لماذا يفضل المهاجرون المدارس الإسلامية لتربية أبنائهم في أميركا؟
تاريخ النشر: 1st, October 2024 GMT
فلوريدا- يحمل المهاجر العربي والمسلم في قلبه حلماً مشرقاً وهو يغادر وطنه متجهاً إلى الولايات المتحدة. في "أرض الفرص" يتجلى أمام عينيه أفق واسع من الإمكانيات، حيث التعليم المتطور، والفرص الاقتصادية اللامحدودة، والقدرة على إعادة تشكيل حياته بيديه. وتملؤه الآمال بتحقيق أحلام طالما راودته: فرص التعليم المتطور، العيش في مجتمع يقدر الكفاءة والابتكار.
ولكن في قلب هذه البلاد التي تحتضن التنوع والتعدد، يجد المهاجرون أنفسهم أمام تحدي التوفيق بين قيمهم الإسلامية وعاداتهم الراسخة، وبين نمط حياة جديد قد يبدو غريباً وغير مألوف. وهنا، يبدأ الاختبار الحقيقي: هل يستطيعون التمسك بهويتهم؟ أم أن الرحلة إلى "أرض الأحلام" تتطلب منهم إعادة تعريف لمفاهيمهم عن الاندماج، دون التفريط بجذورهم الأصيلة؟
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2للذهب والبريد والطائرات.. مدارس متخصصة تنافس طموحات الجامعة بمصرlist 2 of 2طلاب غزة يتغيبون عن مقاعدهم الدراسية للعام الثاني على التواليend of listوعندما يتعلق الأمر بالأبناء، تتعقد الاختيارات وتلح التحديات على ضرورة ترسيخ الثقافة الأصلية والاندماج مع وطنهم الجديد. وهنا تصبح المدارس الخاصة وسيلة لتحصين الأبناء ومساعدتهم على التكيف في مجتمعهم.
تأسيس المدارس الدينية الخاصة مكفول بموجب الدستور الأميركي الذي يضمن حرية الدين والتعليم الخاص.المدارس الإسلامية، مسموح لها بتدريس مناهج أكاديمية معتمدة من الدولة، بشرط أن تفي بالمعايير الأكاديمية المطلوبة.
بواسطة الدستور الأميركي (التعديل الأول: يضمن حرية الدين وتأسيس مؤسسات دينية وتعليمية خاصة) (التعديل الرابع عشر) يضمن للآباء الحق في اختيار التعليم المناسب لأبنائهم، بما في ذلك التعليم الديني الخاص.
بداية المدارس الإسلاميةيتزامن ظهور المدارس الإسلامية بالولايات المتحدة، أواخر الستينيات والسبعينيات، مع زيادة الهجرة من الدول الإسلامية ونمو المجتمعات المسلمة، خاصة بعد إقرار قانون الهجرة المعروف باسم "هارت-سيلر"عام 1965، الذي ألغى العديد من القيود المفروضة على الهجرة من الدول غير الأوروبية، وسمح بتوطين المهاجرين من دول آسيا وأفريقيا.
ومع تزايد أعداد المهاجرين منتصف القرن الماضي، تأسست مجموعة من المدارس الإسلامية، كان من أقدمها سلسلة مدارس "سيستر كلارا محمد" في نيويورك وبدأت في الستينيات، وكانت من أوائل المدارس الإسلامية في الولايات المتحدة التي وفرت تعليمًا إسلاميا متكاملا إلى جانب مناهج أكاديمية.
ثم توالى إنشاء المدارس الإسلامية في عدد من الولايات الأميركية التي تضم أعدادا كبيرة من الأسر المسلمة.
ولكن، لماذا يقرر المهاجر إلحاق أبنائه في مدرسة إسلامية خاصة؟ وبم تختلف عن المدارس العامة؟
الجزيرة نت التقت مجموعة من أولياء الأمور الذين تحدثوا عن أسباب إلحاق أبنائهم بالمدارس الإسلامية، وإن كان الحفاظ على الهوية وتعلم القيم الإسلامية من أبرز الأسباب إلا أن لبعضهم حكايات ومواقف دفعتهم لاتخاذ هذا القرار.
وكان قرار الالتحاق بمدرسة إسلامية مخططا له في أسرة نهلة محمد، فلم تتردد الأم الشابة في تحويل ابنتها من مدرسة أميركية عامة إلى أخرى إسلامية بولاية ميشيغان التي تقدر أعداد المسلمين فيها بحوالي 300 ألف نسمة نصفهم من أصول عربية.
واعتبرت الأم مدارس السبت والأحد ليست كافية لتنشئة ابنتها، وهي المدارس التي تخصصها المساجد والمراكز الإسلامية لتعليم القرآن وأساسيات العقيدة الإسلامية واللغة العربية، فاختارت أن تحيط ابنتها ببيئة تحافظ على الهوية مع الاهتمام بتطوير مهارات ابنتها الأكاديمية.
وتقول نهلة إنها قررت إلحاق ابنتها بمدرسة إسلامية عندما لاحظت أن بعض الطلاب يتعرضون للتنمر بسبب خلفياتهم المسلمة، فإحدى الفتيات طلبت من والدتها خفض صوت أذكار الصباح في السيارة خشية التعرض للتنمر من زملائها بالمدرسة، وطفلة أخرى باتت تخجل من حجاب أمها بعد سخرية الطلاب منها.
وأوضحت للجزيرة نت أن هذه الأمور قد يتعرض لها الأطفال في مناسبات وظروف عدة، إلا أنهم يجب أن يحاطوا ببيئة آمنة تعزز قيمهم قبل التعرض لمجتمع لم يألفوا عاداته بعد، حتى يتمكنوا من التصدي لأي موقف عنصري، فلا تهتز ثوابتهم أمام أي سخرية أو موقف عدائي، "لذلك قبل دفع أطفالنا لمجتمع يتضمن ثقافات مختلفة، يجب ترسيخ هويتهم بداخلهم أولا".
بينما انتقلت أسرة (طارق. ع) من كاليفورنيا إلى فلوريدا نهاية صيف 2023 بسبب مخاوف تتعلق بقوانين الولاية التي تسمح للطفل (إذا تجاوز عمره 12 عاما) باتخاذ قرار تغيير جنسه، حتى لو رفض الوالدان ذلك، حيث ينص قانون الولاية أن المدارس يجب أن تحترم خصوصية الطلاب المتحولين جنسيا وألا تكشف عن معلومات شخصية حساسة دون موافقتهم. وهذا يشمل عدم إلزام المعلمين بإخطار العائلات بتغييرات الهوية الجنسية لأبنائهم دون موافقة الطالب.
ورغم أن كاليفورنيا تضم أكبر الجاليات المسلمة في الولايات المتحدة، فإن طارق أكد رغبته في تربية أطفاله في بيئة تساعده على الحفاظ على هويتهم الإسلامية واندماجهم في مجتمعهم الذي أصبحوا جزءا منه.
تضم كاليفورنيا حوالي 30 مدرسة إسلامية تخدم جالية يقدر عددها بمليون نسمة، وفق التقارير فإن 69% من المراهقين والشباب في عمر (11-18 سنة) يشعرون بالأمان في المدارس، بينما يتعرض 53% من الطلاب المسلمين في كاليفورنيا للتنمر.
بواسطة تقارير مركز بيو للأبحاث
وكان جافين نيوسوم حاكم ولاية كاليفورنيا قد وقع، يوم الاثنين 15 يوليو/تموز من العام الماضي، أول قانون في البلاد يمنع المدارس من إخطار الآباء إذا طلب أطفالهم تغيير هويتهم الجنسية.
أما إيمان فهي من أبناء الجيل الثاني من المهاجرين، حيث هاجر والدها من لبنان إلى أميركا نهاية السبعينيات، لكنها تؤيد تنشئة الأطفال في بيئة إسلامية، وتؤكد أن الحفاظ على الهوية لا يعني الانعزال عن المجتمع الأميركي.
وترى المواطنة اللبنانية الأصل -التي قضت سنوات حياتها وتعليمها بالمدارس الأميركية العامة- أن المدارس الإسلامية ضرورية في المرحلة الإعدادية والثانوية، خاصة مع الانفتاح اللامحدود بالمجتمع الأميركي في العقدين الماضيين.
الطريق إلى فلوريدالا تضم فلوريدا العدد الأكبر من المدارس الإسلامية ولا التعداد الأغلب للمسلمين في الولايات المتحدة، إلا أنها وجهة مفضلة للمهاجرين القادمين من دول عربية وإسلامية.
وشهدت هذه الولاية هجرة داخلية واسعة منذ 2020، تقدر بأكثر من 500 ألف نسمة، لأسباب متعددة مثل الفرص الاقتصادية، المناخ الدافئ، السياسات الضريبية. غير أن كثيرا من المهاجرين العرب يعتبرون فلوريدا ملائمة لتطلعاتهم، فهي إلى جانب الأسباب السابقة تشكل بيئة محافظة تناسب قيمهم إلى حد كبير.
وتعرف مدرسة "آية" أو "أكاديمية الشباب الأميركية" (AYA) معروفة بين سكان مدينة تامبا، فهي واحدة من أقدم المدارس الإسلامية على مستوى الولايات المتحدة. وقد تأسست عام 1992 لتقديم المناهج الأكاديمية الأميركية وتعليم العربية والعلوم الدينية لأبناء الجالية المسلمة.
وبدأت مدرسة "آية" قبل عقود بعدد محدود من الطلاب، لتضم اليوم 1200 طالب في مراحل تعليمية مختلفة، تبدأ من رياض الأطفال وحتى المرحلة الثانوية.
وهذه المدرسة، التي تم إنشاؤها على الطراز الحديث بمساحة 120 ألف متر مربع، هي الوحيدة من المدارس الإسلامية في ولاية فلوريدا المعتمدة من برنامج البكالوريا الدولية (IB).
وقد التقت الجزيرة نت مديرة مدارس "آية" الدكتورة دلال قاهوق التي أكدت أن هدفهم ليس التعليم فقط، بل أيضا بناء شخصية الطالب وتطوير مهاراته من خلال أنشطة متكاملة ترتبط بالقيم والعقيدة الإسلامية.
وأشارت الدكتورة دلال إلى تقديم المدرسة خدمات مجتمعية سواء محليا أو على مستوى الولايات المتحدة، وأيضًا دوليًا. بالإضافة إلى تنظيم أنشطة تبادل ثقافي، وتوفر المدرسة برامج "إس تي إي إم" (STEM) التي تركز على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. كما تحرص الإدارة على عقد المناظرات والمناقشات بالمجلس الطلابي إلى جانب الرحلات الميدانية.
وأضافت "نولي اهتمامًا خاصًا بالمسابقات الرياضية، فالفلسفة الإسلامية تشمل المعرفة، إلى جانب الحفاظ على صحة الجسم من خلال الرياضة، ونحرص على إقامة معرض للأنشطة الفنية".
وحول التوازن بين تقديم المنهجين الأميركي والإسلامي، تقول الدكتورة دلال "نحن ملتزمون بالمناهج الأكاديمية الأميركية بالإضافة إلى معايير شهادة البكالوريا الدولية والمناهج الإسلامية".
وبسعادة تتحدث عن طلابها قائلة "كنت قلقة بعد تخرج الطلاب من احتمال تعرضهم للصدمة والانبهار بمجتمع الجامعة المفتوح دون رقابة، لكنني سعدت برؤيهم يواصلون السير على نفس النهج، فهم فخورون للغاية بكونهم أميركيين مسلمين". وأضافت "في ختام المرحلة الثانوية، شارك طلاب الصف الـ12 في رحلة عمرة قبل التخرج من المدرسة والالتحاق بالجامعة، فكانت آخر علاقتهم بالمدرسة رحلة عمرة جمعتهم بزملائهم".
وأردفت الدكتورة دلال "والحقيقة أن أبناءنا لا تنقطع علاقتهم بنا بعد التخرج، فلدينا أجيال من الخريجين الذين أصبحوا يلحقون أبناءهم بمدرستنا".
وأكدت مديرة "آية" حرص مؤسستها التعليمية على إقامة معرض للأنشطة الفنية، يُقدِّم من خلاله الطلاب أعمالًا فنية رقمية باستخدام الحاسوب والأعمال ثلاثية الأبعاد، إلى جانب فنون الرسم والخط العربي.
وفي جولة داخل المدرسة، أوضح الدكتور معن الصالح (رئيس قسم القرآن والإسلام والدراسات الإسلامية ) الرؤية التي تم وضعها للمناهج الإسلامية، بداية من المرحلة التمهيدية وحتى الثانوية.
ويقول "أطلقنا على المنهج اسم (كيو إيه آي إس QAIS) وهو اختصار (قرآن ولغة عربية ودراسات إسلامية). وفيما يخص العربية، يُفترض أنها اللغة الثانية لجميع الطلاب، إذ يتم التقييم وفقًا للمستوى ومدى معرفة العربية من (متقدم – متوسط – مبتدئ). لذلك نقدم دروسًا لتقوية الطلاب في العربية لمدة 3 أشهر لأن بعضهم ربما لم يتأسس في اللغة منذ بداية سنوات الدراسة، أما الدراسات الإسلامية فيتم تدريسها بالإنجليزية".
وأضاف الصالح للجزيرة نت "يدرس الطلاب في الصفين الـ11 والـ12 نظرية المعرفة من منظور ديني وآخر فلسفي، فطلابنا يدركون كيفية فهم تلك النظريات وما يتناسب مع قيمهم الدينية".
وحول المخاوف من تعرض الطلاب للأفكار المتشددة، أشار الدكتور معن "نحرص دائمًا على الحوار مع الطلاب وأسرهم، بل ونناقشهم في فهمهم الشخصي للإسلام، وضرورة توضيح قيم الإسلام المعتدلة لهم".
وخلال جولة الجزيرة نت في مدرسة "آية" قالت رزان محمد، مديرة مكتب الإدارة "نحن هنا في المدرسة أسرة كبيرة تمثل نموذجًا للتنوع، إذ تضم هيئة التدريس والإدارة أفرادًا من مختلف الثقافات، بعضهم من أبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين، وبعض المعلمين من الأميركيين غير المسلمين أيضًا، وكلانا يحترم الاختلافات بيننا".
القضايا الشائكةوإذا كان المحتوى التعليمي المتعلق بالهوية الجنسية سببًا في انتقال بعض الأسر من ولاية إلى أخرى لإلحاق أطفالهم بالمدارس الإسلامية، كان لا بد من طرح هذه القضية أمام إدارة المدرسة للتعرف على كيفية استيعاب مثل تلك القضايا بما يتناسب مع الضوابط الدينية وتحديات المجتمع المفتوح والمحتوى الهائل على الإنترنت في الوقت نفسه.
ويشير الدكتور معن إلى أن منهج الدراسات الإسلامية بالمرحلتين الإعدادية والثانوية يتناول ضوابط علاقة الرجل بالمرأة من القرآن والسنة النبوية، والنظرة الشرعية لتلك القضايا الحساسة بما يتناسب مع تفكير المراهق وما يواجهه من انفتاح في المجتمع الأميركي.
ومن داخل صفوف المدرسة، أكد الطالب يوسف الحمزاوي، الذي التحق بالمدرسة الإسلامية منذ عامه الدراسي الأول، أنه لا يشعر بالاختلاف عن أقرانه في المدارس الأميركية العامة ولا بالعزلة في مجتمعه، فهو يتلقى تعليما أكاديميا متوافقا مع المعايير التعليمية الأميركية، وفي الوقت نفسه يدرس مناهج دينية تعزز هويته.
ويحلم يوسف -الذي يستعد للالتحاق بالجامعة خلال عامين- بأن يصبح مهندس برمجيات، وقد بدأ في تحقيقه من خلال دراسة البرمجة قبل سنوات وكذلك تدريسها للأطفال الأصغر سنا. ويشارك في معارض العلوم بالمقاطعة، ونجح في الحصول على مراكز متقدمة في مسابقات علمية داخل الولاية. كما يلعب كرة السلة ضمن فريق المدرسة، ويشارك في المسابقات الرسمية داخل الولاية أمام مدارس أميركية إسلامية وغير إسلامية، حسب وصفه.
ويحكي الشاب الصغير، الذي يتحدث الإنجليزية والعربية الفصحى بطلاقة، عن يومه الدراسي الذي يبدأ بالفصول الأكاديمية ويتخلله صلاة الظهر في جماعة بالمسجد، حيث يؤم الطلاب أحد زملائهم، إذ يقرؤون وردا من القرآن الكريم قبل الصلاة وخاطرة قصيرة، ليعودوا بعدها إلى صفوفهم الدراسية.
وتابع يوسف "بالمداومة على قراءة القرآن كل يوم، نختمه كاملا نهاية العام". ويشاركه الهوايات نفسها شقيقه الأصغر قصي الذي يلعب ضمن فريق كرة القدم داخل المدرسة ويمارس كرة السلة أيضا، ويتطلع للالتحاق بكلية الطب مستقبلا.
أما ليان الروسان، في الصف العاشر، فقد التحقت بمدرسة "آية" قبل 7 أعوام في الصف التمهيدي. وتحدثت بفخر أن حجابها لم يمنعها من ممارسة أنشطة عدة، فهي أحد أعضاء فريق السلة المدرسي.
وتتطلع هذه الفتاة المولودة في أميركا إلى أن تصبح طبيبة أسنان، وتقول للجزيرة نت "أنا أثق في حجابي، حتى عندما ألتحق بالجامعة سأكون فخورة بقيمي، وأحترم التنوع في مجتمعي".
ورغم أعوام عمرها القليلة، تحدثت الطالبة روان سرور بزهو عن الحجاب، وقالت للجزيرة نت "أنا لست محجبة حتى الآن، ولكن قريبًا سأرتدي الحجاب. ولا أخشى أبدًا أن أرتديه في الجامعة أو الشارع أمام زميلاتي غير المحجبات، فهذا جزء من هويتنا".
وقبل مغادرة المدرسة، شاهدت طابورا من الصغار في المرحلة التمهيدية ينتقلون من الفصول إلى مطعم المدرسة لتناول وجبة الغداء، وبصوت طفولي جماعي يرددون دعاء لشكر الله على نعمة الطعام باللغة العربية.
ويقدر عدد المدارس الإسلامية في الولايات المتحدة بحوالي 270 – 300 مدرسة تقدم برامج تعليمية تتضمن المواد الأكاديمية المعتادة إلى جانب القيم الإسلامية والدراسات الدينية. وتتنوع بين مستويات التعليم من رياض الأطفال وحتى الثانوية، وتشكل جزءًا مهمًا من المجتمع الإسلامي المتنامي بالولايات المتحدة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات تعليمي المدارس الإسلامیة فی فی الولایات المتحدة مدرسة إسلامیة للجزیرة نت الحفاظ على إلى جانب من خلال
إقرأ أيضاً:
لماذا يعارض مهندس أميركا أولا الحرب على إيران؟
في صباح يوم الأربعاء 18 يونيو/حزيران 2025، وأثناء فعالية إفطار أقيمت في واشنطن العاصمة، خرج ستيف بانون، كبير الإستراتيجيين السابق في البيت الأبيض وأحد أبرز مهندسي تيار "اجعلوا أميركا عظيمة من جديد" أو "ماغا"، عن إجماع تيار الصقور المؤيد لدخول الحرب الإسرائيلية مع إيران.
قال بانون حينها أمام حشد من الصحفيين، إن من الخطأ أن تتورط الولايات المتحدة في عمل عسكري مباشر على إيران، حاثًا الرئيس ترامب على التدقيق في المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية، والتروي قبل التصعيد، وتذكُّر أنه "لا داعي للعجلة" في اتخاذ القرارات، مطلقًا تحذيرًا مدويًا "حرب أخرى في الشرق الأوسط ستمزق هذا البلد [الولايات المتحدة] إربًا!"
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لماذا قررت إسرائيل تغيير قواعد الحرب مع إيران؟ هل السر إيال زامير؟list 2 of 2في انتظار نهاية العالم.. السيرة الدينية لسفير أميركا في إسرائيلend of listبعد أيام قليلة فقط، وعندما استهدفت ضربات جوية أميركية ثلاث منشآت نووية إيرانية في الفترة بين 21 و22 يونيو/حزيران، كرَّر بانون موقفه الحذر، مؤكدًا عدم وجود معلومات استخبارية جديدة تشير إلى اقتراب إيران من امتلاك سلاح نووي.
لم يكن هذا التصريح عابراً؛ بل كان افتتاحية لحملة سياسية وإعلامية مضادة للتصعيد على إيران، يقودها أحد أكثر العقول نفوذاً في تيار اليمين القومي الأميركي.
ابتدأ بانون ندوته الصباحية بنقد قاس لحال الولايات المتحدة الأميركية، تحدث عن "الأزمة الاقتصادية والمالية في أميركا، والتراجع الصناعي، ثم أزمة المهاجرين، وتحدي صعود الصين كقوة عالمية، وترهل النخب السياسية الأميركية، وتقاعس الأوروبيين.."، واعتبر الدخول في مواجهة مع إيران لن تؤدي إلا إلى تفاقم هذه الأزمات؛ في الوقت الذي يحتاج فيه الأميركيون إلى إعادة بناء الداخل، وليس فتح جبهات خارجية، ومحذراً من مخاطر الانصياع لما وصفه "جنون نتنياهو"، وسعي اللوبي الإسرائيلي إلى دفع الولايات المتحدة إلى حرب لا تخدم مصالحها.
وبعد أيام من تحذيرات بانون، نفذت الولايات المتحدة الأميركية ضربتها العسكرية الخاطفة ضد ثلاث منشآت نووية إيرانية في ساعة مبكرة من صباح السبت 22 يونيو/حزيران 2025، حسب توقيت إيران تحت اسم "مطرقة منتصف الليل"، وفي لحظات تشوبها التوترات الإقليمية والتجاذبات الداخلية الأميركية.
إعلانومنذ الإعلان عن الضربات الأميركية على مواقع نووية إيرانية، لم يخف بانون تخوفاته من فتح جبهة حرب على إيران، فقد عارض الهجوم الواسع، واعتبره مقبولاً في حال كان محدوداً واضطرارياً دون الانجرار إلى حرب طويلة، وألمح في بث مباشر على بودكاسته الخاص إلى أن القرار سُرب إليه بعد لقائه ترمب قائلاً: "الحفلة بدأت"، مشيراً إلى بداية جديدة من التصعيد قد تغرق المنطقة في حرب طاحنة.
من هو ستيف بانون؟لفهم موقف بانون بصورة أفضل، علينا تتبُّع مسار حياة بانون من ضابط في البحرية الأميركية (المارينز) خدم في الخليج العربي إلى شخصية شعبوية بارزة في الإعلام.
امتدت مسيرة ستيف بانون البحرية المبكرة بين عامي 1977 و1983، وحملتْه إلى ذات المياه التي ينظر العالم إليها بترقب بعد أن أضحت رمزًا لتدخلات الولايات المتحدة الطويلة الأمد في المنطقة.
خدم بانون عقب "أزمة الرهائن الأميركيين" في إيران عام 1980، مساهمًا في تنسيق الرسائل والاتصالات على متن مدمرة أميركية في الخليج العربي؛ وهي التجربة التي شكّلت مدخله الأول إلى الجغرافيا السياسية للمنطقة. تذكَّر بانون لاحقًا أن تلك المرحلة غرست فيه شكوكًا عميقة تجاه التدخلات العسكرية التي يفرضها القادة التنفيذيون في تهور.
وفي تأمُّلاته الشخصية، وصف بانون تلك الفترة، بأن "فشل تلك المهمة مثّل نقطة تحول جوهرية في رؤيته السياسية"، دافعًا به من حالة اللامبالاة السياسية السابقة إلى ناقد يرفض التدخلات الخارجية. يصف نفسه بأنه "ريغاني الهوى" أي متبنيًا سياسة الرئيس الأسبق رونالد ريغان الرافضة للتدخلات العسكرية الخارجية، وهو ما يقول، إنه تعزز بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.
ظهر ستيف بانون للعالم مع صعود دونالد ترامب داخل الحزب الجمهوري، فقد كان بانون هو العقل الإستراتيجي الذي قاد حملة ترامب الرئاسية الأولى عام 2016، وكان كبير مستشاريه في البيت الأبيض قبل أن يُقال لاحقًا. أسّس بودكاست "وار روم" (War Room) الذي يُعدّ الآن منبرًا مركزيًا لحركة ماغا (MAGA)، والتي تمثل تيارًا يمينيًا قوميًا يرى في الولايات المتحدة مركزًا حضاريًا لا يجب أن تنغمس في حروب خارجية عبثية، حتى أصبح بانون الصوتَ الأعلى حالياً داخل اليمين القومي الشعبوي المعارض للتدخلات الخارجية.
عندما برز بانون على الساحة السياسية ضمن إدارة ترامب، حمل معه رؤية للعالم تقوم على الشعبوية، والاعتداد بالقوة الأميركية التي تقتضي ضبط النفس.
انتقد بانون مرارًا الحروب التي فجرها جورج بوش الابن، وعارض الضربة الصاروخية الأميركية على قاعدة الشعيرات في سوريا عام 2017، كما شكّك في عملية اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في العراق عام 2020، متسائلًا عما إذا كانت فعلًا عملية "ضرورية". كان موقفه دائمًا واضحًا وثابتًا: يجب أن تتجنّب الولايات المتحدة دور "شرطي العالم".
ورغم تعبيره المتكرر عن دعمه العقدي لإسرائيل، واصفًا نفسه بالفخور بأنه "مسيحي صهيوني"، يعتقد بانون أيضًا، أن على حلفاء الولايات المتحدة الدفاع عن أنفسهم بأنفسهم، بينما تتراجع واشنطن خطوة إلى الخلف مبتعدةً عن الانخراط المباشر في المواجهات.
إعلان وما هي "ماغا"، وكيف انقسم مؤيدو ترامب؟أما حركة ماغا، فقد أسسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، واستخدم شعار "Make America Great Again"، وتعني "اجعلوا أميركا عظيمة من جديد"، واستخدم الشعار رمزا لحركته السياسية الشعبوية في حملاته الانتخابية.
وتستند أيديولوجية ماغا إلى مزيج قوي من القومية، والانغلاق الاقتصادي، والمحافظة الثقافية. وقد ظهرت هذه الأيديولوجيا بقوة في حملة دونالد ترامب الانتخابية عام 2016، وسرعان ما تحولت إلى حركة شعبوية مؤثرة، شكّلت حولها قاعدة واسعة من الناخبين الجمهوريين، لا سيما من الطبقة الوسطى والعاملة، فالحركة ليست حزباً مستقلاً؛ بل تيارا داخليا يؤثر بقوة في توجيه سياسات الحزب الجمهوري.
استثمرت الحركة في مشاعر الإحباط لدى الناخبين تجاه العولمة والهجرة والتدخلات الأميركية الخارجية التي لا تنتهي. بالنسبة لكثيرين داخل هذا التيار، جسَّد ترامب تمردًا على النخبة الحاكمة، ووعد بإعادة موضع السيادة الأميركية في الداخل، وتقديم مصالح البلاد على حساب الالتزامات الدولية.
وكان بانون، بصفته كبير مستشاري ترامب سابقًا، ثم شخصية إعلامية مؤثرة، من أبرز من صاغ هذا الإطار الأيديولوجي، مؤكدًا القومية الاقتصادية، وتشديد الرقابة على الحدود، والارتياب العميق تجاه السياسات الخارجية التي تقوم على التدخل.
ومع تطور ماغا، بدأت الخلافات تظهر بين جناحها القومي والشعبوي المحافظ من جهة، وبين صقور الحزب الجمهوري التقليديين الداعمين للتدخلات العسكرية في الخارج من جهة أخرى.
وقد برز هذا التوتر الأيديولوجي في عدة محطات حاسمة، مثل قرار سحب القوات من أفغانستان وسوريا، والنقاشات في الموقف من روسيا والصين، وصولًا إلى الانخراط في الحرب الإسرائيلية الحالية على إيران. يعبر تحفّظ بانون تجاه الحرب الأميركية ضد إيران عن اصطفافه الواضح مع الجناح الرافض للتدخلات الخارجية، ويعكس في الوقت ذاته الرغبة العميقة داخل "ماغا" لإعادة تشكيل السياسة المحافظة الأميركية على أسس تُعلي من شأن الداخل الأميركي وتنبذ الحروب الخارجية التي لا طائل منها.
إذاً تنطلق معارضة بانون الحرب على إيران من منظومة فكرية جيوسياسية وقومية شاملة تعيد تعريف أولويات الدولة الأميركية، وليس من مجرد موقف تكتيكي يتم اتخاذه بناء على ضغط من إسرائيل، "لا حروب بلا نهاية، لا حروب من أجل الآخرين، لا شكر لنتنياهو"، وعلى إسرائيل أن تنهي ما بدأته بنفسها.
ويرى بانون، أن الحرب على إيران في ظل حالة عدم الاستقرار العالمي، تهدد أمن الولايات المتحدة القومي ولا تعززه، فالمعركة الاقتصادية مع الصين، وأزمة الحدود والمهاجرين، والتضخم المتصاعد، أولى بالاهتمام من الدخول في حرب مفتوحة في الخليج. بينما يهاجم بانون بشدة "مؤسسة الأمن القومي"، كتعبير عن الدولة العميقة، ويصفها بـ "الوحش"، ويراها تسعى دوماً إلى إبقاء أميركا في صراع، لتعزيز سلطتها على حساب المواطنين.
لماذا يرفض بانون الحرب على إيران؟يؤكد بانون أنه في حال إجراء استطلاع للرأي العام الأميركي وسؤال الناس "هل تؤيدون دخول القوات الأميركية في قتال مباشر ضد إيران هذا الأسبوع؟، ستكون النتيجة صفر تأييد مقابل 100 معارضة" من منطلق أن الشعب مثقل بأزمات داخلية ذات أولوية على فتح جبهة قتال خارجية.
يقول بانون: "لقد قالها الشعب الأميركي بوضوح، نريد الخروج من حروب الشرق الأوسط، ولهذا السبب احتفل الجميع عندما أعلن الرئيس ترامب سياسة جديدة خلال زيارته الأولى للمنطقة: "سلام وازدهار، لا للإملاء الثقافي، لا لتصدير قسري للديمقراطية".
بينما اعتبر بانون قناة "فوكس نيوز" مصنعاً للدعاية والتضليل وليست منبراً للحقيقة في إشارة لترويج القناة لضرورة الرد العسكري على إيران، وهي التي لعبت دوراً حاسماً في تسويق الحرب على العراق سابقاً، وها هي تعود إلى نفس النموذج الدعائي "إقناع الشعب أن العدو يمتلك سلاحاً نووياً، وعلينا التحرك الآن"، وأضاف "جورج بوش خدعنا، فهل سنخدع من جديد؟"، كما أوضح أن "جزءا من الشارع الجمهوري لم يعد يثق في صقور الإعلام المحافظ، فالقناة لم تعد تنقل الخبر؛ بل تصنعه وفق أجندة بعض النخب التي ترتبط بمصالح إستراتيجية في المنطقة".
ينطلق بانون من مبدأ "لا للحروب التي لا تنتهي" الذي كان أحد أعمدة حملة ترامب 2016، ثمّ حوله إلى مرجع في الأوساط اليمينية القومية، خصوصاً أن الحرب على إيران لن تكون قصيرة أو محدودة كما يتم تسويقها، وقد تؤدي إلى تفجير الإقليم بأكمله، واستهداف الجنود الأميركيين المنتشرين في الخليج والعراق وسوريا.
إعلانفي حين إن الاندفاع نحو الحرب من وجهة نظر بانون نابع من معلومات استخبارية غير موثوقة، وفشل في تقييم العواقب الإستراتيجية، فيقول: "الإسرائيليون يدّعون أن لديهم معلومات استخبارية، لا أفهم لماذا لا نزال نعتمد على جهاز استخبارات أخفق وفشل فشلا ذريعاً في يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وفي واحدة من أسوأ الهفوات الاستخبارية منذ 11 سبتمبر/أيلول".
إرث العراق وأفغانستان… ذاكرة شعبية تؤطر الرفضاستحضر بانون تجربة حرب العراق باعتبارها "الخطيئة الأصلية" التي أدت لضياع ثقة الشعب في الحكومات والمؤسسات، مثّلت "صدمة ورعبا"، وتم الترويج بأن احتلال بغداد خلال 3 أشهر، ثم ماذا؟ 20 عاما في العراق، و7 تريليونات دولار، و8000 قتيل.
يؤكد بانون، أن الرأي العام الأميركي بات واضحاً، فهو لا يريد المزيد من الحروب في الشرق الأوسط على حد وصفه.
ويحذر بانون من أن إيران بعكس الأنظمة التقليدية، تقاتل من خلال شبكة من الوكلاء والمليشيات الإقليمية التي من الممكن أن تشعل الصراع من عدة جبهات، وقال: "الهجوم على إيران قد يمزق البلاد من الداخل، هناك 40 ألف جندي مهدّدين داخل شريط من الأزمات يمتد من العراق إلى اليمن"، وقد وصف ذلك بقوله "جنودنا لا يقاتلون دولة، بل شبكة ذات امتداد غير مرئي".
الصين: الخطر الإستراتيجي الأعظميشدّد بانون على أن التركيز الإستراتيجي الحقيقي للولايات المتحدة يجب أن يكون موجهاً للصين لا إيران، حيث يُضعف الانخراط العسكري الأميركي في الشرق الأوسط من قدرة واشنطن على مواجهة التحدي الجيوسياسي الأعظم الذي تمثله بكين، وهو ما وصفه "الجنون الإستراتيجي" الذي يشبه الهروب من الجبهة الأساسية.
وفق تقرير وزارة الدفاع الأميركية السنوي لعام 2024 عن الصين، فإن الصين تبني بسرعة ترسانتها النووية بحيث تتجاوز 1000 رأس نووي عملياتي بحلول عام 2030، وتعمل على تحقيق تفوق إقليمي بحلول 2035، وتحدي الهيمنة الأميركية عالمياً بحلول 2049، مع تطوير الصين القدرات والمفاهيم العسكرية في عام 2023 نحو تعزيز قدرة جيشها على "خوض الحروب والانتصار فيها على عدو قوي".
ووفق التقرير فإن الصين تعمل على تجميع عناصر القوة الوطنية من خلال التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي والعسكري لتحقيق "النهضة الكبرى للأمة الصينية" بحلول عام 2049، ومن خلال هذه القوة ستعمل الصين على إعادة تشكيل النظام الدولي بما يدعم نظام حكمها ومصالحها الوطنية.
متطفّلون: تقاعس أوروبايوجه بانون انتقاداً لاذعاً للحلفاء الأوروبيين، ويقول "نحن نخسر طائراتنا لحمايتهم.. أنتم لستم حلفاء، أنتم متطفلون"، ويعلّق على جهود الولايات المتحدة العسكرية في البحر الأحمر، "لم تكن هناك مساعدة حقيقية، فبينما نشرت واشنطن مجموعتين قتاليتين من حاملات الطائرات، وعشرات السفن، ومئات الطائرات، وآلاف الجنود، لتأمين الممرات البحرية وخطوط الملاحة نحو قناة السويس، لم ترسل أوروبا سوى ثلاث قطع بحرية: مدمرة بريطانية واحدة، فرقاطة إيطالية، وكورفيت فرنسي".
ومع أن بعض المسؤولين الأوروبيين بدأوا يتحدثون عن نية رفع إنفاقهم العسكري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن بانون يشكّك في تلك التصريحات، ويدعو للنظر في الوقائع على الأرض، ويقول للأوروبيين: "لا تحسبوا الصفقات الخضراء، أو الرعاية الصحية، ضمن ميزانية الدفاع… أروني القوات القتالية، أروني العمليات العسكرية.. أين تلك القوات التي وعدتم بها أوكرانيا؟ لا شيء ولن ترسلوا شيئاً، لأنكم لا تستطيعون".
واتهم بانون أوروبا، أنها أفرغت نفسها ذاتياً من قدراتها الصناعية والاقتصادية، وعلى مستوى الجهوزية والموارد، حيث تعاني ألمانيا من أزمة صناعية بسبب سياسات نزع الكربون، وكذلك فرنسا وبريطانيا تعانيان من مأزق اقتصادي لا يقل حدة، ومن زاوية أخرى، يرى بانون أن اندفاع واشنطن نحو الحرب مع إيران يجري بينما تتقاعس أوروبا عن المشاركة الجدية.
كيف تفاعل الشارع والنخبة الأميركية مع موقف بانون؟تماهت كثير من التعليقات التي رافقت الضربة الأميركية تجاه المنشآت النووية الإيرانية على وسائل التواصل الاجتماعي -خاصة من قاعدة ترامب الانتخابية- مع موقف بانون أكثر مما أيدت العمل العسكري، إذ أظهرت استطلاعات على منصات يمينية مثل Gettr وTruth Social أن 57% من المستخدمين يرون أن الضربة "لم تكن ضرورية في هذا التوقيت"، بينما اعتبر 41% أن "إسرائيل تؤثر أكثر مما يجب في القرار الأميركي". وهو ما يدل على اتساع الفجوة بين الإدارة وأنصارها من جهة، والمؤسسة العسكرية من جهة أخرى.
إعلانكتبت النائبة اليمينية مارغوري تايلور غرين والموالية للرئيس ترامب في رسالة نشرتها قبل الضربات الأميركية المفاجأة "في كل مرة تكون فيها أميركا على وشك العظمة، نتورط في حرب أجنبية جديدة، لم تكن القنابل لتسقط على شعب إسرائيل لو لم يكن نتنياهو قد أسقط القنابل على شعب إيران أولاً، إسرائيل دولة تمتلك السلاح النووي، هذه ليست معركتنا، السلام هو الحل".
أما الصحفي الاستقصائي غلين غرينوالد كتب: "عندما يصبح بانون أكثر حكمة في السياسة الخارجية من قادة الحزبين، فهذه لحظة يجب أن نتوقف عندها"، بينما وصف نعوم تشومسكي الضربة بأنها "جزء من السيرك الإستراتيجي الدائم الذي يدير الحروب عبر الشاشات".
ورغم كافة الانتقادات، يؤكد بانون أن حركة ماغا لن تنقلب على ترامب، ففي تعليقه الأخير قال: "نحن نعارض الحرب حتى النهاية، لكن القاعدة ستبقى مع ترامب"، لكن هذا الموقف بحد ذاته يكشف عن انقسام داخلي في التيار المحافظ بين من يرى في ترامب زعيماً متسقاً مع مبادئهم، ومن يرونه قد بدأ بالتخلي عن شعاره الأبرز "أميركا أولاً"، ويتجه للإذعان لضغوط المؤسسة التقليدية -الدولة العميقة- التي وصفها بانون بـ "الوحش".
بانون نفسه، بدأ يشعر بالتهميش التدريجي داخل البيت الأبيض، مع صعود تيار أكثر قرباً من البنتاغون ووزارة الخارجية، لكنه رغم ذلك لا يزال يمتلك تأثيراً كبيراً عبر برنامجه الذي يتابعه ملايين الأميركيين يوميا.
وهو سيظل يكرر ما يقوله طوال الوقت، إذ إن المسألة لا تقتصر على معارضة الحرب فحسب، بل تتعلق بضمان ألّا يُخاض أي نزاع مستقبلي إلا بوضوح في الهدف، وبإجماع شعبي، ولأسباب وجيهة لا يمكن دحضها. وحتى يحين ذلك الوقت، يبدو أن بانون يعتقد أن أفضل ما يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة للشرق الأوسط هو أن تتركه وشأنه.