استحوذ ملف الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة على اهتمام خاص في اللقاء الذي جمع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، والرئيس الأمريكي جو بايدن، في سبتمبر 2024. هذا الاهتمام جاء من إدراك البلدين للإمكانات الهائلة التي ينطوي عليها استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات مختلفة يمكن أن تحقق خير البشرية، ويشمل ذلك تعزيز النمو الاقتصادي، ودعم القطاعيْن الصحي والتعليمي، وتوفير مزيد من فرص العمل، وتدعيم جهود الاستدامة البيئية.

جاء هذا اللقاء في ظل سباق عالمي متسارع حول الذكاء الاصطناعي. فالتنافس بين الدول وشركات التكنولوجيا أصبح كبيراً، وتبارت في تخصيص الموارد والميزانيات كي تضمن لنفسها مقعداً في المستقبل. وأظهر هذا التنافس لنا مجموعة من الدول، التي يمكن اعتبارها “صقوراً رقمية” صاعدة في مجال الذكاء الاصطناعي، على غرار صعود النمور الآسيوية، التي استفادت من ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في ثمانينيات القرن الماضي. ويمكن تعريف هذه الدول بأنها تلك التي قد لا تكون تقليدياً في صدارة السباق التكنولوجي، لكنها أظهرت تقدماً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية في بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي. ومن هذه الدول: الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى الهند والمملكة العربية السعودية والبرازيل.

فقد استحوذت هذه الدول على مراتب متقدمة في مؤشر (Tortoise Media) لتصنيف الدول في مجال الذكاء الاصطناعي الصادر عام 2024، فصعدت الإمارات من المرتبة 28 إلى المرتبة 20 عالمياً، وانتقلت الهند من المرتبة 14 إلى 10، فيما قفزت السعودية من الترتيب 31 لتستحوذ على المرتبة 14، وصعدت البرازيل من 35 إلى 30. أما الدول التي شغلت المراتب الأولى فهي الدول المتقدمة تكنولوجياً عادة مثل: الدول الغربية، تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الصين وسنغافورة وتايوان وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية واليابان، بالإضافة إلى إسرائيل.

أما دولة الإمارات العربية المتحدة فقد ظهرت باعتبارها فاعلاً دولياً صاعداً في مجال الذكاء الاصطناعي، مدفوعة بعدة عوامل محفزة مثل: الشراكات الدولية مع كبرى الشركات العاملة في هذا المجال مثل: “مايكروسوفت” و”جوجل” و”أوبن أيه آي”، فضلاً عن الشركات الوطنية التي تعمل على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة مثل شركة (G42)، مستندة في ذلك إلى استراتيجيتها الوطنية الشاملة للذكاء الاصطناعي 2031، بما يسهم في ترسيخ مكانة الدولة باعتبارها رائدة عالمياً في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

التميز الاستراتيجي:

في رؤيتها للارتقاء إلى موقع ريادي عالمي في مجال الذكاء الاصطناعي، ركزت الاستراتيجية الوطنية الشاملة للذكاء الاصطناعي على تحقيق التفوق في قطاعات محددة تمتلك الدولة فيها أصولاً قوية وفرصاً واعدة لتحقيق قيمة مضافة حقيقية لها، فيما يعرف بـ”استراتيجية النيش” أو (Niche Strategy)، هذه القطاعات هي الطاقة، والسياحة، والخدمات اللوجستية والنقل، والرعاية الصحية، والأمن السيبراني.

وقد تم اختيار هذه القطاعات دون غيرها لأسباب اقتصادية خالصة؛ إذ تزداد فرص تحقيق مكاسب اقتصادية ووفرات مالية ضخمة عند توظيف الذكاء الاصطناعي في هذه القطاعات. فتشير التقديرات إلى أن الذكاء الاصطناعي قادر على توليد ما يصل إلى 335 مليار درهم إماراتي في اقتصاد البلاد من خلال تحفيز ودعم المشروعات الناشئة والمبتكرة في هذه القطاعات.

وقد حددت الاستراتيجية الشاملة للذكاء الاصطناعي 2031، ثمانية أهداف ترتبط بدور الذكاء الاصطناعي وتطويره داخل الدولة، وهي:

ترسيخ مكانة الدولة كوجهة للذكاء الاصطناعي: من خلال دعم المشروعات الابتكارية والبحثية وتبني التقنيات الناشئة في هذا المجال. زيادة تنافسية الإمارات العربية المتحدة في المجالات ذات الأولوية: وهي المجالات التي تم ذكرها سابقاً؛ مما يسهم في تعزيز مكانتها التنافسية على المستوى الإقليمي والعالمي. تطوير منظومة خصبة للذكاء الاصطناعي: من خلال إنشاء بيئة محلية محفزة على تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، توفر التمويل والمعرفة والدعم الاستراتيجي، بما يسهم في خلق فرص لتأسيس شركات جديدة قادرة على تطوير منتجات وخدمات رائدة عالمياً. اعتماد الذكاء الاصطناعي في مجال خدمات المتعاملين: خاصة في مجالات: التعليم والصحة والنقل وخدمة العملاء؛ وقد يسهم استخدام الذكاء الاصطناعي في تقديم هذه الخدمات للمتعاملين بطريقة أفضل لتحسين مستوى المعيشة وتطوير أداء الحكومة. استقطاب وتدريب المواهب على الوظائف المستقبلية التي تتطلب الذكاء الاصطناعي: من خلال إعداد كوادر بشرية متخصصة ومدربة على أحدث التقنيات؛ لضمان استمرارية التطوير وتلبية احتياجات السوق المستقبلية. جلب القدرات البحثية الرائدة عالمياً للعمل في القطاعات المستهدفة: فالاستثمار في قدرات البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي خطوة أولى ضرورية لتحقيق الريادة، ويتحقق من خلال توفير بيئة بحثية قادرة على اجتذاب المواهب العالمية؛ لجذب الاستثمارات والبحوث العلمية المتقدمة التي تسهم في تطوير الذكاء الاصطناعي. توفير البيانات والبنية التحتية الأساسية للذكاء الاصطناعي: تتمتع دولة الإمارات بميزة تنافسية عن غيرها من الدول فيما يتعلق بجمع ومشاركة البيانات؛ إذ تُعد بمثابة مختبر عالمي يجمع أكثر من 200 جنسية مقيمة في الدولة، وبالنظر إلى هذا المزيج الفريد للثقافات؛ فإن مجموعات البيانات التي تمتلكها الدولة تُعد مثالية لتطوير نظم ذكاء اصطناعي يمكن استخدامها على نطاق عالمي. وتدرك الإمارات أن نفط المستقبل هو البيانات؛ وعليه، فإنها تستثمر في خلق بنى تحتية تصبح بمثابة منصة اختبار للذكاء الاصطناعي. ضمان الحوكمة القوية والتنظيم الفعال: تواجه عملية حوكمة الذكاء الاصطناعي عالمياً تحديات كبيرة بسبب التطورات المتسارعة في هذا المجال، لكن تصاعد الاهتمام العالمي بقضايا حوكمة الذكاء الاصطناعي؛ يطرح فرصة أمام الحكومات لمواجهة هذا التحدي من خلال التعاون المشترك؛ لضمان التنظيم الفاعل للذكاء الاصطناعي على الصعيدين المحلي والدولي.

ولضمان تحقيق هذه الأهداف عينت الإمارات أول وزير للذكاء الاصطناعي في عام 2017؛ لمتابعة خطة تحقيق هذه الأهداف، ووضع خارطة طريق متكاملة لتحقيق التميز في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، وتدعيم مكانة الدولة بوصفها مركزاً عالمياً للتكنولوجيا المتقدمة والابتكار. وتسهم عدة مؤسسات حكومية أخرى مع وزارة الدولة للذكاء الاصطناعي مثل: دائرة التمكين الحكومي التي تجمع أكثر من 30 جهة حكومية في إطار رقمي يشمل مكتب الذكاء الاصطناعي، وهيئة دبي الرقمية وهي هيئة حكومية مسؤولة عن تطوير وتنفيذ استراتيجيات التحول الرقمي والأمن السيبراني في دبي، ومن مبادراتها أدوات الذكاء الاصطناعي الأخلاقية ومختبر الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى مؤسسات ومراكز بحثية أخرى.

شراكات دولية متعددة:

لتدعيم مكانتها كقوة صاعدة في الذكاء الاصطناعي، قامت الإمارات بإنشاء شراكات مع عدة دول، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والصين وفرنسا، بالإضافة إلى إطلاق مبادرات بالتعاون مع كبرى شركات التكنولوجيا في العالم. وفي هذا الإطار أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر 2024، المبادئ المشتركة للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي تم إقرارها من قبل مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، وسمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي، مستشار الأمن الوطني، وتهدف هذه المبادئ المشتركة إلى تعزيز التعاون بشكل أكبر بين الطرفين، وتطوير الأطر التنظيمية وتعزيز نشر التقنيات الحساسة والناشئة بشكل آمن وموثوق، وزيادة الدعم المقدم للبحوث المشتركة بين القطاعين العام والخاص، والتبادل بين المؤسسات الأكاديمية في البلدين.

ولم يتوقف الأمر عند عقد شراكات دولية، بل شمل أيضاً إنشاء مراكز بحث وتطوير وشركات ناشئة وحاضنات أعمال، بالإضافة إلى ضخ استثمارات في الشركات التكنولوجية الكبرى، بما يخدم مصالح الدولة في هذا القطاع، ويمكن توضيح ذلك في التالي:

شراكات دولية في الذكاء الاصطناعي: تمتد لتشمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل: الدفاع والرعاية الصحية والطاقة، فتم على سبيل المثال إنشاء مركز التميز للذكاء الاصطناعي المشترك بين شركة (IBM) وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، وتم إطلاق مبادرات مثل: “قوة المهام المعنية بالذكاء الاصطناعي AI Task Force ” التابعة لمجلس الأعمال الأمريكي الإماراتي، فضلاً عن التعاون مع شركات مثل (Honeywell) لتوفير حلول مراقبة الأصول التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لتحسين كفاءة عمليات شركة “أدنوك” في إدارة الطاقة. وإلى جانب الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية، عقدت الإمارات شراكات مع دول أخرى، خاصة الصين وفرنسا؛ إذ تشارك شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة مثل: “هواوي” و”علي بابا” في مشروعات الذكاء الاصطناعي داخل الإمارات، كما تنشط شركات التكنولوجيا الفرنسية مثل “تاليس” في قطاعات الدفاع والفضاء الخاصة بالذكاء الاصطناعي في الإمارات. مراكز البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي: أنشأت الإمارات مراكز بحثية مثل: جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي (MBZUAI) في أبوظبي، والتي تركز على تعليم وبحوث الذكاء الاصطناعي؛ مما يجعلها مركزاً للتعاون والابتكار الدولي. وكذلك معهد الابتكار التكنولوجي (TII) وهو بمثابة مركز عالمي للبحوث التطبيقية في الذكاء الاصطناعي، ويُعد الذراع البحثية التطبيقية لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتقدمة (ATRC)، وكذلك أكاديمية دبي للذكاء الاصطناعي والويب 3، ومركز دبي لاستخدامات الذكاء الاصطناعي. الشركات الناشئة وحاضنات الأعمال: أنشأت الإمارات نظاماً بيئياً لدعم الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال برامج مدعومة من الحكومة مثل: “مسرعات دبي المستقبل” و(Hub71)؛ وتهدف هذه المنصات إلى تشجيع الابتكار المحلي في الذكاء الاصطناعي، وجذب الشركات الناشئة العالمية لتطوير حلول في الإمارات. الاستثمارات في الشركات العالمية العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي: استثمرت الإمارات أيضاً في شركات ناشئة وشركات قائمة في مجال الذكاء الاصطناعي حول العالم. ومن أبرز هذه الاستثمارات ما قامت به “شركة مبادلة للاستثمار”، التي خصصت أموالاً كبيرة للمشروعات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الشراكات مع الشركات الدولية في “وادي السيليكون”.

قدرات وطنية كبيرة:

إدراكاً منها لأهمية بناء وتطوير القدرات المحلية والوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي، فقد قامت الحكومة الإماراتية بالاستثمار في شركات وطنية ضخمة قادرة على أن تصبح قاعدة صناعية متطورة  تحمل عبء النهوض بهذه الصناعة الوليدة، كما قامت أيضاً بالاستثمار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي؛ إذ تشير التوقعات إلى أن استثمارات الإمارات في الذكاء الاصطناعي سوف تصل إلى 33 مليار درهم (نحو 9 مليارات دولار) بنهاية العام 2024، بالإضافة إلى ذلك، تسعى الإمارات إلى رفع حجم استثماراتها في الذكاء الاصطناعي إلى 50 مليار دولار بحلول عام 2025، وتشير تقديرات شركة “بي دبليو سي” إلى أن الذكاء الاصطناعي سوف يسهم بنحو 96 مليار دولار في اقتصاد الإمارات بحلول عام 2030؛ أي ما يعادل نحو 14% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي السنوات القليلة الماضية، سعت الإمارات إلى تأسيس عدة شركات قادرة على تطوير منتجات تعتمد على الذكاء الاصطناعي محلياً، من هذه الشركات:

(42G): وهي شركة قابضة، تتكون من 7 شركات تعمل في الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات والطاقة والرعاية الصحية والمراقبة والتكنولوجيا الحيوية، وقد أعلنت شركة “مايكروسوفت” في إبريل 2023 استثماراً بقيمة 1.5 مليار دولار في (42G) في مجال الذكاء الاصطناعي. (AAICO) (The Applied AI Company): شركة وطنية توفر أنظمة ذكاء اصطناعي خاضعة للإشراف، تسهم في تحسين الإنتاجية، ويمكن اعتمادها بأمان في الصناعات الحيوية مثل: الرعاية الصحية، والتأمين، والصناعات الدوائية، والخدمات المصرفية، وتصدر منتجات الذكاء الاصطناعي إلى الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وأوروبا. (Core42): تقدم حلولاً متكاملة لتمكين الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الحوسبة السحابية والحوسبة عالية الأداء، مثل مشروع “Condor Galaxy” الذي يستخدم شبكة من تسعة حواسيب فائقة مرتبطة ببعضها لتوفير قدرة حوسبة كبيرة. (M42): تجمع بين تقنيات (G42 Healthcare) ومرافق وخدمات Mubadala) (Health لتوفير رعاية صحية شخصية ودقيقة باستخدام الذكاء الاصطناعي، والجينوميات، والخدمات الرقمية. (Bayanat): تقدم حلول استخبارات جغرافية متخصصة، وأعلنت مؤخراً عن نيتها الاندماج مع (Yahsat) في شركة تُدعى (Space42)، ستوفر نظاماً متكاملاً يشمل تحليلات جغرافية عن بُعد باستخدام الأقمار الاصطناعية. (AIQ): تطور أدوات متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لدعم التحول الرقمي في قطاع النفط والغاز وتعزيز الاستدامة. (Khazna): مشروع مشترك مع (e&) (اتصالات سابقاً) وهو أكبر مزود لمراكز البيانات في المنطقة، ويسعى للتوسع عالمياً؛ لتلبية احتياجات البنية التحتية المتقدمة للذكاء الاصطناعي. (Presight): شركة للذكاء الاصطناعي والتحليلات التنبؤية، تجمع بين البيانات الضخمة والتعلم الآلي؛ لتحسين اتخاذ القرارات والكفاءة في المدن والشركات. (AI71): شركة جديدة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تركز على تخصصات متعددة باستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية.

وقد بدأت الحكومة الإماراتية بتوظيف الذكاء الاصطناعي في عدة قطاعات، مثل: الرعاية الصحية والمدن الذكية والنقل، بما في ذلك أنظمة إدارة المرور المبنية على الذكاء الاصطناعي، والتشخيصات الطبية، وخدمات القطاع العام؛ إذ تم دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمليات الحكومية اليومية؛ لتحسين الكفاءة وتقديم الخدمات، كما أنها تسهم في تحقيق الأمن القومي الإماراتي، من خلال إنتاج تقنيات محلية موثوقة، ويمكن الاعتماد عليها بدرجة كبيرة من الأمان.

وتدريجياً تتحقق رؤية الإمارات في أن تصبح مركزاً عالمياً للذكاء الاصطناعي، وتتحول من كونها مستورداً لهذه التقنيات إلى منتج ومصدر يتمتع بمصداقية دولية وسمعة طيبة في سوق تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي، تتسم بالموثوقية والفاعلية.

فرص قائمة وتحديات محتملة:

في خضم هذا السباق الدولي حول الذكاء الاصطناعي تظهر مجموعة من الفرص وكذلك التحديات التي يمكن أن تواجهها الدول، من بينها:

1- اجتذاب المواهب والكفاءات: فما زالت هناك حاجة إلى اجتذاب المواهب الدولية وكذلك تطوير الكوادر المحلية؛ إذ تتطلب سوق العمل تدريب كوادر بشرية محلية تمتلك المهارات التقنية والمعرفية اللازمة للعمل في هذا المجال، بما يضمن استمرارية النمو ويقلل من الاعتماد على الخبرات الخارجية.

2- البنية التحتية للبيانات: البيانات هي الأساس لتطوير أي نظام ذكاء اصطناعي فعال، ورغم أن الإمارات تتمتع بميزة نسبية في امتلاك البيانات ومشاركتها؛ فإن هناك تحديات مرتبطة بإدارة وتحليل البيانات الضخمة بشكل فعال، وتكمن أهمية هذا التحدي في ضرورة توفير بيئة بيانات متكاملة وموثوقة تدعم تطوير نظم الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته.

3- التنافسية العالمية: إن التنافسية العالمية تزداد شراسة في هذا المجال؛ إذ تسعى دول مثل: الولايات المتحدة والصين وكذلك روسيا إلى تحقيق الهيمنة في الذكاء الاصطناعي؛ لذا فإن الإمارات بحاجة إلى الحفاظ على تنافسيتها من خلال الابتكار المستمر والشراكات الدولية لضمان قدرتها على المنافسة كقوة صاعدة.

4- تصنيع الشرائح الذكية محلياً: فما زالت شركات قليلة للغاية هي التي تمتلك القدرات والإمكانات القادرة على تصنيع الشرائح الذكية المستخدمة في تشغيل نظم الذكاء الاصطناعي الضخمة، وقد يكون من المناسب اجتذاب هذه الشركات لبناء مصانع لها داخل الدولة؛ لتحقيق الاكتفاء الذاتي، ثم التصدير إلى الأسوق الخارجية التي ما تزال متعطشة لها.

5- الاستدامة البيئية: يتطلب تشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي كمية كبيرة من الطاقة، ما قد يشكل تحدياً على صعيد الاستدامة البيئية، وتماشياً مع توجه الدولة في تقليل الانبعاثات  الكربونية؛ فإن التوجه لتوليد الكهرباء من خلال محطة براكة للطاقة النووية يُعد بمثابة فرصة واعدة للتوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي، والالتزام بأهدافها البيئية في نفس الوقت.

6- أخلاقيات الذكاء الاصطناعي: مع تزايد الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، تبرز قضايا أخلاقية مثل: تأثير الذكاء الاصطناعي في سوق العمل، والتمييز الذي قد ينتج عن الأنظمة التي تعتمد على الخوارزميات؛ وهو ما يطرح الحاجة إلى تطوير سياسات واضحة تتعلق بأخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي، بما يضمن عدم تأثيره السلبي في الفئات الضعيفة أو الإضرار بالمجتمع.

7- التشريعات والحوكمة: تمثل حوكمة الذكاء الاصطناعي تحدياً عالمياً؛ إذ يصعب على الدول مواكبة السرعة التي يتطور بها هذا المجال، وهنا تبرز الحاجة إلى وضع تشريعات وقوانين واضحة لضمان الاستخدام الآمن والأخلاقي لهذه التقنيات.

وفي النهاية، فإن سباق الدول نحو تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي قد بدأ، وأصبحت أمام دولة الإمارات العربية المتحدة فرصة كبيرة لتقديم نفسها كقوة صاعدة جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي، بما تمتلكه من بنية تحتية متطورة ومراكز أبحاث وشركات وحاضنات أعمال وتشريعات ومؤسسات حكومية، يمكن الوثوق بها للانطلاق نحو مستقبل أكثر أماناً ورخاءً.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة استخدام الذکاء الاصطناعی الإمارات العربیة المتحدة فی مجال الذکاء الاصطناعی تقنیات الذکاء الاصطناعی على الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی فی الذکاء الاصطناعی شرکات التکنولوجیا للذکاء الاصطناعی دولة الإمارات فی هذا المجال بالإضافة إلى ذکاء اصطناعی هذه القطاعات تعتمد على قادرة على من خلال بن زاید التی تم فی ذلک

إقرأ أيضاً:

هل اقتربنا من سيناريوهات انفجار الذكاء الاصطناعي؟

انتقل الذكاء الاصطناعي من مجرد أداة تُستخدم في الترجمة وإعداد النصوص وتحليل البيانات إلى قوة صاعدة تفرض نفسها في برامج الهندسة والصناعة والطب وحتى الإعلام والسياسة والأمن.

ولم يعد النقاش الحالي يتناول قضايا الذكاء الاصطناعي وقدرته على أداء المهام التقليدية من ترجمة وتحليل للبيانات وتلخيص للنصوص، وإنما أصبح التركيز يدور حول الفرضيات التي تقول إن هذا المجال سيدخل في مرحلة "الانفجار الذاتي" أي إعادة برمجة ذاته عبر تطوير خوارزميات جديدة من دون الاعتماد على المبرمج البشري.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لماذا تدعم دول جزر المحيط الهادي إسرائيل؟list 2 of 2أبرز ما نشرته مراكز الدراسات والأبحاث في أسبوعend of list

وبشأن الأبحاث والتقارير التي تناقش فرضية الذكاء الاصطناعي ودخوله قريبا في مرحلة جديدة تتيح له أن يصبح كيانا مستقلا قادرا على إعادة تصميم ذاته، نشر موقع مركز الجزيرة للدراسات ورقة بحثية تحت عنوان "الذكاء الاصطناعي وإعادة البرمجة الذاتية: سيناريوهات الانفجار الذكي".

الورقة البحثية -التي أعدها الدكتور خالد وليد محمود رئيس قسم الإعلام والاتصال في معهد الدوحة للدراسات العليا- ناقشت جذور فرضية الانفجار الذكي للذكاء الاصطناعي، ومن يتحكم في هذه القوة، وإشكالية الاستقلال والاعتماد على الذات.

أبحاث تقول إن الذكاء الاصطناعي في عام 2027 سيدخل مرحلة الانفجار الذكي (رويترز)فكرة الانفجار الذكي وجذورها

في أبريل/نيسان 2025، نشر مشروع "مستقبل الذكاء الاصطناعي" تقريرا رسم صورة مذهلة عن الذكاء الاصطناعي مفاده أنه خلال عامين سيكون قادرا على القيام بدور المهندس، إذ يمكن أن يعتمد على ذاته في إعادة تصميم بنيته الداخلية.

وتفاعلت وسائل الإعلام العالمية مع هذا التقرير، حيث أشارت مجلة " ذا نيويوركر" (the new Yorker) إلى مسارين متباينين حول مستقبل الذكاء الاصطناعي:

الأول: يرجح أن يكون له مستقبل يفوق الإنسان في جميع المجالات. أما الاحتمال الثاني: فيفترض أن التحول لن يكون سريعا، لاعتماده على محدودية الموارد وتأجيل الحوكمة. إعلان

وفي الوقت الذي وصفت فيه بعض وسائل الإعلام العالمية هذه التقارير والأبحاث بأنها تبقى في سياق الفرضيات المحملة بالجدلية، فإنها دعت إلى صياغة سياسات استباقية للتعامل مع احتمالية التطور الذي يفوق التدخل البشري.

ويعود جذور مفهوم "الانفجار الذكي" إلى عام 1965، حين نشر عالم الرياضيات البريطاني آي. جي. غود (I.j. good)  مقالا بعنوان: "تخمينات حول أول آلة فائقة الذكاء"، تنبّأ فيه بأن أول آلة فائقة الذكاء ستتمكن من تحسين تصميمها الذاتي باستمرار حتى تصل إلى مرحلة يصعب على البشر اللحاق بها.

وقد تبين أن هذه الرؤية التي بدت حينها أقرب إلى الخيال العلمي أو التأمل الفلسفي، تحولت لاحقا إلى فرضية مركزية في أدبيات الذكاء الاصطناعي والفلسفة العقلية، وخرجت من نطاق النقاشات الأكاديمية إلى مجالات التطبيق والممارسة الفعلية.

وبعد فكرة العالم البريطاني، جاء الفيلسوف السويدي، نيك بوستروم (Nick Bostrom)، ليُطوّرها بشكل منهجي في كتابه: "الذكاء الفائق: المسارات، المخاطر، الإستراتيجيات"، حيث وضع فيه سيناريوهات مفصلة للانفجار الذكي، محذرا من أن لحظة الوصول إلى ذكاء فائق قد تكون أسوأ ما تواجهه البشرية.

من جانب آخر، وجّه باحثون -مثل غاري ماركوس (Gary Marcus) وأرفيند نارايانان (Arvind Narayanan)- انتقادات حادة لفكرة الانفجار الذكي، معتبرين أن الحديث عن قفزة مفاجئة نحو ذكاء فائق، يتجاهل القيود التقنية والمادية الصارمة التي تحكم تطور الخوارزميات.

ويجادل هذا الفريق بأن الذكاء الاصطناعي، مهما بلغت قدراته، سيظل قائما على بيانات ومعالجات مادية، وأنه لا يمكن فصله عن القيود البشرية المتعلقة بالطاقة والموارد والتكلفة.

وعلى الصعيد العملي، أصبح "الذكاء الفائق" جزءا من إستراتيجيات الحكومات الكبرى، فالولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي يتعاملون مع هذه الأفكار بوصفها سيناريو واقعيا لا محالة ينبغي الاستعداد له، وليس قصة من الخيال العلمي أو الأفكار الفلسفية.

مشكلة القدرة على الاستقلالية

ورغم الإشارات القوية التي تصب في اتجاه فرضية الانفجار الذاتي للذكاء الاصطناعي، فإن الوقت الراهن يكشف أن الحاجة ما زالت قائمة للاعتماد على البشر، وأن الأنظمة الذكية لا تزال غير قادرة على الاعتماد على ذاتها.

فالنماذج الأكثر تقدما في الذكاء الاصطناعي اليوم مثل "تشات جي بي تي" (ChatGPT)، و"جيميني" (Gemini)، و"كلود" (Claude) كلها تعمل ضمن إطار بنية تحتية بشرية معقدة وضخمة إلى حدّ مذهل، إذ تحتاج إلى ملايين من المعالجات الفائقة موزعة على مراكز بيانات عالمية، تستهلك وحدها طاقة كهربائية تعادل استهلاك مدن صغيرة أو حتى متوسطة الحجم.

وبالإضافة إلى ذلك تعتمد هذه الأنظمة على شبكات إنترنت عالية الكفاءة، وأنظمة تبريد هائلة للحفاظ على استقرار الأجهزة والوسائل اللوجيستية، وسلسلة طويلة من الخبراء والمهندسين الذين يشرفون على كل تفصيل، ويقومون بالمراقبة والتنظيم والتدخل.

ورغم كل ذلك فإن الباحثين يقولون إن المؤشرات تثبت وجود ملامح قدرات على إعادة البرمجة الذاتية، حيث ظهرت برامج تستطيع تعديل بنيتها الداخلية وتوليد خوارزميات وأكواد جديدة لتحسين الأداء.

إعلان

وبناء على ذلك يمكن القول إن العالم يقف عند مفارقة لافتة للانتباه، وهي الأنظمة الحالية قوية وأصبحت تفوق توقعات العقد الماضي، بيد أنها في الوقت ذاته لا تزال هشة وتعتمد كليا على البشر.

من يمتلك الذكاء الفائق؟

وانطلاقا من فرضية أن نظاما قادرا على تطوير نفسه قد ظهر بالفعل، فإن الإشكال الجيوسياسي سيزيد من التعقيد المتعلق بالذكاء الاصطناعي الخارق.

فمن سيملك التحكم في هذا النظام؟ هل تكون الولايات المتحدة عبر شبكات وادي السيليكون التي تسيطر على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي وتملك رأس المال الثقافي والتمويلي؟ أم ستكون الصين التي تراهن على الدمج العميق بين الدولة والجيش والشركات، وتستثمر مواردها الهائلة لتصبح صاحبة الريادة؟

أوروبا بدورها اتخذت مسارا تشريعيا عام 2014، عبر قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي، الذي وضع قواعد صارمة للشفافية والأمان والنزاهة.

وعلى مستوى الشرق الأوسط، فقد ظهرت إستراتيجيات السيادة الرقمية التي تبنتها دولتا قطر والإمارات إدراكا بأن من يمتلك البيات يكون له حضور في المشهد السياسي والعسكري في المستقبل.

الأبعاد الأخلاقية وسيناريوهات المستقبل

وفي سياق المخاوف، تطرح الأبعاد الأخلاقية لمسألة الذكاء الخارق، لأنه قد يتحول إلى صناديق سوداء يجهل البشر ما يجري بداخلها، فثورة الإنترنت التي غيرت مفهوم الزمان والمكان، لم تسلب الإنسان عقله ولم تغير دوره كفاعل معرفي، أما الذكاء الاصطناعي فإنه بهذه الفرضيات والتنبؤات يتجه إلى أن يحل محل العقل.

وفي هذا السياق الذي يشكل مخاطر وقيودا على عقل الإنسان، بدأت الأمم المتحدة في مناقشة إمكانية صياغة "معاهدة للذكاء الاصطناعي" شبيهة بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية على أساس أن المخاطر لا تقتصر على دولة أو شركة واحدة بل تمس الإنسانية كلها.

وحول المستقبل، هنالك احتمالات أهمها:

السيناريو التفاؤلي: الذي يقول إن الذكاء الاصطناعي سيكون شريكا حقيقيا وليس مجرد أداة مساعدة.

أما السيناريو التشاؤمي: فيرى أنه سيفوق الإنسان وينافسه في سوق العمل ويقضي على ملايين الوظائف.

وتفرض الثورة الحالية على البشرية أن تكون أكثر جرأة في التفكير لمواجهة الذكاء الاصطناعي، لأن التجارب التاريخية تقول إن التحولات الكبرى لا تنتظر البشر حتى يستعدوا لها.

مقالات مشابهة

  • دراسة: معظم الناس يواجهون صعوبة في التفريق بين الأصوات البشرية وتلك التي يولدها الذكاء الاصطناعي
  • عمر العلماء: نجاحنا في الذكاء الاصطناعي سيحفز الجميع على المضي قدما
  • كيف يمكن أن تتفوق الصين في سباق الذكاء الاصطناعي؟
  • تعاون بين «بريسايت» ومجلس الأمن السيبراني في مجال الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية في “تريندز” حول الذكاء الاصطناعي والتعليم
  • الذكاء الاصطناعي سرّع تفشّيها.. كيف تميّز بين الحقائق والمعلومات المضللة؟
  • جوجل تعيد ابتكار البحث بالصور عبر الذكاء الاصطناعي
  • أنثروبيك تُشعل سباق الذكاء الاصطناعي.. Sonnet 4.5 يتفوّق على جوجل ومايكروسوفت وOpenAI
  • د. هبة عيد تكتب: المزحة التي خرجت عن السيطرة.. عندما يتحول الذكاء الاصطناعي إلى فوضى رقمية
  • هل اقتربنا من سيناريوهات انفجار الذكاء الاصطناعي؟