لوموند: الموت في الخرطوم يضرب في كل زاوية من العاصمة المدمرة
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
دخلت الحرب في السودان مرحلة جديدة، ولعلها الأخطر منذ 18 شهرا، بعد أن رفض الجيشان رسميا ورقة التفاوض جملة وتفصيلا، وقام كل معسكر بإعادة تسليح نفسه وإعادة هيكلته وانتشاره، ولم يعد من خيار مطروح سوى الحرب والنصر الكامل على العدو، فالجيش السوداني مستعد للقتال "مئة عام"، والقوات شبه العسكرية مستعدة لتكوين جيش قوامه "مليون رجل".
بهذا الملخص، يبدأ التقرير الأول من سلسلة من 8 تقارير أعدتها بعثة صحيفة لوموند من بين الحطام وسط الخرطوم، لتلقي الضوء على الحرب التي تدور بين الجيش السوداني النظامي بقيادة اللواء عبد الفتاح البرهان ومليشيات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والتي تسببت في مقتل أكثر من 150 ألف مدني وحطمت آمال ثورة 2019، مما تسبب فيما تعد الآن أخطر أزمة إنسانية عالمية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إلباييس: فوز ترامب يعكس أزمة هوية بأميركا ويلهم المستبدينlist 2 of 2دويتشه فيله: ما فائدة بقاء الدول الأفريقية في الكومنولث؟end of listانطلقت الصحيفة -في تقرير بقلم إليوت براشي- من مقبرة أحمد شرفي في قلب مدينة أم درمان المتاخمة للخرطوم، حيث تمتد القبور على مدى البصر، ويعمل حفار القبور بكل طاقته على طول الجدار في الساحة التي كان يلعب فيها شباب الحي كرة القدم، بعد أن ملأت 18 شهرا من الحرب مقابر المدينة.
وتصف الصحيفة وصول جنازة محمد آدم الذي أصابته قذيفة وهو يستريح على سرير في فناء منزله عندما كانت ابنته إيمان تحضر له القهوة، فقامت الشابة وجارها أسامة بالتقاط القطع، وبعد ساعتين، شق رفاته، تحمله حفنة من الرجال، طريقه ملفوفا في كفن نحو ملجئه الأخير دون أن يغسل نظرا لحالته.
كان شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي -حسب الصحيفة- من أكثر الأشهر دموية بالنسبة للمدنيين السودانيين منذ بدء الحرب، ففي الخرطوم تقصف القوات شبه العسكرية المناطق التي يسيطر عليها الجيش النظامي، وفي كل يوم تسقط الذخائر بشكل عشوائي على المنازل وملاعب كرة القدم والمدارس التي يسكنها النازحون، وفي المقابل يكثف طيران القوات المسلحة قصفه لمواقع العدو، مما أدى إلى مقتل العشرات من المدنيين.
الرقصة القاتلة
وفي أربعة أسابيع، قتل أكثر من 700 مدني -بحسب تقديرات الصحيفة- مع أنه لا توجد إحصائيات موثوقة في السودان رغم أن الأمم المتحدة تواصل الإبلاغ عن عدد القتلى الذي يبلغ حوالي 20 ألف شخص، وإن كانت لوموند تقدر أنه أكثر من 150 ألف ضحية من المدنيين بالتفجيرات والمجازر والوفيات الناجمة عن الجوع والمرض.
وقبل أن تختفي أشلاء محمد آدم تحت الأرض السوداء الباردة، يتفرق الحشد دون مزيد من اللغط بعد أن أصبح الموت طقسا يوميا، يترك المتوفى في عالمه السري ويعود الأحياء إلى مشاغلهم، وينشغل المسلحون بالمجارف بحفر المزيد من القبور، فهناك عائلتان تنتظر بعد أن قتلت قذيفة هاون شخصين بالقرب من محطة وقود في أم درمان.
إيمان آدم: حتى مع وجود الجيش لا يوجد أمن.. لقد أصبحت السماء خطرا دائما. سئمنا من الوقوع في مرمى النيران. في النهاية نحن المواطنين الأمهات وأطفال الحي والشيوخ من تتم التضحية بنا. هذه الحرب لعنة فرضت علينا
وتبقى الجنازات مستمرة في هذه الرقصة القاتلة، حيث ينظم الحفار عابدين ديرما ما بين 15 و40 جنازة يوميا، ويقول "هنا نحفر من صلاة الصبح حتى حلول الليل لدفن المدنيين الذين قتلوا بسبب التفجيرات أو الرصاص الطائش والجنود والوفيات الطبيعية والأوبئة.
وفي جميع أنحاء البلاد، وخاصة في المناطق التي تسيطر عليها القوات شبه العسكرية، لا يمر معظم الموتى عبر المستشفيات والمشارح، وتدفن الجثث في الحدائق أو تحت الأشجار أو على جوانب الطرق وبعضها تلتهمه الكلاب، يقول الحفار "في هذه الفوضى تُدفن حيث تموت حتى لا تتعفن. من المستحيل إحصاء الجثث".
النهب الممنهج
وبعد أن دخلت الحرب مرحلة جديدة هي الأخطر منذ أن رفض الجيشان رسميا ورقة التفاوض جملة وتفصيلا، تبدو الخرطوم لمن يقترب من الخطوط الأمامية وكأنها مدينة أشباح، بعد أن توقف قلب العاصمة النابض وامتلأت الساحات في أحياء أم درمان التاريخية بالحطام، وتم سحق السوق الشهير، وتحولت المتاجر المدمرة إلى كومة من الطوب الأحمر الممزوج بالأقمشة المتفحمة، ولم يعد سوق الذهب الذي تتلألأ محلاته بالحلي أكثر من صف من الخردة المحروقة، تفوح منها رائحة البارود والموت.
يطلق لقب الجنجويد على قوات الجنرال حميدتي، وقد تم تجنيد هذه المليشيات بشكل رئيسي من القبائل العربية البدوية في غربي البلاد، وشاركت إلى جانب الجيش السوداني في حرب دارفور، وأصبحت بدءا من عام 2003 جيشا موازيا حقيقيا بفعل المكاسب المالية غير المتوقعة من تهريب الذهب إلى الخارج، يُنظر إليه على أنه تهديد داخل هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة.
وفي مواجهة دولة لا يمكن حكمها، تقاتل الجنرالان من أجل السلطة -كما تقول لوموند- على خلفية التوترات السياسية والمنافسة الجيوسياسية على موارد السودان من الذهب والنفط والماشية والأراضي الصالحة للزراعة، التي يطمع فيها حلفاء كل منهما.
ومنذ الأسابيع الأولى، سيطرت قوات الدعم السريع على الخرطوم بأكملها تقريبا، إلا أنها على مدى الأشهر أصبحت خارجة عن السيطرة، وانخرطت في عمليات نهب منهجية على نطاق غير مسبوق في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في العاصمة حيث توجد غنائم لا تقدر بثمن كالبنوك والمصانع والمكاتب والمنازل، وقد سُرق كل شيء، حسب الصحيفة.
وجمعت صحيفة لوموند، التي لم تتمكن من الوصول إلا إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوداني، عشرات الشهادات التي تروي اقتحام قوات الدعم السريع للمنازل، وترويع عائلات بأكملها، واغتصاب النساء، وسرقة الأشياء الثمينة من السيارات إلى المجوهرات، وهي انتهاكات يفسرها البعض بالشعور بالانتقام من النخب التي احتكرت السلطة منذ الاستقلال عام 1956.
منذ الأسابيع الأولى، سيطرت قوات الدعم السريع على الخرطوم بأكملها تقريبا، إلا أنها على مدى الأشهر أصبحت خارجة عن السيطرة، وانخرطت في عمليات نهب ممنهجة على نطاق غير مسبوق في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في العاصمة حيث توجد غنائم لا تقدر بثمن كالبنوك والمصانع والمكاتب والمنازل، وقد سُرق كل شيء
انتصار باهظ الثمنومنذ استعادة الجيش السوداني السيطرة على أم درمان في فبراير/شباط الماضي، عاد نحو عشرة تجار من بين الآلاف، إلا أن بكري بقي في منزله أطول فترة ممكنة، على الرغم من التهديدات المتكررة من القوات شبه العسكرية، وهو الآن -كما تقول الصحيفة- لا يجرؤ على القول إن صواريخ الجيش دمرت الحي، ولا إنه مستعد لاستعادة المدينة بأي ثمن حتى لو كان ذلك يعني السيطرة على حقل من الأنقاض.
وأشارت الصحيفة إلى أن الجيش موجود في كل مكان، وهو يسيطر على مناطقه بقبضة من حديد، حيث تنتشر نقاط التفتيش ويفرض حظر التجول من الساعة العاشرة مساء حتى الفجر، ويمكن أن يؤدي أدنى سلوك مشبوه للاعتقال ولاتهامات بالتعاون مع العدو.
تستقبل إيمان محمد آدم العائلة الممتدة في البقاع مدة الحداد على والدها وهي تقول "حتى مع وجود الجيش لا يوجد أمن. لقد أصبحت السماء خطرا دائما. لقد سئمنا من الوقوع في مرمى النيران. في النهاية نحن المواطنين الأمهات وأطفال الحي والشيوخ من تتم التضحية بنا. هذه الحرب لعنة فرضت علينا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات القوات شبه العسکریة الجیش السودانی الدعم السریع أم درمان أکثر من بعد أن
إقرأ أيضاً:
4 قتلى في كييف وخاركيف تتعرض لأوسع هجوم منذ بدء الحرب
تصاعدت الضربات المتبادلة بين أوكرانيا وروسيا في الساعات الأخيرة، حيث أعلنت كييف مقتل 4 أشخاص في قصف روسي مكثّف على العاصمة، بينما أكدت موسكو إسقاط عدة مسيرات.
وأفاد مراسل الجزيرة بوقوع سلسلة انفجارات ضخمة في مدينة خاركيف شرقي أوكرانيا، أدت لاندلاع حرائق واسعة جراء هجمات روسية متزامنة ومكثفة بالمسيرات الانتحارية والصواريخ على المدينة.
وقال رئيس الإدارة العسكرية في خاركيف إن 10 أشخاص على الأقل أصيبوا في حصيلة أولية للهجمات المتواصلة على عاصمة المقاطعة، والتي تتم عبر صواريخ وقنابل موجهة من طائرات روسية ومسيرات انتحارية من طراز شاهد.
كما قال عمدة المدينة إن هجمات صاروخية وبالمسيرات طالت وسط المدينة أيضا.
وكانت السلطات الأوكرانية قد أعلنت مقتل 4 أشخاص على الأقل، وإصابة 16 جراء قصف روسي مكثف على كييف.
وقالت القوات الجوية الأوكرانية إن العاصمة استُهدفت بطائرات مسيّرة، وصواريخ "كروز" من نوع "كاليبر".
في المقابل، ذكرت مواقع عسكرية أن الجيش الروسي نفذ ضربات واسعة على مواقع عسكرية وبنى تحتية أوكرانية، باستخدام صواريخ مجنحة من طراز "كاليبر"، ومسيرات "غيران".
وحسب المواقع العسكرية الروسية، فإن الضربات كانت في كييف، و9 مقاطعات أوكرانية أخرى.
إعلانكما بثت تلك المواقع صورا، قالت إنها لتدمير منظومة دفاع جوي أوكرانية من طراز "باتريوت".
من جانبه، قال رئيس بلدية خاركيف إيغور تيريخوف، فجر اليوم السبت، إن المدينة تتعرّض حاليا لأقوى هجوم منذ بداية الحرب الشاملة"، مؤكدا استخدام الصواريخ والطائرات المسيرة والقنابل الموجهة في آن لقصف المدينة.
وعززت روسيا في الأسابيع الأخيرة تقدمها على خط الجبهة، لكن المحادثات الأخيرة في إسطنبول بين موسكو وكييف فشلت في التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وكتب تيريخوف الساعة 4:40 صباحا (01:40 بالتوقيت العالمي) "حتى الآن، سُمع ما لا يقل عن 40 انفجارا في المدينة خلال الساعة والنصف الماضية"، مضيفا أن "الطائرات المسيرة لا تزال تحلّق في السماء"، محذرا من أن "التهديد لا يزال قائما".
وأشار تيريخوف إلى أن غارة على مبنى سكني في منطقة كييفسكي أسفرت عن مقتل شخص واحد.
والخميس، أُصيب ما لا يقل عن 18 شخصا، بينهم 4 أطفال، في غارات على المدينة الشمالية الشرقية تسببت باشتعال النيران في مبنى سكني.
من جانبها، قالت وزارة الدفاع الروسية إن وحدات الدفاع الجوي دمرت 82 طائرة مسيرة أوكرانية فوق الأراضي الروسية، بما في ذلك منطقة موسكو على مدى 8 ساعات ونصف الساعة.
وذكرت الوزارة، في بيان، على تطبيق تليغرام أن معظم الطائرات المسيرة دُمرت فوق مناطق قريبة من الحدود الأوكرانية أو في وسط روسيا مساء اليوم الجمعة.
وفي بيان منفصل على تليغرام، قال رئيس بلدية موسكو سيرجي سوبيانين إنه جرى تدمير 6 طائرات مسيرة كانت متجهة نحو العاصمة.
والأسبوع الماضي، تعهّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرد على هجوم أوكراني بطائرات مسيرة دمّرَ طائرات عسكرية عدة قادرة على حمل رؤوس نووية.
وتسعى أوكرانيا إلى التوصل لهدنة فورية وغير مشروطة لمدة 30 يوما، حيث قدمت آخر مقترحاتها إلى موسكو خلال محادثات السلام في إسطنبول الاثنين.
لكن روسيا رفضت مرارا الدعوات إلى وقف إطلاق النار، ومنذ الغزو الروسي في شباط/فبراير 2022 قُتل عشرات الآلاف من الأشخاص، ودُمرت مساحات شاسعة من شرق وجنوب أوكرانيا وأُجبر الملايين على النزوح.
إعلان