في ظل الحرب..تهافت غير مسبوق من اللبنانيين على الذهب
تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT
مع تواصل القصف الإسرائيلي للبنان، أثبت المعدن الأصفر أنه الملاذ الآمن الوحيد، حيث شهدت أسواق الذهب المحلية إقبالاً غير مسبوق بين اللبنانيين على بيع وشراء الذهب، رغم إفراغ أغلب المحلات واجهاتها من المجوهرات.
“نشتري الذهب بأعلى سعر”، عبارة موحدة علّقها مالكو محلات الذهب على واجهاتها لجذب المزيد من الزبائن، مع تزايد أعداد النازحين في العاصمة بيروت بحثاً عن مكان آمن من الصواريخ الإسرائيلية.
وكان الرفض “سيد الموقف” من غالبية مالكي محلات الذهب، الذين برروا ذلك إلى جانبوإفراغ واجهاتهم من المجوهرات إلى “الظروف الأمنية المتفلتة مع تصاعد وتيرة ورقعة الاعتداءات الإسرائيلية على مناطق مختلفة في لبنان”.
وعن سبب تهافت أصحاب محلات الذهب على شراء المعدن الأصفر، أوضح أحمد أمين صاحب محل مجوهرات في شارع سوق الذهب في منطقة البربير ببيروت، أنه يعرض على الزبائن شراء ذهبهم بأعلى سعر في السوق لأنه يدرك تماماً أنه “استثمار مربح على المدى الطويل”، مع تصاعد أسعار الذهب على الصعيد العالمي في الأزمات السياسية والحروب الإقليمية.
حماية “جنى العمر”صاحب شركة إلكترونيات في بيروت م. ي،39 عاماً، كان من بين الذين صادفناهم يشترون أونصات الذهب ضمن هذه الجولة التي امتدت على مدار ثلاثة أيام متواصلة.
وشكّل سؤالنا عن سبب شرائه هذه الكميات من الذهب مصدر ذعر كبير له، إذ ظن أن اللقاء مجرد “طعم لاستدراجه من قِبل عصابة منظمة لسرقته” في غياب الأمن بسبب الحرب.
وبعد أن تأكد من “حسن نوايانا” إثر نقاش طويل وعسير، كشف أنّه لجأ إلى تحويل أمواله النقدية في منزله وفي شركته إلى الذهب لمنع “اختفاء جنى العمر بضربة صاروخ” على حد قوله.
تأمين السيولة هو الهدف الأساسي لدى فئة ثانية من اللبنانيين، الذين التقيناهم، مثل الحاجة منى الداعوق، 76 عاماً، التي شاهدناها في محل عند “تنازلها” عن سلاسل وخواتم كانت تزين يديها وعنقها على الطاولة الزجاجية لوزن القطع التي أهداها لها زوجها خلال مناسبات مختلفة على مدار 35 عاماً من الزواج.
وقالت إنها تبيع ذهبها للحصول على مال يكفي لتلبية حاجاتها الأساسية مع أبنائها الثلاثة المتزوجين وعائلاتهم، بعدما انتقلوا جميعهم للإقامة معها في منزلها المكون من 4 غرف في منطقة النويري في بيروت.
ويسكن أولادها في مناطق “خطيرة نسبياً” في محيط الضاحية الجنوبية، لذلك أصرّت على استضافتهم مع عائلاتهم في شقتها المستأجرة في مبنى قديم من 3 طوابق تسكنها عائلات بيروتية قديمة لا علاقة لها بأي جهة سياسية.
وعن سبب تضحيتها بثروة عمرها، قالت: “لا أحد يعرف موعد انتهاء الحرب، لذلك أضمن بهذه الطريقة تأمين سيولة لعائلتي على فترة طويلة، كما أضمن أيضاً توزيعاً عادلاً لثروتي النقدية بين أبنائي إذا توفيت فجأة في الحرب”.
أتى اليوم الأسود الذي خبأت له الشابة لينا عيتاني، 31 عاماً، قرشها الأبيض بعدما وضعته في خزنة بمنزلها بمنطقة الحمراء ليكون في مكان آمن بعيداً عن البنوك اللبنانية التي استولت على ودائع عملائها.
وذكرت أنّها حوّلت مدّخراتها إلى ليرات ذهبية لأنه يسهل نقلها، إذا أجبرت على إخلاء منزلها، وأكدت أن الذهب يبقى ملاذها الآمن، لأنه يحافظ على قيمته، خاصة أنها تنتظر الحصول على التأشيرة للانتقال للعيش في الكويت والبحث عن وظيفة تضمن عيشها بسلام وطمأنينة بعيداً عن هدير الطائرات الإسرائيلية دون طيار التي تسمعها يومياً بعدما استوطنت سماء لبنان منذ بداية الحرب.
المصدر: جريدة الحقيقة
كلمات دلالية: محلات الذهب
إقرأ أيضاً:
هجرة اللبنانيين إلى أفريقيا.. من باعة متجولين إلى قادة اقتصاد وتجارة
عند الحديث عن هجرة اللبنانيين إلى الخارج، عادة ما تتّجه الأنظار إلى أميركا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا) وإلى كثير من بلدان أميركا اللاتينية وما حققه أحفاد الفينيقيين من نجاحات اقتصادية وسياسية وأدبية في تلك الأصقاع البعيدة.
لكنّ التدقيق في تفاصيل وتاريخ هجرة اللبنانيين خارج تلك البلدان، يستدعي الوقوف على وجهات أخرى من المعمورة كانت قبلة آلاف منهم، منذ منتصف القرن الـ19، مثل أفريقيا، وأستراليا، وأوروبا، وبلدان الخليج العربي التي استقطبتهم في مراحل لاحقة.
وتأثّرت موجة الهجرة اللبنانية إلى أفريقيا بأحداث تاريخية كبرى، مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية، وخضوع لبنان للانتداب الفرنسي، والحرب الأهلية اللبنانية 1975-1990.
وفي البداية، كانت رحلة اللبنانيين إلى أفريقيا صُدفا وأقدارا، إذ توقفت رحلاتهم إلى أميركا على شواطئ أفريقيا الغربية نظرا لبعض العوامل والأسباب التي لم تكن مبرمجة وقتها.
وتقول بعض السرديات، إن أوائل اللبنانيين الذين دخلوا أفريقيا، كانوا في طريقهم إلى أميركا لكنّهم تعرّضوا للخديعة بشأن وجهتهم النهائية إذ أقنعهم الناقلون بأن شواطئ السنغال وغينيا تقع في أميركا.
وتقول بعض التفسيرات، إن نسبة كبيرة من اللبنانيين الحالمين بالهجرة آنذاك لم يكن أمامهم من خيار سوى بلدان أفريقيا بسبب انخفاض تكلفة السفر مقارنة بمتطلّبات الرحلة إلى القارة الأميركية، إضافة إلى أن دخول عديد من بلدان غرب أفريقيا قبل عام 1923 لم يكن يتطلب جواز سفر.
إعلانوفي تلك الفترة الزمنية، كانت بعض بلدان غرب أفريقيا وجهة أنسب للمهاجرين القادمين من بيئات فقيرة، ولم يتلقوا تعليما كافيا، ولا يتمتعون بمهارات فنية أو خبرات عملية.
كل هذا العوامل جعلت الموجة الأولى من اللبنانيين في أفريقيا يشتغلون باعة متجولين في الأسواق والشوارع والقرى، قبل أن يمتهنوا تجارة التجزئة في المحلات الصغيرة، ثم تطور الأمر تدريجيا إلى نشاط تجاري مهيكل باحتكار مواد بعينها في هذا البلد أو ذلك، مثل الكاكاو والبن في كوت ديفوار، والأخشاب في الغابون.
طوائف وإحصائياتوكان معظم المهاجرين اللبنانيين نحو أفريقيا في البداية من المارونيين قبل أن تتوافد أعداد كبيرة من المسلمين الشيعة القادمين من جنوب البلاد، وكان القاسم المشترك بين كثير منهم هو الفرار من الاضطهاد السياسي والديني ومن الظروف الاقتصادية المزرية.
وتشير إحصائيات لبنانية إلى أن 70% من المهاجرين اللبنانيين في أفريقيا من الشيعة الذين يتحدرون من جنوب لبنان، وأن أعدادهم زادت بشكل لافت في الفترة بين عامي 1975-1990 (سنوات الحرب الأهلية).
وتشير بعض المصادر المختصّة في توثيق الهجرة وإحصائياتها إلى أن أول قدوم إلى أفريقيا كان من لبنان إلى السنغال عام 1860.
ومع بداية القرن الـ20 أصبح العدد بالمئات، وارتفع بعد ذلك بشكل ملحوظ، حين أصبحت لبنان تحت انتداب فرنسا التي تستعمر دولة السنغال أيضا، وتشكّل موانئها محطة مهمة لرعايا باريس.
وتسارعت هجرة اللبنانيين إلى أفريقيا خلال حقبة الاستعمار الفرنسي لكوت ديفوار، والسنغال، وغينيا، ثم مرحلة الاستعمار البريطاني لنيجيريا، وغانا، وسيراليون، وغامبيا.
ومن العناصر التي تسبّبت في استمرار الهجرة اللبنانية لأفريقيا هو طابعها العائلي والطائفي في كثير من الأحيان، إذ كانت الروح التكافلية تقتضي أن تتضافر الجهود لمساعدة الأقارب عائليا أو مذهبيا على القدوم إلى تلك البلدان.
ولا توجد أرقام دقيقة عن عدد اللبنانيين في أفريقيا، لكن التقديرات تشير إلى أنهم ما بين 300 ألف و500 ألف نسمة، ويقيم أغلبهم في غرب ووسط أفريقيا في دول مثل كوت ديفوار (نحو 100 ألف نسمة)، والسنغال (نحو 30 ألف نسمة)، ويعتبرون من أكبر الجاليات في نيجيريا، ويقدر عددهم ما بين 30 إلى 100 ألف نسمة، وفي الغابون بأكثر من 15 ألف نسمة.
إعلانوينتشر باقي اللبنانيين بالآلاف في غانا، وغينيا، وليبيريا، وسيراليون، وبوركينا فاسو، ومالي، وبنين، وتوغو، وأنغولا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والكونغو برازافيل، ودول أخرى بالمنطقة.
فقراء أم أغنياء؟ويثير التاريخ الطويل لهجرة اللبنانيين إلى أفريقيا كثيرا من الأسئلة بشأن حقيقة أوضاعهم، وأدوارهم، والصور النمطية الرائجة عنهم، وتتصل تلك الأسئلة عموما بالفقر والثراء والنفوذ التجاري.
ولعل ما يغذي التساؤلات والتكهنات عن "نجاح" أو "ثراء" اللبنانيين هو ذلك التحول الكبير في صورة المهاجرين اللبنانيين من بائعين متجولين، أواخر القرن الـ19 وبداية القرن الـ20، إلى رجال أعمال وأثرياء يقودون مجموعات اقتصادية كبرى خلال العقود الأخيرة.
الصور السائدة عن نجاح اللبنانيين في أفريقيا الغربية دفعت بعالمة الأنثروبولوجيا مروة الشاب إلى كتابة أبحاث عن رجال الأعمال اللبنانيين في تلك المناطق.
وتسوق الباحثة اللبنانية تقديرات مفادها أن نحو 10% من أفراد تلك الجالية يمكن اعتبارهم ناجحين اقتصاديا أو أغنياء، وأن ما بين 70% و80% منهم يمكن اعتبارهم من الطبقة المتوسطة، والباقي يمكن تصنيفهم فقراء، قياسا بباقي اللبنانيين هناك.
ولا يزال بعض من هذه الفئة يمارسون تجارة التجزئة الصغيرة بالسنغال وغينيا، في ظروف تتسم أحيانا بالهشاشة ويعتمدون على مساعدات مالية واجتماعية عادة ما توفرها جمعيات أو هيئات تحت غطاء ديني من هذه الطائفة أو تلك.
وغالبا ما تتسم المكانة الاعتبارية بنوع من المفارقة، إذ ينظر إليهم أحيانا بأنهم يساهمون في تطوير البلدان التي يعيشون فيها ويلعبون أدوارا مهمة في تعزيز اقتصادها، لكن في بعض الدول يصنّفون بأنهم السبب في انتشار ممارسات اقتصادية سيئة من قبيل الاحتكار، والسوق السوداء، والاحتيال الضريبي والتهريب، وتهريب المخدرات، وتجارة الأسلحة، والألماس والمعادن النفيسة.
إعلانوترتبط الصور المتناقضة عن الجاليات اللبنانية في أفريقيا بالأحوال السياسية والاقتصادية في كل بلد على حدة، لكن رجال الأعمال غالبا يحظون بكثير من الإعجاب، خاصة في البلدان التي تشهد نوعا من الأمن والاستقرار.
وزن اقتصاديوتعتبر الجالية اللبنانية في كوت ديفوار هي الأكثر حضورا من حيث العدد، والوزن الاقتصادي وتشير إحصائية تعود لعام 2018 إلى أن مهاجرين لبنانيين يديرون أكثر من 3 آلاف شركة في قطاع العقارات والنقل والصناعة، والتوزيع، ويمثلون في المجموع نحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي.
ومن اللافت للانتباه أن نيجيريا أصبحت في السنوات العشر الأخيرة منصة اقتصادية جاذبة لرواد الأعمال اللبنانيين الذين يسعون إلى توسيع استثماراتهم وتنويعها.
ووفقا لبيانات غرفة التجارة الفرنسية اللبنانية عام 2018، فإن مساهمة رجال الأعمال اللبنانيين في ليبيريا تصل إلى نحو 50%، وفي غانا، تقدر بنحو 25%.
تأثير سياسيويعتبر نشاط اللبنانيين المكثف في قطاعات التجارة والخدمات والتصدير والاستيراد والأنشطة المالية والعقارية عنصرا مؤثرا في المجال الاقتصادي، وهو ما يمتد في بعض الأحيان إلى التأثير السياسي.
وخلافا للبنانيين في أميركا اللاتينية الذين انغمسوا في العمل السياسي، فإن نشاط الجالية في أفريقيا ظلّ محدودا في العلاقات مع بعض الوزراء، أو رؤساء الدول بما يعزز مصالحهم الفردية أو الجماعية.
وعلى الصعيد الاجتماعي، لم يندمج اللبنانيون بشكل كامل في المجتمعات الأفريقية التي يعيشون فيها، وذلك لأسباب ثقافية وأسريّة، وهو ما جعلهم يعيشون في بيئات وشبكات فنّية وترفيهية خاصة بهم.
لكن مع مرور الوقت بدأت بعض عوائق الاندماج تزول بين اللبنانيين والسكان الأصليين، عندما فتح الباب أمام اللبنانيين في بعض البلدان للحصول على الجنسية.
أمام هذا الوضع بدأت تظهر أجيال جديدة من اللبنانيين تشعر بأنها جزء من الأرض التي استقبلت أجدادهم أكثر من قرن، وفي الوقت نفسه يظل ارتباط اللبنانيين بوطنهم الأم عميقا جدا كما هي الحال في سلوك المهاجرين في أغلب بلدان العالم.
إعلان