الوطن:
2025-06-03@18:25:02 GMT

الشيخ ياسر مدين يكتب: في التصوف

تاريخ النشر: 2nd, November 2024 GMT

الشيخ ياسر مدين يكتب: في التصوف

تحديد المراد بالمصطلحات تحديداً دقيقاً يمنع كثيراً من سوء الفهم والخلاف والجدل، ومصطلح «التصوف» مصطلح كثر استخدامُه فى غيرِ ما وُضِعَ له، فحصل كثير من سوء الفهم والجدل، فالتصوف والمتصوف والصوفى كلُّها مصطلحات إسلاميّة نشأت فى البيئة الإسلامية إِبّانَ عصر التدوين حين نشأت مصطلحات الفقه والكلام وغيرها، وهذه المصطلحات أطلقت على علوم دُوّنت لتصون مقامات الدين الثلاثة الإسلام وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً.

والإيمان وهو أن يؤمن المرء باللهِ وملائكتِهِ وكتبِهِ ورسلِهِ واليومِ الآخرِ، وتؤمنَ بالقدَرِ خيرِهِ وشرِّهِ، والإحسان وهو أن يعبدَ المرءُ اللهَ تعالى كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فليعلم أنه سبحانه يراه.والمتأمل فى هذه المقامات سيجد أن الإسلامَ هو مقامُ معرفة أمر الله فى ما يتصل بالجوارح والظواهر، والإيمانَ وهو مقامُ معرفة أمر الله فى ما يتصل بالقلوب والبواطن، والإحسانَ وهو مقامُ المعرفة بالله سبحانه وتعالى، وهو ثمرةُ المعرفتين السابقتين.

وقد نهض علماء الأمة بحفظ هذه المقامات، فقام الأئمة الأربعة وغيرهم من المجتهدين والفقهاء بحفظ مقام الإسلام وأعمال الجوارح عن طريق علم الفقه والاجتهاد فى بيان، وكشف قواعده ومسائله، ونهض الإمامان الأشعرى والماتُريدى وغيرُهما بحفظ مقام الإيمان مما شابه من ضلال عن طريق علم أصول الدين فوضّحوا أصوله وفروعه، وكذلك نهض بعض علماء الأمة بحفظ مقام الإحسان مما ظهر فى الأمة من مظاهرَ تُناقضُ ما كان عليه النبى، صلى الله عليه وسلم، وصحابته، رضوان لله عليهم أجمعين، فبيّنوا حقائقه، وكشفوا دقائقه، ورسموا السبيل إليه، يقول صاحب الرسالة القشيرية: «اعلموا -رحمكم الله تعالى- أنّ المسلمين بعدَ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يتسمّ أفاضلُهم فى عصرهم بتسمية عَلَمٍ سوى صحبةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لا فضيلة فوقها، فقيل لهم: الصحابة.

ولمَّا أدركهم أهلُ العصرِ الثانى سُمّى من صحب الصحابة: التابعين، ورأوا فى ذلك أشرفَ سِمةٍ. ثم قيل لمن بعدهم: أتباعُ التابعين. ثم اختلف الناس، وتباينت المراتب، فقيل لخواصّ الناس ممَّن لهم شدةُ عناية بأمرِ الدينِ: الزّهادُ والعُبّادُ. ثم ظهرت البدعُ، وحصل التداعى بين الفرق، فكل فريق ادَّعَوا أنّ فيهم زهاداً، فانفرد خواص أهل السُّنة المراعون أنفسَهُم مع الله تعالى الحافظون قلوبَهُم عن طوارق الغفلة باسم التصوف. واشتُهر هذا الاسمُ لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة».

فإذا كان التصوف من الإسلام فى حقيقتِه ومصطلحه كان من الخطأ إطلاق هذا المصطلح -الإسلامى معنى ولفظاً- على التجارب والمذاهب الروحية وما شابهها عند غير المسلمين، فهذا خطأ محض لا يُقرُّه العلم، فَضْلاً عن الخُلُق والدِّين، فترجمة تلك المذاهب والمفاهيم بالتصوف فيها إساءة لمصطلح إسلامى أصيل، وإساءة للإسلام، وإساءة للمنهج العلمى السديد.ومثل هذه الإساءات حاصلة وواقعة أيضاً عند إطلاقِ هذا المصطلح على أهل الجهل والبدع والأهواء، وطريقة الاصطلاح العلمى تقضى بإطلاق اصطلاحات أخرى كالتمصوف والمتمصوف والاستصواف والمستصوف وغير ذلك، للتمييز بين الأصفياء والأدعياء، والأصلاء والدخلاء.

ووجود أولئك وتنسبهم إلى أهل التصوف لا يقدح فى أصل تلك الحقيقة العلية الشريفة، وهم يماثلون من ادّعى الفقه من غير أهله، أو من ابتغى به غير وجه الله، ومن أدخل -بقصد أو بغير قصد- فى العقيدة ما ليس منها، فكما أن وجود أولئك لا يقدح بصورة من الصور فى علم الفقه من حيث هو ولا فى الفقهاء الأصلاء، ولا يقدح فى علم أصول الدين من حيث هو ولا فى أهله الأصلاء، كذلك الشأن هنا، فوجود الدخلاء والأدعياء لا ينفى ولا يؤثر فى وجود الأصلاء والأصفياء.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: التصوف الورع السنة النبوية الاستقامة

إقرأ أيضاً:

ما هو وقت الأضحية في الإسلام؟.. اعرف آراء الفقهاء فيها

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (رجلٌ يتطوع بالأضحية كلَّ عام، وفي هذا العام اشترى شاةً للأضحية، إلا أنه قد طرأت له بعض الظروف في يوم عيد الأضحى واليوم الذي يليه حالت بينه وبين ذبحها حتى أصبح في اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة، فهل يجزئه التطوع بالأضحية بعد ذلك؟ وما الحكم لو خرج الوقت دون أن يذبح؟ هل يشرع له الذبح بعده وتكون أضحية؟

اشتريت الأضحية ثم أردت بيعها لحاجتي إلى المال.. دار الإفتاء تكشف الحكمأسعار الأضاحي 2025 .. اعرف سعر كيلو العجول القايم والخراف والماعزالأضحية في الإسلام

وقالت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال، إنه من المقرر شرعًا أن الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام، قال تعالى: ﴿وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَٰٓئِرِ ٱللَّهِ﴾ [الحج: 36]، وهي سُنة مؤكدة في أيام النحر على المختار للفتوى، فقد ورد عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» أخرجه الأئمة: الترمذي -واللفظ له- وابن ماجه والبيهقي في "السنن". وفي رواية: «وَإنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجها الإمام الحاكم في "المستدرك" وقال: "حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

وأوضحت دار الإفتاء، أن نحر الأضحية مقدَّرٌ ومحدَّدٌ بوقت إجزاءٍ شرعي بحيث لا تقع الأضحيةُ صحيحةً مجزئةً عن صاحبها بالخروج عن هذا الوقت، ولَمَّا كان ابتداءُ وقتها يومَ النحر -على تفصيلٍ في ذلك بين الفقهاء- فقد أجمع الفقهاء على أنه لا يجزئ في الأضاحي ما كان قبل طلوع فجر يوم النحر.

وقت الأضحية

وتابعت: ولِآخِر الوقت الذي تجزئ فيه الأُضحية وتصحُّ شرعًا -قولان:

القول الأول: أنَّ الأضحية مؤقتةٌ بثلاثةِ أيامٍ، هي: يوم النحر، ومعه يومان مِن أيام التشريق الثلاثة، بحيث ينتهي وقتها بغروب شمس اليوم الثاني عشر مِن شهر ذي الحجَّة، وهو مذهب جمهور الفقهاء مِن الحنفية والمالكية والحنابلة.

ودليلهم على ذلك: ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ» أخرجه الإمام مسلم. ومعلوم أنه أباح الأكل منها في أيام الذبح، "فلو كان اليوم الرَّابع منها لكان قد حَرُم على مَن ذبح في ذلك اليوم أن يأكل مِن أضحيته"، كما قال الإمام أبو الوليد البَاجِي في "المنتقى" (3/ 99، ط. مطبعة السعادة).

والقول الآخَر: أنَّ وقت الأضحية أربعة أيام، فيستمر مِن يوم النَّحر إلى آخر أيام التشريق الثلاثة، بحيث ينتهي وقتها بغروب شمس اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجَّة، وهو ما ذهب إليه الشافعية، واختاره بعض فقهاء الحنابلة، منهم الإمامان أبو الفَرَج الشِّيرَازِي، وابن عَبْدُوس.

ودليلهم على ذلك: ما رواه جُبَيْر بن مُطْعِم رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُّ فِجَاجِ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ.. الحديث» أخرجه الأئمة: أحمد في "المسند" واللفظ له، وابن حِبَّان في "الصحيح"، والبَيْهَقِي في "السنن الكبرى".

وأوضحت أنه إذا انتهى الوقت المشروع للأضحيةِ المسنونةِ قبل نحرها، فجمهور الفقهاء مِن المالكية والشافعية والحنابلة على أنَّها تسقط عنه وتفوته بفوات وقتها؛ إذ الذبح بعد فوات أيام النحر لا يُعد أُضحية، كما أنها لا تُقضَى عندهم؛ لأنها سُنَّةٌ تَعَلَّقَت بوقتٍ محدَّدٍ لا يمكن أداؤها إلا فيه، ولا يمكن قضاؤها إلا في مثله من العام المقبل، ولو انتظر ليقضيها في وقتها التالي مِن العام المقبل فلن تصادف وقتًا خاليًا يسمح بالقضاء؛ لأنها تقع منه حينئذٍ أداءً عن العام الجديد، كمن اعتاد صيام التطوع في أيام مخصوصة كالإثنين والخميس، فلو فاته يومٌ لم يستطع قضاءه دون أن يترك للقضاء أداءَ يومٍ آخَر مثله، فلما تزاحم القضاءُ مع الأداء سَقط قضاء السُّنن التي تفوت مواقيتها كالأضحية؛ لتحقُّقِ الفوات فيها وانقطاع المستدرك.

بينما ذهب الحنفية -تبعًا لوجوب الأضحيةِ عندهم على الموسِر وهو الذي يملك نصابًا من المال تجب فيه الزكاة- إلى أنَّها إن فات وقتها فإنه يجب على المكلَّف إن كان موسرًا أن يتصدَّق بثمنها، سواءٌ أكان قد اشتراها أم لم يشتَرِهَا، أما إذا اشتراها مَن لا تجب عليه ثم فات وقتها من غير أن يضحي بها، فإن عليه أن يتصدق بها حيَّةً إلى الفقراء والمحتاجين دون أن يذبحها؛ لفوات وقت الذبح وقد عيَّنها قُربةً لله، فيتصدق بعينها، وفي كلِّ ذلك لا تكون أضحية، وإنما هي خروجٌ عن عهدة الوجوب، كالجمعة تقضى عند فواتها ظهرًا، والفدية لمن عجز عن الصوم.

وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ التطوع بالأضحيةِ له في الشرع الشريف وقتٌ معلومٌ، بحيث لا يجزئ ذبحُها كأضحيةٍ قَبلَه ولا بَعدَه، وغروب شمس يوم الثالث عشر مِن ذي الحجة هو آخِر وقت لها، فمَن تأخَّر عن ذلك دون أن يذبحها فقد فاتته في ذلك العام، ولا يجب عليه شيءٌ، ومِن ثمَّ فإن الرجل المذكور الذي مرَّ به يوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة دون أن يذبح ما اشتراه من شاة للأضحية المندوبة -يجوز له شرعًا أن يذبحها ثالثَ أيام التشريق، وهو يوم الثالث عشر مِن شهر ذي الحجة، فإن فاته الذبح في ذلك اليوم حتى غربت شمسُه فإن التطوع بالأضحية يفوته عن ذلك العام بلا إثمٍ أو لزومِ قضاءٍ.
 

طباعة شارك دار الإفتاء الأضحية عيد الأضحى الأضحية في الإسلام شهر ذي الحجة

مقالات مشابهة

  • دعاء يوم عرفة للمريض.. إحرص عليه حتى غروب الشمس
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (التايتانك بتاعتنا)
  • الشورى من عندنا.. والديمقراطية من عندهم!
  • ما هو وقت الأضحية في الإسلام؟.. اعرف آراء الفقهاء فيها
  • أستاذ الفقه المقارن: فلسفة بناء البيت الحرام هي الامتثال لأوامر الله
  • فضل يوم عرفة في الإسلام.. 4 فضائل أنعم بها الله على عباده
  • ثبات نبي الله إبراهيم عليه السلام في مواجهة الطاغوت : قراءة في المحاضرة الثالثة للسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله ضمن سلسلة دروس القصص القرآني
  • من أنوار الصلاة والسلام على سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم
  • أورتاغوس قريباً في لبنان... وهذا ما ستُركّز عليه
  • اليوم.. دعوى منع سعد الدين الهلالي من الفتوى والظهور الإعلامي