واشنطن.. من لاعب محوري إلى دور محدود
تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT
بينما يتلاشى غبار الضربات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة ضد إيران، يتحدث المحللون والدبلوماسيون السابقون عن حقيقة واحدة واضحة: إسرائيل هي التي تحدد مجريات الأحداث في الشرق الأوسط، إذ أُقصيت الولايات المتحدة إلى دور ثانوي كمساعد، بينما تتصدى حليفتها للتحديات على عدة جبهات.
لا يبدو أن لأمريكا تأثيراً كبيراً على رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو
وكتب مارك لاندلر في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن هذا يمثل تحولاً جذرياً، إذ لطالما اعتبرت الولايات المتحدة نفسها اللاعب المحوري في الشرق الأوسط، وسعت بجرأة، رغم عدم تحقيق النجاح دائماً، إلى تغيير مسار التاريخ في المنطقة.
حالياً، بينما تهاجم إسرائيل أعداءها، بما في ذلك حزب الله في لبنان، وحماس في غزة وداعمتهما إيران، يجد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن نفوذه محدود جداً. وعوضاً عن صنع السلام أو الحروب الكبرى على غرار أسلافه، هو منخرط في عمليات دبلوماسية.
وأظهرت بعض الجهود الأمريكية علامات نفوذ، إذ استجابت إسرائيل للتحذيرات الأمريكية من ضرب مواقع التخصيب النووي الحساسة أو منشآت إنتاج النفط في إيران، رداً على قصف إيران لإسرائيل بالصواريخ الباليستية في وقت سابق من هذا الشهر.
Israel didn’t go for the kill, but it certainly called checkmate on #Iran by taking down its major defense systems. After peaking post Arab Uprisings, Iranian power projection & influence is now in decline. Incoming US admin has to stabilize the region given Iranian retreat @CNBC pic.twitter.com/28SOZAHDEH
— Firas Maksad (@FirasMaksad) October 28, 2024ولكن الجهود الأكثر طموحاً، مثل المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة لوقف النار مع حماس في غزة، فشلت في تحقيق أي تقدم.
ولا يزال يتعين على الولايات المتحدة اقتراح، ناهيك عن تنفيذ، خطة شاملة من شأنها أن تنتشل الشرق الأوسط من حرب كارثية تعم المنطقة بأكملها.
ولا يبدو أن لأمريكا تأثيراً كبيراً على رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، الذي صعّد الصراع مع حزب الله وإيران، وواصل الحملة العسكرية في غزة، على رغم من مقتل زعيم حماس يحيى السنوار.
ويرى الخبراء أن هدف نتانياهو، هو استخدام القوة الدافعة لهجمات حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، لقهر أعداء إسرائيل في كل الميادين.
ويصور المدافعون عن إسرائيل ذلك باعتباره فرصة لا تتاح إلا مرة واحدة في كل جيل لإعادة تشكيل المشهد المحفوف بالمخاطر في المنطقة.
ويقول المنتقدون إن إسرائيل تعمد إلى تصعيد الصراع من دون أي خطة لما سيأتي بعد ذلك.
If only the country providing critical enabling support for Israel's military actions—indeed the country that has repeatedly intervened militarily on Israel's behalf—had some agency here.
Israel Calls the Shots in the Mideast as U.S. Plays a Lesser Role https://t.co/zexHJxqfjO
وقال فالي ر. نصر، المسؤول وزارة الخارجية في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما والأستاذ في كلية جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة: "هناك عدم ترابط، حيث لدى الشريك الأصغر في التحالف رؤية أكبر للمنطقة، بينما الشريك الأكبر يحاول التعامل مع الأحداث...هذا ليس موقعاُ جيداً بالنسبة للولايات المتحدة".
وأضاف أن المنافسين مثل الصين وروسيا يلاحظون عدم قدرة الولايات المتحدة على كبح جماح إسرائيل أو احتواء الصراع في الشرق الأوسط، وقد يؤدي ذلك إلى تعميق تصميم الرئيس فلاديمير بوتين على سحق أوكرانيا، أو تشجيع الرئيس الصيني شي جين بينغ على التحرك ضد تايوان.
ولفت إلى "أن الافتراض الجوهري لدى الإسرائيليين، هو أنه في حرب أوسع، فإن الولايات المتحدة سوف تتولى القتال... إن الولايات المتحدة تسير نائمة نحو صراع آخر طويل الأمد في الشرق الأوسط".
ربما تكون الحسابات الدقيقة للضربات الإسرائيلية السبت، قد أبقت خيارات إسرائيل مفتوحة قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وربما كانت ضربة أكثر قوة لتؤدي إلى توتر العلاقات مع الإدارة المستقبلية للمرشحة الديموقراطية كامالا هاريس.
ويقول المحللون إنه إذا فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، فقد تتخذ إسرائيل إجراءات أكثر عدوانية ضد إيران، مثل استهداف منشآت الطاقة أو المنشآت النووية.
قواسم مشتركةوقال السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة مايكل ب. أورين، إن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين رؤية نتانياهو ورؤية بايدن، على رغم اختلافهما حول الحاجة إلى دولة فلسطينية.
لكن أورين قال إنه حتى عقب هجمات 7 أكتوبر "يعتقد البيت الأبيض أن رؤيته يمكن تحقيقها من دون استخدام القوة العسكرية، لكن نتانياهو يعتقد العكس".
ويقول دبلوماسيون إن الولايات المتحدة كانت تاريخياً قادرة على استخدام الاضطرابات في الشرق الأوسط للدفع من أجل التغيير، مثلاً غرست حرب عام 1973 بذور اتفاق كمب ديفيد بين إسرائيل ومصر، ومهدت الانتفاضة الفلسطينية الأولى الطريق لمحادثات السلام في عهد إدارة بيل كلينتون.
وبحسب السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل ومصر دانييل سي. كيرتزر"من المؤكد أن هناك لحظة أمل...إذا كنت مكان إسرائيل ونجحت في إضعاف ثلاثة من أهم أعدائك بشكل خطير، فقد تقول لنفسك: هذه فرصة لتقريب المسافة من الاستقرار والسلام الإقليميين".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إيران وإسرائيل الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
فورين أفيرز: ابتهاج إسرائيل وأمريكا بالنصر يتجاهل تاريخ الشرق الأوسط المعقد
نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للباحث والأكاديمي حسين آغا، الزميل الأول في كلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد، والمحاضر في كلية جاكسون للشؤون العالمية في جامعة ييل روبرت مالي، قالا فيه إنه بالنسبة للكثيرين خارج الشرق الأوسط، تبدو الحرب الأمريكية والإسرائيلية مع إيران وكأنها سردية خطية: جيوش الحليفين الهائلة وأجهزة استخباراتهما مصطفة في مواجهة خصمهما، على أهبة الاستعداد، على أعتاب نصر حاسم لا جدال فيه.
يقول الكاتبان: يُنظر إلى المعركة ونتيجتها المتوقعة من منظور السوابق المألوفة: ألمانيا هتلر مُهزومة، مُستسلمة، مستعدة للرضوخ لمطالب المنتصر، واليابان تحذو حذوها. عندما يتحدث مؤيدو هذه الحرب عن استسلام أحد الجانبين وعن كون الآخر على الجانب الصحيح من التاريخ، فإنهم يعتمدون على مفاهيم واضحة للتقدم والنهاية. فالتاريخ، بالنسبة لهم، يتقدم في خط مستقيم، متجها بسرعة نحو بر الأمان، ومن الأفضل للمرء أن يختار الجانب الصحيح أو أن يُترك على غير هدى.
لمن يعرف الشرق الأوسط، هذه الأفكار لا معنى لها، إنها مجرد هراء، كما يرى الكاتبان. للمنطقة سوابقها المفضلة، ففي وقت مبكر من سبعينيات القرن الماضي، أدى سحق الأردن للمقاتلين الفلسطينيين إلى ظهور منظمة أيلول الأسود ومذبحة ميونيخ الأولمبية للرياضيين الإسرائيليين. غزت إسرائيل جنوب لبنان عام 1982 وأجبرت منظمة التحرير الفلسطينية على النفي إلى تونس، وكانت النتيجة: صعود حزب الله النشط، ومع مرور الوقت، حركة الفلسطينيين المنفيين أقرب إلى إسرائيل، في غزة والضفة الغربية. في ثمانينيات القرن الماضي، ساعد دعم واشنطن للمجاهدين الأفغان في طرد القوات السوفييتية، كما أدى ذلك إلى صعود حركة طالبان وجيل من الجماعات الجهادية، بما في ذلك تنظيم القاعدة، والذي كان الأمريكيون هم الأشرار الرئيسين بالنسبة له. بعد انتصار واشنطن في حرب الخليج 1990-1991، جعل أسامة بن لادن وأتباعه الولايات المتحدة هدفهم الرئيس، وبعد أن نفذوا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، غزت إدارة جورج بوش الابن أفغانستان، وهزمت طالبان، وأطاحت لاحقا بنظام صدام حسين في العراق. بعد عشرين عاما، عادت طالبان إلى السلطة، وفي العراق، نهض تنظيم الدولة من بين الأنقاض، ولعبت المليشيات الموالية لإيران دورا مهيمنا في البلاد.
عندما اندلعت الثورات في جميع أنحاء الشرق الأوسط في عامي 2010 و2011، احتضن الغربيون "الربيع العربي"، واحتفوا بالنشطاء الليبراليين، وأشادوا بانتشار الديمقراطية. لكن سرعان ما حلّ الظلام؛ وأصبحت المظاهرات السلمية والقيم النبيلة التي ألهمتها ذكريات بعيدة. وفي نهاية المطاف، أفسح نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك المجال أمام مستبد أكثر وحشية، وأدى إسقاط الحكومة اليمنية إلى هيمنة الحوثيين، وأدى سقوط معمر القذافي في ليبيا إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار والعنف. لقد رحل بشار الأسد، لكن مصير سوريا لم يُحسم بعد. التاريخ لا يتحرك للأمام، إنه ينزلق جانبا ويهبط في أكثر الأماكن غير المتوقعة.
ويوضح المقال أنه قد تبرز إسرائيل منتصرة كقوة إقليمية مهيمنة بلا منازع، ستبدو إيران نمرا من ورق، وشركاؤها من غير الدول مهزومين أو مُنكمشين، وبرنامجها النووي في حالة من الفوضى، وجيشها ظل لما كان عليه سابقا، وقد لا تتحقق أحلام إسرائيل بتغيير النظام، لكن الفوضى قد تسود.
ويضيف: من المغري قراءة التحول الفوري للأحداث على أنه الأكثر صلة، هذا صحيح فقط حتى الحدث التالي. القصة لا تنتهي، القوة تستدعي قوة مضادة، النجاح يولّد ردود فعل تُنتج نقيضه. كلما اقتربت إسرائيل من النصر الكامل، اقتربت من حالة من عدم اليقين التام، من مخاطر ناجمة عن الإذلال المكبوت والغضب والنقمة، هذا النوع من النصر ليس مكانا آمنا.
بالنسبة للإسرائيليين، كان إغراء التحرك لا يُقاوم، لقد انتظروا عقودا من أجل فرصة القضاء على أعدائهم، سواء كانوا قريبين أو بعيدين، حقيقيين أو متخيلين. مع زوال جميع القيود، يعتقدون أنهم مقيّدون فقط بما يمكنهم فعله، وهم قادرون على فعل الكثير. لكن على الولايات المتحدة والدول الأوروبية أن تكون أكثر وعيا. لم ينس اليهود تعلقهم بالأرض المقدسة بعد ألفي عام من النفي. الفلسطينيون واللبنانيون والإيرانيون -أولئك الذين ما زالوا يتذكرون معركة كربلاء في القرن السابع، والتي أدت إلى استشهاد الحسين، حفيد النبي محمد- لن يغيب عنهم أبدا أهوال غزة، وقصف مدنهم، والمجازر، والعار، وقتل قادتهم، وازدواجية الغرب، ونفاقه، وانحطاطه الأخلاقي. مع هذه الذكريات العميقة والآفاق البعيدة المدى، فإن الكثير مما يُنظر إليه على أنه حاسم اليوم لن يكون ذا أهمية تُذكر للمستقبل.
قد لا تكون المخاطر التي تنتظرنا من النوع المألوف، قد تستلزم إعادة هيكلة "محور المقاومة" الإيراني، بشكل لا يقل شمولية عن المحور الذي فرضته إسرائيل بالقوة. على مر السنين، وفي ظل شعورها بالقوة، بنت إيران ترسانتها التقليدية، معتقدة أنها قادرة على ردع إسرائيل وتحديها في ساحة طالما تمتعت الدولة اليهودية بالسيطرة عليها. أقام حزب الله، وعلى خطاه حماس، شبه دولتين في لبنان وغزة، بمسؤوليات مدنية مُرهِقة وجيوش شبه نظامية. اعتبرت هذه الدول الثلاث هذه الإنجازات مؤشرات على قوتها، وتغاضت عن مدى انكشافها بسبب هذه المآثر، وكيف أن الضعف ينبع من قوة ظاهرة.
هناك سبب يدفعها (هذه الأطراف) في البداية إلى تبني أساليب حرب العصابات الأكثر مرونة ومراوغة. لقد ارتكزت قوتها على عدم التكافؤ، وعندما انحرفت إلى محاولة مجاراة عدوها، ضلّت الطريق وخسرت خطتها، انكشف أمرها. في الأيام والسنوات القادمة، قد تشعر بأنها مضطرة للعودة إلى تكتيكات قديمة. قد لا يطول الأمر قبل أن يلجأ المزيد من الفلسطينيين واللبنانيين والإيرانيين وغيرهم ممن تحركهم قضيتهم -يائسين، بعد أن قضي على أصدقائهم أو أقاربهم، يتوقون للانتقام، والظلام أفقهم الوحيد- إلى أشكال غير تقليدية من الحرب، أحيانا مخططة جيدا، وأحيانا أخرى مرتجلة، وهي نسخ اليوم الأكثر فتكا وتطورا من طائرات وحافلات الأمس المختطفة، واحتجاز الرهائن، والهجمات الانتحارية. شيء جديد مختلف، أكثر تدميرا، وفي الوقت نفسه عودة إلى الماضي. قد تشير الإنجازات الإسرائيلية في الاستخبارات التقنية، والهجمات الإلكترونية، وتفجيرات أجهزة النداء، والقتل الدقيق، والمذابح الجماعية للمدنيين، وغيرها، إلى أساليب سيستخدمها الجميع دون استثناء. المؤشرات واضحة من الآن.
ويختم المقال: يستغرق التاريخ وقتا ليصل إلى وجهته، وليس قبل أن يسلك العديد من المسارات الخاطئة. لن تعكس السنوات القادمة خططا مرتبة ووصفات سياسية صارمة. سيُشكّلهم الحدس والعاطفة، مُستلهمين من توق عميق وعميق للإنصاف والانتقام التاريخي. هذا ليس عالما بناه الأمريكيون أو من أجلهم، سيكونون في عرض البحر.
https://www.foreignaffairs.com/israel/perils-middle-east-triumphalism