تعزيز المحتوى المحلي لضمان اقتصاد متين
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
رامي بن سالم البوسعيدي
دعمًا لجهود تنويع مصادر الدخل وتعزيز التنافسية الاقتصادية، جاءت توجيهات حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- باعتماد السياسة الوطنية للمحتوى المحلي لرفع تنافسية الاقتصاد الوطني وتعزيز نموه، وتأكيدا على أهمية قيام القطاع الخاص بالإسهام في الدفع بتلك السياسة، وهي بلا شك تعتبر من الأسس الاستراتيجية التي تعزز الإنتاجية وتخلق فرص عمل وتساهم في بناء اقتصاد متنوع ومستدام.
السياسة الوطنية للمحتوى المحلي تعبر عن مجموعة من السياسات والإجراءات، وتأتي بهدف زيادة نسبة المدخلات الوطنية في مختلف القطاعات الاقتصادية، مثل الصناعات والتجارة والخدمات وتشمل مختلف العناصر التي تساهم في الإنتاج، مثل المواد الخام والخدمات والتقنيات والقوى العاملة، حيث يتم تشجيع القطاع الخاص والعام على الاعتماد على هذه المدخلات المحلية لتقليل الواردات وتعزيز الناتج المحلي.
ومن المُقرر أن تركز هذه السياسة الوطنية للمحتوى المحلي على تحقيق مجموعة من الأهداف الوطنية أهمها تعزيز المنافسة من خلال زيادة الاعتماد على الموارد المحلية العُمانية، وتعزيز تنافسية المنتجات والخدمات الوطنية، مما يدعم قدرة السوق المحلي على التنافس إقليمياً وعالمياً، كما يمكن أن نعتبر نجاحنا في تنفيذ التوجيهات السامية بزيادة نسبة المدخلات المحلية في الإنتاج وسيلة فعَّالة لتوفير المزيد من فرص العمل خاصة للكفاءات الوطنية، وهو ما ينعكس بشكل مباشر في تقليل معدلات الباحثين عن عمل ورفع مستويات المعيشة.
من جانب آخر، يؤدي الاعتماد على المحتوى المحلي إلى زيادة القيمة المضافة في الاقتصاد الوطني، وبالتالي تعزيز النمو وتوسيع قاعدة الإيرادات، خاصة وأن هذه السياسة تشجع على تطوير التقنيات المحلية وتبني الابتكارات الجديدة التي تساعد في تحسين الإنتاجية والجودة، ويعتبر القطاع الخاص ركيزة أساسية في تحقيق أهداف المحتوى المحلي، حيث يعتمد نجاح هذه السياسة بشكل كبير على مشاركة الشركات والمؤسسات الخاصة، ويمكن تلخيص دور القطاع الخاص في دعم الاقتصاد الوطني من خلال استثماراتها في الصناعات المحلية، وتطوير المنشآت الإنتاجية التي تعتمد على المواد والخدمات المحلية.
أما فيما يخص الابتكار، فإنَّ القطاع الخاص يتمتع بمرونة أكبر في الابتكار وتطوير المنتجات، وهو ما يساعد في تحقيق أهداف هذه السياسة الوطنية، وهي فرصة أمام الشركات لاستغلال هذا التوجه الوطني عبر تطوير منتجات جديدة باستخدام المواد والخدمات المحلية وتفتح مجالات جديدة للسوق المحلي والتصدير، خاصة مع وضع القطاع اللوجستي في السلطنة الذي يُشجع الشركات على التعاون مع الموردين المحليين وتفضيلهم على الموردين الأجانب، مما يُسهم في دعم الصناعات الوطنية الصغيرة والمتوسطة ويزيد من الاعتماد على السوق المحلي.
ولتفعيل دور القطاع الخاص في هذه السياسة، يجب أن نعمل في المرحلة المقبلة على توفير الحوافز والإجراءات التي تساعد الشركات على تطبيق هذه المبادئ عبر التسهيلات المالية للشركات التي تعتمد على المحتوى المحلي في إنتاجها، ويمكن توفير برامج تمويلية خاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على الموارد المحلية عبر بنك الاستثمار العماني، بجانب توفير برامج تدريبية للكوادر الوطنية وتطوير مهاراتها لزيادة اعتماد الشركات على القوى العاملة المحلية، كما يمكن أن تشجع الحكومة على إنشاء شراكات بين القطاعين العام والخاص لتعزيز التعاون وزيادة الاعتماد على المحتوى المحلي.
وبلا شك ندرك أن هناك تحديات تواجه القطاع الخاص في تطبيق هذه السياسة، على الرغم من الفوائد الكبيرة التي يقدمها المحتوى المحلي للاقتصاد، منها التكلفة لبعض المدخلات المحلية، والتي قد تكون بعض المواد الخام أو المنتجات المحلية مكلفة مقارنة بنظيراتها المستوردة، كما يجب الوقوف على نقص الكفاءات والتقنيات في بعض القطاعات، وقد يكون هناك نقص في الكفاءات المدربة أو التقنيات المتقدمة محليا، مما يشكل تحدياً أمام الشركات في تلبية احتياجات السوق، ولا يجب أن نهمل دعوات الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى تجاوز البيروقراطية والإجراءات الحكومية في بعض القطاعات وهو ما قد يؤثر على سرعة وكفاءة الإنتاج.
من خلال ما سبق، ندرك أن السياسة الوطنية للمحتوى المحلي ليست مجرد خطة اقتصادية، بل هي رؤية استراتيجية لبناء اقتصاد قوي ومستدام يعتمد على الموارد المحلية ويعزز من تنافسيته، ولتحقيق هذا الهدف يجب أن يكون للقطاع الخاص دور رئيسي في دعم هذه السياسة من خلال الاستثمار في الصناعات الوطنية وتوظيف الكفاءات المحلية، والتعاون مع الموردين المحليين وأن يكون المساهم الأول في خلق اقتصاد متنوع ومتين.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
القطاع الخاص يقود دفة النمو
تشهد خريطة الاستثمارات فى مصر تحولاً نوعياً وكبيراً خلال العام المالى 2024/2025، حيث تتجه الحكومة نحو تعزيز دور ومكانة القطاع الخاص ليكون القاطرة الأساسية للنمو الاقتصادى، يعكس هذا التوجه مجموعة من الإصلاحات الهيكلية التى تهدف إلى تحسين البيئة الاستثمارية وتوسيع قاعدة النمو المستدام، ووضع مصر على مسار اقتصادى أكثر تنافسية.
وأعلنت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى، أن الدولة تستهدف رفع حجم الاستثمارات الخاصة إلى نحو 987 مليار جنيه خلال العام المالى الجارى، وهو ما يمثل نسبة كبيرة تصل إلى نحو 49.7% من إجمالى الاستثمارات الكلية المخططة.
وتظهر مؤشرات الأداء الفعلى فى الربع الأول من العام المالى الحالى تحولاً واضحاً، حيث سجلت الاستثمارات الخاصة نمواً قوياً بلغ 30% مقارنة بالربع المماثل من العام السابق، حيث بلغت قيمة هذه الاستثمارات نحو 133.1 مليار جنيه بالأسعار الثابتة فى الربع الأول، واستحوذت على نحو 63.5% من إجمالى الاستثمار المحقق فعلياً.
هذه الهيمنة المتزايدة للقطاع الخاص جاءت بالتوازى مع تراجع حاد فى معدلات الإنفاق على الاستثمارات العامة، والتى شهدت انكماشاً بمعدل بلغ نحو 60.5%، لتسجل 57 مليار جنيه فقط، ويأتى هذا التراجع فى إطار خطة الحكومة لحوكمة الإنفاق الاستثمارى العام وإفساح المجال كاملاً للقطاع الخاص.
ويؤكد هذا التغيير الجذرى سعى الحكومة نحو تطبيق نموذج اقتصادى جديد يعتمد على الشراكة الفعالة، والعمل على تعزيز بيئة استثمارية جاذبة ومحفزة للشركات المحلية والأجنبية على حد سواء، ما يدفع بعجلة الإنتاج ويزيد من تنافسية الاقتصاد المصرى.
وعلى صعيد جذب رؤوس الأموال من الخارج، تستهدف مصر تحقيق قفزة نوعية فى صافى الاستثمار الأجنبى المباشر (FDI)، حيث تشير التوقعات والأهداف إلى جذب استثمارات مباشرة بقيمة تتراوح بين 12 و12.2 مليار دولار خلال العام المالى 2024/2025.
كما أظهرت تقارير البنك المركزى ارتفاع صافى التدفقات من الاستثمار الأجنبى المباشر فى القطاعات غير النفطية بشكل ملحوظ، إذ سجلت هذه التدفقات نحو 11.6 مليار دولار خلال العام المالى نفسه، ما يشير إلى تنوع مصادر الجذب وعدم الاقتصار على قطاع واحد، وجدير بالذكر أن صفقة تطوير مدينة «رأس الحكمة» الكبرى فى 2024 عززت بشكل استثنائى مكانة مصر على خريطة الاستثمار العالمى.
ويتم توجيه جزء كبير من هذه الاستثمارات الأجنبية والمحلية إلى قطاعات استراتيجية وحيوية، مثل قطاع العقارات والسياحة، حيث تظهر عوائد قوية تصل إلى 10%، مدعومة بمشاريع عملاقة، وإضافة إلى ذلك، تبرز مشاريع الطاقة المتجددة، وتستهدف الوصول إلى نسبة 42% من الطاقة النظيفة بحلول عام 2030.
وبالرغم من إجراءات حوكمة الإنفاق العام، إلا أن الخطة الحكومية تولى أهمية قصوى لـ«التنمية البشرية»، حيث تستهدف توجيه أكثر من ثلثى الاستثمارات الحكومية المتبقية نحو هذين القطاعين الحيويين، وتخصص الخطة نسبة 42.4% من الاستثمارات الحكومية لقطاعات التنمية البشرية، لتأكيد انحياز الدولة لمواصلة بناء الإنسان المصرى.
يليها فى الأولوية «قطاع مياه الشرب والصرف الصحى»، الذى يستحوذ على 25.4% من إجمالى الاستثمارات الموجهة من الحكومة، هذه التوزيعات تضمن استمرار العمل على تحسين الخدمات الأساسية والبنية التحتية الضرورية للمواطنين، ما يدعم النمو الاجتماعى إلى جانب النمو الاقتصادى.
وبالإضافة إلى الأرقام القياسية، فإن جهود تمكين القطاع الخاص انعكست فى ارتفاع كبير فى التمويلات الميسرة الموجهة إليه، حيث سجلت نحو 4.17 مليار دولار فى عام 2024، مقابل 2.9 مليار دولار فى العام الذى سبقه، ويعود هذا إلى الشراكات القوية والبرامج الإصلاحية المتبناة.
ولهذا يمثل 2025 عاماً محورياً فى استراتيجية مصر الاستثمارية، حيث يشهد انتقالاً حقيقياً لقيادة القطاع الخاص للنمو، مع استهداف مستويات قياسية من الاستثمار الأجنبى المباشر، وتوجيه الإنفاق الحكومى نحو أولويات التنمية البشرية والبنية التحتية، ما يرسم ملامح مستقبل اقتصادى أكثر استدامة.