مع التحولات الاقتصادية العالمية وضغوطات الميزانية، تتجه مصر نحو إلغاء تدريجى لدعم الوقود والخبز كجزء من استراتيجيتها لتحقيق الاستدامة المالية. يمثل هذا القرار خطوة حيوية نحو تحسين تخصيص الموارد وخلق اقتصاد أكثر استدامة. فى العام المالى 2023-2024، خصصت الحكومة المصرية حوالى 119.4 مليار جنيه لدعم الوقود، بناءً على تقدير سعر النفط بنحو 80 دولارًا للبرميل.
فى سياق التوجه نحو خفض الدعم، تبقى الحكومة ملتزمة بتمويل البرامج الاجتماعية التى تعد شبكة الأمان الأساسى للأسر ذات الدخل المحدود. فقد خصصت 31 مليار جنيه لبرامج الضمان الاجتماعى والتضامن، و14.1 مليار جنيه للتأمين الصحى والعلاج الطبي، و10.2 مليار جنيه للإسكان الاجتماعى. ومع ذلك، تتزايد الحاجة إلى إعادة تخصيص الموارد بكفاءة أكبر لدعم الفئات الأكثر ضعفًا.
ومن المتوقع أن يؤدى رفع الدعم إلى زيادة أسعار النقل والسلع الأساسية، ويؤثر بشكل مباشر على تكلفة المعيشة. هذا التغيير قد يزيد من الأعباء على المواطنين، خاصة ذوى الدخل المحدود، مع توقعات بارتفاع معدلات التضخم إلى 30٪ فى عام 2024. وقد تضطر الشركات إلى رفع أسعار المنتجات والخدمات لتعويض ارتفاع تكاليف الإنتاج، مما يزيد من حدة الضغوط الاقتصادية على المستهلكين.
للتخفيف من هذه الآثار، لا بد لراسمى السياسات العمل على تصميم برامج وطنية أكثر فعالية، كالاستفادة المثلى من الموارد المتاحة، وحماية الأسر ذات الدخل المنخفض، وضمان وصول إعانات الدعم للسلع الأساسية بطريقة تضمن تحقيق أكبر فائدة بأقل تكلفة.
وقد بدأت الحكومة المصرية بالفعل العديد من التدابير للتخفيف من الآثار السلبية المحتملة لإلغاء الدعم. وشمل ذلك زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 6000 جنيه، وتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي، ودعم القطاعات الاقتصادية المتضررة، والاستثمار فى مشروعات البنية التحتية لتعزيز الكفاءة وخفض التكاليف.
تاريخيًا، أدت إصلاحات الدعم فى مختلف دول العالم إلى اضطرابات اجتماعية، بما فى ذلك مصر. ومن الممكن أن تؤدى الزيادة فى تكاليف المعيشة دون اتخاذ تدابير وقائية كافية إلى إثارة ردود أفعال سلبية.
من المرجح أن تؤدى زيادة أسعار الطاقة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج فى العديد من القطاعات الاقتصادية، وقد يؤدى إلى فقدان الوظائف وانخفاض النمو الاقتصادى. وقد تتعرض قطاعات مثل النقل والتصنيع والزراعة للخطر بشكل خاص. ولدعم هذه القطاعات، لا بد لراسمى السياسات طرح حوافز ضريبية، وتحفيز استخدام التقنيات الموفرة للطاقة، وتوفير برامج إعادة تدريب وتطوير مهارات العاملين للتكيف مع الحقائق الاقتصادية والتكنولوجية الجديدة فى سوق العمل.
ويعد تطوير نظام قوى لتوزيع الدعم النقدى على المستفيدين المستحقين أمرًا بالغ الأهمية. ويجب أن يكون هذا النظام شفافًا وفعالًا لمنع سوء التصرف والاستخدام. ويمكن للتقنيات الرقمية وأنظمة الهوية الوطنية أن تعزز دقة وعدالة برامج التحويلات النقدية، ويضمن وصول المساعدة إلى من هم فى أمس الحاجة إليها.
إن إدارة عملية إلغاء الدعم بعناية أمر حيوى للحفاظ على الاستقرار السياسى. عمليات صنع القرار الشاملة التى تشارك فيها كافة الجهات المجتمعية الفاعلة يمكن أن تعزز الإجماع والدعم الشعبى. ويمكن أن تساعد المشاورات المنتظمة مع منظمات المجتمع المدنى والنقابات العمالية والأطراف المعنية فى معالجة المخاوف، وبناء الثقة وضمان الشفافية، وتكييف السياسات حسب الضرورة.
عامةً، من الواضح بأن الإلغاء التدريجى لدعم الوقود والخبز فى مصر خطوة معقدة ولكنها بحسب المعطيات ضرورية نحو الاستدامة الاقتصادية. ولكن فى خضم مثل هذه الإصلاحات الوطنية، يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن لمصر أن توازن بين الحاجة إلى تحقيق الاستدامة الاقتصادية ومتطلبات العدالة الاجتماعية؟ إن تحقيق هذا التوازن يتطلب رؤية استراتيجية ملتزمة بالشفافية والتواصل الفعال مع الجمهور. هل يمكن أن تصبح هذه الخطوة نقطة تحول نحو اقتصاد أكثر عدالة واستدامة، أم أنها قد تثير تحديات جديدة؟ كما أن التساؤل الآخر هو كيف يمكن للمجتمع أن يستفيد من الابتكار الاجتماعى لتقديم حلول عملية ومستدامة لتحديات إلغاء الدعم؟ وكيف يمكن للقطاع الخاص والشركات الناشئة والمبادرات المجتمعية أن تساهم فى تقديم الدعم؟ وما هى السياسات التى يجب أن تُعتمد لتحفيز هذا النوع من الابتكار؟
على صناع القرار النظر بعناية فى العواقب المحتملة لكل خطوة، والعمل بتنسيق وثيق مع كافة الجهات المعنية لضمان أن تكون هذه الإصلاحات مصدرًا لتحقيق الاستقرار والنمو المنشود على المدى الطويل.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: التحولات الاقتصادية ا لدعم الخبز ملیار جنیه
إقرأ أيضاً:
مصر.. انتحار المتهم في قضية سرقة ربع مليار جنيه من نوال الدجوي
في تطور مأساوي ومفاجئ لقضية السرقة الكبرى التي استهدفت فيلا الدكتورة نوال الدجوي، رائدة التعليم الخاص ورئيسة مجلس أمناء جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب، عثرت الأجهزة الأمنية المصرية على جثمان حفيدها، أحمد شريف الدجوي، داخل شقته بمدينة السادس من أكتوبر، بعد أن أقدم على إطلاق النار على نفسه في ظروف غامضة.
وحسب بيان رسمي صادر عن وزارة الداخلية المصرية، توفي أحمد الدجوي أمس الأحد نتيجة إصابته بطلق ناري من سلاح مرخص كان بحوزته، داخل مسكنه بأحد المنتجعات السكنية في مدينة 6 أكتوبر. وأكد البيان أن المتوفى كان يعاني اضطرابات نفسية تلقى على إثرها علاجا في الخارج قبل أن يعود إلى مصر مساء السبت 24 مايو/أيار الجاري، أي قبل يوم واحد فقط من الواقعة.
وشيعت الأسرة وأصدقاء الفقيد جثمانه اليوم الاثنين من مسجد جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب عقب صلاة الظهر، بحضور عدد من الشخصيات العامة وقيادات الجامعة وطلابها، وسط أجواء حزن بالغ داخل الأوساط الأكاديمية والمجتمعية.
وتأتي هذه الحادثة بعد أيام قليلة من تقدم الدكتورة نوال الدجوي ببلاغ رسمي عن تعرض فيلتها بمدينة السادس من أكتوبر لعملية سرقة ضخمة، أفادت فيه باختفاء محتويات خزائن حديدية تضم مبالغ مالية ومقتنيات ثمينة، من بينها 3 ملايين دولار، و50 مليون جنيه مصري، و350 ألف جنيه إسترليني، و15 كيلوغراما من المشغولات الذهبية.
إعلانوحسب المصادر القريبة من التحقيق، فإن الشبهات تحوم حول شخص من المحيط العائلي أو من العاملين داخل الفيلا، خصوصا في ظل ما أشارت إليه الدجوي من خلافات أسرية سابقة تتعلق بالميراث، إذ كانت الخزائن تحوي جزءا من الميراث الذي تم تقسيمه قبل عامين تقريبا.