كغزاوي ما إحساسك يوم السابع من أكتوبر؟!
تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT
سؤال كتبه أحد الفلسطينيين على صفحته على الفيس بوك: كغزاوي ما إحساسك يوم السابع من أكتوبر؟ وانبرى أشخاص من داخل وخارج فلسطين يكتبون الجواب، كل بما يشعر به، وما يعانيه، ومثل هذه الأسئلة تعتمد في الجواب عليها على عدة عوامل، لا بد من مراعاتها، حتى تعتمد هذه الأجوبة كتعبير عن جواب حقيقي، من أهمها: ألا يكون الجواب متأثرا بحالة مزاجية معينة، سواء من حيث الفرح أو الحزن، وبخاصة في ظل هذه المعاناة الكبيرة التي يعيشها أهل غزة.
فليس من المنطقي ولا الصواب أن تحصر الجواب في لحظة السابع من أكتوبر في ذكراه الأولى فقط، لأن الحالة المزاجية كما أسلفنا مرتبطة ومرتهنة بالحال البائس الذي تعيشه الأمة، فنفس السؤال حين يسأل في السابع من أكتوبر 2024م، غير لو سألناه قبل عام، ولو رجعت لمنشورات أهل غزة أنفسهم في نفس التاريخ قبل عام، ستجد إجابات مختلفة تماما.
لذا ليس من الإنصاف ولا الدقة، أن تقف عند وضع معين، فرحا أو حزنا، كي تضع تقييما لحادث أو حرب، فلو أن شخصا جمع كلمات أهل غزة يوم السابع من أكتوبر سنة 2023، وحديث الناس عن سهولة سوق الأسرى الإسرائيليين، وكيف تم اختراق مستعمرات غلاف غزة بسهولة، والحالة الفكاهية التي عاشتها الأمة العربية كلها في هذا اليوم، والطموح الذي ذهب بالكثيرين أنها فرصة سوف تنتهي لا محالة بتبييض السجون الإسرائيلية من جميع الأسرى الفلسطينيين.
أرجع لكل المنتقدين الآن لهذا الإجراء وهذه الخطوة، ليس دفاعا عنها أو هجوما عليها، بل إنصافا للحقيقة التي تغيب في كثير من مواقفنا، وتحكمنا العواطف مع أو ضد، لو رجعت لجل من يرتدون الآن لباس الحكمة بأثر رجعي، ستجد كلاما عكس ما يقولون الآن، لأن هناك حالة من النشوة غمرت الجميع آنذاك، فلأول مرة يكسر أنف المتغطرسين من الكيان بهذا الشكل، ولو قال يومها أحد: تمهلموا فإن الكيان لن يمرر الموقف بسهولة، لردوا عليه: نعرف، لكن دعنا نفرح قليلا، لا تقتل الفرحة في نفوسنا.
لست مع الذهاب للتشكيك في أصحاب هذه المنشورات، كمنشور: كغزاوي ما إحساسك يوم السابع من أكتوبر، وإن بدا أن هناك من ركب التريند، ووظفه، لتكون فرصة لصنع مسار خبيث في المجال العام ينتقد فيه المقاومة وأهلها، وهو ملحظ عام رأيناه في كثير من الإعلام المصري السيساوي، والإعلام الخليجي المدعوم من الإمارات والسعودية، بل رأينا فنانين مصريين ومشاهير دخلوا على الخط، فيسألهم الإعلامي عن شعوره في ذكرى السادس من أكتوبر، فيتكلم بالذكرى عنه، ثم يعرج بالحديث المسيء للسابع من أكتوبر، رغم أن كل موضوع مختلف عن الآخر تماما، ولم يسأل عنه الضيف بالأساس!!
لم يكن السؤال عن شعور الغزاوي وإحساسه يوم السابع من أكتوبر غريبا في أصله، فهو مشروع، ومن أصحاب نوايا حسنة، لكن التوظيف السيء من البعض، وحرف السؤال عن مجراه الطبيعي، هو المستنكر، لأنه جاء في ظل حملة ممنهجة وذات ضجيج ضد طوفان الأقصى. كما أنه ليس من المنطقي أن تسأل الناس في حالة حرب، وقد دمر العدو بيوتهم، ولم يخل بيت من شهداء، فتذهب في هذه الحالة من المأساة لتسأل الناس، وهو ما يدركه الكثيرون منهم، حيث عبر بعضهم عن تراجعه عما كتبه لحظة نزوحه إلى رفح، عندما التقط أفيخاي أدرعي الفيديو الذي أصدره، ووظفه لصالح روايتهم الصهيونية، قام نفس الشخص، بالتراجع عما قال، معتبرا أنها لحظة تنفيس عن حالة من الغضب، ولا يقبل من ألسنة وأذرع الكيان توظيفه لصالح روايتهم ورؤيتهم.
وهي حالة بلا شك طبيعية، وواردة جدا، فالناس بطبيعتها تميل للاستقرار، لكن في حالات الاحتلال لا استقرار في ظله، كما أن كمية الفقد ليست قليلة، وهي حالة تخرج أي إنسان عن صمته، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى"، وذلك عندما رأى امرأة تبكي عند قبر ابنها، فلما قال لها: اصبري يا أمة الله، لم تكن تعرفه، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي!
وارتفاع الأصوات المنادية الآن، بمراجعة يوم السابع من أكتوبر، وما جاء بعده، كلام ليس منكورا، لكنه ليس وقته، وهو سلوك مارسه الصحابة والمسلمون، فقد نزل القرآن الكريم يتحدث عن غزوة أحد قائلا: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا؟ قل: هو من عند أنفسكم)، فقد بادر المسلمون بالسؤال: كيف هزمنا؟ لكن المراجعة والحساب كانت بعد المعركة، وليست أثناءها، وكانت من باب نقد الذات، لا جلد الذات.
وكانت من أصوات مخلصة، ترجو النجاة، وعدم تكرار الهزيمة، وهو ما يبدر من أصوات مخلصة فعلا، لكن هناك بلا شك أصوات أخرى متصهينة، باتت تدندن على هذه النغمة بشكل نشاز ملحوظ، سواء كانت أصوات سياسية أم دينية، فقد قام حزب النور المصري بعقد ندوة الأربعاء التاسع من أكتوبر، بحجة نقاش حالة المنطقة العربية بين المشروع الصهيوني والمشروع الشيعي، والمقصود هنا المقاومة ولو كانت منتمية للشيعة، فحزب النور صامت منذ طوفان الأقصى، فلو كان مهموما خائفا من المشروع الصهيوني فقد مر على الحرب عام كامل، لم يقم الحزب بعقد هذا المؤتمر، فلماذا عندما دخلت المقاومة الشيعية على الخط، قام بعقد المؤتمر؟ من بعث هذه الجثث الهامدة من مرقدها؟ إنها الأجهزة التي تخطط وترسم، وعلى أفرادها التنفيذ.
لذا لم يكن السؤال عن شعور الغزاوي وإحساسه يوم السابع من أكتوبر غريبا في أصله، فهو مشروع، ومن أصحاب نوايا حسنة، لكن التوظيف السيء من البعض، وحرف السؤال عن مجراه الطبيعي، هو المستنكر، لأنه جاء في ظل حملة ممنهجة وذات ضجيج ضد طوفان الأقصى.
[email protected]
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينيين غزة الاحتلال طوفان احتلال فلسطين غزة مواقف طوفان مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة تكنولوجيا رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة یوم السابع من أکتوبر السؤال عن لیس من
إقرأ أيضاً:
أمة الأرق.. دراسة: كيف أثر طوفان الأقصى على نوم الإسرائليين؟
نشرت صحيفة “جيروزالم بوست”٬ عن دراسة إسرائيلية جديدة شملت أكثر من مئتي حلم في أثناء النوم جرى توثيقها منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، أن الإسرائيليين ما زالوا يعيشون صدمة ذلك اليوم والحرب التي تلته حتى أثناء النوم، حيث تزدحم أحلامهم بصور الموت والشعور بالذنب والوحدة ومعاناة إعادة البناء.
ونشرت الدراسة في مجلة "البحوث التطبيقية في جودة الحياة" تحت عنوان "عندما تعجز اللغة، تتحدث الأحلام: البحث عن المعنى في أعقاب الصدمة الجماعية"، وشاركت في إعدادها الدكتورة بينيت روسو–نتزر من كلية أشفا الأكاديمية، والدكتورة هيليت إيريل–برودسكي، والبروفيسورة أوريت تاوبمان–بن–آري من جامعة بار إيلان.
واعتمد الباحثون منهجا نوعيا وظاهراتيا لتحليل 203 روايات أحلام جُمعت مباشرة بعد هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر والحرب الإسرائيلية التي تلته، بهدف تفكيك الطريقة التي يحاول بها الإسرائيليون فهم الصدمة الوطنية عبر أحلامهم.
وتصف الدراسة الأحلام بأنها "ساحة وجودية" يحاول فيها الأفراد التعامل مع ما تهدم داخلهم من افتراضات تتعلق بالأمان والأخلاق والانتماء، بعد صدمة جماعية هزت المجتمع الإسرائيلي بأكمله في لحظة واحدة.
وتظهر التحليلات أن كثيرا من الأحلام تتمحور حول التوتر بين الحياة والموت، إذ تحتوي بعض الأحلام على صور واضحة للتهديد والفقدان والضعف، تعكس أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر ومشاهد الحرب، فيما تحمل أحلام أخرى رموزا للبقاء والاستمرارية والتشبث بالحياة رغم كل شيء.
وتبرز كذلك في الأحلام مشاعر قوية من الذنب والمسؤولية؛ فبعض الحالمين يتصارعون مع أسئلة عما كان يمكنهم فعله أو ما كان ينبغي عليهم فعله في ذلك اليوم، بينما يواجه آخرون قضايا أخلاقية أوسع أثارتها الحرب والدمار. ويصف مؤلفو الدراسة وجود معركة نفسية مستمرة داخل تلك الأحلام تتعلق باستعادة الإحساس بالفعل والقدرة والسيطرة، في عالم أصبح فجأة غير آمن وغير قابل للتوقع.
وتشير روايات كثيرة إلى شعور عميق بالعزلة والوحدة، وهو ما يعكس أثر الصدمة العاطفية والاجتماعية التي أعقبت الهجمات، فيما تكشف روايات أخرى عن شوق شديد للارتباط والاعتراف والانتماء، وكأن أصحابها يبحثون عمن يرى آلامهم ويقف إلى جانبهم وسط عدم اليقين.
كما تكشف الدراسة تدرجا واضحا في بنية الأحلام بين الفوضى وإعادة بناء السردية، إذ تأتي بعض الأحلام مجزأة ومليئة بصور مبعثرة متصلة بالأخبار أو ساحات القتال أو مشاهد العنف، بينما تبدأ تلك الشظايا في أحلام أخرى بالترابط تدريجيا لتشكل قصة يمكن سردها، حتى وإن ظلت هشة وغير مكتملة، في محاولة لإعادة بناء عالم داخلي تفتت بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
وتؤكد الدراسة أن الأحلام ليست نشاطا عشوائيا، بل مساحة رمزية تتوسط بين التجربة الفردية والسرديات الوطنية والثقافية، بما في ذلك التصورات الإسرائيلية واليهودية حول الهوية والمجتمع والإيمان والتضحية. وبالنظر عن قرب إلى هذه الأحلام، يمكن تتبع كيف يحاول الإسرائيليون إصلاح إحساسهم بالذات والغاية بعد كارثة وطنية هزت دعامات الحياة اليومية.
ومن منظور سريري، يدعو الباحثون المعالجين النفسيين الذين يعملون مع المتضررين من أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر والحرب إلى التعامل مع الأحلام بوصفها جزءا مركزيا من العلاج، إذ قد تظهر فيها للمرة الأولى أشكال من الضيق العميق مثل الأذى الأخلاقي، وانهيار النظرة إلى العالم، والأسئلة الوجودية المتعلقة بالحياة والموت، خصوصا حين تعجز اللغة في الحياة اليومية عن التعبير عنها.
ويرى الباحثون أن استكشاف محتوى الأحلام يمكن أن يساعد على تحقيق ما يصفونه بـ"الإصلاح الوجودي"، وهو عملية تدريجية تهدف إلى استعادة المعنى والاستقرار الداخلي.
وتأتي هذه الدراسة في ظل ما يصفه باحثون آخرون بأنه أزمة غير مسبوقة في الصحة النفسية في الاحتلال الإسرائيلي منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث تشير البيانات إلى ارتفاع حاد في اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق بين السكان، مع قلق متزايد بشأن الآثار طويلة الأمد على الجنود والناجين والنازحين وأسر الضحايا.
وفي هذا الإطار، تشير الورقة البحثية إلى أن الليل أصبح ساحة أخرى للصراع والشفاء المحتمل، إذ لم يعد النوم بالنسبة لكثير من الإسرائيليين ملاذا من قسوة الواقع، بل مسرحا يعاد فيه ما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر وما تلاه، وتطرح أسئلة مؤلمة حولها، وتنسج ببطء في محاولة—وإن كانت غير مكتملة—لبناء تصور جديد عن الذات والحياة.
ويخلص الباحثون إلى أن تفحص الأحلام بدقة قد يفتح أمام الأطباء والمرضى طريقا مختلفا إلى الجروح الأخلاقية والوجودية التي خلفتها الهجمات، ويساهم في العمل الطويل وغير المكتمل لإعادة بناء المعنى في ظل صدمة لم تزل آثارها حاضرة في اليقظة كما في الأحلام.