جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-16@17:20:28 GMT

مشاهد من خلف أسوار "بيت المتوني"

تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT

مشاهد من خلف أسوار 'بيت المتوني'

 

حمود بن علي الطوقي

 

لم أتوانَ عن تلبية الدعوة عندما طرح أحد الإخوة فكرة زيارة زنجبار، والتعرف على معالم وآثار الوجود العُماني في جمهورية تنزانيا، وزنجبار على وجه الخصوص، وزيارتي لزنجبار وتنزانيا تعتبر الثانية؛ فالزيارة الأولى كانت في عام 2019 ضمن وفد غرفة تجارة وصناعة عُمان.

زرتُ وقتها دار السلام العاصمة السياسية وزنجبار؛ حيث الوجود العُماني الأبرز في هذه الجزيرة التي ما زالت محافظة على الآثار والإرث العُماني.

الزيارة الأولى كانت رسمية حيث كنت شاهدًا على احتفالية بالتوقيع على عددٍ من الاتفاقيات لتفعيل التبادل التجاري بين البلدين الصديقين، فالبلدان يقعان على موقع استراتيجي يربطهما علاقات ملاحية بسبب مرور المحيط الهندي مما جعل لهذه الاتفاقيات مجالا رحبا. لتعزيز التعاون التجاري والاستثماري بين البلدين. خلال تواجدي الآن في تنزانيا. قرأت في الصحف المحلية خبرا لتسيير وفد تجاري تنزاني. لزيارة رسمية إلى سلطنة عُمان يضم نحو 100 رجل من كبار التجار في تنزانيا، ومن المؤمل أن يكون لمثل هذه الزيارات مردودا إيجابيا على مستوى العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين الصديقين.

أعود إلى زيارتي الحالية برفقة الإخوة الأعزاء، فمنذ الوهلة الأولى وما أن تطأ قدماك أرض زنجبار يمكنك أن تحكم على صلابة ومكانة الوجود العُماني في أرخبيل هذه الجزيرة. وقد زرتُ برفقة إخواني كل من المدن التنزانية مثل إقليم تانجا ومحافظة أروشا وولاية لوشوتو ومحمية جوروونجور؛ حيث يمتد الوجود العُماني في كل شبر من تنزانيا.

لا يحتاج الزائر لتنزانيا إلى جهد كبير لاكتشاف الوجود العُماني في أرخبيل زنجبار، فإذا اخترت مقر إقامتك ليكون في "ستون تاون" سترى الحضور العُماني بارزًا وأنت تتجول في الأسواق وبين الأزقة في منطقة شانجاني والفرضة ويطلق على الفرضة باللغة المحلية (فرضاني). ويمتد تاريخ الوجود العُماني في زنجبار إلى قرون مضت، وتحديدًا في القرن السابع عشر عندما بدأت سلطنة عُمان بمد نفوذها إلى الساحل الشرقي لأفريقيا، وبرز دور زنجبار كجزء من الإمبراطورية العُمانية. وتطورت العلاقة العُمانية بزنجبار مع انتقال السلطان سعيد بن سلطان، حاكم عُمان، إلى زنجبار عام 1832؛ حيث جعل منها عاصمة لإمبراطوريته على الساحل الشرقي لأفريقيا. تحت قيادته، تحولت زنجبار إلى مركز تجاري مهم يربط بين الشرق والغرب، وساهم في تعزيز الوجود العُماني في المنطقة من خلال تمكين وتشجيع التجارة والثقافة.

تشير المصادر العُمانية لمساهمة العُمانيين في تطوير زنجبار على الصعيدين الاقتصادي والثقافي؛ حيث كان لهم الفضل في جلب التقنيات الزراعية الجديدة وعرفت زنجبار زراعة القرنفل التي أصبحت فيما بعد من أعمدة اقتصاد زنجبار. كما شارك العُمانيون في التجارة البحرية؛ إذ كانت زنجبار محطة مهمة لتجارة العاج والتوابل، مما أدى إلى زيادة ثروات الجزيرة وازدهارها.

كون الوجود والحكم العُماني في زنجبار يهتم بالجوانب التجارية والثقافة فقد أثرت هذه السياسة والاستراتيجية بعمق في الحكم العُماني في زنجبار، كما أخبرني أحد الإخوة العُمانيين الذين التقيت بهم في زنجبار؛ حيث حدثني عن كثيرٍ عن العادات والتقاليد العُمانية التي شكلت جزءًا كبيرًا من الحياة اليومية في الجزيرة. وما زالت هذه العادات متوارثة بين الأجيال، على الرغم من أن عددًا كبيرًا لم يَزُر عُمان بسبب عدم حصوله على الجنسية، إلّا أن هؤلاء العُمانيين مُلتزمين بالمحافظة على هذا الإرث العُماني، وأيضا يحرصون على تعلم اللغة العربية من خلال جمعية الاستقامة العُمانية التي أنشأت مدارس ومعاهد ومدارس لتحفيظ القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية وعندما تتجول في الأزقة في منطقة شنجاني ستشاهد انتشار العمارة العُمانية في المباني والأسواق. هذا التداخل الثقافي انعكس في المجتمع الزنجباري الذي يحتفظ حتى اليوم بعناصر من الثقافة العُمانية في اللغة والعادات وحتى في الطعام.

وعلى الرغم من الغزو التنجانيكي الغاشم الذي أدى الى إنهاء الحكم العُماني عام 1964 ورغم التحولات السياسية، ولكن ما زال الوجود العُماني حيًا في زنجبار من خلال التأثيرات الثقافية العميقة والعلاقات التاريخية التي تربط الشعبين العُماني والزنجباري.

المطلوب الآن أن نكثف جهود تعزيز مستوى هذه العلاقات بين البلدين، ونعمل على دعم التجارة البينية وتسهيل انتقال الإخوة في زنجبار من الوصول إلى عُمان بعدما تقطَّعت بهم السبل وظلوا في ذلك البلد، فقد رأيناهم مُلتزمين بالتمسُّك بعاداتهم العُمانية؛ فهؤلاء يقودهم الشوق والحنين لزيارة أهاليهم والتعرف على بلدهم الأم سلطنة عُمان، وفهذه الأمنية هي مطلب الجميع ممن ظلوا في زنجبار ولم تُتح لهم فرصة العودة إلى عُمان الحبيبة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بوصلتك نحو قيادة الأعمال في السوق العُماني (2)

 


 

د. سلام محمد سفاف **

dr.salamsafaf@gmail.com

 

ماذا ستفعل لو انخفضت مبيعاتك 40% فجأةً؟ كيف ستواجه أزمة غير متوقعة كجائحة كورونا؟

في سوق عُمان الذي يشهد تحولات متسارعة - من تقلبات أسعار النفط إلى التغيرات الديموغرافية - لم يعد السؤال هل ستواجه أزمة؟ بل متى؟ وكيف ستكون استجابتك؟

في المقالة الأولى، ناقشنا كيف نبني تخطيطاً استراتيجياً فعالاً أما اليوم سنكتشف كيف نجعل هذه الخطة قادرة على النجاة حتى في أسوأ الظروف، ولابد من الاعتراف بأنَّ الشركات التي تزدهر في الأزمات لا تعتمد على الحظ فقط، بل تبني ما يُسمى بـ "الصمود الاستراتيجي" (Resilience)، فكيف تحول مؤسستك إلى منظمة لا تنجو من الأزمات فحسب، بل تخرج منها أقوى؟"

وبداية دعنا نجيب عن الإشكالية التالية: لماذا تفشل معظم الاستراتيجيات أثناء الأزمات؟

باختصار لأنها تعتمد على التخطيط للاستقرار وتمتلك بنية تنظيمية جامدة بشكل يُعارض السمة الرئيسية للأسواق العالمية والمحلية المتغيرة باستمرار، لذلك تجدها تعتمد ثقافة "إطفاء الحرائق" في مواجهة المتغيرات أو الأزمات كبرت أم صغرت، والحقيقة الصادمة أن الأزمات لا تعرف سوى قانونين:

1- الاستعداد للأسوأ ليس تشاؤمًا، بل استراتيجية.

2- الشركات التي تنتظر الأزمة لتتغير.. تنقرض.

ونحن نميز بين ثلاثة أنواع من المنظمات في إطار استجابتها للأزمات، وهي:

المنظمة الهشة (Fragile)، وهي تتفكك عند مواجهة الصدمات، وتفشل في التكيف بسبب عدم وجود خطط طوارئ، وهيكل صلب غير مرن، واعتماد كلي على ظروف السوق المستقرة، ولنا مثال في ذلك بعض شركات السياحة في صلالة خلال جائحة كورونا، لم يكن لديها سيناريوهات لمُواجهة تراجع معدلات الحجوزات الفندقية بطريقة مفاجئة، وكانت النتيجة أن عددًا منها واجه خطر الإغلاق بحلول عام 2021.

المنظمة المقاومة (Resilient)، وهي تنجو من الأزمات لكن دون تحسن أدائها عبر خطط طوارئ تفاعلية، وهيكل تنظيمي قابل للتعديل المؤقت، وقدرة على العودة للحالة الأصلية بعد انقضاء الأزمة، وتقع غالبية المصارف المحلية ضمن هذه المنطقة، خفضت تكاليف التشغيل بنسب محددة بشكل مؤقت وحافظت على الاستقرار خلال جائحة كورونا لكنها لم تطور خدمات رقمية جذرية.

أما النوع الثالث فهو محط اهتمامنا اليوم وهي المنظمة المضادة للكسر (Antifragile)، وهو مصطلح يُستخدم لوصف المنظمات التي لا تصمد أمام الصدمات والتقلبات وعدم اليقين فحسب، بل تستفيد منها بالفعل وتتحسن نتيجةً لذلك، وتتمتع بالقدرة على التكيف والتعلم والنمو بقوة استجابةً للضغوط، فمثلًا تعرضت المطاعم لخسائر كبيرة خلال جائحة كورونا بسبب إغلاقها غير أن بعضها استجاب للأزمة بطريقة مغايرة حيث خصصت 20% من مساحتها لإنشاء مطابخ الظل (Cloud Kitchens)، وأطلقت تطبيق توصيل خاص بها، مما زاد مبيعاتها 25% عن فترة ما قبل الجائحة، ودخلت أسواقًا جديدة (التوصيل للمنازل)، وحافظت على هذه الخدمة حتى بعد انتهاء الجائحة. 

في عالم معقد وغير متوقع، لا يكفي أن تكون المنظمة متينةً ومرنةً، بل يجب أن تسعى جادةً لتكون منظمة مضادة للكسر من خلال تقبل حالة عدم اليقين وتطوير الأنظمة والأدوات للتعامل معها كفرصة للنمو والتطور.

والآن، كيف تبني منظمة مضادة للكسر؟

أنشئ "فِرَق الأزمات" الدائمة بحيث تعقد اجتماعًا شهريًا لاختبار سيناريوهات الأزمات. استخدم مبدأ الحد الأدنى من التكيف القابل للتطبيق (Minimum Viable Adaptation) من خلال تخصيص 10% من ميزانيتك لمشاريع تجريبية خلال الأزمات. حوّل الموظفين إلى "كاشفي فرص" وقدم مكافأة للموظفين الذين يقدمون أفكارًا للاستفادة من الأزمات. نفذ اختبارات الضغط الاستراتيجي (Stress Testing) من خلال بناء ثلاثة سيناريوهات لأزمات محتملة، واختبر استجابة كل قسم لها، ثم عدل استراتيجيتك بناءً على النتائج. صمم نموذج "الهوية المرنة" (Flexible Core) من خلال الاحتفاظ بـ 80% من هويتك الأساسية مثل الجودة وتغيير 20% منها لتتلاءم مع الأزمات مثل قنوات التوزيع.

مؤسسة الزبير: نموذج عُماني للريادة الاستراتيجية في الأزمات

نمت من شركة عائلية عام 1967 لمؤسسة عالمية تضم اليوم أكثر من 30 شركة في قطاعات الصناعة والطاقة والخدمات، وتصنف ضمن أكبر 5 مجموعات أعمال في عُمان حسب تصنيف فوربس الشرق الأوسط. وخلال نموها المضطرد واجهت أزمات كبيرة استجابت لها بذكاء وصمود استراتيجي، فأمام أزمة انخفاض أسعار النفط (2014-2016) عملت على زيادة الاستثمار في الصناعة التحويلية ودخول مشاريع الطاقة المتجددة، وكانت النتيجة نمو إيرادات القطاع الصناعي بنسبة 18% رغم الأزمة.

"الميزة التنافسية لمجموعة الزبير لم تكن في حجمها، بل في قدرتها على رؤية الفرص حيث يرى الآخرون مخاطر."

أخيرًا.. في عالمٍ مزدحم؛ حيث الأزمات ليست استثناءً؛ بل قاعدةً، تظهر الشركات الحقيقية ليس عندما تكون الرياح مواتية؛ بل عندما تَعصفُ العواصف. مؤسسة الزبير وغيرها من النماذج العُمانية الناجحة علمتنا أن المرونة الاستراتيجية ليست خيارًا؛ بل ضرورة وجودية، وأنها لم تصل إلى القمة بمحض الصدفة فالأزمات تصنع الفرص لمن يستعد لها.

"لا تنتظر العاصفة لتتعلم كيف تبني سفينة.. الأذكياء يبنونها أثناء الشمس".

 

*************

 

** سلسلة مقالات تحوّل المفاهيم النظرية إلى أدوات عملية، تنقلك من أساسيات التخطيط الذكي إلى فنون الصمود أمام العواصف الاقتصادية، وصولًا إلى استشراف المستقبل بجرأة، نقدم لك خلاصة الخبرة الاستراتيجية لتحول التحديات إلى فرص نمو واعدة.

نأمل أن تكون هذه المقالات دليلًا عمليًا لكل قائد يُريد أن يصنع مستقبله بيده في السوق العُماني الواعد.

** أستاذ زائر في الكلية الحديثة للتجارة والعلوم

** وزيرة التنمية الإدارية سابقًا بسوريا

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • “شعرية اللغة في القصة العُمانية القصيرة”.. إصدار نقدي يستقصي ملامح التجديد لدى جيل القصة الجديد
  • رئيس وزراء فلسطين: محاولات الاحتلال مستمرة لإنهاء الوجود الفلسطيني وسنظل صامدون
  • زحمة نازحين سوريين لاثبات الوجود
  • الثوابت العُمانية في "القمة الخليجية الأمريكية"
  • الوجود الأجنبي
  • حملات مكثفة لإزالة التعديات على الأراضي بأحياء الإسكندرية
  • بوصلتك نحو قيادة الأعمال في السوق العُماني (2)
  • أدخنة ونيران.. ماذا حدث داخل أسوار مصنع الهدرجة بسوهاج؟
  • "المطاحن العُمانية" تعزز منظومة التوظيف بالذكاء الاصطناعي
  • "العُمانية لنقل الكهرباء" تحصد الجائزة الذهبية في "أسبوع عُمان للاستدامة"