سودانايل:
2025-06-10@16:33:56 GMT

زمن ” البليلة ” !

تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT

1

في زمن الصبا كانت في حينا امرأة مسنة تبيع لصبية الحى قصب السكر، " العنكوليب " و النبق ابان مواسم نضوجه و نزوله السوق، المرأة المسنه كان لها ما يميزها من نساء الحى الأخريات، فقد كانت حكيمة ذات بلاغة و منطق ،حتى صارت أقوالها تضرب أمثالا في الحى.
كانت تقول بدهشة و تندر عند ارتفاع السلع التي تقوم بشرائها من السوق ( انشاء الله ما يحضرنا زمن البليلة ) و هي تقصد ان لا تجبرها الظروف لأكل البليلة لانعدام الطعام و ندرته.

الجدة لم تكن تتخيل أن صفوف البليلة صارت ترفا، و قد تطاولت و أصبحت شبيهة بصفوف البنزين أيام السفاح البشير بعد أن أكل الناس ابان الحرب الدائرة اليوم في زمن البرهان و حمديتى حتى " الكدايس " الأليفة !
مر بذهنى دعاء الجدة الذى تفوهت به قبل خمسين عاما و انا أشاهد في امدرمان صفوف المواطنين كل يحمل اناء في يده، و يقف في صف ممتد في انتظار أن يحصل على " كمشة " من البليلة من التكايا التي قام بأنشائها بعض المحسنين و فاعلي الخير، عندما عجزت دولة البرهان في توفير لقمة العيش للمواطنين الجوعى جراء الحرب الدموية التي يقوم بها طرفاء الحرب.
2
عبر التاريخ القريب في السودان وقعت أحداث مجاعة قتلت كثير من السودانيين و تناول بعضها الحكي الشعبي، أشهر تلك المجاعات هي المجاعة المشهورة في التاريخ باسم مجاعة ( سنة سته )، المجاعة حدثت في العام 1306ه و ذلك سبب أسم التسمية و يوافق العام 1888 م. و هنالك مجاعة أخرى حدثت في القرن الماضي في العام 1982- 1984 ابان حكم الديكتاتور نميري في دارفور، و قتلت آلاف المواطنين و أدت الى نزوح آلاف الآخرين الى العاصمة المثلثة.
مجاعة سنة سته- 1888م
هنالك عدة أسباب أدت الى مجاعة سنة سته منها المناخي ، السياسي و الإداري
المناخي
1- فيضان النيل كان ضعيفا ذلك العام.
2- قلة الأمطار التي لم تهطل ذلك العام مثل بقية الأعوام السابقة
3 – أسراب الجراد التي غزت الحقول وقضت على المحاصيل ( نعوم شقير- جغرافية و تاريخ السودان )
أسباب سياسية و أدارية
4- وجود ثلاث جيوش غير منتجة في دنقلا ، القلابات و دارفور بدعوى الجهاد و حفظ الأمن، تلك الحشود كانت على حساب الإنتاج الزراعي في الأرياف. ( ب م هولت دولة المهدية في السودان عهد الخليفة عبدالله 1885- 1898 )
5 – تهجير التعايشه أهل الخليفة عبداللة الى أمدرمان، و توفير الطعام لهم خصما على باقي المواطنين إضافة الى محاباة الخليفة لأهله بإعطاء الأولوية لهم في شراء الحبوب ( هولت ).
تلك الأسباب مجتمعة أدت الى مجاعة ضربت كل مدن السودان بدأت في بربر لتشمل بعد ذلك باقي المدن.... دنقلا، القضارف ،القلابات الخ و أدت الى هجرة و نزوح كبير الى العاصمة ادرمان هربا من المجاعة، ليواجه الفارين من المجاعة نفس المصير الذى هربوا منه و هو الموت جوعا في العاصمة.
أكل المواطنون الحمير، الجلود و حتى جثث الحيوانات النافقة، و آخرين عندما عجزوا عن توفير الطعام قاموا بتوثيق أطفالهم و ماتوا معهم جوعا داخل منازلهم تفاديا للسؤال و مد الأيدي (راجع كتاب سلاطين باشا – السف و النار ....أيضا نعوم شقير – جغرافية و تاريخ السودان ) .
مجاعة سنة 1982 - 1984
تعتبر واحدة من أسوأ المجاعات التي مر بها السودان حتى أضطر المواطنين في دارفور لنبش بيوت النمل بحثا عن الحبوب. أسباب المجاعة متعددة منها الطبيعي المتعلق بالتغيرات المناخية و منها المتعلقة بفساد السياسات و الحروب ، و يمكن حصر الأسباب في الآتي :
1- الجفاف الذى ضرب القرن الأفريقي و تأثرت به كثير من الدول في المنطقة.
2- إزاحة الغطاء النباتي عن مساحات كبيرة من الأراضي.
3- قلة الأمطار الذى أدى الى زوال و موت كثير من النباتات
4 – الحرب الأهلية في جنوب السودان و سياسات الدولة الخاطئة و الفساد الذى ضرب جهاز الدولة ، متمثلا في بنك فيصل الاسلامى الذى قام بشراء و تخزين الذرة ثم بيعها بأسعار عالية و كذلك شراء و تخزين الفحم ( الوقود ) مما فاقم من المجاعة.
كل ذلك أدى الى نزاعات مسلحة في دارفور و من ثم موت الألاف و الهجرة داخليا و خارجيا. أتذكر في تلك الأيام بلغ سعر الخروف جنيهات بسيطة لعجز ملاكها عن اطعامها و خوف موتها.....كانت تلك أيام صعبة نشاهد إرهاصتها هذه الأيام مما قد يشير الى تكرارها.
3
نبوءة الجدة التي كانت تتمنى أن لا تعيش ( زمن البليلة ) هانحن اليوم نعيش ذلك الزمن الخرافي، و حتى تلك " البليلة " المفتري عليها، سوف تعز و تختفى و تصبح رفاهية، وفقا لما تنبأت به منظمات الأمم المتحدة المختصة بمحاربة المجاعات، اذا أستمر الحال بما هو عليه الآن !
فقد ذكر تقرير برنامج الأغذية العالمي و هي وكالة تابعة للأمم المتحدة و الخاص بالسودان ( الى أن 9.3 مليون شخص يواجهون انعداما حادا في الأمن الغذائي بما في ذلك 2.7 مليون في حالة طوارئ غذائية ذلك بسبب الحرب و نزوح مئات الالاف من الأشخاص إضافة للجفاف و تدهور الظروف الاقتصادية ).
كما تشير التقارير المشتركة التي أقرتها منظمة الأغذية و الزراعة " فاو “، برنامج الأغذية العالمي و مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ( الى أن السودان يقف على حافة مجاعة كبرى ).
جدير بالذكر هنا الى أن وكالات الأمم المتحدة المختصة تعتمد في تقريرها الى عدة مؤشرات نوردها أدناه لأهميتها و هي :
- تدمير سلاسل الأمن الغذائي نتيجة للحرب كالمواصلات و البنية التحتية و الطرقات الذى يتسبب في أزمة و نقص الغذاء.
- استهداف المناطق الزراعية بواسطة طرفي الحرب
- اضعاف الاقتصاد المحلى مما يؤدى ارتفاع السلع و المواد الغذائية
- النزوح الجماعي للمواطنين
- اعاقات الوصول الى المساعدات الإنسانية بواسطة طرفي الحرب.
بعد كل هذا السرد يطل السؤال الأساسي و هو كيفية تفادى مشكلة المجاعة ؟
بما هو واضح ان طرفي النزاع غير حريصين على " حلحلة " مشاكل المواطنين، كما أن الظروف الدولية المعقدة المتمثلة في حرب فلسطين ، أوكرانيا و الانتخابات الأمريكية تجعل السودان يقبع في آخر بند الاهتمامات الدولية. لكن مع كل ذلك يظل الهدف الأساسي مواصلة الضغط لوقف الحرب، و فتح مسارات آمنة لوصول الاغاثات الإنسانية و ذلك ممكن التحقيق بالعزم و قوة الارادة، الوحدة و التنظيم.....شعبنا خلاق.

عدنان زاهر
6 أكتوبر 2024

elsadati2008@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: أدت الى

إقرأ أيضاً:

هل ينجز كامل إدريس شيئاً بكتابيه؟

هل ينجز كامل إدريس شيئاً بكتابيه؟

حيدر المكاشفي

في كلمته التي القاها بمناسبة تنصيبه بقرار من الفريق البرهان رئيساً لوزراء حكومة الحرب، لوّح الدكتور كامل ادريس بكتابين من إصداره، أحدهما يحمل عنوان (السودان: تقويم المسار ورؤية المستقبل) والآخر (السودان: من النمو الأقل إلى التنمية السريعة)، ولم أجد تفسيراً لتلويحه بكتابيه غير انه اراد ان يقول ان كل ازمات وكوارث البلاد المزمنة مقروءة مع حلولها مضمنة في الكتابين، وانه بتطبيقه ما جاء في كتابيه يمكنه العبور بالبلاد الى مرافئ الامن والاستقرار والتنمية والنهضة، فهل يستطيع كامل إدريس حقاً تحقيق إنجازات في ظل الحرب التي ما تزال مشتعلة؟..

نحاول هنا تقديم قراءة واقعية في تحديات المرحلة التي ما يزال يعيشها السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، وهي بكل المقاييس تعد واحدة من أكثر الفترات دماراً في تاريخ السودان الحديث.. فمن المعلوم بالضرورة أن ايما حرب تندلع في أي بقعة في العالم، تتسبب في فواجع وفظائع ودمار واضرار جسيمة، وطالما يمثل السلام البيئة الخصبة المناسبة لنمو وازدهار الشعوب، فبتحققه يتحول تركيز الحكومات والقيادات والشعوب إلى ملفات أخرى هامة وحيوية لم يكن النظر فيها أو التفكر بها متاحاً خلال أوقات الحروب والاضطرابات. فجودة التعليم، الصحة، القضاء على الفقر، التغذية السليمة، الحفاظ على البيئة، العدالة الاجتماعية، وغيرها من القضايا، كلها تتوارى في ظلمات وظلامات الحروب والصراعات، وتتوارى معها طموحات وآمال أجيال ناشئة، وأجيال أخرى لم تر النور بعد.. ومع تعيين الدكتور كامل إدريس رئيساً للوزراء في حكومة الحرب القائمة الآن، ومع معاناة البلاد ومكابدة العباد من كل الذي ذكرناه اعلاه وتسببت فيه الحرب، يبرز سؤال منطقي وملح، هل يملك كامل إدريس فرصة حقيقية لتحقيق إنجازات في الاقتصاد والتعليم والصحة ومعايش الناس والأمن كما ادعى، أم أن الظرف أكبر من قدرة أي شخصية مهما بلغت كفاءتها في ظل هذا السياق الكارثي؟ فمنذ أبريل 2023، دخل السودان في نفق حرب داخلية مفتوحة، أفضت إلى تهجير الملايين وانهيار مؤسسات الدولة، وانقسام السلطة وتدمير البنية التحتية.

في ظل هذه الظروف، لم تكن الدولة قادرة حتى على تقديم خدمات الحد الأدنى، فكيف بتحقيق أهداف استراتيجية كالتنمية أو الاستقرار؟ هذا الواقع يفرض قيوداً صارمة على أي محاولة للإنجاز.

وقبل التطرق لأي احتمال للإنجاز، يجب الاعتراف بأن البلاد تعيش انهياراً مؤسساتياً وأمنياً شاملاً  فالسلطة منقسمة، جزء يسيطر عليه الدعم السريع، وجزء من نصيب حكومة بورتسودان، وتفتقر الحكومة إلى النفوذ الكامل أو الإجماع الوطني، والبنية التحتية مدمّرة، والنزوح الداخلي بلغ ملايين الأشخاص، وكذا اعداد اللاجئين في دول الجوار، مع توقف الإنتاج الزراعي والصناعي وانهيار النظام المصرفي. فالاقتصاد السوداني يرزح تحت ضغوط غير مسبوقة، تضخم، ندرة في السلع، وانهيار في القطاع المصرفي. معضلة الصادرات وخروج الاستثمارات الأجنبية، وفي مثل هذه البيئة، لن يكون بمقدور أي حكومة تنفيذ برامج اقتصادية جادة دون وقف دائم لإطلاق النار ودعم دولي كبير، لإعادة بناء مؤسسات الدولة من الأساس، ففي ظل هذا الواقع، تبدو طموحات التنمية أقرب إلى التمنّي منها إلى التخطيط الواقعي، ما لم تحدث تحولات هيكلية كبيرة..

نعم الدكتور كامل إدريس شخصية دولية مرموقة بخلفية في القانون الدولي وخبرة طويلة في منظمة الملكية الفكرية (WIPO). غير أن ما يُواجهه في الداخل السوداني لا يشبه بأي حال بيئة العمل الأممي. التحديات تتطلب ما هو أكثر من الخبرة النظرية؛ تحتاج إلى أدوات تنفيذية حقيقية على الأرض. وإمكاناته في هذه المرحلة مرهونة بعدة عوامل، مدى سلطته الفعلية على الأرض، في ظل تعدد المراكز السياسية والعسكرية. ومدى قدرة حكومته على الوصول للمجتمع الدولي وإقناع المانحين والداعمين بالمساهمة في مسار مدني جديد. ومدى قبول القوى السودانية الأخرى له، خصوصاً أن تعيينه لم يتم بتوافق حتى بين مجموعة بورتسودان بل عبر قرار احادي من البرهان، ولهذا لا يمكن تصور انجاز اقتصادي حقيقي دون وقف الحرب أو على الأقل تهدئة الجبهات الأساسية. واستعادة مؤسسات الدولة المالية، وتفعيل دورة الإنتاج. وإعادة بناء الثقة مع المؤسسات المالية الدولية. وفي مجالات الصحة والتعليم هناك كثير من المدارس والمستشفيات تعرضت للنهب أو التدمير أو تم تحويلها لثكنات أو ملاجئ. وهناك النقص الحاد في الامدادات الطبية والعلاجية وفي الكوادر الطبية والتعليمية، وغياب التمويل، وسوء وتردي خدمتي المياه والكهرباء، وكل هذا يجعل اي حديث عن تطوير هذين القطاعين أمراً بعيد المنال. اما ما يلي المعاناة المعيشية وهي العنوان الأبرز للحرب. فأسعار المواد الغذائية تتصاعد، وسلاسل الإمداد مدمرة، واما ما يخص جانبي الأمن والاستقرار وذلك هو التحدي الأصعب. حيث ان الأمن ليس فقط في يد حكومة بورتسودان، بل هو متشرذم بين أطراف النزاع. فغياب السلطة الموحدة وانتشار السلاح بشكل واسع وتعدد المليشيات المسلحة يجعل من الأمن مسألة معقدة للغاية.. وخلاصة الامر انه في ظل استمرار الحرب، لن تكون هناك إنجازات تذكر، وإنما يمكن ان تكون هناك على احسن تقدير محاولات لبناء مساحات أمل صغيرة ومحدودة، ولكن لن يتمكن كامل ادريس بالمجمل من تحقيق تحول فعلي يذكر وذو اثر في الاقتصاد أو الأمن أو معايش الناس دون تسوية سياسية واسعة توقف الحرب وتوحد مؤسسات الدولة، ويمكنه لتحقيق هذا الهدف الوطني النبيل أن يكون صوتاً للعقل، وجسراً بين الممكن والمأمول في هذا البلد الذي أُنهكته الحروب والانقسامات.. فهل تراه يكون صوتاً للعقل والحكمة ام سيكون مجرد حكّامة حرب مثله مثل جماعة (بل بس).

الوسومالبرهان التعليم التنمية الاجتماعية الدعم السريع السودان الصحة حرب ابريل 2023م حكومة بورتسودان حيدر المكاشفي رئيس الوزراء كامل إدريس

مقالات مشابهة

  • الأغذية العالمي: خطر المجاعة لا يزال يخيم على السودان في خضم نقص التمويل
  • تحذير أممي من المجاعة جنوب الخرطوم
  • احتجاجات حميدتي بصوت خالد عمر!
  • هل ينجز كامل إدريس شيئاً بكتابيه؟
  • الغاء المباراة الودية بين منتخبي تونس وجمهورية إفريقيا الوسطى التي كانت ستلعب بالدار البيضاء
  • بسبب الحرب.. انهيار أدوات مواجهة الكوارث البيئة في السودان
  • والدة جندي إسرائيلي قتيل : جثة ابني تلاشت وكذلك القوة التي كانت معه
  • والدة جندي إسرائيلي قتل بكمين خان يونس: جثة ابني تلاشت وكذلك القوة التي كانت معه
  • عاجل. عمدة موسكو: إسقاط ٩ مسيرات أوكرانية كانت متجهة نحو العاصمة الروسية منذ منتصف الليل
  • وصفها مراقبون بأنها “كارثة إنسانية مكتملة الأركان”.. مجاعة في قطاع غزة