أسباب نجاح الاستخبارات الإسرائيلية في لبنان وفشلها في أكتوبر
تاريخ النشر: 27th, September 2024 GMT
سلطت صحيفة "وول ستريت جورنال" الضوء على النجاح الاستخباراتي لإسرائيل في اختراق حزب الله حتى الآن، في حين أنها تلقت ضربة مفاجئة وقاسية من حركة حماس في هجمات السابع من أكتوبر.
وذكرت الصحيفة أنه قبل عام، عانت إسرائيل من أسوأ فشل استخباراتي لها على الإطلاق عندما شنت حماس هجومًا مفاجئًا أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز حوالي 250 رهينة.
وهذا التحول تراه الصحيفة يعكس كيف استثمرت إسرائيل وقتها ومواردها على مدى العقدين الماضيين، فمنذ خوض حرب مع حزب الله في لبنان عام 2006، استعدت إسرائيل بدقة لصراع كبير آخر مع الجماعة المسلحة، وربما مع داعمها إيران.
وعلى النقيض من ذلك، أشارت الصحيفة إلى أن حماس كانت تُعتبر تهديدًا أقل قوة بكثير بالنسبة لإسرائيل. وحتى قبل وقت قصير من التوغل في السابع من أكتوبر من قطاع غزة، كان كبار المسؤولين يرفضون علامات الهجوم الوشيك.
وفي سبتمبر الماضي، وصف الجيش الإسرائيلي غزة بثقة بأنها في حالة من "عدم الاستقرار المستقر"، وخلصت تقييمات الاستخبارات إلى أن حماس حولت تركيزها إلى إذكاء العنف في الضفة الغربية وأرادت الحد من خطر الانتقام الإسرائيلي المباشر.
وقالت الباحثة البارزة في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب والخبيرة في الميليشيات اللبنانية، كارميت فالينسي، للصحيفة: "كان معظم تركيزنا على الاستعداد للمواجهة مع حزب الله. لقد أهملنا إلى حد ما الساحة الجنوبية والوضع المتطور مع حماس في غزة".
ووفقا للصحيفة، تركت سلسلة من الهجمات الإسرائيلية في لبنان على مدى الأسبوعين الماضيين حزب الله في حالة من الترنح، مصدوماً بقدرات إسرائيل على اختراق المجموعة ولا يزال يكافح لإغلاق الفجوات التي بدأت بعد انفجار آلاف أجهزة النداء واللاسلكي التابعة لحزب الله في وقت واحد تقريباً في أيام متتالية الأسبوع الماضي، ما أسفر عن مقتل 37 وإصابة حوالي 3000. وبعد ذلك بوقت قصير، قتلت غارة جوية في بيروت مجموعة من أكثر من اثني عشر من نخبة القادة العسكريين.
ويظل أمن حزب الله مخترقاً حتى بعد تفجيرات البيجر، حيث قتلت غارة جوية إسرائيلية أخرى في جنوب بيروت، الثلاثاء، قائد الصواريخ الأعلى لحزب الله.
وجاءت هذه العمليات بعد شهرين تقريبًا من إظهار إسرائيل لقدرتها على اختراق حزب الله بقتل القائد الأعلى فؤاد شكر، الذي أفلت من الولايات المتحدة لمدة أربعة عقود.
وترى الصحيفة أن الحملة المكثفة التي شنتها أجهزة الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية، والموساد، ووحدات الاستخبارات العسكرية أدت إلى تدمير قيادة حزب الله وتدهور ترسانته من الأسلحة. وأعقب ذلك سلاح الجو الإسرائيلي بحملة قصف ضربت أكثر من 2000 هدف، الأسبوع الجاري.
وقال المدير السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، أفنر غولوف، للصحيفة إن نجاح إسرائيل ضد حزب الله مقارنة بفشلها فيما يتعلق بحماس حدث بسبب أن أجهزة الأمن في البلاد أفضل في الهجوم من الدفاع.
ووفقا للصحيفة، راقبت إسرائيل بناء ترسانة حزب الله منذ أن وقع الجانبان على هدنة في عام 2006 بعد حرب استمرت شهرًا. وفي ذلك الوقت، كان العديد من أفراد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يشعرون بخيبة أمل إزاء أداء الجيش في الحرب، حيث فشل في إلحاق أضرار كبيرة بحزب الله، الذي بدأ في إعادة بناء موقعه في الجنوب.
ونتيجة لهذا، ذكرت الصحيفة أن الجيش سعى إلى فهم حزب الله بشكل أفضل وتقليص الدعم العسكري والمالي الإيراني للجماعة، بما في ذلك من خلال حملة من الغارات الجوية في سوريا والتي أصبحت تُعرف باسم "الحرب بين الحروب".
لكن في غزة، وعلى النقيض من ذلك، أشارت الصحيفة إلى أن رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، تبنى استراتيجية احتواء حماس في السنوات الأخيرة، معتقدًا أن الجماعة الفلسطينية تركز على حكم غزة وليست مهتمة بحرب مع إسرائيل. وخاض الجانبان سلسلة من الصراعات القصيرة في أعقاب سيطرة حماس على قطاع غزة في عام 2007، وبدا أن زعيم الحركة، يحيى السنوار، كان أكثر اهتمامًا بتحسين الظروف الاقتصادية للشعب الفلسطيني.
ووفقا للصحيفة، كانت هناك علامات على أن الجماعة الإرهابية التي صنفتها الولايات المتحدة إرهابية تخطط لهجوم، بما في ذلك التدريبات العسكرية التي أنبأت بالطرق التي اقتحمت بها إسرائيل في 7 أكتوبر. لكن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قللت من أهمية التدريبات باعتبارها تهديداً لجمهور حماس المحلي. وشعر الجيش بالثقة في قوة الجدار العازل المتقدم تكنولوجياً والذي أقامه لفصل غزة عن الأراضي الإسرائيلية.
وقال عوزي شايا، وهو مسؤول استخباراتي إسرائيلي سابق، للصحيفة إن جمع المعلومات من مصادر بشرية ربما كانت لتحذر من هجوم أصبح أكثر صعوبة بعد انسحاب إسرائيل من جانب واحد من قطاع غزة في عام 2005 وتسليمه للسيطرة الفلسطينية.
وأضاف شايا أن "القدرة على جمع معلومات استخباراتية بشرية في غزة في منطقة كثيفة وصغيرة للغاية، حيث يعرف الجميع بعضهم البعض، وحين يظهر شخص غريب، يتم كشفه على الفور، بينما الوصول إلى الأشخاص في لبنان أو خارج لبنان المرتبطين بحزب الله أسهل".
لكن الصحيفة ترى أن إنجازات الاستخبارات لا تذهب إلى أبعد من ذلك. وفي نهاية المطاف، فإن نجاح إسرائيل ضد أي من المجموعتين سوف يتحدد في ساحة المعركة. ففي الحدود الضيقة لقطاع غزة، هزم الجيش الإسرائيلي حماس وأحدث دماراً هائلاً في المشهد الحضري. ولكن لا أحد يعرف عما إذا كان حزب الله سينجح في مواجهة عدو مختلف في تلال لبنان.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: حزب الله فی لبنان
إقرأ أيضاً:
ما أسباب حظر مؤسسة القرض الحسن في لبنان؟
بيروت– في خطوة تعكس تحولًا لافتًا في سياسة مصرف لبنان تجاه المؤسسات المالية غير النظامية، أصدر المصرف المركزي قرارًا يقضي بحظر التعامل مع عدد من الهيئات غير المرخصة، في مقدّمتها "جمعية القرض الحسن" التابعة لحزب الله، مما فتح الباب أمام سجال واسع حول قانونية هذه المؤسسات ودورها في المنظومة المالية الموازية التي نشأت في ظل الانهيار المصرفي اللبناني.
وتُعد الجمعية من أبرز الركائز الاقتصادية التي يعتمد عليها حزب الله في تمويل أنشطته الاجتماعية وتقديم الخدمات المالية. ونشأت في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 تحت غطاء جمعية خيرية، قبل أن تحصل على ترخيص رسمي من وزارة الداخلية اللبنانية عام 1987، مما أتاح لها العمل بشكل قانوني ضمن الإطار الرسمي للجمعيات.
ورغم أنها لا تخضع لقانون النقد والتسليف اللبناني الذي ينظم عمل المصارف، فقد تمكنت "القرض الحسن" من ترسيخ حضورها في السوق المالية اللبنانية، حيث تدير أكثر من 30 فرعًا موزعة على مختلف المناطق.
وخلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، تحولت الجمعية إلى هدف مباشر للغارات الإسرائيلية، حيث استُهدفت معظم فروعها بالقصف، مما اعتُبر رسالة واضحة إلى البنية الاقتصادية الداعمة للحزب.
تنظيم مالييعلّق الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان على القرار بالقول إنه "خطوة إيجابية في سياق الحد من تمدد اقتصاد الكاش في لبنان"، لكنه يلفت في المقابل إلى أن التعميم الصادر عن مصرف لبنان لا يطول مؤسسة "القرض الحسن" فقط، بل يشمل المؤسسات والمصارف المالية الخاضعة لرقابته.
ويُوضح أبو سليمان للجزيرة نت أن "القرض الحسن" هي جمعية مرخّصة من وزارة الداخلية، وبالتالي فإن أي إجراءات بحقها -إن ثبت أنها تمارس أنشطة مالية خارج الأطر القانونية- تُعدّ من مسؤولية السلطات المحلية، نظرًا إلى أن تقديم أي خدمات مالية يتطلب ترخيصًا رسميًا من المصرف المركزي.
إعلانويضيف أن هذا التعميم لا يُتوقع أن تكون له تداعيات مباشرة على الاقتصاد اللبناني، سواء سلبًا أو إيجابًا، بل يُقرأ بوصفه "إشارة سياسية موجّهة إلى الخارج، تفيد بأن لبنان بصدد تنظيم قطاعه المالي ووقف التعامل مع أي كيانات لا تخضع للرقابة".
ويشير إلى أن القرار لا يترك تأثيرًا يُذكر على القطاع المصرفي، "إذ إن المصارف اللبنانية أساسًا لا تتعامل مع مؤسسة القرض الحسن، ولا تقدم لها أي خدمات".
من جانبه، يقول خبير الاقتصاد والأسواق المالية الدكتور عماد عكوش للجزيرة نت، إن فهم الفروقات الجوهرية بين عمل المصارف وجمعية القرض الحسن يتطلب أولًا الإلمام بالإطار القانوني الذي ينظم القطاع المصرفي في لبنان.
فمن أبرز القوانين التي تحكم عمل المصارف: قانون النقد والتسليف الصادر عام 1963، قانون السرية المصرفية لعام 1956، قانون مكافحة تبييض الأموال رقم 44 لعام 2015، يُضاف إليها قانون دمج المصارف، ومشروع قانون إعادة هيكلة القطاع الذي لا يزال قيد البحث في البرلمان، فضلًا عن سلسلة تعاميم صادرة عن مصرف لبنان، وقانون حماية المستهلك الذي يفرض معايير للشفافية والإفصاح في التعاملات المصرفية.
لكن عكوش يشدد على أن هذه المنظومة القانونية لا تنطبق على "جمعية القرض الحسن"، التي تُصنّف خارج النظام المالي الرسمي، والاختلاف لا يقتصر على الإطار القانوني فحسب، بل يتعدّاه إلى الوظيفة.
فالمصارف، بحسب عكوش، تستقبل الودائع بأنواعها كافة وتمنح قروضًا بفوائد، وتُعنى بأنشطة التمويل، والخصم، والضمانات المصرفية، وتسهيل عمليات الدفع، إلى جانب المتاجرة بالعملات والمعادن وتقديم الخدمات البنكية التقليدية. في المقابل، تقتصر وظيفة الجمعية على منح قروض بلا فوائد وبمبالغ محدودة، في سياق دعم الفئات الفقيرة والمجتمعات الهشّة.
من هذا المنطلق، يرى عكوش أن تعميم مصرف لبنان رقم 169، الذي يمنع التعامل مع الجمعية، يأتي في سياق سياسي أكثر منه ماليا، إذ يستهدف ما يُعرف بـ"السلاح المالي لحزب الله" عبر تقويض الشبكة الاقتصادية التي ينسجها خارج النظام المصرفي الرسمي.
وبرغم الطابع الخيري الذي تتسم به خدمات الجمعية، فإن الخبير الاقتصادي يشير إلى أنها تواجه اتهامات بأنها تُستخدم ذراعا تمويلية للحزب، ويأتي قرار الحظر في ظلّ أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، مما قد يفاقم الضغوط المعيشية على آلاف العائلات التي كانت تعتمد على هذه القروض الصغيرة لتسيير شؤونها اليومية.
ويرى الخبير أن هذا القرار يشكّل رسالة سياسية موجّهة من مصرف لبنان إلى الخارج، بهدف الدفع نحو شطب اسم لبنان من "اللائحة الرمادية" التابعة لمجموعة العمل المالي (FATF)، التي تضم الدول المقصّرة -بحسب المفهوم الغربي- في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
يقول الباحث المالي والاقتصادي الدكتور عماد فران إن مؤسسة "القرض الحسن" لم تكن يومًا على ارتباط مباشر بالمصارف أو تملك حسابات مصرفية فيها، بل تتعامل غالبًا مع مؤسسات الصرافة، ومن هنا فإن التعميم يُعد إجراءً رقابيًا ضمن صلاحيات مصرف لبنان، يهدف إلى ضبط حركة الأموال خارج النظام المصرفي الرسمي.
ويوضح أن الجمعية، رغم نشاطها المالي الواسع، فإنها لا تُعد مؤسسة مصرفية مرخّصة، بل تُشبه في طبيعة عملها بعض شركات التمويل أو الاستثمار، مما يضعها خارج المظلّة القانونية التي يخضع لها القطاع المصرفي اللبناني.
إعلانلكن الإشكالية، بحسب فران، لا تنحصر في البعد التنظيمي أو المالي، بل تتجاوز ذلك إلى أبعاد سياسية، إذ يرى أن هناك ضغوطًا خارجية تُمارس على لبنان لوضع نظامه المصرفي تحت رقابة صارمة، بذريعة مكافحة تمويل جهات معيّنة أو الالتزام بالمعايير الدولية.
ويعتبر أن ما يصدر عن مصرف لبنان أو لجنة الرقابة على المصارف، وحتى الجهات الدولية، يحمل في طيّاته رسائل سياسية واضحة تتصل بإعادة رسم التوازنات في المنطقة.
ويحذر فران من أن هذا المسار قد يُفضي إلى ارتدادات داخلية، إذ إن أي توتر سياسي أو اجتماعي سيلقي بثقله على الوضع الاقتصادي الهش أصلًا.
أما في ما يخص القطاع المصرفي، فيرى فران أنه لا يتأثر مباشرة بهذه التطورات، لكن استعادة الثقة به ستبقى مرهونة بقرارات مصرف لبنان، لا سيما ما يتعلق بأموال المودعين وإعادة تفعيل دور المصارف في تمويل الاستثمارات.
ويؤكد أن هذه العودة مشروطة بتوفر التمويل بالدولار، وهو ما يفتقده لبنان حاليًا في ظل غياب "الدولار الاستثماري" الضروري لتحريك العجلة الاقتصادية.
ويختم: "في ظل هذا الواقع سيبقى الوضع الاقتصادي والمصرفي في حالة مراوحة، أقله في المدى المنظور".