أصدر مركز ديلاس لدراسات السلام في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 تقريرًا تحت عنوان: "البنك المسلح ومسؤوليته المشتركة في الإبادة الجماعية في غزة: تمويل الشركات التي تصنع الأسلحة المستخدمة في المجازر ضد السكان الفلسطينيين"، وهو مركز إسباني يركّز في تقريره على دور البنوك في تمويل شركات تصنيع الأسلحة التي تُستخدم في العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.

أعد التقرير فريق من الباحثين ويستند إلى بيانات من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) ومصادر أخرى. ويحلل التقرير 3,606 معاملات مالية تتعلق بشركات تصنيع الأسلحة والبنوك الممولة لها. ويحدد 12 مؤسسة مالية إسبانية، بما في ذلك سانتاندير وBBVA، كممولين رئيسيين لهذه الشركات المصنعة للأسلحة.

وقال معدو التقرير إنهم حصلوا على البيانات المالية من خلال التعاون مع جهات مختصة بجمع وتحليل البيانات المالية مثل شركة Profundo، واستخدام قواعد بيانات مالية مثل Bloomberg وRefinitiv Eikon. وقد تم تحديث البيانات في أغسطس/ آب 2023، ويونيو/ حزيران 2024.

يسلط هذا التقرير الضوء على العلاقة غير الأخلاقية بين البنوك وشركات الأسلحة، مشددًا على مسؤولية المؤسسات المالية في الجرائم المنهجية ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، والتي يصنّفها الخبراء ومحكمة العدل الدولية كإبادة جماعية.

كما يتضمن التقرير محاور توثق صادرات الأسلحة لإسرائيل خلال العقد الماضي. وهو يستعرض دور المؤسسات المالية، لا سيما البنوك الإسبانية وبعض البنوك الدولية، في تمويل شركات تصنيع الأسلحة وتأثير ذلك على غزة لجهة الخسائر البشرية والمادية المرعبة هناك. ويبحث في الآثار القانونية والأخلاقية لهذه السياسات المالية، وحثّ البنوك على وقف العمليات المرتبطة بجرائم الحرب وجرائم الإبادة.

تم إعداد هذا التقرير في إطار مشروع: "من الأعمال المصرفية المسلحة إلى الأعمال المصرفية الأخلاقية.. نزع السلاح يبدأ هنا (المرحلة الثانية)"، بتمويل من مجلس مدينة برشلونة.

يتضمن التقرير المؤلف من 54 صفحة جداول تفصيلية توضح مدى تورط العديد من الدول والبنوك الدولية في تسليح إسرائيل وتمويل عملياتها العسكرية التي أثرت على المدنيين في غزة ولبنان.

فعلى سبيل المثال، يعرض أحد الجداول صادرات الأسلحة إلى إسرائيل خلال السنوات العشر الماضية (2014-2023)، بشكل يكشف حجمها ونوعياتها ومقدار التورط الدولي في هذا السياق. وهناك جدول ثانٍ يسرد أمثلة على استخدام تلك الأسلحة في الهجمات الإسرائيلية على غزة، ويحدد الشركات المصنعة لها، والبنوك التي قامت بتمويل هذه الشركات، مما يظهر الدور الحيوي الذي تلعبه هذه المؤسسات في دعم النزاعات المسلحة. وجدول آخر يُصنف أعلى 100 بنك دولي تورطت في المشاركة في تمويل تسليح هذا النزاع، مما يساعد في فهم الأبعاد المالية المتشابكة التي تساهم في زيادة جرائم الإبادة في غزة.

مفهوم "بنك التسليح"

يقدم التقرير نظرة شاملة حول مفهوم "البنك المسلح"، وهو مصطلح يُستخدم لوصف المؤسسات المالية والبنوك التي تمول الشركات المصنّعة للأسلحة المستخدمة في النزاعات المسلحة. ويستعرض التقرير تاريخ هذا التمويل منذ عام 2008، موضحًا كيف أن البنوك ليست مجرد وسطاء ماليين، بل تشارك بشكل غير مباشر في تأجيج الحروب من خلال دعم الصناعات العسكرية.

يشير التقرير إلى أن هذا النوع من التمويل، على الرغم من قانونيته في معظم الدول، يواجه انتقادات متزايدة من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية الدولية؛ بسبب دوره في استمرار النزاعات العنيفة.

تسليح إسرائيل ودور الدول الكبرى

بحسب التقرير، تُعتبر الولايات المتحدة المزود الرئيسي للأسلحة لإسرائيل، حيث تشمل صادراتها طائرات "إف -16″ و"إف -35" وصواريخ دقيقة مثل "جي بي يو- 39″، التي تُستخدم في الهجمات الجوية على المناطق السكنية في غزة. تلعب دول أخرى مثل ألمانيا، وإيطاليا أيضًا دورًا مهمًا في تزويد إسرائيل بمركبات مدرعة وأنظمة دفاعية وطائرات حربية، مما يساهم في ارتفاع عدد الضحايا المدنيين؛ نتيجة استخدام هذه الأسلحة في الهجمات على المناطق المدنية.

تأثير الأسلحة الممولة على سكان غزة

يتناول التقرير تأثير الأسلحة المصدرة على المدنيين في غزة، مشيرًا إلى استخدامها في الهجمات الجوية التي تستهدف المدارس والمستشفيات والمناطق السكنية. يُقدم التقرير أمثلة تفصيلية على استخدام الطائرات الحربية من طراز "إف -35" وصواريخ "جي بي يو- 39″، التي تُصيب المدنيين في الغالب رغم الادعاء باستهداف أهداف عسكرية.

من أبرز الأمثلة الموثقة الهجوم على حي الشجاعية في غزة، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 70 مدنيًا، وتدمير عشرات المنازل. كما يُشير التقرير إلى أن الهجمات الجوية ليست الوسيلة الوحيدة لاستخدام الأسلحة الممولة من البنوك، حيث يتم أيضًا استخدام مدافع M109 Howitzer الممولة من بنك سانتاندير في تدمير البنية التحتية الحيوية.

يركز التقرير في أحد أقسامه على التمويل المقدم من البنوك الدولية لشركات تصنيع الأسلحة المستخدمة في الحرب الإسرائيلية على غزة. يُظهر التقرير تورط بنكي BBVA وسانتاندير الإسبانيين في تمويل شركات مثل بوينغ ورايثيون ورينيه ميتال، التي تنتج الطائرات الحربية والمدافع الثقيلة المستخدمة في الهجمات على غزة.

كما يشير إلى أن بنك BBVA قدّم تمويلًا يزيد عن 1.3 مليار دولار لشركة بوينغ، بينما قدم بنك سانتاندير تمويلًا بقيمة 933 مليون دولار للشركة ذاتها، مما ساهم في تطوير طائرات "إف -15″ و"إف -35" التي استخدمت في العمليات العسكرية الإسرائيلية.

يوثق التقرير صادرات الأسلحة الرئيسية إلى إسرائيل خلال العقد الماضي، باستخدام بيانات من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) ومصادر أخرى. ويحدد 15 شركة رئيسية لتصنيع الأسلحة تزود إسرائيل، بما في ذلك بوينغ، جنرال دايناميكس، ولوكهيد مارتن.

ومولت بنوك إسبانية أخرى مثل كايكسا وسانتاندير شركات تصدر قنابل "جي بي يو" المستخدمة من قبل الجيش الإسرائيلي، مما أدى إلى خسائر كبيرة في صفوف المدنيين.

أدت عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، بما في ذلك استخدام هذه الأسلحة، إلى تدمير واسع النطاق وخسائر في صفوف المدنيين. تشير التقارير إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أطلق حوالي 70,000 طن من المتفجرات، مما تسبب في استشهاد وجرح أكثر من 150,000 فلسطيني، فضلًا عن أضرار واسعة النطاق للبنية التحتية، بما في ذلك الجامعات والمستشفيات والأراضي الزراعية. كذلك أدت عمليات الاحتلال العسكرية إلى نزوح 90% من سكان غزة مرة واحدة على الأقل.

دوافع البنوك لعقد هذه الصفقات القاتلة

ولكن ما الذي يدفع هذه البنوك لعقد مثل هذه الصفقات القاتلة؟

رفعت حكومة جنوب أفريقيا دعوى قضائية ضد إسرائيل لدى محكمة العدل الدولية في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2023، تتهمها فيها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة، ثم انضمت دول أخرى لاحقًا، والقضية قبلت من حيث الشكل وهي لا تزال منظورة لدى قضاة المحكمة.

كما أن الكثير من التقارير الصادرة عن منظمات أممية أو دولية وثقت جرائم الحرب وجرائم الإبادة، فضلًا عن طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية إذنًا من قضاة الغرفة التمهيدية بإلقاء القبض على قادة إسرائيليين من بينهم نتنياهو يتهمهم فيها بارتكاب جرائم حرب، ما يعني أن هناك جرائم مروعة ارتكبت ولا تزال. ومع ذلك، لم تأخذ البنوك هذه المعطيات بجدية، بل أبرمت صفقات مالية.

تسعى البنوك لتسهيل العمليات المالية لشركات تصنيع الأسلحة، والتي قد تساهم في جرائم حرب وجرائم إبادة مؤكدة، لعدة دوافع منها تحقيق الربح المالي في المقام الأول، حيث تحقق هذه المؤسسات أرباحًا ضخمة عبر تقديم قروض وشراء الأسهم في شركات الأسلحة، ما يعزز عوائدها المالية. كذلك، ناتجة عن شبكة العلاقات التجارية والاستثمارية التي تسهم في تعزيز مكانة البنوك في الأسواق وتوسيع فرصها الاستثمارية.

كما أن نقص الشفافية وغياب المساءلة القانونية يوفران بيئة تسمح للبنوك بمواصلة تمويل هذه الشركات دون مواجهة تداعيات قانونية أو أخلاقية تُذكر.

وفوق كل ذلك، فإن التعاون العسكري والإستراتيجي بين إسرائيل وكثير من الدول الغربية، مثلما هو الحال بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يسهم في تعزيز دور البنوك في تمويل شركات الأسلحة هذه.

توصيات التقرير

يقترح التقرير مجموعة من التوصيات للحد من تأثير التمويل المصرفي في دعم حرب الإبادة في غزة، تتضمن فرض حظر على تمويل الشركات المصنعة للأسلحة المستخدمة، كما يدعو إلى فتح تحقيقات دولية لفرض عقوبات على البنوك المتورطة في تمويل هذه الشركات، بما في ذلك فرض غرامات مالية وقيود على أنشطتها. علاوة على ذلك، يُشجع التقرير المؤسسات المالية على تبني سياسات استثمارية أخلاقية تركز على تمويل الصناعات المستدامة التي تسهم في التنمية البشرية والسلام.

ومع ذلك، تواجه توصيات هذا التقرير عدة تحديات مرتبطة بالجشع المالي والمصالح السياسية للدول على حساب القيم والأخلاق وحقوق الإنسان. إذ يتطلب تطبيق هذه السياسات إرادة سياسية قوية وتعاونًا دوليًا، وقد يُواجه بمقاومة من قبل البنوك التي تعتقد أن هذه الإجراءات قد تُؤثر سلبًا على أرباحها.

كما أن تحقيق الشفافية المطلوبة في الأنشطة المالية يُعدّ تحديًا كبيرًا، خاصة في ظل وجود فجوات قانونية تتيح استمرارية تمويل الصناعات العسكرية دون رقابة كافية.

بالتالي، فإن التوعية الجماهيرية والتحشيد الإعلامي – سواء كان الرقمي أم العادي حول كيفية استخدام أموالهم في دعم الأنشطة العسكرية – قد يساهمان في تعديل سلوك هذه البنوك.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المؤسسات المالیة فی تمویل شرکات المستخدمة فی هذه الشرکات فی الهجمات بما فی ذلک تمویل ا على غزة التی ت فی غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

بصفقة عسكرية ضخمة.. هل تسعى أمريكا لإبعاد مصر عن التسليح الصيني؟

أقرت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صفقة تسليح ضخمة لمصر بقيمة 4.67 مليار دولار، تشمل بعض التقنيات الدفاعية غير المسموح بها للجيش المصري طوال عقود، ودون اعتراض إسرائيلي، ما اعتبره مراقبون تحولا في السياسة العسكرية الأمريكية تجاه حليفتها العربية في الشرق الأوسط.

وتشمل الصفقة تزويد الجيش المصري بمنظومة الدفاع الجوي الأرضي المتطورة "ناسامز" (NASAMS)، وصواريخ "AIM-120" التي تسعى القاهرة للحصول عليها منذ سنوات وسط رفض أمريكي، ما يجعلها أول صفقة دفاع جوي كبيرة منذ استلام القاهرة أنظمة "AN/TWQ-1 Avenger" قصيرة المدى بقيمة 50 مليون دولار، عام 2008.

ما نوعية الصفقة وأهميتها لسلاح الجو المصري؟

وكالة "التعاون الأمني الدفاعي الأمريكية"، أشارت الخميس الماضي، إلى إخطار الكونجرس بالصفقة التي تقوم عليها شركة "RTX" الأمريكية (رايثيون سابقا) ومقرها أندوفر، ماساتشوستس، ويتطلب تنفيذها سفر 26 ممثلا للحكومة الأمريكية و34 ممثلا للشركة إلى مصر لفترة طويلة لتفريغ المعدات وإدخالها إلى الميدان، وفحص النظام، والتدريب، والدعم الفني واللوجستي.

الوكالة التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، بينت أن الصفقة تشمل: 4 وحدات رادار AN/MPQ-64F1 Sentinel، و100 صاروخ جو-جو متوسط المدى (AMRAAM)، و100 صاروخ اعتراض جوي (AIM) 120C-8 AMRAAM، ووحدات توجيه وقطع غيار، و600 صاروخ تكتيكي، و150 صاروخ تدريب جوي أسير، و82 وحدة توجيه تكتيكية، وأنظمة عقد الاتصالات، وأجهزة استقبال نظام تحديد المواقع العالمي المتقدم (DAGRs)، بخلاف معدات قيادة وتحكم، ومراكز توزيع نيران، وصيانة، وخدمات دعم فني ولوجستي.

وأشارت الصحافة العالمية إلى أهمية تلك الصفقة لمصر، من بينها تقرير لـ"فوربس"، تحدث عن سعي مصري سابق مدة عقود للحصول على صواريخ "AIM-120" لطائراتها المقاتلة من طراز F-16، ملمحا إلى أن نقص تلك الصواريخ أدى إلى الحد بشكل كبير من قدرة الدفاع الجوي لتلك الطائرات، ولهذا السبب سعت مصر للحصول على طائرات مقاتلة من فرنسا وروسيا.

ونظام (NASAMS)، الدفاعي متوسط المدى قادر على التصدي للطائرات الثابتة والمروحية، والطائرات بدون طيار، وصواريخ كروز، فيما يبلغ مدى صواريخ ""AIM-120 AMRAAM، نحو 25 كيلومترا، وفق موقع "الدفاع العربي".

صفقة نظام "NASAMS"، تعزز الدفاع الجوي المصري، خاصة وأنها تنضم إلى أنظمة "IRIS-T SL"، و"IRIS-T SLEX"، التي حصلت عليها مصر من ألمانيا لأول مرة قبل نحو عام، ما يعزز قدرة مصر على اكتشاف واعتراض مختلف التهديدات الجوية قصيرة ومتوسطة المدى.

ماذا عن إسرائيل؟
مع أهمية الصفقة ونوعها، فإن بيان الوكالة الأمريكية، أكد أن إمداد مصر بمنظومة "NASAMS" وصواريخ "AIM-120" التي تعزز قدراتها الدفاعية في مواجهة التهديدات الجوية الحالية والمستقبلية، لن يغير التوازن العسكري الأساسي في المنطقة، ملمحا إلى استمرار تفوق الدفاعات العسكرية الإسرائيلية على المصرية.

في عهد حسني مبارك باعت واشنطن، للقاهرة صواريخ "MIM-23 Hawks" متوسطة المدى مُطورة ومستعملة، وصواريخ "M48 Chaparrals" قصيرة المدى، وجميعها صفقات تضمنت أنظمة قصيرة ومتوسطة المدى، ولم تتضمن أي أنظمة استراتيجية وطويلة المدى.

وتشير التقارير إلى رفض إسرائيل تمرير واشنطن الكثير من الصفقات إلى مصر للحفاظ على تفوقها النوعي، وبينها ما أثير عام 1999، عن منع وصول نظام صواريخ "باتريوت" PAC-3))، المزود بتقنية "الضرب القاتل" ضد الصواريخ الباليستية إلى مصر.


وقد منعت "تل أبيب" تزويد جيش مصر بطائرات مقاتلة من طراز "F-15"، عام 2001، الأمر الذي يتكرر منذ إعلان القاهرة عام 2019، التعاقد على شراء صفقة الطائرات الروسية "سوخوي سو-35"، التي تعطلت إثر تلويح أمريكي بعقوبات على مصر عبر (قانون CAATSA).

في مقابل إصرار واشنطن وتل أبيب الحفاظ على التفوق النوعي لإسرائيل، لجأت القاهرة إلى شراء طائرات "داسو رافال" الفرنسية، وطائرات "ميج-29M/M2"، الروسية، بجانب 3 أنظمة دفاع جوي روسية من طراز "S-300VM"، عام 2015.

الأمر الذي يثير التساؤلات حول أسباب قبول واشنطن وعدم اعتراض تل أبيب على الصفقة الجديدة، رغم قدراتها الدفاعية وما يصاحبها من منظومات متطورة في الاتصالات، وأجهزة (DAGRs).

إبعاده الجيش المصري عن التسليح الصيني والروسي
في السياق، تأتي الصفقة في ظل مخاوف إسرائيلية وأمريكية من توجه مصري للحصول على تكنولوجيا دفاعية متطورة من الصين، وهي المخاوف التي تصاعدت مع إجراء أول مناورات مصرية صينية مشتركة على الأراضي المصرية 19 نيسان/ أبريل الماضي، بمشاركة طائرات مقاتلة متعددة المهام.

ما تبعه وفي 24 حزيران/ يونيو الماضي، تأكيد موقع "بلجاريان ميليتري" العسكري البلغاري تحرك مصر للحصول على الطائرة الصينية (J-35)، في صفقة "قد تُغيّر موازين القوى بالشرق الأوسط، وتُثير قلق أمريكا"، و"تعزز سلاح الجو المصري ونفوذ القاهرة الجيوسياسي".

وأفادت تقارير بحصول سلاح الجو المصري على منظومة الدفاع الجوي بعيدة المدى الصينية "HQ-9B"، التي تمنح مصر نظام دفاع جوي من بين أكثر الأنظمة الاستراتيجية غير الغربية تقدما.



"الأزمة المالية"
ورغم ما يثار حول أهمية الصفقة للجيش المصري، وما يعتبره البعض توقيتا لافتا وسط مخاوف من تعرض البلاد إلى اعتداء إسرائيلي وتحريض على القاهرة من خبراء وقادة عسكريين إسرائيليين في ظل توتر أجواء إقليم الشرق الأوسط، إلا أن الصفة تأتي في ظل تأزم اقتصاد مصر، وتراجع دخل قناة السويس، والسياحة، وتفاقم أزمة الديون، وغيرها.

وقبل أيام، كشف تقرير للبنك الدولي عن وضع كارثي، معلنا أنه على مصر أن تسدد 20.3 مليار دولار خلال النصف الثاني من 2025، لتنظم إلى فاتورة توجب دفعها خلال النصف الأول من العام بقيمة 11.1 مليار دولار من الديون الخارجية.

"عقبات سياسية وتقنية"
وفي حديثه لـ"عربي21"، تحدث الباحث المصري والمتخصص في تحليل البيانات حسام عبد الكريم، عن عقبات سياسية وتقنية تواجه الصفقة، منوها في البداية إلى بعض الملاحظات حول الصفقة وأهدافها.

وبين أنه "لم تكن الصفقة مرفوضة من واشنطن قبل تاريخ الموافقة عليها، حيث يوجد خلط لدى البعض، ناجم عن تطابق نوعية الصواريخ (جو-جو) المدمجة في المنظومة من طراز (AIM 120 AMRAAM) مع الصواريخ من نفس الطراز التي لطالما رفضت أمريكا تزويد الطائرات المصرية من طراز إف-16 بها، كبديل للصواريخ القديمة محدودة المدى من طراز (AIM-7 Sparrow)، حيث كان الرفض دائما بذريعة واضحة، ألا وهي الحفاظ على التفوق الإسرائيلي الجوي".


وأوضح أن "هذه النسخة من الصواريخ مصممة للدمج على منصات أرضية، ومن غير الممكن أن تقوم مصر بدمجها على منصات جوية (الطائرات المصرية) من تلقاء نفسها، وذلك لسببين: الأول سياسي، حيث يستلزم ذلك موافقة أمريكية رسمية وإلا تعرضت مصر لعقوبات قاسية قد تشمل وقف الدعم الفني للطائرات المصرية ووقف تزويدها بقطع الغيار اللازمة".

"والثاني تقني، حيث يعتبر من المستحيل القيام بذلك بدون دعم فني وتقني أمريكي كامل، حيث يحتاج ذلك إلى تفعيل التكامل مع رادار ونظام إدارة النيران للطائرات المصرية، وبرمجة وتحديثات أنظمة التشغيل، بالإضافة إلى مدها بمفاتيح التشفير والتصديق الرقمي والتي من غير الممكن تفعيلها إلا بواسطة الشركة المصنعة".

ويعتبر الباحث المصري أن "دمج تلك المنظومة الجديدة إضافة لمنظومة الدفاع الجوي متوسطة المدى، وتشمل 200 صاروخ اعتراضي يبلغ مداهم ما بين 40-70 كم، و600 صاروخ اعتراضي يبلغ مداهم ما بين 20-30 كم تقريبا، مع العلم أن هذه المديات فعالة في حال تم دمجها في منصات جوية، وتقل في حال تم تدمجها في منصات أرضية".

وأكد أن "المنظومة تعتبر فعالة بشكل أكبر مع الطائرات المسيرة والمروحيات والصواريخ الجوالة من طراز كروز، ولكنها محدودة القدرات في مواجهة المقاتلات من طراز إف-15، حيث تعتبر فعالة ضدها فقط داخل نطاق 70 كم، وضعيفة القدرات في مواجهة الطائرات الشبحية من طراز إف-35".

"لا تخدم سلاح الجو المصري"
ولفت إلى أنه من قراءة بيان الصفقة الصادر عن "البنتاغون"، يمكننا الزعم بأن "المنظومة لا تخدم سلاح الجو المصري في مواجهة العدو الإسرائيلي، وإنما تخدم مصر في مواجهة الهجمات الميليشياوية على غرار هجمات الحوثيين والجماعات دون الدولة، التي تعتمد في هجماتها على المسيرات والصواريخ الجوالة، كما أن المنظومة ومديات صواريخها الاعتراضية تشير إلى أنها ستستخدم بهدف حماية أهداف استراتيجية داخل الدولة وليست لمواجهات عسكرية جبهوية مع عدو تقليدي".

وعليه يرى الباحث المصري إلى أن "الصفقة لا تمثل حدثا استثنائيا، ولا تمثل نقلة نوعية للجيش المصري في سياق استعداده للتصدي لأي هجوم محتمل من العدو الإسرائيلي على الجبهة الشرقية، وإنما تخدم الأهداف الأمنية الأمريكية في المنطقة لا أكثر، وتحبط أي محاولات مصرية لامتلاك منظومات روسية أو صينية مكافئة، لربما تحدث خللا في ميزان القوى والردع في المنطقة".

أهم صفقات سلاح الجو المصري

في السنوات الأخيرة، عقدت القوات الجوية المصرية صفقات أسلحة ضخمة متنوعة من مصادر متنوعة وبقيم مالية كبيرة، نرصد أهمها:

عام 2015، وقعت مصر عقدا لشراء 24 طائرة مقاتلة من طراز "رافال" (16 رافال EM ذات مقعد واحد و 8 رافال DM ذات مقعدين) بـ5 مليارات يورو، تم تسليم الدفعات الأولى في 2015 و2016.

وفي 2021، وقعت مصر عقدا إضافيا لشراء 30 طائرة رافال أخرى بقيمة 3.75 مليار يورو، ما جعلها أكبر مشتري للرافال بإجمالي 54 طائرة مزودة بصواريخ "SCALP-EG" و"AM39 Exocet" المضادة للسفن.

وبالتوازي مع شراء الرافال من فرنسا، توجهت مصر في 2015، لشراء 46 مقاتلة من طراز "ميج-29 إم/إم2" (MiG-35)، بـ2 مليار دولار ، لتقرر القاهرة بنفس العام شراء 46 مروحية هجومية من طراز "كا-52" (التمساح)، الروسية.

ومن السلاح الجوي الأمريكي، استلمت مصر عامي 2014 و2015، دفعات من طائرات F-16" " ليضم سلاح الجو المصري 220 طائرة منها بمختلف الطرازات، لتوافق واشنطن في 2022، على بيع 12 مروحية نقل ثقيلة من طراز "CH-47F Chinook" لمصر بـ2.6 مليار دولار.


وفي أيلول/ سبتمبر 2024، طلبت مصر شراء طائرتي نقل من طراز "C-130J-30 Super Hercules"، لتعلن واشنطن في كانون الأول/ ديسمبر 2024، قبولها بيع صواريخ "هيلفاير" ومقذوفات موجهة عيار 70 مم بـ700 مليون دولار، لمروحيات الأباتشي المصرية.

آخر الصفقات الأمريكية؛ أُعلن عنها في شباط/ فبراير 2025، ببيع أنظمة رادار "AN/TPS-78" طويلة المدى بقيمة 304 ملايين دولار لتعزيز قدرات الدفاع الجوي.

وفي توجه نحو التسليح الصيني، أشارت تقارير إثر التدريب الجوي "نسور الحضارة 2025" مع الصين في أيار/ مايو الماضي، إلى اهتمام مصر بشراء مقاتلات صينية مثل "J-35"، و"J-17"، و"J-10".

مقالات مشابهة

  • وزارة المالية: الدولة السورية حريصة على القيام بواجباتها تجاه أبنائها جميعاً، وتتطلع لتوفير الشروط التي تساعد على ذلك، وأهمها سلامة العاملين في المؤسسات العامة التي وجدت لتخدم أبناء المحافظة
  • قورتولموش: نتنياهو وفريقه سيحاكمون في المحاكم الدولية
  • رئيس البرلمان التركي يتوعد نتنياهو بالمحاكمة الدولية على جرائم غزة
  • رئاسة الجمهورية تسلم التقرير النهائي حول حادثة ملعب 5 جويلية إلى الجهات القضائية
  • هذه النتائج المالية التي حققتها الشركة المركزية لإعادة التأمين (CCR)
  • مع اقتراب الدراسة.. برامج تمويل المصاريف والرسوم في 3 بنوك
  • وزير المالية: نتطلع لتعاون أكبر مع المؤسسة الدولية للتمويل لتعزيز دور القطاع الخاص
  • المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا: مزاعم الحصار دعاية أطلقتها المجموعات الخارجة عن القانون لتسويق فتح معابرغير نظامية مع محيط السويداء داخل الجمهورية، وخارجها، لإنعاش تجارة السلاح والكبتاغون التي تشكل مصدر تمويل أساسي لهذه المجموعات
  • بصفقة عسكرية ضخمة.. هل تسعى أمريكا لإبعاد مصر عن التسليح الصيني؟
  • محامي نتنياهو أمام الجنائية الدولية ينجو من محاولة اغتيال في باريس