الإفتاء: المساس بسلامة الوطن إفساد في الأرض وعليه أشدّ عقوبة
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
في ذكرى انتصارات السادس من أكتوبر نتذكر كيف رغب الشرع الشريف في حفظ الأوطان وسلامتها، فقد دعا الإسلام إلى سلامة الأوطان، والوطن لغة: المَنْزِلُ تقيم به، وهو مَوْطِنُ الإنسان ومحله، والجمع أَوْطان، ووَطَنَ بالمكان وأَوْطَنَ: أَقام، وأَوْطَنَهُ: اتخذه وَطَنًا، يقال: أَوْطَنَ فلانٌ أَرض كذا وكذا، أَي: اتخذها محلًا ومسْكَنًا يقيم فيها.
وفي هذا السياق قالت دار الإفتاء المصرية أنه من مظاهر دعوة الإسلام إلى سلامة الأوطان، أن جعل حبَّ الوطن معنًى فطريًّا غريزيًّا نابعًا من شعور الإنسان بالانتماء إليه وحنينه إلى المكان الذي ترعرع فيه وأصبحت له فيه ذكريات تربطه بمَن نشأ بينهم من أهل وأحباب، وقد ظهر ذلك جليًّا في أفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث كان حب الوطن من أخلاقه؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ المَدِينَةِ، أَوْضَعَ نَاقَتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا» أخرجه البخاري في "صحيحه"، قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: زَادَ الحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ: حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا.
ونجد أنَّ الله تعالى قرن بين مشقة قتل النفس والخروج من الوطن امتحانًا واختبارًا للمنافقين؛ فقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 66].
التحذير من المساس بأمن الوطن وترويع المواطنينوتابعت: كما حذَّر الإسلام من المساس بأمن الوطن، وترويع المواطنين؛ فروى الإمام ابن ماجه في "سننه" عن عمرو بن الحَمِق الخزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَمِنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ لِوَاءَ غَدْرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وفي رواية الإمام البيهقي في "السنن" والطيالسي في "مسنده": «إِذَا أَمِنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ الْقَاتِلِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا».
وروى الشيخان في "صحيحيهما" عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ، وَلَا صَرْفٌ».
وأكدت أن المساس بسلامة الوطن يُعدُّ من الإفساد في الأرض، فيستوجب أشدّ العقوبة وأغلظها؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 33].
وجعل الإسلام حفظ الأوطان مقصد شرعيّ مرعيّ يأثم من يخلّ به؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة: 60]، وقال سبحانه: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 56]، وقال عز من قائل: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ [محمد: 22-23].
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الوطن أمن الوطن دعوة الإسلام ف ی ال أ ر ض الله ع ى الله
إقرأ أيضاً:
هل الحج يُسقط الصلاة الفائتة؟.. دار الإفتاء تحذر من خطر عظيم
أجابت دار الإفتاء المصرية عبر موقعها الرسمي عن سؤال ورد حول ما إذا كان أداء فريضة الحج يُسقِط الصلوات الفائتة، وجاء الرد واضحًا بأن الحج لا يُغني عن أداء الصلاة بأي حال من الأحوال.
السؤال كان حول رجل يؤدي الحج سنويًا، لكنه لا يُصلي إلا صلاة الجمعة فقط، ويبرر موقفه بأنه سيدخل الجنة قبل المصلين لأن الله يغفر الذنوب جميعًا، مستدلًا بحديث النبي ﷺ: "من حج ولم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه". كما جاء في السؤال أن بعض الشباب يتركون الصلاة ويتعمدون تأجيلها إلى ما بعد الشباب، ظنًا منهم أن الحج في الكِبر سيكفّر عن تقصيرهم السابق.
وردًا على ذلك، أكدت الإفتاء أن الصلاة فريضة أساسية لا تسقط عن المسلم في أي حال، واستدلت بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]، وبقوله سبحانه: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ [العنكبوت: 45].
كما ورد في الحديث الشريف أن النبي ﷺ قال: "خمس صلوات كتبهن الله على عباده، فمن جاء بهن ولم يُضيع منهن شيئًا استخفافًا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذّبه وإن شاء أدخله الجنة".
وأكدت الإفتاء أن ترك الصلاة خطر عظيم، بدليل الحديث: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة"، كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فضّل فقدان بصره على ترك الصلاة ولو ليوم واحد حينما قيل له نداويه بشرط أن يترك الصلاة مؤقتًا.
وأوضحت دار الإفتاء أن الحج لا يُعفي المسلم من أداء الصلاة، فكل فريضة قائمة بذاتها، ولا تُغني إحداها عن الأخرى، بل إن أداء الحج يزيد من مسئولية المسلم في الحفاظ على باقي الفرائض، وأولها الصلاة، التي هي عمود الدين، ولا تسقط عن المسلم بأي عذر شرعي إلا في حالات شديدة يُراعى فيها حال العاجز، كالصلاة من جلوس أو على الجنب أو بالإيماء.
واختتمت الإفتاء فتواها بالتأكيد على أن من علامات الحج المبرور أن يرجع الإنسان منه أفضل حالًا، وأكثر التزامًا، وليس العكس، وأن الحج لا يُعد مبررًا للتهاون أو التقصير في باقي الواجبات الشرعية، وعلى رأسها الصلاة، داعية الله أن يهدي هؤلاء المقصرين ويعودوا للتمسك بأوامر دينهم.