من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. الشتاء “مهنتي”..
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
#الشتاء_مهنتي
من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي
نشر يوم الثلاثاء 26 / 1 / 2016
أعرف نفسي جيّداً، فمنذ ان تخرجت من الجامعة وأنا أرفع راية الاستسلام البيضاء للمهن كافة …فتنازلت عن السبع صنايع وتمسّكت في البخت الضايع وحسب. .لقد تعلّمت بحكم التجربة، أن أي عمل يستدعي مهارة خاصة، أو حرفة يدوية ، أو جهود دقيقة في التصليح.
تخيلوا أن تثبيت مسمار في خشب الدُّرج على سبيل المثال يحتاج مني إلى نصف نهار على الأقل ..كلما طرقته طار إلى صدر الغرفة ، وبعد أن أستعيده بهمّة الأبناء يطير من جديد، وإذا ما قررت غرسه جيداً واضعاً إياه بين إصبعي الإبهام والسبابة وأحاول ضربه بالمطرقة ينزلق رأس القدّوم عن المسمار ويصيب الظفر ، فاترك التصليح وأبدأ بمص الإصبع المصاب حتى يبرد ويخفّ نبضه ، والنتيجة ؛ تمل العائلة من جهودي في التصليح ويحملون عدة النجارة من أمامي قبل أن أخرج بعاهة مستدامة…
تخيّلوا لو أني احترفت النجارة كمهنة وكمصدر رزق..أعدكم أني سأفقد أصابعي التالية :الأوسط ،السبابة ،الإبهام والخنصر عند أول استخدام للمنشار الكهربائي ..ولبقيت أسلم على الناس وأحك شعري وأردّ التحية وابعث مسجات “الواتساب” بالبنصر فقط..
أنا لا مهنة لي في حضرة الشتاء …الشتاء “مهنتي”..فمنذ أن قالت مصادر التنبؤات الجوية أن هذا الأسبوع حافل بفعاليات جوية ومطرية ،وأن الغيوم تخبئ الثلوج في جيوبها كما تخبئ الأمهات “الملبّس والفيصلية”..وأنا ألغي كل مواعيدي المرتبة مسبقاً..اتصلت بهم واحداً واحداً…وأخبرتهم : أنه “في عندنا عطوة” هذا الأسبوع وأنا كفيل الدفا والوفا…وهذا يستوجب حضوري ثم أسرد لهم تفاصيل لحادثة وهمية من الخيال وكيف “دخلوا فيّه الجماعة” فأحصل على تعاطف غير مسبوق من صاحب الموعد، وبعد ان أنجح في الإلغاء أعود لفرشتي ..في الحقيقة انا لم أكذب فأنا وكيل الدفا حقاً..اللقاءات يمكن ان تعقد في أي وقت..لكن المنخفضات لا تعترف بالأجندة ..هذا موسمي ..والشتاء مصدر رزقي الأدبي..
أنا كائن مخلوق من حبر وورق ودفء وأرق..”الشتاء “مهنتي” الوحيدة، والكتابة طقسي الجميل..أتحرى الغيوم الثقيلة كما يتحرّى العاشق حبيبته، أحاول أن استثمر كل الوقت في الرسم على بخار النافذة ، ومراقبة أغصان السرو عندما تشتبك بشجرة التوت الشقيقة ، وأتابع جيداً مسار تحرّك كرتونة “مستر شيبس” الفارغة بفعل الريح …فوق وسادتي “اعمال الماغوط” واحمد مطر وغادة السمان “الأبدية لحظة حب” ..بينما محمد عبد الوهاب يغني “يا وابور قلي رايح على فين”، كلما أنهاها عدتها من جديد …بين الحين والآخر أتحرّش بالنار .. ..أحرك رأس “الفوجيكا” أنفخ على القبة الملتهبة فيتطاير ريحها،يا لرائحة السناج كم يذكرني ببيتنا الغربي ، بعتمة القصيب ، بنقاط الدلف، بالطين المبتل، بذراع الشباك الشمالي ، بالزجاج المهتزّ، برائحة صوف الفراش المعتّق بالرطوبة ، ورسومات اللحف القديمة..وأشقائي الذي كانوا يحتّلون أماكن إستراتيجية قرب الصوبة…وأبي الذي يسبح كلما سمع صوتا للرعد ..وأمي التي تنفخ على “طاسة العدس” التي تنضج على مهل…
الشتاء “مهنتي”..أقص من زجاج الوقت غيمة مهاجرة، اهندس لها بروازاً من تعابير الدفء..ثم أعلقها على جدار الذكرى لشتاء قادم…ثم تعود لي أصابعي سالمة…
دعوني أؤجل كل المواعيد..
فالمطر بعض من قدر..مواعيده لا تؤجل..
احمد حسن الزعبي
[email protected]
#126يوما
#أحمد_حسن_الزعبي
#كفى_سجنا_لكاتب_الأردن
#متضامن_مع_أحمد_حسن_الزعبي
#الحرية_لأحمد_حسن_الزعبي
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الحرية لأحمد حسن الزعبي أحمد حسن الزعبی
إقرأ أيضاً:
“إلى أين؟”.. عرض ليبي يُجسّد القلق الوجودي ضمن مهرجان المونودراما العربي في جرش 39 اللجنة الإعلامية لمهرجان جرش بحضور ممثل عن السفارة الليبية في عمان، وجمع غفير من عشاق المسرح، وضمن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان المونودراما المسرحي، قدّمت ا
صراحة نيوز – بحضور ممثل عن السفارة الليبية في عمان، وجمع غفير من عشاق المسرح، وضمن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان المونودراما المسرحي، قدّمت الفرقة الليبية مساء الثلاثاء 30 تموز 2025 على خشبة مسرح مركز الحسين الثقافي – رأس العين، عرضها المسرحي المونودرامي “إلى أين؟”، في تجربة مسرحية مزجت بين القلق الوجودي والتساؤلات العميقة التي يعيشها الإنسان العربي المعاصر.
المسرحية، التي كتبها الكاتب العراقي علي العبادي، مقتبسة عن نصه “حقائب سوداء”، وأخرجها الليبي عوض الفيتوري الذي تولى أيضًا تصميم السينوغرافيا، بينما قام بتجسيدها على الخشبة الفنان حسين العبيدي، يرافقه موسيقيًا الفنان أنس العريبي، الذي أضفى بعدًا شعوريًا ساهم في تعزيز التوتر الدرامي والانفعالي للنص.
وفي إطار مونودرامي متماسك، يقف “الممثل – المسافر” ليحمل حقائبه المادي والرمزية، باحثًا عن إجابة لسؤال وجودي يتردد طيلة العرض: “إلى أين؟”. فالمسرحية لا تكتفي بعرض مشهد فردي عن الرحيل، بل تحوّله إلى سؤال جماعي يمسّ كل من اضطر أن يغادر، أن يهاجر، أن يُهجّر، أو أن يرحل مجبرًا من وطن بات غير قابل للسكن، بفعل الحروب والدمار والنكبات المتتالية، وحتى الإحتلال في العالم العربي.
الحقائب في العرض ليست مجرد أدوات، بل رموزٌ لما نحمله في دواخلنا: ذكريات، أحلام، خصوصيات، جراح، وآمال. المسرحية تفتح مساحة للتأمل في دوافع السفر؛ أهو بحث عن الأمان؟ أم عن الذات؟ أم محاولة مستميتة للهرب من واقع خانق؟
العرض الليبي جاء متقنًا في استخدامه للضوء والظل، للصوت والصمت، للحركة وللسكون، حيث مزج المخرج بين عناصر النص والفرجة والموسيقى والإضاءة، ليصوغ منها كولاجًا بصريًا وصوتيًا نابضًا يعكس نبض الشارع العربي، ويطرح الأسئلة التي قد لا تجد أجوبة، لكنها تُحكى، تُصرخ، وتُهمس على خشبة المسرح.
ويُشار إلى أنّ الدورة الثالثة من مهرجان المونودراما العربي، التي تُقام ضمن فعاليات مهرجان جرش للثقافة والفنون لعام 2025، تستضيف عروضًا من مختلف الدول العربية، تشكّل فسحة للتعبير الفردي الحرّ، وتحاكي هواجس المجتمعات بعيون فنانيها.