ما أسباب حظر مؤسسة القرض الحسن في لبنان؟
تاريخ النشر: 27th, July 2025 GMT
بيروت– في خطوة تعكس تحولًا لافتًا في سياسة مصرف لبنان تجاه المؤسسات المالية غير النظامية، أصدر المصرف المركزي قرارًا يقضي بحظر التعامل مع عدد من الهيئات غير المرخصة، في مقدّمتها "جمعية القرض الحسن" التابعة لحزب الله، مما فتح الباب أمام سجال واسع حول قانونية هذه المؤسسات ودورها في المنظومة المالية الموازية التي نشأت في ظل الانهيار المصرفي اللبناني.
وتُعد الجمعية من أبرز الركائز الاقتصادية التي يعتمد عليها حزب الله في تمويل أنشطته الاجتماعية وتقديم الخدمات المالية. ونشأت في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 تحت غطاء جمعية خيرية، قبل أن تحصل على ترخيص رسمي من وزارة الداخلية اللبنانية عام 1987، مما أتاح لها العمل بشكل قانوني ضمن الإطار الرسمي للجمعيات.
ورغم أنها لا تخضع لقانون النقد والتسليف اللبناني الذي ينظم عمل المصارف، فقد تمكنت "القرض الحسن" من ترسيخ حضورها في السوق المالية اللبنانية، حيث تدير أكثر من 30 فرعًا موزعة على مختلف المناطق.
وخلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، تحولت الجمعية إلى هدف مباشر للغارات الإسرائيلية، حيث استُهدفت معظم فروعها بالقصف، مما اعتُبر رسالة واضحة إلى البنية الاقتصادية الداعمة للحزب.
تنظيم مالييعلّق الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان على القرار بالقول إنه "خطوة إيجابية في سياق الحد من تمدد اقتصاد الكاش في لبنان"، لكنه يلفت في المقابل إلى أن التعميم الصادر عن مصرف لبنان لا يطول مؤسسة "القرض الحسن" فقط، بل يشمل المؤسسات والمصارف المالية الخاضعة لرقابته.
ويُوضح أبو سليمان للجزيرة نت أن "القرض الحسن" هي جمعية مرخّصة من وزارة الداخلية، وبالتالي فإن أي إجراءات بحقها -إن ثبت أنها تمارس أنشطة مالية خارج الأطر القانونية- تُعدّ من مسؤولية السلطات المحلية، نظرًا إلى أن تقديم أي خدمات مالية يتطلب ترخيصًا رسميًا من المصرف المركزي.
إعلانويضيف أن هذا التعميم لا يُتوقع أن تكون له تداعيات مباشرة على الاقتصاد اللبناني، سواء سلبًا أو إيجابًا، بل يُقرأ بوصفه "إشارة سياسية موجّهة إلى الخارج، تفيد بأن لبنان بصدد تنظيم قطاعه المالي ووقف التعامل مع أي كيانات لا تخضع للرقابة".
ويشير إلى أن القرار لا يترك تأثيرًا يُذكر على القطاع المصرفي، "إذ إن المصارف اللبنانية أساسًا لا تتعامل مع مؤسسة القرض الحسن، ولا تقدم لها أي خدمات".
من جانبه، يقول خبير الاقتصاد والأسواق المالية الدكتور عماد عكوش للجزيرة نت، إن فهم الفروقات الجوهرية بين عمل المصارف وجمعية القرض الحسن يتطلب أولًا الإلمام بالإطار القانوني الذي ينظم القطاع المصرفي في لبنان.
فمن أبرز القوانين التي تحكم عمل المصارف: قانون النقد والتسليف الصادر عام 1963، قانون السرية المصرفية لعام 1956، قانون مكافحة تبييض الأموال رقم 44 لعام 2015، يُضاف إليها قانون دمج المصارف، ومشروع قانون إعادة هيكلة القطاع الذي لا يزال قيد البحث في البرلمان، فضلًا عن سلسلة تعاميم صادرة عن مصرف لبنان، وقانون حماية المستهلك الذي يفرض معايير للشفافية والإفصاح في التعاملات المصرفية.
لكن عكوش يشدد على أن هذه المنظومة القانونية لا تنطبق على "جمعية القرض الحسن"، التي تُصنّف خارج النظام المالي الرسمي، والاختلاف لا يقتصر على الإطار القانوني فحسب، بل يتعدّاه إلى الوظيفة.
فالمصارف، بحسب عكوش، تستقبل الودائع بأنواعها كافة وتمنح قروضًا بفوائد، وتُعنى بأنشطة التمويل، والخصم، والضمانات المصرفية، وتسهيل عمليات الدفع، إلى جانب المتاجرة بالعملات والمعادن وتقديم الخدمات البنكية التقليدية. في المقابل، تقتصر وظيفة الجمعية على منح قروض بلا فوائد وبمبالغ محدودة، في سياق دعم الفئات الفقيرة والمجتمعات الهشّة.
من هذا المنطلق، يرى عكوش أن تعميم مصرف لبنان رقم 169، الذي يمنع التعامل مع الجمعية، يأتي في سياق سياسي أكثر منه ماليا، إذ يستهدف ما يُعرف بـ"السلاح المالي لحزب الله" عبر تقويض الشبكة الاقتصادية التي ينسجها خارج النظام المصرفي الرسمي.
وبرغم الطابع الخيري الذي تتسم به خدمات الجمعية، فإن الخبير الاقتصادي يشير إلى أنها تواجه اتهامات بأنها تُستخدم ذراعا تمويلية للحزب، ويأتي قرار الحظر في ظلّ أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، مما قد يفاقم الضغوط المعيشية على آلاف العائلات التي كانت تعتمد على هذه القروض الصغيرة لتسيير شؤونها اليومية.
ويرى الخبير أن هذا القرار يشكّل رسالة سياسية موجّهة من مصرف لبنان إلى الخارج، بهدف الدفع نحو شطب اسم لبنان من "اللائحة الرمادية" التابعة لمجموعة العمل المالي (FATF)، التي تضم الدول المقصّرة -بحسب المفهوم الغربي- في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
يقول الباحث المالي والاقتصادي الدكتور عماد فران إن مؤسسة "القرض الحسن" لم تكن يومًا على ارتباط مباشر بالمصارف أو تملك حسابات مصرفية فيها، بل تتعامل غالبًا مع مؤسسات الصرافة، ومن هنا فإن التعميم يُعد إجراءً رقابيًا ضمن صلاحيات مصرف لبنان، يهدف إلى ضبط حركة الأموال خارج النظام المصرفي الرسمي.
ويوضح أن الجمعية، رغم نشاطها المالي الواسع، فإنها لا تُعد مؤسسة مصرفية مرخّصة، بل تُشبه في طبيعة عملها بعض شركات التمويل أو الاستثمار، مما يضعها خارج المظلّة القانونية التي يخضع لها القطاع المصرفي اللبناني.
إعلانلكن الإشكالية، بحسب فران، لا تنحصر في البعد التنظيمي أو المالي، بل تتجاوز ذلك إلى أبعاد سياسية، إذ يرى أن هناك ضغوطًا خارجية تُمارس على لبنان لوضع نظامه المصرفي تحت رقابة صارمة، بذريعة مكافحة تمويل جهات معيّنة أو الالتزام بالمعايير الدولية.
ويعتبر أن ما يصدر عن مصرف لبنان أو لجنة الرقابة على المصارف، وحتى الجهات الدولية، يحمل في طيّاته رسائل سياسية واضحة تتصل بإعادة رسم التوازنات في المنطقة.
ويحذر فران من أن هذا المسار قد يُفضي إلى ارتدادات داخلية، إذ إن أي توتر سياسي أو اجتماعي سيلقي بثقله على الوضع الاقتصادي الهش أصلًا.
أما في ما يخص القطاع المصرفي، فيرى فران أنه لا يتأثر مباشرة بهذه التطورات، لكن استعادة الثقة به ستبقى مرهونة بقرارات مصرف لبنان، لا سيما ما يتعلق بأموال المودعين وإعادة تفعيل دور المصارف في تمويل الاستثمارات.
ويؤكد أن هذه العودة مشروطة بتوفر التمويل بالدولار، وهو ما يفتقده لبنان حاليًا في ظل غياب "الدولار الاستثماري" الضروري لتحريك العجلة الاقتصادية.
ويختم: "في ظل هذا الواقع سيبقى الوضع الاقتصادي والمصرفي في حالة مراوحة، أقله في المدى المنظور".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات جمعیة القرض الحسن القطاع المصرفی مصرف لبنان إلى أن
إقرأ أيضاً:
محافظ أسيوط : إجراءات صارمة ضد المركبات غير الآمنة وتوجيهات عاجلة لتأمين المصارف وتحسين الخدمات|صور
ترّأس اللواء دكتور هشام أبو النصر محافظ أسيوط جلسة المجلس التنفيذي للمحافظة، لمناقشة أبرز القضايا الجماهيرية واستعراض الموقف التنفيذي للمشروعات التنموية الجارية، في إطار توجيهات القيادة السياسية وتنفيذاً لرؤية مصر 2030 لتحقيق التنمية المستدامة.
حضر الاجتماع الدكتور مينا عماد نائب المحافظ، والمحاسب عدلي مصلح أبو عقيل السكرتير العام للمحافظة، و خالد عبد الرؤوف السكرتير العام المساعد، واللواء مساعد مدير أمن أسيوط، والعميد أركان حرب هاني محمد الفاروق المستشار العسكري للمحافظة، إلى جانب وكلاء الوزارة ورؤساء المراكز والمدن والأحياء ومديري شركات المرافق والإدارات التنفيذية.
محافظ أسيوط ينعي ضحايا حادث تروسيكل منقبادوفي مستهل الجلسة، نعى محافظ أسيوط الأطفال الذين توفوا في الحادث الأليم بإحدى المصارف بقرية سلام التابعة لمركز أسيوط، داعياً الله أن يتغمدهم بواسع رحمته وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان، متمنياً الشفاء العاجل للمصابين، ووجه مديرية التضامن الاجتماعي بتقديم الدعم الكامل لأسر الضحايا، وزيادة المساعدات المادية والنفسية لهم.
عدم التهاون مع أي سيارة ربع نقل أو تروسيكل يحمل ركاباًوأكد المحافظ أن الحادث جاء نتيجة ضعف الوعي بخطورة استخدام مركبات غير آمنة وغير مهيأة لنقل الأطفال أو الركاب، مشدداً على أن أمن المواطن وسلامته خط أحمر، موجها بعدم التهاون مع أي سيارة ربع نقل أو تروسيكل يحمل ركاباً، والتنسيق مع مديرية الأمن وإدارة المرور لضبط المخالفين واتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم.
كما أصدر اللواء دكتور هشام أبوالنصر توجيهات عاجلة ببناء أسوار وبوابات حديدية على طول المصارف والترع المنتشرة بالمحافظة حفاظاً على الأرواح، وتكليف الإدارة العامة لري أسيوط بتطهير المجاري المائية بصفة مستمرة، وإزالة المخلفات وورد النيل دون تباطؤ مشددًا على تشغيل ماكينة التطهير التي تم إصلاحها بعد توقف دام 8 سنوات، لتحقيق الاستفادة القصوى من إمكانات المحافظة ومنع إهدار المال العام.
ووجه المحافظ بوضع صناديق قمامة على جسور الترع والمصارف، وتكثيف حملات التوعية عبر المدارس والمساجد والكنائس والرائدات الريفيات بأهمية الحفاظ على النظافة العامة ومنع إلقاء القمامة في المصارف والمقالب العشوائية.
وخلال الاجتماع، استعرض اللواء هشام أبو النصر نتائج زيارة المهندس شريف الشربيني وزير الإسكان، واللواء عمرو عبد المنعم رئيس هيئة تنمية الصعيد، التي أسفرت عن الموافقة على تقنين عدد من الأراضي وتسريع وتيرة تنفيذ المشروعات التنموية على أرض المحافظة.
كما وجه المحافظ باستغلال كسارة البلاستيك التابعة للمحافظة لإعادة تدوير المخلفات البلاستيكية، حفاظاً على البيئة وتعزيز موارد الوحدات المحلية.
وفي ملف التصالح على مخالفات البناء، أعلن المحافظ أن نسبة الإنجاز بلغت 99.4%، فيما وصلت معدلات الأداء في منظومة المتغيرات المكانية إلى 98%، مؤكداً على الاستمرار في تقنين أراضي أملاك الدولة طبقاً للقانون رقم 144 لسنة 2017، وتسريع أعمال الإزالة واسترداد الأراضي المتعدى عليها.
واختتم اللواء هشام أبو النصر الجلسة بتوجيه الشكر للجهات المشاركة في أعمال التنمية، معتمداً عدداً من التبرعات المقدمة لصالح المحافظة وبعض المراكز والأحياء وصندوق الخدمات والتنمية المحلية، مثمناً جهود المتبرعين ومساهماتهم المجتمعية في دعم مشروعات البنية التحتية وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين.