في صباح مشمس في مركز مدينة دالاس الأميركية، تجمهر 3 آلاف من المسيحيين الإنجيليين لحضور صلاة الأحد في الكنيسة المعمدانية الأولى. لم يكن هذا العدد حقيقياً، بل تجاوز 6 آلاف شخص بعد احتساب الحاضرين عن طريق خدمة "الأونلاين" التي توفرها الكنيسة. هذا الحشد الغفير من الحضور في يوم من أيام ديسمبر 2021 كان مردَّه حضور الرئيس السابق دونالد ترامب للمشاركة في الصلاة الأسبوعية التي تقام في الكنيسة.

"أستطيع أن أقول بدون أي تردد على الإطلاق إنه الوحيد المؤيد للحياة وللحريات الدينية ولإسرائيل في تاريخ أميركا".. هذه الجملة جاءت في تقديم كبير القساوسة روبرت جيفريس لدونالد ترامب قبل أن يلقي الأخير كلمته في مناسبة عيد الميلاد.

وكما تردد صدى الجملة في القاعة الكبيرة للكنيسة، تردد أيضاً بين أوساط المسيحيين الإنجيليين. فهم على وفاق أيديولوجي مع ما يطرحه ترامب في خطاباته بشأن القضايا الرئيسية، ويلتقون فكرياً مع مشروع ترامب المحافظ والذي يتمثل في جوانب متعددة كمعارضة الإجهاض، والتضييق على حقوق المثليين، والدعم الكبير لإسرائيل، والحفاظ على قيم الأسرة والزواج، الأمور التي بدت جلية في تعييناته للقضاة الفيدراليين في المحكمة العليا من ذوي المشروع المحافظ.

الكتاب المقدس والسياسة

الإنجيليون هم أكثر فئة محافظة بين المسيحيين في أميركا. فهم يؤكدون على أولوية التمسك بالكتاب المقدس وما جاء فيه، ويؤمنون بضرورة الإيمان الشخصي، وأهمية نشر منهجهم للآخرين. للأسرة عندهم دور تقليدي، إذ أن الرجل يُعتبر القائد والمكلَّف، والمرأة هي الراعية والأم، ويتعهد أولادهم بالامتناع عن ممارسة الجنس قبل الزواج.

ووفقاً لمسح أجرته مجموعة "بارنا" في أغسطس من هذا العام، يعتبر 51 في المئة من الإنجيليين أن موضوع الإجهاض، أحد أبرز القضايا الانتخابية، أمر أولوي وبالغ الأهمية. ولكي تُفهَم هذه النسبة، فلا بد من وضعها في سياقها. فاليوم، يقدَّر عدد الأميركيين الإنجيليين من البالغين بحوالي 30 مليون أميركي، أي ما يعادل تقريباً 24 في المئة من تعداد سكان أميركا. مما يعني أن لصوتهم في الانتخابات وزناً قد يساهم في ترجيح كفة مرشح على آخر.

استطلاع يكشف اختلاف مواقف الأميركيين بشأن "مسيحية" ترامب وهاريس أظهر استطلاع جديد أجراه مركز أسوشيتد برس-نورك للشؤون العامة في الفترة ما بين 12 إلى 16 سبتمبر أن عددا قليلا من الأميركيين يرون أن المرشحين للرئاسة، الجمهوري دونالد ترامب، والديمقراطية كمالا هاريس، "مسيحيين بشكل خاص".

ورغم أن القس جيفريس كان قد أوضح، في تصريحات لصحيفة "ذي دالاس مورنينغ نيوز" أن رسالته في يوم الأحد الذي استضاف فيه ترامب، "لن يكون لها علاقة بالسياسة على الإطلاق، بل سيكون كل شيء عن عيد الميلاد". ولكن، وحسب محللين سياسيين محليين، في حديثهم لقناة WFAA التابعة لشبكة "آي بي سي" الأميركية، فإن التجمع في ذلك اليوم تحول إلى "تعبئة سياسية لجمهور الكنيسة" بناء على ما ورد في خطبتي جيفريس وترامب.

جذور قديمة

وكما قام جيفريس بهذه البادرة، فإن الكنائس الإنجيلية غالباً ما تعمل كمراكز للتعبئة السياسية. والكثير من قساوسة الكنيسة يشجعون جماعاتهم بشكل مستمر على التسجيل للتصويت والمشاركة في الانتخابات في تجمعات مشابهة. هذه الممارسة ليست بجديدة، بل تعود جذورها لثمانينيات القرن الماضي، حين عاش الشخص المؤثر في عالم الإنجيليين الأميركيين؛ جيري فالويل.

بدأ فالويل حياته المهنية بعد أن أسس كنيسة توماس رود المعمدانية في أواخر الخمسينات، ولكن سرعان ما نمت كنيسته وأصبح شخصية معروفة في أوساط الإنجيليين. إلا أن الشهرة الحقيقة لهذا الشخص لمعت على المستوى الأميركي من خلال برنامجه التلفزيوني "ساعة لإنجيل الزمن القديم"

أسس فالويل منظمة The Moral Majority (الأغلبية الأخلاقية) بهدف تعزيز القيم المسيحية المحافظة، ولحشد الإنجيليين للمشاركة في العملية السياسية، إذ اعتقد فالويل أن المسيحيين "لديهم التزام أخلاقي" بالتأثير على الحكومة والسياسة العامة.

استطاع فالويل بمرور الأيام أن يحول الإنجيلية نحو هوية أكثر نشاطاً سياسياً، إذ كشف استطلاع أجراه معهد أبحاث الديانة العام في عام 2022 أن 72 في المئة من الإنجيليين من العرق الأبيض يخططون للتصويت في انتخابات عام 2024، في حين أن 60 في المئة فقط من سكان أميركا يخططون للتصويت.

لعب فالويل دوراً كبيراً في فوز رونالد ريغان في انتخابات عام 1980. فمبادئ الحزب الجمهوري تلتقي في كثير من النقاط مع منظمة "الأغلبية الأخلاقية" التي حثَّت الإنجيليين على العودة إلى مبادئ الإنجيل. وانتشرت وقتها عبارة "لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" التي رددها رونالد ريغان في خطابات عدة.

لمن يصوتون؟

لا يزال الإنجيليون مستمرون في دعم الجمهوريين على مدى السنوات الأخيرة، كما يظل يشكلون جزءاً حيويا من قاعدة الحزب الجمهوري. ولكن، ووفقاً لاستطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث، فقد صنف 50 في المئة من الشباب الإنجيليين أنفسهم على أنهم ديمقراطيون، وهذا يعني أن الأجيال التي تتراوح أعمارهم من 18 إلى 29 بدأوا بالميلان تجاه الحزب الديمقراطي.

هل سيشكل الإنجيليون العرب جسرا مع الغرب؟ هل سيشكل الإنجيليون العرب جسرا مع الغرب؟

كما أن الأرقام بدأت تؤكد هذا الاتجاه الجديد، فبالعودة لنتائج الانتخابات لعام 2020، تبين أن 27 في المئة من الإنجيليين الذين تقل أعمارهم عن ثلاثين عاماً صوتوا لصالح جو بايدن. كما أن 47 في المئة من هذه الفئة بدأت ترى قضايا مثل العدالة الاجتماعية والمساواة العرقية وتغيير المناخ أكثر أولوية من قضية الإجهاض.

وبالرغم من هذه الأرقام، تتوقع استطلاعات أجرتها مجموعة "بارنا" في 2021 أن يفوز الحزب الجمهوري بأصوات الإنجيليين لعام 2024، ولكن قد لا تستمر هذه الحالة للسنوات القادمة. فجيل الشباب بدأ بالسعي إلى الحصول على تمثيل أوسع في كتلة التصويت الإنجيلية. وبدأ القادة الإنجيليون بمواجهة تحديات جديدة لتحقيق التوازن بين القيم التقليدية للطائفة وبين الجيل الأصغر سناً والأكثر تنوعاً.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: فی المئة من

إقرأ أيضاً:

المبعوث الأميركي: ترامب سيرفع سوريا من قائمة الإرهاب

قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس باراك اليوم الخميس إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيرفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأكد أن واشنطن تدعم إبرام اتفاق ترسيم حدود وعدم اعتداء بين سوريا وإسرائيل.

وفي وقت سابق اليوم، رفع باراك علم بلاده فوق مقر إقامة السفير بدمشق لأول مرة منذ إغلاق السفارة عام 2012، وجاء ذلك بعد أشهر من تواصل محدود مع الإدارة السورية الجديدة، وتعزيز للعلاقات تسارع في الأسابيع القليلة الماضية.

وأفاد باراك، في كلمة له أثناء زيارته، بأن "ترامب اتخذ قرارا جريئا بشأن سوريا دون شروط أو متطلبات، وتتلخص رؤيته في إعطاء الحكومة السورية فرصة بعدم التدخل، وإني أنقل لكم التزامه وتضامنه معكم". وأكد أن جهود ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو تصب في صالح الحكومة السورية الجديدة.

بارك متحدثا اليوم من داخل مقر السفارة الأميركية في دمشق (الفرنسية)

وبشأن العلاقات مع إسرائيل، قال المبعوث الأميركي "نحن بحاجة للبدء باتفاقية عدم اعتداء بين سوريا وإسرائيل والحديث عن الحدود، فواشنطن تريد السلام بين سوريا وإسرائيل وهذه مشكلة قابلة للحل لكن الأمر يبدأ بالحوار".

وقالت وزارة الخارجية السورية إن المبعوث الأميركي التقى اليوم الرئيس أحمد الشرع ووزيري الخارجية أسعد الشيباني والدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس جهاز الاستخبارات حسين السلامة.

"سايكس بيكو" انتهى..

وقبل أيام، قال باراك إن الغرب فرض قبل قرن من الزمان خرائط وانتدابات وحدودا مرسومة بالحبر، وإن اتفاقية "سايكس بيكو" قسمت سوريا والمنطقة لأهداف استعمارية لا من أجل السلام.

إعلان

واعتبر باراك -في منشور على حسابه بمنصة إكس- أن ذلك التقسيم كان خطأ ذا كلفة على أجيال بأكملها ولن يتكرر مرة أخرى، وأن زمن التدخل الغربي انتهى، وأن المستقبل سيكون لحلول تنبع من داخل المنطقة وعبر الشراكات القائمة على الاحترام المتبادل.

باراك (يمين) مع الشيباني اليوم خلال افتتاح السفارة (الفرنسية)

يذكر أن ترامب التقى الرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض منتصف الشهر الجاري، وأعلن ترامب وقتها تخفيف إدارته العقوبات الأميركية على سوريا.

وتم تعيين باراك في منصب مبعوث بلاده إلى دمشق في 23 مايو/أيار الجاري، وهو أيضا سفير الولايات المتحدة لدى تركيا. ويجري حاليا أول زيارة رسمية له إلى سوريا.

وأغلقت الولايات المتحدة سفارتها بدمشق في فبراير/شباط 2012، بعد عام تقريبا من تحول الثورة ضد الرئيس المخلوع بشار الأسد إلى حرب دموية استمرت نحو 14 عاما قتل مئات الآلاف وفقد وشرد خلالها ملايين السوريين.

مقالات مشابهة

  • أميركا اللاتينية تميل إلى الصين في خضم الحرب التجارية
  • معاريف: رفع العلم الأميركي بسوريا إصبع في عين إسرائيل
  • بولتون الذي تجاوزه التاريخ يواصل دعم دعاية البوليساريو
  • حماس: المقترح الأميركي الذي وافق عليه الاحتلال لا يستجيب لمطالبنا
  • المبعوث الأميركي: ترامب سيرفع سوريا من قائمة الإرهاب
  • أميركا تعتزم إلغاء تأشيرات طلاب صينيين يدرسون في مجالات حسّاسة
  • رئيسة المفوضية الأوروبية: 87% من تجارتنا الخارجية تتم مع أسواق خارج أميركا
  • افتتاح دار سكن السفير الأميركي في دمشق
  • بريطانيا تسعى لتسريع وتيرة تطبيق الاتفاق التجاري مع أميركا
  • أميركا تبدأ إلغاء تأشيرات بعض الطلاب الصينيين