاؤون من كتب التاريخ لكي يروا جرائمهم ومجازرهم وطغيانهم وتعسفهم. .
لكن التساؤلات التي تطرح نفسها في هذا التوقيت بالذات: هل المعركة التي تدور رحاها الآن في شمال وجنوب الأرض المحتلة بدعم لا محدود من جيوش النيتو، وراح ضحيتها آلاف الضحايا من الشيوخ والأطفال والنساء. هل هذه المعركة غير العادلة تدور رحاها الآن بين جيشين لا ينتمي اليهما الدغيم ؟. أين يقف الآن: مع القاتل أم مع المقتول ؟. مع الظالم أم مع المظلوم ؟. وهل جاءت انتفاضته للذود عن الأمويين في هذا التوقيت لكي يشغل الناس بأمور أكل عليها الدهر وشرب منذ 14 قرناً ؟. هل هذا مكانها وزمنها وتوقيتها ومناسبتها ؟. .
الأمر الآخر ان (الدغيم) نفسه له عشرات القصائد في رثاء الحسين، وفي مديح آل بيت النبوة الأطهار، ومنها قصيدته التي كانت بعنوان: (وقوفا كما تشتهي الكبرياء)، فهل انقلب (الدغيم) على نفسه الآن في هذه الأيام التي شهدت فيها لبنان اعنف المعارك لكي يشتت اذهان الناس، ويحرف بوصلة الرأي العام نحو الماضي البعيد من اجل حفنة من الدولارات ؟. .
ثم ما علاقة الشاعر (البرغوثي) بكسرى ؟. وما علاقة المقاتلين الآن بملوك الدولة الساسانية ؟. وما الذي دفعه للخوض في مستنقعات هذه المغالطات ؟. ولماذا هذا الربط الغبي الذي سوف يترك رواسب الفتنة في نفوس اصحاب العقول المشفرة ؟. .
اقسم بالله العظيم كنت حتى وقت قريب من أشد المعجبين بالشاعر (أنس الدغيم)، وكنت احسبه من شعراء العروبة والإسلام، ومن الموالين لآل البيت عليهم السلام، وكنت اردد رائعته التي يقول فيها: (‘آنستُ نارك فالتمسْ لخواطري). لكن موقفي منه تغير الآن 180 درجة. .
سؤال اخير وفي غاية الأهمية: هل اختار (الدغيم) الدخول في حلبة التنافس غير المتكافئ مع (البرغوثي) في محاولة فاشلة للفوز عليه ؟. وهنا لابد من تنبيه (الدغيم) من هذا المنزلق الذي أوقع فيه نفسه، فالبرغوثي يتربع الآن بلا منافس فوق عرش الشعراء العرب بقصائده الفصحي والعامية، واشتهر ببردته التي يقول فيها:
فداً لهم كل سلطان وسلطنة
ونحن لو قبلونا أن نكون فدا
على النبي وآل البيت والشهدا
مولاي صل وسلم دائما أبدا
وهكذا نافس في بردته بردة البوصيري، وبردة شوقي. ولا يضاهيه في المرحلة الراهنة معظم شعراء جيله، فهو شاعر المليون، وشاعر المقاومة، وشاعر القدس، وشاعر المسجد الأقصى، وشاعر غزة العزة. والبرغوثي هو القائل في بردته أيضاً:
وربما أمم تهوى أبا لهب
لليوم ما خلعت من جيدها المسدا
من المطيعين حكاماً لهم ظلموا
والطالبين من القوم اللئام جدا
أما الآن فحتى تتاكد من سوء عاقبتك انظر الى الدعم الذي قدمته لك المضخات الإعلامية المغرضة، ودورها في نشر هجومك على البرغوثي، وانظر كيف نجحت في تفعيل حملات التشهير بالبرغوثي بين سفهاء الأمة بجهودك الشخصية أنت. .
ختاماً: نقول لأنس الدغيم: قف حيثما تشتهي نفسك المريضة، مع أبي لهب أو مع مروان وآل مروان. نسأل الله ان يحشرك وقوفا كما تشتهي نفسك الأموية مع من تحب وتهوى. .
ليس بالضرورة ان تكون القمامة على شكل اكياس وحاويات صفراء فربما تأتي على شكل افكار وسموم طائفية متعفنة. .
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
موطني بين ضفتي الرافدين: لماذا يغني العراق بصوت شاعر غريب؟
بقلم : تيمور الشرهاني ..
ها هو العراق، بلد الشعراء العظام، يزهو بتاريخٍ حافلٍ بالأصوات التي دوّت في فضاء الأدب العربي، وأغنت الذاكرة الإنسانية بقصائد خالدة. على ضفاف دجلة والفرات، وُلدت الحكايات التي سكنت القلوب، وتوهّجت أسماء لا تزال تشعّ حتى اليوم: الجواهري، السياب، نازك الملائكة، والرصافي، وغيرهم من قمم الشعر التي وقفت شامخة على منصة الإبداع العربي. ورغم هذا الإرث الأدبي المدهش، اختار العراق أن يرتّل نشيده الوطني بكلماتٍ ليست من صميم أرضه، بل من شاطئٍ بعيد. “موطني موطني”، النشيد الذي أصبح رمزاً وطنياً وعاطفياً لكل العراقيين، جاء توقيعه بأحرف الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان واللحان اللبناني المبدع محمد فليفل، ليحمل العراقيون صوته في احتفالاتهم ومناسباتهم الوطنية، مردّدين كلمات كتبها قلب عربي من جهة أخرى من المدى. لعلها مفارقة تستحق التأمل: كيف لبلادٍ أنجبت قامات شعرية هزّت وجدان الأمة أن تستعير نشيدها الوطني من خارج حدودها؟ سؤال يبعث على الدهشة، لكنه أيضاً يكشف عن عمق الروابط الثقافية بين الشعوب العربية، وعن القبول بأن يكون الوطن فكرة تتجاوز الجغرافيا، وأن يكون المبدع العربي واحداً مهما اختلفت الأوطان. يبقى نشيد “موطني” قصيدةً وجدت طريقها إلى قلب العراق، وصارت جزءاً من وجدانه، تماماً كما بقيت أسماء الشعراء الكبار من أبنائه مصدر فخر وإلهام، يذكرهم التاريخ كلما حلّ المساء على ضفاف بغداد.
تيمور الشرهاني