لجريدة عمان:
2025-08-01@15:14:29 GMT

العـنـف بوصفـه سـؤالاً فـلسفـيّـاً

تاريخ النشر: 2nd, October 2024 GMT

تأخّـرت الفـلسفـة في تحـويـل موضوع العنـف إلى سـؤالٍ إشكـاليّ فيها مع أنّ اتّـصالَ العـنـف بالسـياسـة والسلطـة كان حـريًّـا بـه بأن ينـبّـه الفـلسفـة السياسية الإغـريقـية إليه. ذلك عـيْـنُـه ما وقَـع لأسئـلةٍ أخـرى شديدةِ الاتّـصال بالسّياسـة - تُجـوهِـلَت، لـفـترةٍ طويلة، قبـل أن ينصـرف إليها التَّـفـكيرُ والتّـأليف؛ مثـل سـؤال الحـريّـة.

صحيـحٌ أنّ أفـلاطون وأرسطو لاَمَـسَا موضوع العـنـف من حـواشيـه حين انـتـقـد كـلٌّ منهما نمـطًا بعيـنه من الأنظمـة السياسية يقـوم عليـه هو النّـظام الطّـغيـانـيّ (Tyrannique)، وحين وقَـفَـا معًا موقـفًـا سلبيًّـا من النـظام الـدّيمقراطـيّ؛ حيث نظام الطّـغيـان، عنـدهما، مبْـناهُ على الاعتـساف وعلى مصلحـة الحاكـم؛ وحيث النّـظام الـدّيمقراطـيّ بيئة خصبة للفوضى ولعبثِ الـدّهمـاء، وهُـما -بهـذا المعنى- نظـامان يهـدّدان الاستقـرار وينشران الفوضى الاجتماعيّـة. بـل إنّـهـما تناولا، عَـرَضًـا- ظاهـرة الثـورة والثوران الاجتماعيّ التي تـقع حين ينـتـقـض الاستقرار في الـدّولة. غير أنّ هـذه الملامسـة الخارجية للعنـف -وقـد تكـرّرت عند أبي نصـرٍ الفارابـي كذلك- لـم تَـرْق إلى حيث تـتـناول مسألة العنف بما هي مسألة جـوهرية في بنيـة السياسـة.

ربّما كان الفـقهاء في تاريخ الإسلام أشـدَّ اهـتمامًا بالمسألة من الفلاسفة -أغارقـةً كانوا أو مسلمين- وأشـدَّ إلحاحًا على التّـنبيه عليها في ما كـتـبوه عن السّياسة والـدولة والسلطان. وما كان هاجسهم أن يقـدّموا المـوقـف الشرعي من العنـف، بـل راموا تـنبيـه الجماعة والسّلطان على المغـبّـة من شيوعـه؛ لأنّ بـه يكون انتـقـاضُ أحوال الممالك. والحـقُّ أنّـه لم يكـونوا في حاجـةٍ إلى كبيـرِ جَـهْـد كي يُـقـنـعوا مخاطَبيـهم بصحّـة ما يذهبـون إليه في هذا؛ فلـقـد عَـرَضَ للجماعـة الإسلاميّـة من العنـف ما أفْـسَد عليها يوميّـاتها وأَذْهـبَ وحْـدتَـها وازْدَرع بـذور الشِّـقاق والفُـرقـة فيها وبالتّـالي فهي شاهـدةٌ على مـفْـسَدَتـه وخَـطَـره. ولم يكن كُـتّـاب الآداب السـلطانية وحـدهم مَـن جـرَّد رسائـل في مسـألة العنـف ونـبّـهوا السـلطان والأمّـة عليه، بـل قاسَمَـهم فـقهاءُ السّياسـة الشـرعيـة ذلك الانشـغال فوضَـع منهم مَن وضع تآليـف في المسألة؛ سواء في ما كـتبـوه خصّيـصًا في مجـال فـقـه البُـغاة والفـتـنة أو ما كـتـبُـوه عـن الجـور ومساوئـه وتـبِعاته على المـمالك. ولعلّ أكـثر الكـتب العربيّـة إلحاحًا على هـذه المسألة في تـراث الإسلام هـي كـتب متـأخِّـري كـتّـابهم، من الذين عاصروا زمـن الأفـول الحضاريّ، مثـل ابن خـلدون وابن الأزرق اللّـذين شـنَّـعا على الاستبـداد وبيّـنا كيف أنّـه كان طـريقًـا سالـكًا نحـو اضمحـلال الـدّولة.

على أنّ الفـكـر السياسي الحـديث ما لبـث أن عاد إلى التـفـكير في العنـف، وإنْ جـزئـيًّـا، وذلك منذ أن سلّـطت كتابات ميـكياڤـيـلّـلي الضّـوء عليه، بما هـو جـزء من كيان السياسـة، ثـمّ بعد أن فـرض الموضوعَ سيـاقٌ سياسيّ وتاريـخيّ دراماتيـكـيّ مـرّت بـه أوروبا طـوال ما يزيـد عن مائـة عـامٍ من الحروب الـدّينـيّـة. ولا يـغْربـنّ عن بال الباحث في الموضوع أنّ المـدخـل إلى تسويـغ الحاجـة إلى الـدّولة، في الفلسفـة الحديثة، كان هـو القـول إنّ الـدّولة وحـدها هي التي تستطيع أن تضع حـدًّا للعـنف الذي يهـدِّد الاجتماع الإنسانيّ بالفـنـاء؛ حتّى أنّ فلسـفةً سياسـةً بكاملها (فلسفة العـقـد الاجتماعيّ) قامت على افـتراض وجـود مجتمـعٍ سابقٍ لقيام الـدّولة قام على علاقات العنـف المتبادل -أو حـرب الجميع على الجميع بعبارة توماس هوبس- الأمر الذي قضى بوجوب إنهاء هـذه الحال من الاقـتـتال بإقامة الـدّولة والخضـوع لسلطانها وقوانينها التماسًا للأمـن والسِّـلم... والبقـاء. وليس معنى ذلك أنّ الفلاسفة المحـدَثين افترضوا العنـفَ فعـلًا صادرًا عن المجتمع يحتـاج إلى السّياسة (الـدولة) من أجـل ردْعـه؛ ذلك أنّهم -في المقابـل- ظـلّوا ينـتـقدون أنماط أنظمة الحكم التي تـقيـم السلـطة على مقـتضى العنـف: من طغيانٍ واستـبدادٍ وتسـلُّـط. وفي مـوقـفهم هذا ما يدلُّـنا على أنّـهم لم يـبرحوا النّـظر إلى العنـف في اقـترانه الماهـويّ بالسّياسة، أي من حيث هـو ظاهرة سياسية.

لـن يلبـث التّـفـكير الفلسفـيّ في ظاهرة العنـف أن يـزيد مع الزمـن: في الفلـسفـة الحديثـة كما في الفلـسفة المعاصرة، أحيـانًـا مـن طـريق التّـفـكير في السِّـلم (إيمانويـل كَـنْـت)، وفي أخـرى من طريق النّـظر في صلات العنـف بالـدّولة (هيـغـل) أو بالصّـراع السّياسيّ (إنغـلز). ومنذ هيـغل، أمكن للفلسفة أن تُـطَـوِّر نظـرتها إلى الموضوع وزوايـاه بعيـدًا من أحكام القيـمة؛ وهـو المنحى الذي سيـرسّـخه النّـظر إليه داخل علـم الاجتماع السّياسيّ في بـدايات القـرن العشريـن، وخاصّـةً مع أعمال ماكس ڤـيـبر. ولم تكـن الحرب العالميّـة الثّانيـة قـد اندلعـت، واستـتبّ الأمـرُ للنّـظام النّـازيّ في ألمانيا والسـتاليـنيّ في الاتّـحاد السّـوڤـييتيّ، حتى عاد سؤالُ العنـف يطـرق أبـواب الفلسفة والعلـوم الاجتماعيّـة ويُـثْـمـر نصوصًا فـكريّـةً ودراساتٍ تحليـليّـةً في غايـة الأهميـة والقيمة في مضمـار فـهـم الظّاهـرة والكـشف عن آلياتها المعـلَـنة والمضمَـرة. لقد بـرَّر ذلك، من جـديد، شرعيّـةَ النّـظر إلى العنـف بوصفـه سؤالًا فـلسفـيًّـا أو، قُـل، ينتمي إلى فلسفة السّياسة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الـد ولة الس یاسة

إقرأ أيضاً:

أسباب استقرار الحياة الزوجية .. أهم النصائح للطرفين

استقرار الحياة الزوجية يتوقف على مدى شعور الزوجين بالمسؤولية تجاهها، وتجاه علاقة كل منهما بالآخر، فينبغي على منهما الانتباه جيدًا لتصرفاته، وشعور كل واحد من الزوجين بأنه هو المعنى الأول في بقاء المودة وحسن العشرة واستقرار الحياة الزوجية، وبهذا يكمل النقص الذي يقع من الطرف الآخر.

أسباب استقرار الحياة الزوجية

وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية إن من أسباب استقرار الحياة الزوجية أن يلتمسَ كلٌّ مِن الزَّوجين العذرَ لصاحبه، وأن يتغاضى عمَّا صغُر من عيوبه؛ مُستشعرًا مسئوليتَه تجاه الأسرة والأولاد بعيدًا عن الشِّجار والصَّخب والتَّلاوُم.

واستشهد مركز الأزهر عبر صفحته على فيس بوك، بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «لَا يَفْرَكْ -لا يبغض- مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ». [أخرجه مسلم].

دعاء النبي عند الحر الشديد .. ردد أفضل 14 تغفر ذنوبك وتدخلك الجنةأجمل دعاء فى الصباح.. ردده يسخر الله لك من يقضي حاجتك ويفرج كربتكالتغلب على العنف الأسري

أكد الشيخ هشام محمود الصوفي من علماء الأزهر الشريف، أن الحياة الأسرية قد تتخللها مشكلات تؤدي إلى اضطراب العلاقات بين الزوجين وإلى السلوكيات الشاذة والتعاسة الزوجية، مما يهدد استقرار الجو الأسري والصحة النفسية لكل أفراد الأسرة، ويصدر النزاع والشجار عن أزواج غير متوافقين مع الحياة الزوجية، نظرًا إلى عدم وضوح دور كل منهما وتفكك شبكة العلاقات بينهما، مما يؤدي إلى شعور الزوجين بخيبة الأمل والإحباط والفشل والغضب والنزاع والشجار.

وأشار الصوفي في تصريحات خاصة لـ صدى البلد، إلى أن أسباب العنف أو التفكك الأسري تتمثل غالبًا في عدم تطبيق معاير الاختيار السليمة (الدين – الخلق – التقارب في السن والثقافة)، إذ إنّ الذي تخلّى أو ابتعد عن تعاليم دينه وشرعه سيقع بلا شك في الانحراف لكون الدّين أحد الأسباب التي تُعزّز مجال الأخلاق والقيم في نفس الإنسان، كما تُنحّيه عن طريق الرّذيلة والفواحش والعنف.

ولفت إلى أنه ينتج عن ذلك العنف أو التفكك الأسري آثار منها:

1- ترك آثارًا متعددة في تربية الأطفال، أبرزها انحرافهم السلوكي وتخلفهم الدراسي.

2- تحطيم البناء التنظيمي للأسرة بحيث تصبح “غير مترابطة”.

3- لا يملك الطفل الذي يعيش في أسرة مفككة مملؤة بالعنف إلا أن يعقد مقارنات مستمرة بين حياته والحياة الأسرية التي يعيشها الأطفال الآخرون، وعن طريق العلاقات التي يعقدها معهم تظهر له طبيعة الحياة السعيدة التي يعيشونها، فينتابه الشعور بالنقص والابتئاس لحالته والإحباط.

وحول علاج ظاهرة العنف الأسري قال:

1- على الأم والأب السعي الدائم لتقوية العلاقة بينهما، وحل مشكلاتهما بأسلوب راقٍ، بعيداً عن العنف والصراخ.

2- وجود الوالدين العاطفي والنفسي والروحي والجسدي بين الأبناء، وتخصيص وقت خاص؛ لمعرفة مشاكل الأبناء واهتماماتهم وحاجاتهم.

3- على الأهل أن يكونوا القدوة الحسنة لأبنائهم في كافة المجالات.

4- يقع على عاتق الدولة دور كبير في التوعية لأهمية الترابط الأسري والتربية الصحيحة من خلال الدورات المجانية والإعلانات والبرامج التلفزيونية.

5- كما يقع على الإعلام دور مهم أيضاً في تثقيف الأسرة والمجتمع من خلال البرامج التربوية والاجتماعية.

طباعة شارك استقرار الحياة الزوجية الحياة الزوجية التغلب على العنف الأسري

مقالات مشابهة

  • رسالة إنسانية من شهيد في غزة تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي
  • تعلن وزارة الشؤون الاجتماعية انه تقرر عقد الاجتماع التأسيسي لصندوق التكافل الاجتماعي الخيري لأبناء قرية سواده
  • الضمان الاجتماعي تدعو غير المتقاعدين إلى تحديث أرقام حساباتهم البنكية
  • أسباب استقرار الحياة الزوجية .. أهم النصائح للطرفين
  • تعاون بين "الطاقة" و"الموارد البشرية" لتمكين مستفيدي الضمان الاجتماعي
  • مايا مرسي: نعمل على زيادة الضمان الاجتماعي
  • بيان عن رابطة العمل الاجتماعي.. إليكم تفاصيله
  • الضمان الاجتماعي.. كيفية تحديد تبعية المحضون حال الخلاف الأسري
  • مي عبد الحميد تعرض التجربة المصرية في الإسكان الاجتماعي بنيجيريا
  • فرنسا : هجمات المستوطنين بالضفة أعمال إرهابية