تدرُّج دبلوماسية النار.. تدحرُج ملح السياسة
تاريخ النشر: 2nd, October 2024 GMT
د. قاسم بن محمد الصالحي
قد لا نصل إلى تقييم حقيقي لتركيبة كيان لقيط زرع في فلسطين، من دون فهم كامل لشخصيات منظريه، وغايات صناعته البالغة التعقيد.. تلك التعقيدات المترجرجة التي تظهر الشيء وضده على نحو يجعل المتابع والقارئ للأحداث في المنطقة يحتار في تصنيف معادلات التصعيد والكذب في السياسة الدولية؛ هل زاد ملح السياسة الدولية ملاحًا؟ أم أناس الكيان اللقيط مخلصون للنظرية الصهيونية؟ أم غاية صناع وجود الكيان القضاء على إنسانية من يملك الحقيقة، والقبض على حريتهم، وسلب خيرات بلدانهم بدرجة مستفزة؟
تتساقط من القوى الاستعمارية كل أنواع الأكاذيب الاستراتيجية، ذات بعد قومي صهيوني، مقترنة بإثارة الذعر وصناعة الأساطير حول ماضي فئة لا تشرف أفعالها الإنسانية، ولا مستقبلها المبني على الخرافة والأساطير، الذي لا يضر حاضر منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل ويزعزع محاولات بناء المستقبل فيها.
للقضية الفلسطينية ثلاثة جوانب، الجانب الذي يراه الكيان الغاصب، والجانب الذي يراه المُستعمر القديم الجديد، و"الحقيقة"! التي لا يرى الكيان والعالم الظالم شيئاً منها.. لقد امتد هذا العمى حتى إلى ارتكاب الكيان اللقيط جرائم الإبادة الجماعية في غزة والأراضي التي يحتلها، ثم اتبعها بمجازره في لبنان، ولا يرى العالم الظالم في هذه الجرائم إلا استفزازا وتشهيرا بقطعان الاستيطان وكيانهم، بينما تستمر همجية عدوانه، تتكاثر غدد إرهابه، وتتضاعف جرائمه وعدوانيته، وسط جدل حول تدرج رد المقاومة، وتدحرج كذب السياسة.
بدأ الكيان اللقيط يلعق وجهه القبيح المستفز، وتساقط لعاب كذبته السياسية على بقايا أشلاء الأبرياء، زحفت جرائمه إلى كل الساحات، وكمل ما ينقصها ملح السياسة، ومساندة من زرعه في قلب الوطن العربي.
لقد تدرج رد المقاومة على عدوان الكيان اللقيط، انكشفت عورته، وتسربت حزمة الوهن في جسده.. كان أبشع خلايا هذا الوهن معادلة الانتظار، والوقوف على رجل ونصف.. لهذا على من يعتب على المقاومة كثيرا، ويلومها أشد اللوم على تأخر ردودها، أو تدرجها في استخدام قوتها، وضرب بنك أهدافها في جسد الكيان عليه أن يعي حقيقة تدرج دبلوماسية نار المقاومة في الرد، واستراتيجية القدرة الذاتية، وعدم تكليف الغير أو تجميع بنك الأهداف بشكل عشوائي.. المقاومة تعلم الكيان اللقيط وخبرته، لطالما كان الكذب موجودا في تكوينه، في إعلامه وسياسته.. سرديته من أساسها مبنية على الكذب وعلى تزييف الحقائق التاريخية، لذلك فإنَّ تدحرج كذب سياسة الكيان اللقيط والعالم الظالم تغلف الحقيقة، وصار الكذب من أبرز صفات قادة الكيان اللقيط وداعميه.
لم يعِ العالم الظالم بعد أو لا يريد أن يستوعب الحقيقة، لأنه لا يقر الحق لأصحابه، ويسمي مقاومة شعوب المنطقة للاحتلال، بمسميات سماها هو وكيانه اللقيط، ويطالب دولها أن تحاكي واقع كذب السياسة ومجاراتها، حيث لا قيمة لمبدأ أو رأي أو حتى حق.. يراد لواقع مجتمعاتها أن يحدده كيان زرعه المستعمر القديم فيها، ويرسم معالم مستقبلها، لذلك لا غرابة في زيادة ملح سياسة المنظومة الدولية، لأجل تحقيق الغاية من تكوين هذا الكيان اللقيط.. الأمر الذي عمل عليه منظريه، هو انصياع البيئة الحاضنة للمقاومة، والخضوع للعبة الكيان القذرة في جسد الأمة.. بحيث تصبح خرافته منهجًا، وكذبته فنًا يتسابق إليها الساسة في أمريكا على كرسي السياسة، ليخرجوا عند كل فترة انتخابية بعلوم وفنون وأفكار وممارسات خالية من الحقيقة والثوابت.. هل المطلوب من مقاومة الشعوب مغازلة الكيان اللقيط والغرب بأنظمته والتدحرج في سياسته؟
إن ديدن كذبتهم الكبرى سلام وأمن دوليين، وحقوق إنسان مسلوبة، وديدن مجلس أمنهم التدحرج في تبرير زعزعة سلام وأمن المنطقة من قبل الكيان اللقيط.. رأي مقاومة شعوب المنطقة إعادة الحقوق إلى اصحابها، وإبراز الحقيقة، حتى وإن آثار ذلك غضب الكيان وصانعيه، الذين اعتادوا مواجهة الحقيقة، وحجب حرية رأي شعوب المنطقة الصريح في تصرفات الكيان اللقيط المشينة ضد الإنسانية.. أغضب مساندة المقاومة في لبنان للشعب الفلسطيني الكيان اللقيط، فاختار العدوان على لبنان، بهدف فصل إسناد مقاومة لبنان عن ساحة مقاومة غزة، أن لا تنظر إلى حقيقة الصراع.. ولأن المقاومة في لبنان لم تستجب لدحرجة كذب سياسة الكيان اللقيط، ولم ينتبها السأم حتى إظهار الحقيقة، مهما غضب في عدوانه على لبنان، لن تتخلى عن حق الإنسان الفلسطيني في غزة، حتى وإن تدحرج معه ملح سياسة منظومة الغرب المستعمر، وساندت أمريكا ومن جرى في فلك سياستها عدوان الكيان اللقيط على لبنان، ما لم يستطع الحصول عليه الكيان بدبلوماسية النار لن يستطيع الحصول عليه بملح السياسة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الشرق الأوسط فوق رقعة النار.. هل تقترب الحرب الكبرى؟
من جبال طاجيكستان إلى ضفاف الخليج، تعود لغة السلاح لتعلو فوق دبلوماسية الغموض. وفي تصريح حمل نذر الشر.
قال رئيس أركان الجيش الإيراني خلال لقائه قائد الجيش الطاجيكي: «إيران جاهزة لأي معركة قادمة، وأمريكا وإسرائيل لا عهد لهما»، هكذا تعلن طهران بصراحة أن المنطقة ليست على حافة الحرب، بل تقف بالفعل على حافتها.
رقعة الشطرنج: الشرق الأوسط كمتاهة نزاعاتفي الجغرافيا السياسية لا مكان للفراغ، وكل انسحاب، هو تقدم لخصم آخر. والشرق الأوسط، منذ قرن كامل، لم يكن إلا ساحة تصادم مصالح بين إمبراطوريات قديمة وجديدة، لكن اليوم لم يعد الصراع على موارد أو طرق ملاحية فحسب، بل بات صراع هويات وتحالفات تتقاطع وتتناقض مع كل شروق.
من حرب يونيو (حزيران ) إلى صفقات التطبيع، ومن غزّة إلى مضيق هرمز، من اليمن إلى كردستان، تتشظّى الرقعة واللاعبون لا يتوقفون عن تحريك بيادقهم. وإذا كان القرن العشرون قد شهد الحرب الباردة على الأرض العربية، فإن الحاضر يشهد صراع "الخصوم المتقاطعين" و"التحالفات المؤقتة" في شرق أوسط بلا ثوابت.
إيران: من خطاب الردع إلى خطاب الاشتباكإيران باتت تخرج من خطاب الردع إلى خطاب الاشتباك، ضمن عقيدة عسكرية هجومية مغطاة بعباءة ثورية، تصريحات رئيس الأركان الإيراني تأتي في توقيت حرج، «تصعيد في الجنوب اللبناني، اختناق أمني في غزة، ضربات في سوريا والعراق، واحتقان إقليمي تقوده تل أبيب وواشنطن ضد "الهلال الشيعي»، كما يسمونه.
إسرائيل: هروب إلى الأمام أم ترتيب للمواجهة الكبرى؟إسرائيل الغارقة في أزماتها السياسية والقضائية تبحث عن نصر تكتيكي يرمم صورتها الردعية بعد فشلها في غزة، وتدفع واشنطن نحو مواجهة إيرانية تُغلف بخطاب "التهديد النووي"، لكنها تعرف أن ضرب إيران يعني اشتعال الجبهات من اليمن إلى لبنان، مع آلاف الصواريخ على الجليل والساحل المحتل.
«طاجيكستان».. ما وراء الرسائل الجيوسياسية؟أن تصدر هذه التصريحات من «دوشنبه» ليس تفصيلاً. فطاجيكستان، على تخوم أفغانستان، تقع في منطقة نفوذ صيني- روسي حساس. تنامي التعاون العسكري مع إيران يعني بناء جبهة جديدة في ظهر الحلف الأمريكي، وتكريس لحظة فارقة في شبكة التحالفات بين طهران وموسكو وبكين في قلب آسيا.
«أوروبا».. التردد السياسي وسط اضطراب المصالحأما أوروبا، فتمضي على حد السكين، تخشى انفجارًا جديدًا في الشرق يهدد أمنها الطاقي واللاجئين، لكنها عاجزة عن رسم سياسة مستقلة بعيدًا عن الرغبة الأمريكية. برلين وباريس تراقبان المشهد اللبناني والسوري بقلق، وتحاولان الحد من الانفجار الكبير عبر رسائل خلف الكواليس، لكن بدون أدوات ضغط حقيقية.
«لبنان وسوريا».. الجبهتان المنسيتان في قلب العاصفة.لبنان مرشح للانفجار في أي لحظة، حزب الله، الذي يُعد رأس الحربة في أي رد إيراني، بات جاهزًا لخوض معركة لا يريدها لكنه لا يتردد إن فرضت. الغارات الإسرائيلية تتكثف في الجنوب والضاحية، وتحركات الحزب تتوسع من الجليل إلى الجولان. أما سوريا، فهي الحلبة الصامتة التي تحتمل اشتعالًا مفاجئًا.
القصف المتكرر على مطارات دمشق وحلب ومحيط دير الزور هو رسالة واضحة بأن تل أبيب تعتبر الأرض السورية امتدادًا لجبهة الحرب المقبلة، بينما طهران تعيد تموضع قواتها على الأرض.
هل الحرب قادمة؟ قراءة في الاحتمالاتمواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل «قائمة»، لكنها مؤجلة ما لم تُفتح جبهة فجائية تشعل الإقليم دفعة واحدة.
تصعيد بالوكالة في لبنان وسوريا والعراق، هو السيناريو الأقرب، عبر ضربات متبادلة ورسائل دموية دون مواجهة شاملة.
خليج محتقن وتوازنات هشة، «الرياض وأبوظبي» تراقبان عن كثب، وتلعبان على توازن بين الحوار مع طهران والتنسيق مع واشنطن
وفي الختام «الجغرافيا لا ترحم من يجهل التاريخ»، فالشرق الأوسط ليس مجرد رقعة شطرنج، بل متاهة من اللهب، تحكمها ذاكرة ملتهبة وخرائط متحركة. كل لاعب يتوهم أنه يمسك بالخيوط، لكنه غالبًا ما يكون جزءًا من خيط خفي في يد قوة أكبر، والحرب قد لا تقع غدًا، لكنها تُطبخ على نار هادئة، والجميع يتهيأ للانفجار الكبير!!
كاتب وباحث في الشؤون الجيوسياسية والصراعات الدولية. [email protected]
اقرأ أيضاً«عبد العاطي» يستعرض مع سيناتور أمريكي جهود مصر لدعم الاستقرار بالشرق الأوسط
أستاذ علوم سياسية: «الشرق الأوسط الجديد» يُعيد رسم خريطة الإقليم لصالح إسرائيل