الحرة:
2025-08-01@10:26:04 GMT

السوريون في لبنان.. قصص عن ضريبة العودة والنزوح المزدوج

تاريخ النشر: 27th, September 2024 GMT

السوريون في لبنان.. قصص عن ضريبة العودة والنزوح المزدوج

قبل 7 سنوات، ترك الشاب عبد العزيز "قطعتين من قلبه" (أمه وأبيه) في سوريا، قبل أن يغادر مع زوجته وأطفاله وشقيقتيه الاثنتين إلى لبنان، وبعدما تصاعدت الأحداث خلال الأيام الماضية، عاش ذات الحالة مع "ضريبة أكبر" على الصعيد المادي والنفسي، والواقع القائم الذي قتل "رفاهية انتقاء الخيارات".

وفيما بقي هو في لبنان، عادت عائلة الشاب إلى سوريا بعد انتظار دام لأكثر من 14 ساعة على الحدود، وتخلل هذه المدة الزمنية العمل على تصريف 100 دولار إلى الليرة السورية لكل فرد يزيد عمره عن 18 عاما.

وعملية تصريف الـ100 دولار تفرضها سلطات دمشق منذ سنوات، على كل مواطن يريد العودة عبر المعابر، بغض النظر عن حالته في الخارج، ويراها عبد العزيز في حديثه لموقع "الحرة"، "مؤشرا دقيقا عن نظرة النظام السوري لمن يقيم في الخارج من السوريين، وطريقة تعاطيه مع مآسيهم".

ولم يعد للشاب عائلة، ولا يعلم ما إذا كان سيلتقي بمن غادرهم لاحقا أم لا.. ويضيف أن القرار الذي اتخذه بإعادة زوجته وأطفاله وشقيقتيه إلى سوريا لم يكن "خيارا"، بل أجبرته الظروف القائمة في لبنان عليه، موضحا أنه لم يلتحق بهم لأسباب تتعلق بوضعه الأمني في سوريا والعسكري، بسبب تخلفه عن أداء الخدمة.

أغلبهم من عائلة واحدة.. تفاصيل مقتل 19 سوريا بقصف إسرائيلي على لبنان  قتل 23 سوريا كحصيلة أولية جراء غارات إسرائيلية استهدفت مبنى من 3 طوابق في بلدة يونين بمنطقة البقاع، شرقي لبنان، في وقت متأخر من، الأربعاء، في حين قال قريب للضحايا لموقع "الحرة" إن القسم الأكبر منهم من عائلة واحدة. 

ومع ذلك، يرى أن الضريبة "المزدوجة" التي دفعها تكاد تكون "مضاعفة" على بقية السوريين المقيمين في لبنان، وليس على صعيد الانتظار مقابل "العودة للوطن برسوم"، إذ يشير إلى وجود عائلات دون مأوى، وأخرى تعجز عن تأمين المبالغ المحددة بالدولار على الحدود، أو اتخاذ قرار استئجار منازل أخرى بأسعار باهظة.

والسوريون في لبنان هم جزء من المجتمع في البلد الذي يشهد حملة إسرائيلية جوية تستهدف عدة مواقع في قراه وبلداته، أسفرت خلال الأيام الأربعة الماضية عن مقتل أكثر من 400 شخص، وإصابة قرابة ألفين آخرين.

وفي حين أن الأزمة والتداعيات الخطيرة الحاصلة تطال جميع السكان، فإن الصورة تبدو "أكثر قتامة" عند النظر إلى الحالة المتعلقة بانعدام الخيارات أمام السوريين، الذين يعيش القسم الأكبر منهم في ظروف معيشية صعبة.

"ليس للسوري مطرح"

حسب التقديرات الحكومية في لبنان، يعيش في البلاد 1.5 مليون لاجئ سوري و13,715 لاجئ من جنسيات أخرى.

وفيما يتعلق بالسوريين على وجه التحديد، تقول مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إن 90 بالمئة منهم يعيشون في حالة من "الفقر المدقع"، فيما تبرز منطقة البقاع على أنها المنطقة الأعلى كثافة باللاجئين.

ولا تعتبر البقاع الوحيدة كمقصد، إذ تعيش الكثير من العائلات السورية في مناطق متفرقة من الجنوب اللبناني، وكان أفراد منها قد قتلوا خلال الأيام الماضية، بفعل الضربات الإسرائيلية، وفقا لـ"المرصد السوري لحقوق الإنسان" والمسؤولين اللبنانيين.

سانا: مقتل 5 جنود سوريين في ضربة إسرائيلية ذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء، أن خمسة جنود سوريين قتلوا في ضربة إسرائيلية استهدفت موقعا عسكريا في ريف دمشق قرب الحدود السورية اللبنانية، في الساعات الأولى من صباح الجمعة

وأوضح أبو خالد، وهو أربعيني سوري، يقيم في محافظة النبطية جنوبي لبنان، لموقع "الحرة"، أنه وإلى جانب فقدان أرواح سوريين بفعل القصف، فقد استقر مصير الكثير منهم خلال الأيام الماضية في الحدائق وتحت الجسور دون مأوى.

وتحدث عن الواقع بقوله: "اللاجئ السوري لا مدرسة أو مركز إيواء يستقبله ولا أي مطرح! (مكان).. فقط يستقبلون النازحين اللبنانيين بالدرجة الأولى".

وقبل يومين، استقبل أبو خالد عائلة سورية نازحة من منطقة الغبيري، مضيفا أنه حسب مشاهداته، فإن قسما من السوريين اختاروا البقاء في منازلهم في جنوب لبنان "لانعدام الخيارات"، في حين اتجه آخرون إلى الإقامة في الحدائق، ومن بينها "حديقة قصقص".

وكانت السلطات اللبنانية قد أعلنت أنها جهزّت "مراكز إيواء". وذكرت وسائل إعلام لبنانية، أن قسما من العائلات النازحة قصدت المدارس. وفي غضون ذلك سجّل الأمن العام اللبناني خلال اليومين الماضيين، عبور 16139 لبناني إلى سوريا.

وبعدما انتشرت تقارير عن منع سوريين من الدخول إلى المدارس، نفى مسؤول لموقع "الحرة" ذلك.

وأوضح المسؤول الإعلامي لخلية إدارة الأزمات والكوارث في مدينة محافظة بيروت، الملازم أول فادي بغدادي، أنه تم استقبال نازحين سوريين في الأيام الماضية بالمدارس.

وقال لموقع "الحرة": "بين 68 إلى 70 مدرسة في بيروت، استقبلت نازحين سوريين تخطى عددهم الـ17 ألفا".


"النساء والأطفال إلى سوريا.. والشبان في لبنان"

وفي تعليقها لموقع "الحرة"، قالت الناطقة باسم مفوضية اللاجئين في لبنان، ليزا أبو خالد، إن المفوضية "تشعر بالقلق إزاء التقارير التي تفيد بحرمان أسر اللاجئين من الوصول إلى الملاجئ الجماعية".

وأضافت أن "المفوضية وشركاؤها تعمل مع السلطات المعنية على إيجاد حلول عاجلة".

وتخلق الأعمال العدائية الراهنة – المقرونة بالأزمة الاجتماعية والاقتصادية المستمرة –تحديات لجميع الفئات السكانية والمجتمعات المحلية، التي تستحق جميعها الوصول بشكل متساو إلى الأمان والكرامة، حسب أبو خالد.

وأوضحت أن اللاجئين الذين فروا من وطنهم بحثا عن الأمن والأمان حاليا، يواجهون واقعا صعبا مع اضطرارهم إلى النزوح مرة أخرى في لبنان جرّاء الأعمال العدائية المستمرة.

بلينكن: التصعيد في لبنان سيجعل الوضع أكثر صعوبة أبلغ وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الخميس، وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، بأن المزيد من التصعيد للصراع في لبنان سيزيد من صعوبة عودة المدنيين إلى ديارهم على جانبي الحدود، حسبما ذكرت وزارة الخارجية في بيان لاجتماعهما.

ونبهت أيضا إلى أن "حالة النزوح المزدوج تؤدي إلى تفاقم جوانب ضعفهم".

ووفقا لأرقام نقلتها وكالة "رويترز" عن المفوضية، الجمعة، فقد عبر أكثر من 30 ألف شخص، معظمهم سوريون، من لبنان إلى سوريا، وهو رقم يقترب من الإحصائية التي نشرها الأمن العام اللبناني، الخميس.

لكن بالنظر إلى تفاصيل العبور، فإن "معظم العائدين" السوريين إلى بلدهم هم من النساء والأطفال تحت سن 18 عاما، كما يقول الشاب السوري صلاح، المقيم في إحدى قرى جنوبي لبنان لموقع "الحرة".

وأضاف الشاب أن أخيه أرسل عائلته قبل يومين إلى سوريا ،وكذلك الأمر بالنسبة لابن أخيه.

ولفت إلى أن عمليات العبور من سوريا إلى لبنان "تتصدرها النساء والأطفال على وجه التحديد" بعيدا عن الشبان، "لاعتبارات أمنية".

من ناحية أخرى، أشار صلاح إلى وجود عائلات سورية دون مأوى تحت جسر خلده وعين المريسة، وآخرين لا يزالون في الحدائق.

وتابع متحدثا عن حالة انعدام الخيارات: "الأوضاع الخاصة بالسوريين سيئة إلى أبعد الحدود. قسم منهم في الحدائق بينما قرر الكثير من الرجال إرسال نسائهم وأطفالهم (إلى سوريا)، بعدما أغلقت جميع الطرق أمامهم".

كما أشار إلى ذلك، الأربعيني السوري أبو خالد، بقوله إن "الكثير من العائلات ذهبت إلى سوريا كنساء وأطفال، بينما ظّل الشباب في لبنان، بسبب عدم إمكانيتهم عبور الحدود لاعتبارات أمنية".

"طريقان وسائقون على الخط"

وبينما تستمر عمليات العبور من لبنان إلى سوريا، من جانب السوريين أو اللبنانيين، بدأ سائقون في العاصمة اللبنانية بيروت ينشطون على طول الخط الواصل إلى الحدود، لنقل العائلات لقاء مبالغ مالية.

وتواصل موقع "الحرة" مع سائقين اثنين عبر تطبيق "واتساب"، قالا إن عملية عبور السوريين خلال الأيام الماضية كانت "ضمن مسارين". الأول عبر طرق شرعية، والثاني هو التهريب من خلال المعابر غير الشرعية.

وفي حين أن الوصول من بيروت إلى نقطة المصنع تتطلب دفع 70 دولارا أميركيا للسوري الواحد، دون أن يشمل ذلك تصريف الـ100 دولار، تتطلب عملية دخول سوريا عن طريق "التهريب" دفع 60 دولارا، وفق قول أحد السائقين.

وأوضح السائق الآخر أن "عامل الوقت والانتظار" يميّز الفارق بين المسارين، إذ يضطر كثير من السوريين واللبنانيين للانتظار أكثر من 10 ساعات قبالة المعابر الشرعية من أجل العبور، في حين تستغرق رحلة الدخول بصورة غير شرعية ساعة واحدة فقط عبر "جسر قمار".

"محاصر في الزاوية".. خلافات داخلية في حزب الله قبل "قرار مصيري" تشهد أروقة حزب الله انقسامات داخلية بشأن سبل الرد على سلسلة الهجمات المدمرة التي استهدفت الجماعة اللبنانية المسلحة، وذلك وفقا لمصادر مطلعة على المداولات الداخلية للحزب، الذي قالت "وول ستريت جورنال"، إنه أمام مفترق طرق تاريخي.

ووفقا لـ"المرصد السوري"، لا تزال عائلات سورية تفضل الموت في لبنان على العودة إلى مناطق النظام السوري، برغم تزاحم العائلات اللبنانية عند المعابر الحدودية قاصدين سوريا للإقامة، ريثما تتوقف الهجمات الإسرائيلية.

وأضاف في تقرير، الجمعة، أن مراكز الإيواء التي حددتها الحكومة اللبنانية "ترفض استقبال السوريين باعتبار أن الأولوية هي للبنانيين الهاربين"، وهو ما نفاه بغدادي.

من جهته، قال الشاب السوري صلاح، إن قسما من النازحين السوريين توجهوا إلى طرابلس، بعدما فُتحت منازل هناك أمامهم.

لكن في المقابل، أضاف أن آخرين "لا يزالون تحت الجسور وفي الحدائق".

و"تقع على عاتق جميع الجهات الفاعلة في لبنان، مسؤولية دعم مبادئ العمل الإنساني المتمثلة في الحياد وعدم التمييز وعدم الإضرار (do no harm)"، حسب المتحدثة باسم مفوضية اللاجئين، أبو خالد.

وأوضحت أن ما سبق يجب أن يكون "ضمن سياق المساواة في الوصول إلى المساعدات والمأوى الآمن، بما في ذلك اللاجئين من سوريا والجنسيات الأخرى".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: خلال الأیام الماضیة فی الحدائق إلى سوریا الکثیر من فی لبنان أبو خالد أکثر من فی حین

إقرأ أيضاً:

ما هي الصدمة الثلاثية التي تعيق عودة السوريين إلى وطنهم؟

شكل سقوط نظام بشار الأسد ديسمبر/كانون الأول 2024 نقطة تحول مفصلية في الأزمة السورية المستمرة المتعلقة بالتشريد القسري (للاجئين والنازحين داخليا)، غير أن العودة الجماعية المرتقبة ما زالت معرقلة بفعل جملة من العقبات المركبة التي تتجاوز نطاق التحليل التقليدي.

تشير إحصائيات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى أنه بين ديسمبر/كانون الأول 2024 ومنتصف 2025، عاد ما يقارب 500 ألف لاجئ و1.2 مليون نازح داخليا إلى مناطقهم الأصلية، وهي أرقام متواضعة مقارنة بإجمالي أعداد المشردين قسريا، والذين يناهز عددهم 6.8 ملايين لاجئ، و6.9 ملايين نازح داخليا، موزعين في دول المنطقة وخارجها.

ويكشف هذا المعدل المحدود للعودة، رغم إزالة العائق السياسي الرئيسي، عن وجود معوقات أعمق وأشد تعقيدا، تستوجب دراسة حقوقية أكثر تفصيلا.

تركزت الجهود التقليدية في فهم هذه العقبات على الجوانب المادية والملموسة؛ كالبنية التحتية المدمرة، والنزاعات المتصلة بحقوق الملكية، والتدهور الاقتصادي، والمخاوف الأمنية المتبقية، دون أن يُمنح الاهتمام الكافي لبعد بدأ يفرض نفسه بقوة، بعد أحداث الساحل والسويداء في سوريا، وهو انتشار خطاب الكراهية والتحريض الطائفي على الإنترنت، والذي يتخطى حدود المكان، ويسهم في إدامة حالة التشريد من خلال آليات رقمية وافتراضية.

تفترض هذه المقالة أن خطاب الكراهية الإلكتروني والتحريض الطائفي والانتشار الواسع لمقاطع الفيديو التي تصور العنف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تشكل فئة مستقلة من عقبات العودة، ذات أثر واضح في تشكيل قرارات العودة لدى النازحين واللاجئين السوريين.

عوائق العودة الطائفية

يمثل تحول التوترات الطائفية من المجال المادي إلى الفضاء الرقمي تطورا في كيفية تعاطي مجتمعات ما بعد الصراع مع الانقسامات الهوياتية وتكريسها.

تبين المفاهيم التقليدية للطائفية، المبنية على السيطرة على الأرض والعنف المباشر، محدوديتها في استيعاب ديناميكيات النزوح المعاصرة، حيث خلقت الوسائل التقنية مساحات افتراضية جديدة تطيل أمد النزاع.

إعلان

يتطلب هذا التطور إعادة نظر في مفهوم الحواجز الطائفية، آخذين في الحسبان الخصائص الخاصة للبيئة الرقمية؛ من حيث استدامتها، وسهولة انتشارها، وقدرتها على تجاوز الحواجز الزمنية والجغرافية.

تتمثل الطائفية الرقمية بنشر الكراهية القائمة على الهوية عبر المنصات الإلكترونية بشكل مكثف، مما يؤدي إلى تعزيز الشقاقات والتوترات والانقسامات الداخلية، مهددة الاستقرار المجتمعي لمرحلة ما بعد الصراع.

وعلى عكس العنف الطائفي التقليدي الذي يتطلب التقارب الجغرافي والقدرة التنظيمية، تعمل الطائفية الرقمية من خلال شبكات لامركزية عابرة للحدود، تسهم في ترسيخ الانقسامات بين مجتمعات الشتات.

وتعكس الحالة السورية هذا التحول بوضوح، حيث تظهر منصات التواصل الاجتماعي انتشارا واسعا للخطاب الطائفي قبل وبعد سقوط نظام الأسد، لا سيما عقب أحداث الساحل والسويداء، مما أدى إلى خلق بنية رقمية متزايدة الحدة في الانقسامات الطائفية.

تلعب منصات التواصل الاجتماعي دورا رئيسيا في تعميق هذه الانقسامات عبر آليات متعددة:

أولا، تساهم الخوارزميات في تضخيم المحتوى الطائفي وتعزيز انتشاره، في حين تحجَب الأصوات المعتدلة. ثانيا، يؤدي الطابع الفيروسي للمحتوى التحريضي إلى منح الحوادث الفردية أو المحلية حضورا رقميا مبالغا فيه، مما يعمم مخاوف محلية لتصبح عامة. ثالثا، تسمح الطبيعة المجهولة لكثير من المنصات بنشر خطاب متطرف يصعب التعبير عنه في التفاعلات الاجتماعية المباشرة.

وتنتج هذه الآليات مجتمعة ما يمكن وصفه بـ"البنية التحتية العاطفية للكراهية"، أي البنية الرقمية التي تغذي وتعزز المشاعر الطائفية بشكل دائم عبر الزمان والمكان.

التأثير النفسي والاجتماعي لخطاب الكراهية عبر الإنترنت

يكشف الترابط بين التعرض الرقمي للمحتوى الطائفي وتحديات الصحة النفسية للنازحين عن مسارات معقدة يتحول من خلالها خطاب الكراهية الإلكتروني إلى معاناة إنسانية فعلية.

ويمثل السياق السوري تحديا في هذا المجال، إذ يواجه النازحون قسريا مصادر متشابكة ومتراكمة للصدمات النفسية؛ بدءا من التعرض المباشر للعنف، مرورا بالصعوبات المرتبطة بالنزوح، وانتهاء بالتعرض المستمر للمحتوى الرقمي الطائفي الموجه ضد مجتمعاتهم. وتعقد هذه "الصدمة الثلاثية" التحديات النفسية التي يعانيها ضحايا التشريد القسري.

تسهل المنصات الرقمية انتشار ما يسميه المختصون النفسيون "الصدمة غير المباشرة"، عبر التداول الواسع لمقاطع الفيديو التي تصور مشاهد العنف، ما يؤدي إلى إعادة تنشيط استجابات الصدمة لدى المشاهدين.

وتشير الدراسات التي أجريت حول النازحين إلى أن هذه الآثار النفسية لا تتضاءل مع مرور الوقت، بل قد تتزايد نتيجة استمرار التعرض للمحتوى الرقمي الصادم، والذي تساهم الخوارزميات في تكرار ظهوره أمام المستخدمين الذين سبق أن تفاعلوا مع محتوى مرتبط بالصراع، الأمر الذي يؤدي إلى نشوء دورات من الصدمات المتجددة، تبقي النازحين في حالة تأهب مستمرة، حتى مع تراجع التهديدات الجسدية.

يسهم زرع الخوف عن طريق الخطاب الطائفي الرقمي في تشكيل قرارات العودة لدى النازحين واللاجئين عبر آليات نفسية محددة، حيث يخلق المحتوى التحريضي عبر الإنترنت قلقا استباقيا تجاه سيناريوهات العودة، محولا الاحتمالات النظرية إلى مخاوف واقعية من خلال استخدام لغة وصور تهديدية ومباشرة.

إعلان

وتؤكد دراسات ميدانية حول العائدين المحتملين أن التعرض للمحتوى الطائفي الرقمي يزيد من شعورهم بالتهديد، ويضعف الثقة في الضمانات الأمنية المعلنة، ويرفع من تقديرات المخاطر المحتملة عند العودة.

إن استمرار تواجد المحتوى التحريضي على الإنترنت يجعل من التهديدات التي صدرت خلال ذروة النزاع حاضرة دوما في أذهان النازحين، فيما يعرف بـ"الانهيار الزمني"، مما يضطر العائدين المحتملين إلى تقييم أوضاعهم لا بناء على الظروف الراهنة فحسب، بل استنادا إلى المحتوى الرقمي المستمر الذي يشير إلى ضعف محتمل في المستقبل.

ساحة المعركة الرقمية في سوريا وأثرها على ديناميكيات العودة

برزت البيئة الرقمية في سوريا ما بعد الصراع كساحة معركة محتدمة، تتصارع فيها السرديات الطائفية حول تشكيل تصورات العودة وظروفها، كانت هذه الظاهرة في البداية منحصرة نسبيا ضمن نطاق المواجهة بين الموالين لنظام الأسد والمعارضين له، غير أن الأحداث الأخيرة في الساحل خلال مارس/ آذار، وفي السويداء خلال يوليو/ تموز 2025، فجرت موجة من الخطاب الطائفي، يرجح أن تكون لها تداعيات بعيدة المدى تتجاوز المستقبل المنظور.

ولا تقتصر هذه الظاهرة على مجرد تصعيد في حدة الخطاب، بل تشير إلى تحول جوهري في آليات تكوين الهويات الطائفية وتوظيفها سياسيا واجتماعيا كسلاح في الصراع السوري.

وتستغل هذه الهويات البيئة الرقمية متعددة المنصات، ما أدى إلى انتشار واسع النطاق لمحتوى الكراهية، مع استدامة لم تعهدها الأشكال التقليدية من النزاعات الطائفية.

تطور الخطاب الطائفي على الإنترنت من مجرد إشارات مبطنة أو تلميحات غامضة إلى خطاب صريح قائم على استهداف واضح للهويات الفرعية، ما أدى إلى نشوء توترات وانقسامات داخلية تهدد بجدية فرص التعايش السلمي.

ويعكس هذا التحول اللغوي تحولات هيكلية أعمق على مستوى الإدراك المجتمعي السوري لمفاهيم الاختلاف والانتماء، إذ يسهم الأرشيف الرقمي للهويات الطائفية عبر الوسوم (الهاشتاغات) والمجموعات والعبارات المنتشرة في خلق ما يمكن وصفه بـ"أرشيف الكراهية"، وهو ما يجبر العائدين المحتملين على التعامل معه كجزء من تقييمهم لفرص العودة الآمنة إلى مناطقهم الأصلية.

وقد برزت منصات رقمية محددة كقنوات رئيسية لنشر وتعزيز الخطاب الطائفي، وتمتاز كل منها بسمات خاصة تؤثر في طبيعة المحتوى المنشور وانتشاره. إذ تتحول مجموعات فيسبوك المنظمة وفق التقسيمات الجغرافية إلى ساحات افتراضية توثق فيها الحوادث الطائفية وتناقش وتضخم، فتُحول بذلك الحوادث المحلية إلى روايات عامة تؤثر في العلاقات بين مختلف الطوائف.

في حين تسهم مجموعات واتساب، بحكم خصوصيتها وتشفيرها ودينامياتها القائمة على التقارب الشخصي، في انتشار واسع للتقارير غير الموثقة والشائعات التحريضية ضمن دوائر موثوقة اجتماعيا، ما يمنح الخطاب الطائفي مصداقية أكبر من خلال التفاعل المباشر.

وتتيح طبيعة منصة إكس، بما فيها من مزايا التفاعل الآني وانتشار الوسوم، التصعيد السريع للتوترات الطائفية خاصة في أوقات الأزمات أو الأحداث البارزة. كما تؤدي قنوات تليغرام دورا محوريا كمنصات للتنسيق والتعبئة الطائفية، خصوصا تلك التي يديرها أشخاص أو جماعات ترتبط بالنظام السابق، أو بفصائل مسلحة، أو بمجموعات متطرفة، وتسعى عبر محتواها التهديدي إلى استهداف مجتمعات بعينها.

وتشير الأدلة المتاحة إلى أن العديد من هذه الحسابات قد تكون موجهة من قِبل دول، أو جهات تسعى لتعميق الانقسامات، بغرض تحويل الأزمة الطائفية إلى مواجهات مسلحة تبقي النازحين بعيدا عن أوطانهم الأصلية.

مقاطع الفيديو العنيفة كوسيلة رادعة للعودة

يمثل تداول مقاطع الفيديو التي تصور العنف عبر الشبكات الرقمية وسيلة فعالة وواسعة الانتشار في إطالة أمد النزاع الطائفي، لتصبح حاجزا نفسيا وعاطفيا قويا يردع اللاجئين والنازحين عن العودة، متجاوزا الاعتبارات العقلانية المتعلقة بالتقييم الأمني للوضع.

إعلان

وتنتشر على نطاق واسع تسجيلات تبث عنفا طائفيا تاريخيا أو حديثا، بدءا من مشاهد المجازر القديمة وانتهاكات الكرامة الإنسانية، ووصولا إلى لقطات التدمير والترهيب المعاصرة، وتوزع هذه المواد المرئية عبر الشبكات الرقمية السورية بتأثير قوي تضمنه الخوارزميات الحديثة.

وتقوم هذه المقاطع بوظائف متعددة، فهي تخلد الصدمات التاريخية، وتكرس التهديدات المستمرة، وتلقي بظلالها على سيناريوهات العودة المستقبلية. ويؤدي استمرار توفر هذه المواد الرقمية إلى إبقاء تأثير العنف الماضي حاضرا بشكل دائم، مما يقلص المسافة الزمنية بين فظائع الأمس وقرارات اليوم.

يظهر تأثير هذه الفيديوهات جليا على عمليات اتخاذ القرارات الخاصة بالعودة لدى اللاجئين والنازحين، وذلك من خلال آليات نفسية معقدة تدمج الأدلة البصرية بشكل مباشر في تقييم المخاطر.

ويشير العائدون المحتملون إلى أن مجرد مشاهدة مقطع واحد يصور عنفا طائفيا في مناطقهم الأصلية قد يكون كافيا لترجيح قرار عدم العودة، حتى لو تعددت التقارير التي تتحدث عن تحسن نسبي في الظروف الأمنية.

وتضمن الطبيعة الفيروسية لهذا المحتوى أن تكتسب الحوادث المنعزلة أو المتفرقة أثرا مبالغا فيه، حيث تنتقل هذه المقاطع بسرعة كبيرة بين مجتمعات الشتات السوري، متجاوزة بذلك أي معلومات سياقية أو تقييمات موضوعية للمخاطر الفعلية، مما يعزز ما يعرف في الأدبيات النفسية بـ"سلاسل التوافر المعرفي"، أي أن الصور والمقاطع المتوفرة بسهولة عن العنف تهيمن على إدراك النازحين لمستوى المخاطر المحتملة.

ويخلق هذا المحتوى الرقمي "جغرافيات خوف متخيلة"، وهي بنية نفسية وعاطفية تكرس استمرار النزوح وتحدي المفاهيم التقليدية للانتماء الجغرافي. وتتحول مقاطع الفيديو التي تصور العنف إلى "نصب رقمية" دائمة تذكر النازحين بأماكن يعتبرونها ملوثة بالعنف الطائفي بشكل لا يمكن تجاوزه أو نسيانه، بغض النظر عن الواقع الحالي.

وتتكون هذه الجغرافيات المتخيلة من خرائط عاطفية قوامها الخوف والاشمئزاز والغضب، وتؤثر بقوة في قرارات العودة، حتى من مسافات بعيدة. ويصف اللاجئون السوريون ردود أفعالهم الغريزية عند مشاهدة مقاطع توثق عنفا في مناطقهم الأصلية، والتي تتحول إلى مشاعر نفور واشمئزاز عميقين، لتتحول تلك المشاعر إلى قرارات ترفض العودة.

خاتمة

تشكل خطابات الكراهية الرقمية، والتحريض الطائفي، وانتشار مقاطع الفيديو التي تصور العنف عبر منصات التواصل الاجتماعي ما يمكن تسميته بـ«البعد الرابع» لأزمة النزوح السوري؛ وهو بعد يتداخل مع عوامل النزوح التقليدية كالتدمير المادي، والتهديدات الأمنية، والعقبات القانونية، والقيود الاقتصادية، لكنه في الوقت ذاته يتمتع باستقلالية واضحة عنها.

يتميز هذا البعد الرقمي بخصائص تستدعي إعادة النظر في السياسات والمقاربات المتعلقة بالعودة؛ إذ إنه عابر للحدود، ومستمر رغم التحولات السياسية، ويخلق عوائق نفسية وعاطفية قد تكون أكثر صعوبة من العوائق المادية.

وتؤكد الحالة السورية بوضوح كيف يجد النازحون واللاجئون أنفسهم أمام تحديات لا تقتصر على تدمير البنى التحتية أو النزاعات المتعلقة بحقوق الملكية، بل تشمل كذلك بيئة رقمية مشبعة بالكراهية الطائفية، تعيد باستمرار إنتاج الظروف النفسية والاجتماعية المسببة للصراع.

إن الاعتراف السياسي بالطائفية الرقمية بوصفها عائقا أساسيا أمام عودة النازحين واللاجئين يحمل في طياته تداعيات جوهرية، ويتطلب من الحكومة السورية ومن المجتمع الدولي تطوير إستراتيجيات متقدمة تدمج ما بين الجوانب التقنية، والنفسية، والسياسية.

إذ ينبغي استكمال الجهود التقليدية لتيسير العودة، والتي تتركز عادة على إعادة إعمار البنية التحتية، وحل النزاعات القانونية، وتوفير الضمانات الأمنية، بمبادرات رقمية تهدف إلى بناء السلام والتعايش.

وتتضمن هذه المبادرات تأسيس وحدات متخصصة ضمن آليات العدالة الانتقالية، تتولى رصد وتحليل ومعالجة خطاب الكراهية والتحريض على العنف في الفضاء الرقمي؛ بالإضافة إلى تطوير شراكات فعالة مع منصات التواصل الاجتماعي الكبرى من أجل تحديد وإزالة المحتوى الذي يحرض على العنف الطائفي.

كما ينبغي العمل على إنشاء برامج تعليمية تعزز «محو الأمية الرقمية»، بهدف تمكين النازحين واللاجئين من تقييم المحتوى الرقمي نقديا، وتشجيع ودعم إنتاج روايات بديلة ترفض التأطيرات الطائفية وتعمل على تعزيز التعايش والتماسك الاجتماعي.

إعلان

علاوة على ذلك، فإن مواجهة تحديات المجال الرقمي تتطلب تشريعات متخصصة، وبناء قدرات مؤسسية، وأطر تعاون دولي وأممي تكون قادرة على التصدي للطبيعة العابرة للحدود الوطنية للمحتوى الطائفي.

لا يقتصر تحقيق العودة المستدامة للسوريين على إعادة بناء المدن المدمرة أو تصحيح الأوضاع القانونية وحدها، بل يقتضي أيضا استعادة المجال الرقمي من تجار الكراهية والتحريض الطائفي. يتطلب هذا الأمر تحولا في إدراك مفهوم العودة بعد انتهاء النزاع؛ من مجرد انتقال جغرافي إلى تفاوض معقد مع بيئات رقمية تؤثر بشكل عميق في تصورات الهوية، والأمن، والتعايش المشترك.

ومن خلال إدراك هذه الحقيقة، يمكن للمجتمع الدولي أن يساهم في خلق الظروف الملائمة التي تمكّن ملايين النازحين واللاجئين السوريين من العودة إلى ديارهم، دون أن يرافقهم خوف مستمر من الكراهية الرقمية التي ما زالت تنتشر بقوة في شبكات التواصل التي تجمعهم وتفرقهم في آن واحد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الرئيس اللبناني: تلقينا مبادرة سعودية لترسيم الحدود مع سوريا.. ونسعى لاستعادة سيادة الدولة
  • ما هي الصدمة الثلاثية التي تعيق عودة السوريين إلى وطنهم؟
  • انطلاق المرحلة الأولى من خطة عودة النازحين السوريين
  • لبنان يطلق المرحلة الأولى من خطة عودة اللاجئين السوريين
  • 72 لاجئاً سورياً يعودون من لبنان ضمن برنامج الأمم المتحدة للعودة الطوعية
  • عودة دفعة جديدة من اللاجئين السوريين من لبنان إلى حمص وسط دعم إنساني
  • سوريا تستقبل أبناءها.. خطة العودة من لبنان تدخل حيز التنفيذ
  • عودة 72 لاجئاً سورياً عبر معبر جديدة يابوس بريف دمشق ضمن برنامج العودة الطوعية من لبنان إلى سوريا
  • ضمن برنامج العودة الطوعية من لبنان إلى سوريا… لقطات لعودة 72 لاجئاً سوريّاً عبر معبر جديدة يابوس
  • مدير معبر جديدة يابوس عبد الرزاق المصري لـ سانا: قمنا بالتنسيق مع الجانب اللبناني لتسهيل إجراءات قافلة العودة الطوعية الأولى للاجئين السوريين من لبنان والتي تضم 72 لاجئاً، بما في ذلك إعفاؤهم من دفع أي رسوم وتقديم كل الخدمات لهم وتنظيم استقبالهم