بقلم: فالح حسون الدراجي ..

شاءت مشيئة الرب الخالق العظيم والاقدار ان اكون الابن الأوسط من بين ثلاثة اخوة لأب فلاح فرّ من قريتة متخفياً هارباً من الاقطاع وأجهزة السلطة بعد ان طُلب رأسه اثر فشل انتفاضة فلاحي ال ازيرج عام 1952 التي جرت احداثها في قرية ( ام گعيده ) الباسلة التابعة لقضاء الميمونة في لواء العمارة بعد ان قدم ابن عمه وزوج اخته شهيداً على طريق الخلاص والتحرر من سطوة الاقطاع البغيض .

.واستوطن الفلاح الذي كان يحلم مع الاخرين من جيله المتنورين بتحقيق دولة ( وطن حر … وشعب سعيد ) بعد ان قاده قدره الى الانتظام في صفوف احد الأحزاب الثورية في ذلك الوقت ..نعم، استقر به الحال في احد بيوت كمب الصليخ في منطقة راغبة خاتون في بغداد وسجلنا تلاميذ في مدرسة الاحرار الابتدائية الواقعة في نهاية شارع الضباط بالقرب من كلية بغداد ومزرعة الخس المقابلة للسدة الشرقية ..وكنت كغيري من صغار السن ابحث عن من يتطابق مع رغباتي الطفولية في ساحة اللعب ليكون رفيقا وصديقا الجأ الية لقضاء اوقات فراغي واللعب الطفولي بعد المذاكرة والدروس بعيداً عن تعليمات الوالد الصارمة التي طوقنا بها بأن نكون داخل البيت عند الساعة السادسة مساء كل يوم … وهكذا كان قدري الذي كتبه الله لي ان اكون بين ( گروب ) من اقراني .. فالح حسون الدراجي ومحمد كاظم عبود الرديني واخيه المرحوم جواد وعبد الامير عزاوي صاحب الصوت الجهوري الأجش ..وكامل ..وعبد .. وحسن ( ابن بلخش ) وحمودي مجبل الذي كان اكبرنا سناً واخرين …وكان اكثرهم قرباً لي فالح ..( صنوان لا يفترقان ) الذي كان ( المتعافي _ المدهرب ) يسبقنا بالركض القصير عندما كنا نتسابق في العاب الساحة والميدان والقفز العريض التي عملنا ( جفرة ) لها ، مليئة بالرمل وقذف الثقل التي كانت سائدة في تلك الفترة، مدفوعين بالتشبه بالكبار من ابطال العراق : خضير سلاطة وخالد توفيق لازم وسامي الشيخلي ونايف حميد وعلي هداد الشطري وقاسم مختار وفالح اكرم فهمي .. وكنا

نحظى بعناية خاصة وحنان لا يوصف من امهاتنا رحمهن الله وطيب ثراهن … وللحقيقة كانت ام خيون وفالح رحمها الله الجنوبية التي تقطر اناقة ًو بريقا وشياكة وهنداماً من (چرغدها ) حتى ( نعلها ) واخمص قدميها بمثابة امنا الثانية جميعا لما تتصف به من حلاوة اللسان بلغثة جنوبية رائعة جميلة تفيض دفئاً لا يمكن وصفه اطلاقاً، .. تتفقدنا واحداً تلو الاخر وعندما تشعر ان احدنا غائب عن المشهد، تسألنا باسمائنا بقولها : ( يمه .. وين اخيْكم …) والتي احبت فالح بصورة لا حدود لها .. تلاحقه كظله حباً وخوفا عليه …وكنت مع اخويّ المرحومين خالد ومحمد نتحايل على الوالد الصارم بتعليماته بطريقة تثير الشفقة لديه للذهاب الى المقهى خاصة يوم الثلاثاء، هدفنا المخفي اللقاء مع ( گروبنا ) والاخرون محشورون على تخوت وقنقات الخشب المتهالكة في مقهى ( ابو طويرش ) القريب على بيوتنا لنشاهد ونستمتع ببرنامج الرياضة في اسبوع …كما كنا نتجمع ايضا خلال ايام عاشوراء وصفر للذهاب ( بلوريات ) موكب جليل الكعبي رحمه الله الى كربلاء لاداء زيارة الاربعين لسيد الشهداء مستغلين صداقتنا بابنه خليل الذي كان تلميذا معنا في مدرسة الحارث لنحظى بالتقدير بالرغم من اعمارنا الصغيرة … وبعدها حلت
نكبتنا بالافتراق عام 1964 حيث انتقل بعضنا الى اماكن اخرى قسراً ومن بينهم فالح الذي حصلت اسرته على قطعة ارض وزعها عليهم الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم، وشيدوا عليها منزلاً في مدينة الثورة وبقي البعض الاخر منا مكسور الجناح ومنهم كاتب السطور الذي فقد اعز وانبل اصدقائه منطويا على نفسه ..حزينا .. بعد ان ذهب اصدقاؤه كلٌ الى شأنه … لا يعلم بعضنا ماذا حلّ بالاخر … وتخرجت من الاعدادية وتلقفتنا دهاليز السياسة والتزاماتها الفكرية وعينت موظفا في وزارة الثقافة والاعلام في نيسان عام 1970 .. وتخرجت من كلية الآداب … والتحقت بالعمل في السلك الدبلوماسي في ثلاث محطات عربية كنت فيها اسير ( الاتكيت ) والالتزام الوظيفي …ولا اكتمكم سراً ان قلت .. طوال تلك السنوات كنت امنّي النفس ان التقي مجدداً بصديق الصبا والطفولة ( ابو حسون ) ..ولم تتحقق امنيتي بالرغم من قربنا الاعلامي والصحفي والمهني في بعض السنوات حيت كنت اقرأ مقالاته في ديار الغربة هنا … وهناك …بعد ان قذف به الدهر والاقدار مغتربا في البلدان بسبب انتمائه السياسي المعارض .. وحتى بعد عودته الى العراق بعد الاحتلال وتأسيسه صحيفة اسماها ( الحقيقة ) اصبح رئيساً لتحريرها ومجلس ادارتها …الى ان ابتسم لي الحظ بخبر من ابنتي المهندسة نور وزوجها المهندس حيدر، بانّ وكيلاً لفالح حسون الدراجي راجع دائرتهما لامور تتعلق بصحيفته ..ويالها من صدفة حين وقف فالح على رأسها يوماً ليقول لها انا صديق بابا ..اين هو الان ..؟ وطلب منها رقم هاتفي ..سرعان ما جاء صوته لي عبر الاثير … واتفقنا على اللقاء ..وكان ذلك … حتى وقفت انتظره هو ومدير ادارة الجريدة، مفتاح قناة الاتصال واللقاء الزميل عباس غيلان امام باب نادي الصيد ..ترجل ابو حسون من سيارته .. احتضنته …واحتضنني كاخ لم تلده امه … وامي .. بعناق حار ..بادرني ( ها .. صاير شايب ) اشحت بوجهي برهة عنه لكي لا يرى دمعة المحارب المنهزم الذي اعيد اليه سيفه من جديد … جلسنا متقابلين على مائدة الطعام ..كنت اتأمل وجهه الذي حفرت سنوات الغربة وهموم الدنيا الشخصية وفقد الاحبة بعض اثارها عليه …واتساءل بصمت مع نفسي ..كيف لهذا العاشق الجنوبي لأرضه والمنحدر من ارياف ( كميت ) في لواء العمارة انذاك المثقلة بعطر طين ( الحري ) ونسمات الهواء التي تداعب اعواد القصب والبردي ان يتغرب ويبتعد ردحاً من الزمن عن اهله ودياره وان يختار احد طريقين احلاهما مر، لولا قساوة الزمن والاضطهاد الشخصي الذي سلط عليه ( فما يجبر على المرّ غير الامرّ منه ) ان يتفاعل ويتعايش مع الاخرين الذين لا يعرفهم في مدن الغربة بدءاً من عمان مروراً بدول عدة، حتى استقر به المقام في كاليفورنيا الامريكية … وكيف لهذا ( الشيوعي _ البروليتاري ) المتمرد الذي يتغنى بامجاد حزبه ومناضليه ان يهضم القيم الرأسمالية واستغلال الانسان على مدى اكثر من عشرين عاما … كنا نتبادل اطراف حديث الذكريات ونستذكر تفاصيلها بدقة متناهية كأنها حصلت الان .. فنضحك من الاعماق تارة ونحزن لفجائع بعضها تارة اخرى .. وكلٌ من الرائعين عباس غيلان والمهندس حيدر اللذين يشاركاننا الجلوس على مائدة الطعام ينظران لنا بدهشة وهما يسمعان تفاصيل تلك الذكريات وكيف لكهلين تعديا السبعين ان يختزنا هذه الذكريات بذاكرة طرية غضة لم تصدأ من تراكمات واوجاع السنين الطوال في جلسة امتدت لثلاث ساعات ..

ابا حسون الطيب . يارفيق سنوات الصبا … أمتعتنا بجميل عباراتك .. وانعشت ذاكرتنا التي تدثرت بغبار السنين … بحلوها . ومرها .. ونكأت جروحا غائرة بفقد الاحبة والخلان … لك كل معاني المحبة …ايها الوفي … الصادق … دامت سنوات عمرك بالصحة والتألق …

فالح حسون الدراجي

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات الذی کان بعد ان

إقرأ أيضاً:

فتاوى تشغل الأذهان.. حكم من نوى يضحي ولم يستطع.. وهل الطواف في الطوابق العليا يعدل ثواب أدائه في صحن الحرم؟ ومن هو المضطر الذي يستجيب الله دعاءه؟

فتاوى تشغل الأذهان.. 

هل يأثم من نوى أن يضحي ولم يستطع 

هل طواف الحاج ففي الطوابق العلوية يعدل ثواب بجوار الكعبة

من هو المضطر الذي لا يرد الله دعاؤه

نشر موقع “صدى البلد”، خلال الساعات الماضية، عددا من الفتاوى الدينية المهمة التي تشغل الأذهان وتهم المسلمين، نرصد أبرز هذه الفتاوى في هذا التقرير.

في البداية، أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أنه يجوز للحاجِّ أن يطوف بالأدوار العلوية أثناء أدائه المناسك، وله من الأجر مثل مَن طاف في صحن الطَّواف حول الكعبة مباشرة.

وقال مركز الأزهر، إنه يُباح له الاستراحة أثناء الطَّواف والسعي عند الحاجة إلىٰ ذلك؛ لِكِبَرِ سِنِّه أو الإرهاق الشَّديد، ويُثاب علىٰ ترك التَّزاحم صيانةً للحُجَّاج والمعتمرين.

وأشار إلى أنه يُسَنّ الإكثار من التلبية من حين الإحرام إلى بداية طواف العمرة، وإلى رمي جمرة العقبة في الحج يوم العيد، وَيُلَبِّي المحرم راكبًا وماشيًا، وفي حال النزول والصعود، وعلى كل حال، وتبدأ التلبية من وقت الإحرام وتنتهي عند ابتداء رمي جمرة العقبة يوم النحر.

من هو المضطر الذي لا يرد الله دعاءه؟

الدعاء من أعظم العبادات التي حث عليها الإسلام، وقد وعد الله عباده بالإجابة حين قال: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»، لكن من بين كل الداعين، يبرز المضطر كأقربهم إلى القَبول، إذ أن دعاءه لا يُرد، غير أن كثيرين لا يدركون من هو المضطر المقصود في الآية الكريمة.

كشف الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله في مقطع فيديو مسجل، عن المعنى الحقيقي للمضطر الذي لا يُرد له دعاء، موضحًا أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان كلما اشتد عليه أمر لجأ إلى الصلاة، وأن تعبير "حزبه أمر" يدل على خروجه من نطاق الأسباب إلى اللجوء للمسبب الأول، وهو الله سبحانه وتعالى.

وأضاف الشعراوي أن العبد حين يستنفد كل الأسباب التي في متناوله، ولا يعود لديه سبيل سوى التوجه لله، يكون قد دخل في حال "الاضطرار" الحقيقي.

وهنا، يتوجه إلى الله قائلًا: "يا مسبب، يا الله"، لأن الأسباب كلها لم تُجدِ نفعًا، ولم يبقَ له إلا التوسل بالمسبب الأعظم.

وأشار إلى أن الله يقول لعبده المضطر: إن كنت قد سعيت وأبديت الأسباب ولم تقصر، فأنا لا أرد يدك، لأن الأسباب نفسها هي يد الله الممدودة لعباده، ولا يجوز ردها. مستشهدًا بقوله تعالى: «أمن يجيب المضطر إذا دعاه».

بهذا التفسير، يوضح الشعراوي أن المضطر ليس فقط من يعاني أو يمر بضيق، بل هو من بذل جهده في الأسباب، ثم لجأ بقلبه وروحه إلى الله، يقينًا منه أن المسبب فوق كل سبب.

حكم من نوى يضحى ولم يستطع

ورد سؤال إلى الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، حول ما إذا كان الشخص القادر على الأضحية يأثم إذا لم يذبحها.

 فأوضح جمعة أن ترك الأضحية لا يُعد إثمًا، لكنها سنة مؤكدة، ومن يتركها فقد ضيّع على نفسه فضلًا كبيرًا، تمامًا كمن يؤدي الصلاة المفروضة دون سننها، أو يصوم رمضان دون أن يتبع ذلك بصيام الستة من شوال. 

فالأضحية من الأعمال التي يُثاب فاعلها، ولا يُعاقب تاركها.

وأشار إلى حديث طلحة بن عبيد الله، حين جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام، فأجابه النبي بأن عليه خمس صلوات في اليوم والليلة، وصيام رمضان، ودفع الزكاة، ثم قال له: "لا إلا أن تطوع".

 فلما قال الرجل: "والله لا أزيد على هذا ولا أنقص"، قال النبي: "أفلح إن صدق". واستشهد جمعة بهذا الحديث ليؤكد أن السنن ليست واجبة، ولكن فضلها عظيم، وهي تعوّض النقص الذي قد يحدث في أداء الفروض.

وأكد أن الأعمال المستحبة مثل الأضحية تمثل "هامش أمان" للعبد، تُستر به جوانب التقصير في العبادات الأخرى، وأضاف أن بعض العلماء كانوا يرون أن "جبر الكسر" بالأعمال الصالحة قد يكون سببًا في شفاء ما تعجز عنه الأدوية، وأن جبر الخواطر عند الله له أجر لا يُقدَّر.

طباعة شارك الحج دار الإفتاء علي جمعة الشيخ الشعراوي الأضحية

مقالات مشابهة

  • الحرس الوطني: تأهيل الكوادر المتسلحة بالعلم والخبرات في جميع المجالات
  • خور عبد الله ليس ملفاً مغلقاً: رد على مقال “السياسة” الكويتية
  • «يا رايحين للنبي الغالي».. ما هي الأمور التي تفسد الحج؟
  • كيف لي أن أبدد مخاوفها وهي التي تظن أنني سأتركها بسبب مرضها؟
  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة في تغريدة عبر X: تلقى الشعب السوري اليوم قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وإننا نثمن هذه الخطوة التي تعكس توجهاً إيجابياً يصب في مصلحة سوريا وشعبها، الذي يستحق السلام والازدهار، كما نتوجه بال
  • «تأثير صديق السوء».. ندوة توعوية لقصور الثقافة بدار الكتب بطنطا تحذر من مخاطر الصحبة الفاسدة
  • إمام وخطيب مسجد العلي العظيم يوضح الخطوات التي يحتاجها الإنسان للتحصين من الحسد
  • فتاوى تشغل الأذهان.. حكم من نوى يضحي ولم يستطع.. وهل الطواف في الطوابق العليا يعدل ثواب أدائه في صحن الحرم؟ ومن هو المضطر الذي يستجيب الله دعاءه؟
  • الأضحية عذاب للحيوان.. كيف رد الشرع على المشككين في السنة التي شرعها الله؟
  • من المضطر الذي لا يرد الله دعاءه؟.. الشيخ الشعراوي يُجيب