البوابة نيوز:
2025-12-13@03:28:21 GMT

يفنى الجسد ويبقى الأثر

تاريخ النشر: 24th, October 2024 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أعشق المناسبات السعيدة، وأستمتع باختيار تفاصيل الهدايا، حتى أُدخل السعادة على قلب صاحبها وأعيش فرحتي برؤية ابتسامته وفرحته بها، تعبيرا عن حبي وامتناني، ومن يعرفني جيدا يعي تماما أن هذه طبيعتي منذ الصغر.

مرت سنوات ربما تكون طويلة أو قصيرة.. لا أعلم، أحيانا عقلي ينسى أو يرفض مراقبة الزمن، ولكني أتذكر جيدا أنني في مثل هذه الأيام كنت استعد لتحضير هدية بمناسبة عيد ميلاد زوجي، أتفنن في اختيارها تعبيرا عن تقديري له.

أتذكر جيدًا تلك التفاصيل الصغيرة التي ترافقني حتى اليوم، وأجد نفسي أبتسم أحيانا، حين أمر بالمصادفة أمام محال متخصصة بالمقاسات التي كنت أبحث عنها سابقا وأجدها بصعوبة، فأتذكر كم كنت أرهق نفسي للعثور عليها، والآن أصبحت تلك المحال منتشرة بكثرة بشكل غريب! لكن.. أين هو صاحب تلك الهداية التي كنت أبحث عنها بشغف؟ لقد تركنا ورحل!.

ودعنا زوجي وهو في ريعان شبابه، لم يكمل بعد عقده الثالث، عشنا سويا سنوات قليلة، لكنها كانت مليئة  بالتفاصيل، كنتُ أحلم مثله ببناء أسرة كبيرة، نرى أطفالنا يكبرون أمام أعيننا، ونكبر نحن أيضا، نشيب سويا، ونخوض معا أفراح الحياة وأحزانها، بشدها وجذبها.

لكن القدر لم يمهلنا وقتا كافيا لتحقيق تلك الأحلام الشابة، فقد خطفه الموت في نفس الشهر الذي وُلد فيه، وكأن الحياة أرادت أن تهديه بداية جديدة ولكنها هذه المرة أبدية، خالية من الألم، بعيدا عن صراعات العلاج القاسية، وتجرع "الكيماوي" أملا في الشفاء.

أتذكر تلك الليلة العصيبة ونحن نراقب جهاز التنفس الذي يعد أنفاسه، وفجأة انخفض مستوى الأكسجين، واضطررنا لاستدعاء الطبيب الذي قرر نقله فورا إلى العناية المركزة، شعرت حينها بأن الأرض انهارت من تحتي، وبكيت بحرقة وقلة حيلة، لكنه أشار بيده، وبكل ما تبقى له من قوة وقال لي: "أنا هبقى كويس"، ثم دخل في غيبوبة... ولم يستيقظ بعدها أبدا، ليعلن في صمت انتهاء رحلته معي!! وأنا التي كنت أنتظره يعود لبيته من جديد لنكمل الرحلة سويا.. ويبدو أنه كان يعلم أنه لن يعود ولكنه "هيبقى كويس" كما أكد لي.

بعد غيابه عن الحياة، كتبت له مرارا أن وجوده كان يمنع الكثير من الأشياء السيئة، فكان حائط سد منيع يحمينا من خيبات بعض البشر، ولكني أعي جيدا أن في باطن كل محنة منحة، نعم هي منحة من الله لي وله، الحياة علمتني أن لكل ابتلاء حكمة عند الله ووجودنا نحن البشر في حياة بعضنا البعض، ما هو إلا مجرد سبب لتفاصيل لا يعلمها غير المولى عز وجل.

تمضي الحياة، ويفنى الجسد، لكن الأثر يبقى.. فقد ترك زوجي بصمة طيبة في قلوب كل من عرفه، فمن عرفه لا يذكره إلا بالخير، وترك لي ابنا جميلا يشبهه كثيرا في الشكل والطباع، أحاول جاهدة أن يكون عملنا الصالح في هذه الدنيا.

لا أنكر شعوري في بعض الأحيان بالضجر، إذ أبحث عنه بأحلامي أملا في أن أجده بجانبي، نتشارك القرارات معًا بشأن ابننا، لكن لا أجد له أثرًا، ويغمرني الحزن واليأس كلما عجزت عن تعويض ابني عن غياب والده!، ماذا أفعل وهو دائما يسألني باستمرار عن نبره صوت أبيه؟! وعن أشيائه الخاصة؟ يمتلكني الحزن بقوة حين أدرك أني لا أملك سوى ذكريات وحكايات طيبة عنه أرويها له، وأحاول أن أنسج من تلك الحكايات مشاعر يعيش بها كما أعيش أنا.
ولا أنكر أيضا فخري بنفسي فقد صنعت لي ولابني جزءا كبيرا من الرضا حتى تستمر وتمضي الحياة إلى أن يقضي الله بنا أمرا مفعولا، اصنعوا أثرا طيبا في هذه الحياة، فالأجساد راحلة، لكن ما يبقى هو  الخير الذي زرعتموه في قلوب أحبابكم.. ما يبقى هي الحكايات والذكريات الطيبة، كلنا راحلون.. وختاما، سلاما على روحك الطاهرة... إلى أن نلتقي.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: شيرين بكر التفاصيل الصغيرة العناية المركزة الكيماوي

إقرأ أيضاً:

"الناجي الوحيد".. لقب "بتول" الذي جردها الفقد معانيه

غزة - خاص صفا

"ناجية وحيدة"، لكن صدمة فقد عائلتها قبل نحو شهر، في وقت وضعت فيه حرب غزة أوزارها، جردتها من معاني الكلمة، وتعيش أوضاعًا صعبة، تتمنى فيها "اللحاق بهم.
الفتاة بتول أبو شاويش "20 عاما"، واحدة من آلاف الناجين الوحيدين لأسرة كاملة ارتقت بحرب غزة، لكنها تُسقى أضعافًا من كأس الفقد، لكونها استبعدته يومًا.

"أنا لستُ ناجية، أنا وحيدة وتمنيتُ لو أني ذهبتُ معهم"، تقول بتول لوكالة "صفا".

وتضيف "استشهدت أمي وأبي وإخوتي في قصف بجانب بيتنا في أبراج عين جالوت قبل شهر، وكنت معهم في نفس البيت".

ولكن دقيقة بين مغادرة "بتول" غرفة إخوتها نحو غرفتها، كانت فاصلًا بينها وبينهم، بين حياتها ومماتهم، رغم أن أنقاض البيت وقعت عليها هي أيضًا.

وتصف تلك اللحظات "كنت بجانب محمد وجميعنا بغرفة واحدة، ذهبت لأبدل ملابسي، وفي لحظة وجدت نفسي تحت الأنقاض".
ما بعد الصدمة 

وانتشلت طواقم الدفاع المدني "بتول" من تحت جدارين، مصابة بذراعيها، وحينما استفاقت داخل المستشفى، وجدت عمها بجانبها.

سألت بتول عمها عن والديها وإخوتها، وعند كل اسم كان جوابه "إنا لله وإنا إليه راجعون".

لم تتمالك نفسها وهي تروي اللحظة "لم أستوعب ما كان يقوله عمي، لقد فقدتُ أهلي، راحت أمي رغم أنني كنت أدعوا دومًا أمامها أن يكون يومي قبل يومها".

"بتول" تعيش أوضاعًا نفسية صعبة منذ فقدت أسرتها، ويحاول عمها "رفعت"، أن يخفف عنها وطأة الفقد والصدمة.

"لحظات لم تكتمل"

يقول رفعت "40 عاما"، لوكالة "صفا"، إنها "ليست بخير، لا تعيش كأنها نجت، ولا تتوقف عن التساؤل لماذا لم تذهب معهم".

ويضيف "هي تؤمن بالأقدار، لكن أن يفقد الإنسان أهله وفي وقت هدنة، يعني مفروض أنه لا حرب، والقلوب اطمأنّت، فهذا صعب خاصة على فتاة بعمرها".

وسرق الاحتلال لحظات جميلة كثيرة من حياة "بتول"، لم تكتمل، كحفلة نجاح شقيقها "محمد" في الثانوية العامة.

يقول عمها "بتول بكر أهلها، وهي تدرس في جامعة الأزهر، رغم كل الظروف، وقبل استشهاد أخي وعائلته، احتفلوا بنجاح محمد، وكانوا ينوون تسجيله معها في الجامعة".

ومستدركًا بألم "لكن كل شيء راح، وبقيت بتول وحيدة تحاول أن تنهض من جديد، لكن ليس بعد".

ولم تقدر "بتول" على وداع أهلها من شدة صدمتها، وحينما وضعوها بين خمسة جثامين، تحدثت إليهم، سألتهم لما "رحلتم وتركتموني"، وما قبلت إلا جبين شقيقتها الصغيرة، أما أمها "فعجزت عن الاقتراب منها"، تردد بتول وهي تهتز من استحضار المشهد.

ويوجد في غزة 12,917 ناجيًا وحيدًا، تبقوا من أصل 6,020 أسرة أبيدت، خلال حرب الاحتلال على غزة على مدار عامين، فيما مسح الاحتلال 2700 أسرة من السجل المدني بكامل أفرادها، البالغ عددهم 8,574 شهيداً.

مقالات مشابهة

  • في كلمته بمؤتمر «مستقبل أكثر استدامة».. محمد العلي: هندسة الحلول وصناعة الأثر الحقيقي
  • تنفيذ المشروعات ذات الأثر البيئي والاقتصادي والاجتماعي الواضح لدعم خطط التنمية
  • تسوية قانونية تعيد الحياة للمركب التجاري السوبر المغلق منذ عقود بسلا
  • "الناجي الوحيد".. لقب "بتول" الذي جردها الفقد معانيه
  • أيهما أفضل الزي الشرعي الخمار أم النقاب؟ أمين الفتوى يجيب
  • أيهما الزي الشرعي الخمار أم النقاب؟.. أمين الفتوى يجيب
  • الممثلة لورا خباز بين الحياة والمستشفى بعد حادث سير مروع لبنان
  • تأجيل محاكمة المتهمين فى سرقة الأسورة الأثرية من متحف التحرير
  • بالفيديو.. ياسر مدخلي لـ"ياهلا بالعرفج": مسرح الخشبة هو الحياة الموازية التي نتمناها ونبحث عنها ونصلح فيها ما نعجز عن إصلاحه في الحياة!
  • العثور على جثمان الطفل الذي جرفته السيول في كلار