أطباء على حدود الدم والتراجيديا الفلسطينية (بورتريه)
تاريخ النشر: 26th, October 2024 GMT
رداء أبيض مغمس بدماء المصابين والشهداء.
عيون متعبة ومجهدة وأجساد مرهقة لم تعرف طعم النوم أو الراحة لساعات طويلة تحت ضغط متواصل من أفواج الجرحى والمصابين والشهداء.
رجال ونساء يرتدون ملابس طبية أشبه بجنود يقاتلون بأدوات طبية قليلة وأدوية ومستهلكات طبية شحيحة جدا.
شاخت أرواحهم أمام نهر الدم الفلسطيني المقدس والمستباح، وربما سيحتاجون إلى وقت طويل لشفاء جروح الروح التي أرهقها النواح و التواطؤ والخذلان.
صامدون يكابدون التعب والقلق والجوع وانتظار المجهول على مرمى بندقية قناص جبان، أو صاروخ تطلقه طائرة "الدرونز" في غفلة من الوقت والزمن، وربما قذيفة تطلقها دبابة ميركافا التي تطاردها صواريخ المقاومة الموجهة في حقول صيد البط.
صامدون رغم معرفتهم تماما بأنهم سيواجهون خيارات كلها صعبة وقاسية ومؤلمة، الشهادة أو الاعتقال والتعذيب أو التجويع، وفي الوقت ذاته يتألمون وتجرح أرواحهم من الوريد إلى الوريد، مع كل جريح يستشهد بسبب عدم توفر العلاج، أو طفل تبتر أطرافه، أو عويل وندب وبكاء الأمهات والآباء على أطفالهم الغارقين بدمائهم أو بحروقهم.
اختاروا البقاء في الخطوط الخلفية وعلى خط النار، وتحت القصف والحزم النارية والحرارية، والتهديد والوعيد، وتجاهل العالم لصرخاتهم ونداءاتهم.
يعيشون بكامل قوتهم وجبروتهم وصمودهم في غرف العمليات والطوارئ وأثناء أداء الواجب، لكنهم حين يغادرون المشهد قليلا، يعيشون ضعفهم الكامل، يبكون بحرقة، وتتمزق قلوبهم وتنزف حزنا وقهرا على ما يشاهدونه من فظائع في أروقة وغرف المستشفيات.
الاحتلال يستهدف الكوادر الطبية والصحية بشكل خاص، ويدمر المستشفيات والمراكز الصحية والطبية حتى يجبر السكان على النزوح والرحيل إذ بدون إغاثة طبية لن تكتب النجاة لأي جريح مهما كانت جراحة بسيطة وسطحية.
الداعمون للاحتلال ولجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها في قطاع غزة يعرفون تماما بأنه يكذب حين يزعم بأن المستشفيات هي مقار للمقاومة، ويعرفون أن الهجوم على المشافي وتدميرها والاعتداء على الكوادر الطبية جريمة بشعة طبقا للقانون الدولي الإنساني، فهم من وضعوا هذا القانون من أجل تطبيقه على شعوبهم، وأصحاب العيون الزرقاء، وليس علينا.
كل ما يجري من جرائم في حق الأطباء والكوادر الصحية يشاهده العالم تكرارا ومرارا وأمام الكاميرات، والعالم يشاهد ولا يحرك ساكنا ليس لأنه اعتاد المشهد، بل لأن هذا العالم يدار من قبل الصهيونية العالمية.
القانون الدولي يحمي الأطباء والقطاع الطبي والصحي فالقاعدة 35 من القانون الدولي الإنساني تنص على أنه "يحظر توجيه هجوم على منطقة أنشئت لإيواء الجرحى والمرضى والمدنيين وحمايتهم من آثار القتال".
كما يحمي القانون الدولي الإنساني كل من يوجد داخل المستشفى من مدنيين وجرحى ومرضى، والعاملين في المجال الطبي والديني، وموظفي الإغاثة الإنسانية، فجميعهم فئات محمية وفقا لقواعد القانون الدولي.
وتشترط المادة 13 من الملحق الأول الإضافي لاتفاقية جنيف، وهي جزء من القانون الدولي الإنساني، أن هذه الحماية سارية بشرط ألا "تستخدم المستشفيات لارتكاب أعمال ضارة بالعدو، خارج نطاق وظيفتها الإنسانية".
الاحتلال أخرج غالبية المستشفيات والعيادات والمرافق الصحية والطبية من الخدمة بعد قصف مبانيها، وتحويلها إلى ثكنات عسكرية ومراكز اعتقال وتحقيق، يحتجز بداخلها عشرات من الكوادر الطبية والمرضى والنازحين، وهذا جريمة حرب مكتملة الأركان لكنها عند أمريكا وأوروبا مبررة وسمعنا هذا على لسان أكثر من مسؤول غربي، وليست وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، أولهم ولن تكون آخرهم.
وحتى الآن تم استهداف نحو 235 مرفقا صحيا، بينهم 34 مستشفى و63 عيادة و80 مركزا صحيا و146 سيارة إسعاف، بحيث أصبح عدد ما يعمل الآن من المستشفيات هو فقط 13 مستشفى، وبشكل جزئي، من أصل 36 مستشفى في قطاع غزة، فيما ما يزال أقل من 17% من مراكز الرعاية الصحية الأولية تعمل وتقدم خدماتها جزئيا.
واستهداف سيارات الإسعاف، حيث دمر الاحتلال أكثر من 132 سيارة إسعاف خلال عام من العدوان وأخرجتها عن الخدمة. وبات مجموع سيارات الإسعاف التي تعمل حاليا في جميع محافظات غزة يقتصر على 70 سيارة فقط.
ويواجه أكثر من 350 من الكوادر الطبية في غزة المصير المجهول بعد أن قام الاحتلال باختطافهم أثناء أداء واجبهم الإنساني، عقابا لهم على صمودهم في أماكن عملهم، ورفضهم التخلي عن واجبهم المهني والوطني والإنساني.
القطاع الطبي قدم حتى اليوم أكثر من ألف شهيدا وشهيدة منذ بدء العدوان على قطاع غزة، بينهم أطباء وأخصائيون وممرضون وموظفو مهن طبية مساندة وإداريون ومسعفون.
وقد واجه قادة هذا القطاع الاعتقال والتعذيب والاستشهاد تحت التعذيب أو بالقصف، وكان من بينهم، مدير مستشفى الشفاء الدكتور محمد أبو سلمية الذي اعتقله جيش الاحتلال لأنه رفض أن يتخلى عن مرضاه، وبقي صامدا في خندق الإنسانية يخدم مرضاه.
فيما أصيب الدكتور منير البرش المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة بجروح مع جميع أفراد عائلته، واستشهاد ابنته في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في جباليا.
وكان استشهاد الطبيب عدنان البرش رئيس قسم العظام في مستشفى الشفاء في سجون الاحتلال صادما للعالم. فيما استشهاد الدكتور إياد الرنتيسي رئيس قسم الولادة في مستشفى كمال عدوان في مركز تحقيق إسرائيلي تابع لجهاز الشاباك بمدينة عسقلان بعد أسبوع من اعتقاله.
أمام المحرقة والجرائم المتواصلة تكتفي الجهات الدولية ذات العلاقة والصلة مثل منظمة الصحة العالمية، والصليب الأحمر، و"اليونيسيف"، وكالة "الأونروا"، بموقف المتفرج العاجز الذي يكتفي بدور إحصاء الموتى والكوارث، وكأنها منظمات حفروا القبور.
الكوادر الطبية يعملون بلا أدوات، والمساعدات التي تدخل قطاع غزة شحيحة ولا تغني ولا تسمن من جوع، واضطر الأطباء أحيانا لإجراء عمليات جراحية دون تخدير لعدم توفره، وبعض المصابين مات من الصدمة وبعضهم مات وهو ينزف، ومن كتبت له النجاة لا يزال يعاني من أثار الإصابة والصدمة العصبية.
كما أن وتعمد استهداف الكوادر الطبية يضع سكان قطاع غزة في دائرة الموت بالاستهداف المباشر أو القتل في ظل نقص الوقود والأطقم الطبية والإمداد، مما قد يدفعهم إلى المغادرة القسرية بحثا عن العلاج والمأوى.
الاحتلال حول المستشفيات إلى مقابر وإلى مراكز للمعاناة والموت والتحقيق والتعذيب بفعل الصمت العالمي ودفاع الولايات المتحدة الأمريكية عن جرائم الاحتلال، وتبريرها، وبعد أن فجر الاحتلال المستشفى المعمداني (الأهلي) وتسبب في مقتل أكثر من 500 فلسطيني ولم يعاقب، اعتبر ذلك تصريحا بالقتل وتدميرا لكل معاني الحياة في غزة.
وبدأ بعدها مسلسل الكذب والتدليس الذي روج له الإعلام الغربي عن سبق الإصرار والترصد، معتمدا السرد الإسرائيلي كما ورد من تل أبيب حرفيا.
جريمة ترتكب أمام أنظار العالم الذي يتموضع على بعد أمتار من الإبادة.
كانت نية إنهاك القطاع الصحي في غزة وتدميره واضحة منذ بداية الحرب، ولا تزال، فالهدف تدمير أية مقومات للحياة، وخصوصا في شمال قطاع غزة.
رسالته ومن خلفه الغرب المتوحش أنه لا يوجد مكان آمن في قطاع غزة، ولا حتى في المنشآت الصحية التي تحظى بحماية خاصة بموجب القانون الدولي.
والأطباء هم العمود الفقري للحياة لذلك كان يجب ضرب وكسر هذا العمود وتحطيم صورة الصمود التي رسمها وطرزها الأمناء على حياة الشعب الفلسطيني.
لكن كل ذلك لم يوقف أصحاب المهنة النبيلة من البقاء مع شعبهم في الخطوط الخلفية للجبهة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي عالم الفن كاريكاتير بورتريه بورتريه الفلسطيني غزة الأطباء منير البرش فلسطين غزة الأطباء منير البرش بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه سياسة سياسة عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدولی الإنسانی القانون الدولی الکوادر الطبیة فی قطاع غزة أکثر من
إقرأ أيضاً:
مؤسسة حمد الطبية تجري أول عملية نقل دم ناجحة باستخدام خلايا الدم الحمراء المركزة والمجمدة
أجرت مؤسسة حمد الطبية عن طريق قسم طب نقل الدم بإدارة المختبرات الطبية وعلم الأمراض أول عملية نقل دم ناجحة باستخدام خلايا الدم الحمراء المركزة والمجمدة (PRBCs)، لشخص يعاني من حالة صحية معقدة تتطلب إجراءات نقل دم عالية الدقة والتخصص.
وقد أجريت عملية نقل الدم لمريض تم تشخيصه بمرض الثلاسيميا الكبرى إلى جانب اضطرابات مناعية دموية متعددة، وقد أظهر المريض استجابة ممتازة لعملية نقل الدم دون أي مضاعفات أو تفاعلات سلبية، وشهدت حالته الصحية تحسنا ملحوظا، بما في ذلك استقرار مستويات الهيموغلوبين بالدم وتحسن في وظائف الأعضاء وتحسن عام في حالته الصحية.
وتحقق هذا الإنجاز بفضل استخدام وحدات دم محفوظة بالتجميد من المخزون الذي أنشأته مؤسسة حمد الطبية مؤخرا بعد إطلاق خدمة تجميد خلايا الدم الحمراء المركزة.
وتعتبر خلايا الدم الحمراء المحفوظة بالتجميد، خلايا دم تتم معالجتها بطريقة خاصة وتخزن في درجات حرارة شديدة الانخفاض، مما يتيح تخزينها والحفاظ عليها لفترات طويلة قد تصل إلى 30 عاما، ويعد ذلك أمرا بالغ الأهمية لحفظ أنواع الدم النادرة أو التي يصعب إيجاد تطابق لها.
وقبل إجراء نقل الدم، تتم إذابة وحدات الدم المحفوظة بالتجميد بعناية ومعالجتها لإزالة المادة الحافظة، مما يسمح بتوفير توافق أكثر دقة وعملية نقل دم أكثر أمانا للمرضى ممن لديهم فصائل دم أو أجسام مضادة نادرة.
وقالت الدكتورة إيناس الكواري رئيس إدارة المختبرات الطبية وعلم الأمراض بمؤسسة حمد الطبية في تصريح صحفي اليوم، إن هذا الإنجاز يمثل خطوة كبيرة نحو توفير أحدث العلاجات الطبية وأكثرها تقدما للمرضى.
وأضافت أن العملية تعكس التزام مؤسسة حمد الطبية بتقديم أحدث الخدمات الطبية المتطورة حيث إن امتلاك القدرة على توفير خلايا الدم الحمراء المركزة والمجمدة يسهم في التغلب على تحديات طويلة الأمد في مجال طب نقل الدم، وخاصة فيما يتعلق بالمرضى الذين لديهم خصائص مناعية دموية نادرة أو معقدة، كما يضمن هذا الخيار القدرة على توفير خدمات نقل دم عالية التخصص للمرضى في الوقت المناسب وبأقصى درجات الأمان والدقة مما يسهم في إنقاذ حياتهم.
وأشارت الدكتورة إيناس الكواري إلى أن نجاح تطبيق هذا النوع من عمليات نقل الدم يمثل خطوة مهمة نحو تقديم خدمات نقل دم قائمة على منهجيات الطب الدقيق في دولة قطر، كما يؤكد هذا الإنجاز مكانة مؤسسة حمد الطبية كمؤسسة رائدة على مستوى المنطقة في تقديم حلول رعاية صحية مبتكرة ومرتكزة على المريض.