دخلت الحرب في السودان مرحلة جديدة، ولعلها الأخطر منذ 18 شهرا، بعد أن رفض الجيشان رسميا ورقة التفاوض جملة وتفصيلا، وقام كل معسكر بإعادة تسليح نفسه وإعادة هيكلته وانتشاره، ولم يعد من خيار مطروح سوى الحرب والنصر الكامل على العدو، فالجيش السوداني مستعد للقتال "مئة عام"، والقوات شبه العسكرية مستعدة لتكوين جيش قوامه "مليون رجل".

بهذا الملخص، يبدأ التقرير الأول من سلسلة من 8 تقارير أعدتها بعثة صحيفة لوموند من بين الحطام وسط الخرطوم، لتلقي الضوء على الحرب التي تدور بين الجيش السوداني النظامي بقيادة اللواء عبد الفتاح البرهان ومليشيات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والتي تسببت في مقتل أكثر من 150 ألف مدني وحطمت آمال ثورة 2019، مما تسبب فيما تعد الآن أخطر أزمة إنسانية عالمية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إلباييس: فوز ترامب يعكس أزمة هوية بأميركا ويلهم المستبدينlist 2 of 2دويتشه فيله: ما فائدة بقاء الدول الأفريقية في الكومنولث؟end of list

انطلقت الصحيفة -في تقرير بقلم إليوت براشي- من مقبرة أحمد شرفي في قلب مدينة أم درمان المتاخمة للخرطوم، حيث تمتد القبور على مدى البصر، ويعمل حفار القبور بكل طاقته على طول الجدار في الساحة التي كان يلعب فيها شباب الحي كرة القدم، بعد أن ملأت 18 شهرا من الحرب مقابر المدينة.

وتصف الصحيفة وصول جنازة محمد آدم الذي أصابته قذيفة وهو يستريح على سرير في فناء منزله عندما كانت ابنته إيمان تحضر له القهوة، فقامت الشابة وجارها أسامة بالتقاط القطع، وبعد ساعتين، شق رفاته، تحمله حفنة من الرجال، طريقه ملفوفا في كفن نحو ملجئه الأخير دون أن يغسل نظرا لحالته.

كان شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي -حسب الصحيفة- من أكثر الأشهر دموية بالنسبة للمدنيين السودانيين منذ بدء الحرب، ففي الخرطوم تقصف القوات شبه العسكرية المناطق التي يسيطر عليها الجيش النظامي، وفي كل يوم تسقط الذخائر بشكل عشوائي على المنازل وملاعب كرة القدم والمدارس التي يسكنها النازحون، وفي المقابل يكثف طيران القوات المسلحة قصفه لمواقع العدو، مما أدى إلى مقتل العشرات من المدنيين.

الرقصة القاتلة

وفي أربعة أسابيع، قتل أكثر من 700 مدني -بحسب تقديرات الصحيفة- مع أنه لا توجد إحصائيات موثوقة في السودان رغم أن الأمم المتحدة تواصل الإبلاغ عن عدد القتلى الذي يبلغ حوالي 20 ألف شخص، وإن كانت لوموند تقدر أنه أكثر من 150 ألف ضحية من المدنيين بالتفجيرات والمجازر والوفيات الناجمة عن الجوع والمرض.

وقبل أن تختفي أشلاء محمد آدم تحت الأرض السوداء الباردة، يتفرق الحشد دون مزيد من اللغط بعد أن أصبح الموت طقسا يوميا، يترك المتوفى في عالمه السري ويعود الأحياء إلى مشاغلهم، وينشغل المسلحون بالمجارف بحفر المزيد من القبور، فهناك عائلتان تنتظر بعد أن قتلت قذيفة هاون شخصين بالقرب من محطة وقود في أم درمان.

إيمان آدم: حتى مع وجود الجيش لا يوجد أمن.. لقد أصبحت السماء خطرا دائما. سئمنا من الوقوع في مرمى النيران. في النهاية نحن المواطنين الأمهات وأطفال الحي والشيوخ من تتم التضحية بنا. هذه الحرب لعنة فرضت علينا

وتبقى الجنازات مستمرة في هذه الرقصة القاتلة، حيث ينظم الحفار عابدين ديرما ما بين 15 و40 جنازة يوميا، ويقول "هنا نحفر من صلاة الصبح حتى حلول الليل لدفن المدنيين الذين قتلوا بسبب التفجيرات أو الرصاص الطائش والجنود والوفيات الطبيعية والأوبئة.

وفي جميع أنحاء البلاد، وخاصة في المناطق التي تسيطر عليها القوات شبه العسكرية، لا يمر معظم الموتى عبر المستشفيات والمشارح، وتدفن الجثث في الحدائق أو تحت الأشجار أو على جوانب الطرق وبعضها تلتهمه الكلاب، يقول الحفار "في هذه الفوضى تُدفن حيث تموت حتى لا تتعفن. من المستحيل إحصاء الجثث".

النهب الممنهج

وبعد أن دخلت الحرب مرحلة جديدة هي الأخطر منذ أن رفض الجيشان رسميا ورقة التفاوض جملة وتفصيلا، تبدو الخرطوم لمن يقترب من الخطوط الأمامية وكأنها مدينة أشباح، بعد أن توقف قلب العاصمة النابض وامتلأت الساحات في أحياء أم درمان التاريخية بالحطام، وتم سحق السوق الشهير، وتحولت المتاجر المدمرة إلى كومة من الطوب الأحمر الممزوج بالأقمشة المتفحمة، ولم يعد سوق الذهب الذي تتلألأ محلاته بالحلي أكثر من صف من الخردة المحروقة، تفوح منها رائحة البارود والموت.

يطلق لقب الجنجويد على قوات الجنرال حميدتي، وقد تم تجنيد هذه المليشيات بشكل رئيسي من القبائل العربية البدوية في غربي البلاد، وشاركت إلى جانب الجيش السوداني في حرب دارفور، وأصبحت بدءا من عام 2003 جيشا موازيا حقيقيا بفعل المكاسب المالية غير المتوقعة من تهريب الذهب إلى الخارج، يُنظر إليه على أنه تهديد داخل هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة.

وفي مواجهة دولة لا يمكن حكمها، تقاتل الجنرالان من أجل السلطة -كما تقول لوموند- على خلفية التوترات السياسية والمنافسة الجيوسياسية على موارد السودان من الذهب والنفط والماشية والأراضي الصالحة للزراعة، التي يطمع فيها حلفاء كل منهما.

ومنذ الأسابيع الأولى، سيطرت قوات الدعم السريع على الخرطوم بأكملها تقريبا، إلا أنها على مدى الأشهر أصبحت خارجة عن السيطرة، وانخرطت في عمليات نهب منهجية على نطاق غير مسبوق في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في العاصمة حيث توجد غنائم لا تقدر بثمن كالبنوك والمصانع والمكاتب والمنازل، وقد سُرق كل شيء، حسب الصحيفة.

وجمعت صحيفة لوموند، التي لم تتمكن من الوصول إلا إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوداني، عشرات الشهادات التي تروي اقتحام قوات الدعم السريع للمنازل، وترويع عائلات بأكملها، واغتصاب النساء، وسرقة الأشياء الثمينة من السيارات إلى المجوهرات، وهي انتهاكات يفسرها البعض بالشعور بالانتقام من النخب التي احتكرت السلطة منذ الاستقلال عام 1956.

منذ الأسابيع الأولى، سيطرت قوات الدعم السريع على الخرطوم بأكملها تقريبا، إلا أنها على مدى الأشهر أصبحت خارجة عن السيطرة، وانخرطت في عمليات نهب ممنهجة على نطاق غير مسبوق في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في العاصمة حيث توجد غنائم لا تقدر بثمن كالبنوك والمصانع والمكاتب والمنازل، وقد سُرق كل شيء

انتصار باهظ الثمن

ومنذ استعادة الجيش السوداني السيطرة على أم درمان في فبراير/شباط الماضي، عاد نحو عشرة تجار من بين الآلاف، إلا أن بكري بقي في منزله أطول فترة ممكنة، على الرغم من التهديدات المتكررة من القوات شبه العسكرية، وهو الآن -كما تقول الصحيفة- لا يجرؤ على القول إن صواريخ الجيش دمرت الحي، ولا إنه مستعد لاستعادة المدينة بأي ثمن حتى لو كان ذلك يعني السيطرة على حقل من الأنقاض.

وأشارت الصحيفة إلى أن الجيش موجود في كل مكان، وهو يسيطر على مناطقه بقبضة من حديد، حيث تنتشر نقاط التفتيش ويفرض حظر التجول من الساعة العاشرة مساء حتى الفجر، ويمكن أن يؤدي أدنى سلوك مشبوه للاعتقال ولاتهامات بالتعاون مع العدو.

تستقبل إيمان محمد آدم العائلة الممتدة في البقاع مدة الحداد على والدها وهي تقول "حتى مع وجود الجيش لا يوجد أمن. لقد أصبحت السماء خطرا دائما. لقد سئمنا من الوقوع في مرمى النيران. في النهاية نحن المواطنين الأمهات وأطفال الحي والشيوخ من تتم التضحية بنا. هذه الحرب لعنة فرضت علينا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات القوات شبه العسکریة الجیش السودانی الدعم السریع أم درمان أکثر من بعد أن

إقرأ أيضاً:

“المصورات” تعود.. وتضيء دروب الخرطوم بعد أن أنهكتها الحرب

الخرطوم.. متابعات تاق برس- في لحظة استثنائية، تتجدد الأرواح وتتوهج الأفكار، مع عودة مكتبة ودار المصورات إلى الحياة في قلب الخرطوم. وسيكون يوم الخميس 31 يوليو، يومًا مشهودًا، حيث تعلن عن انبعاثها من جديد، لتضيء دروب العاصمة التي أنهكتها الحرب، وتنير مسارات الفكر والإبداع. سيكون هذا اليوم بمثابة شهادة ميلاد جديدة للحياة الثقافية في الخرطوم، حيث تتجدد الروح وتتألق الأفكار، وتعود الكتب لتكون رفيقة درب وملاذًا للعقول المتعطشة للمعرفة. في هذا اليوم، ستتفتح الأزهار الثقافية من جديد، وستتعالى أصوات الشعراء والأدباء، وستكون الكلمات هي الشفاء للقلوب المتعبة. سيكون يومًا يحتفل فيه الجميع بانتصار الروح على الرماد، وبأن الحياة، حتى في أحلك اللحظات، تبقى أملًا لا ينضب.

 

وتعيد مكتبة ودار المصورات في الخرطوم فتح أبوابها أمام الجمهور، محمّلة بتشكيلة واسعة من الكتب الفكرية والسياسية والأدبية. ستكون الدار مفتوحة ثلاثة أيام في الأسبوع: الأحد، الثلاثاء، والخميس، من الساعة 9 صباحًا حتى 3 ظهرًا.

يمكن للمهتمين بالكتب والباحثين عن المعرفة التواصل مع الأستاذ خالد الجوز عبر الرقم (0122364460) أو الأستاذ آدم صالح عبر الرقم (0912590460).

وتأتي عودة الدار في إطار جهود إعادة إحياء الحياة الثقافية في الخرطوم، وتوفير منصة للقراء والباحثين للاطلاع على أحدث الإصدارات والكتب النادرة. وتمنح المتعبين من رائحة البارود ملاذًا من الحبر والمعرفة.

 

 

الخرطومدار المصورات لللكتبمكتبة المصورات

مقالات مشابهة

  • بارا في قبضة الجيش السوداني
  • العمليات القتالية تحتدم.. وطيران الجيش السوداني يسيطر على أجواء كردفان
  • الجيش السوداني يسترد مدينة كبيرة في كردفان
  • شاهد بالفيديو.. الأب الروحي للمطربات السودانيات “عزيز كوشي” يصل السودان ويحتفل بإجازة “شهر العسل” من العاصمة الخرطوم
  • “المصورات” تعود.. وتضيء دروب الخرطوم بعد أن أنهكتها الحرب
  • الجيش السوداني ينفتح ويحكم قبضته على منطقة حيوية في كردفان
  • “خرطوم 2” نظيفة من مقذوفات الحرب
  • رسالة مباشرة.. الجيش السوداني يوجه ضربة جوية قاسية لحكومة “تأسيس”
  • الجيش السوداني يقصف وقوة من “الدعم السريع” تغادر مدينة مهمة في كردفان
  • والي الخرطوم في حكومة “تأسيس” يصدر أولى قراراته