ترامب والدولة العميقة: فوضى الداخل وقلق الخارج!
تاريخ النشر: 19th, November 2024 GMT
تشكل الدولة العميقة في الدول العمود الفقري لإدارة الدولة وتوجهاتها وسياساتها. وبما أن ترامب صعد إلى قمة هرم النظام السياسي من خارج الدولة العميقة بمؤسساتها السياسية والاقتصادية والقضائية والأمنية والدفاعية والاستخباراتية ـ وخاصة بعد محاولتي عزله في رئاسته الأولى لتجاوزاته الدستورية ـ ولاحقا بعد خسارته الرئاسة لفترة ثانية بمحاكمته في قضايا جنائية فيدرالية وعلى مستوى ولايتي نيويورك وجورجيا بالتدخل للتأثير على نتائج الانتخابات ودفع أموال للممثلة ستورمي دانليز ليخفي علاقته معها، وامرأة أخرى تتهمه بالاعتداء الجنسي عليها ـ وقضية مدنية بإخفاء التلاعب بأموال مؤسسته ـ وحظر عمله في نيويورك ـ إضافة لتحريض أنصاره اقتحام الكونغرس في واشنطن في يناير 2021 لتعطيل إعلان بايدن دستوريا رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية ـ بالإضافة إلى قضية جنائية فدرالية باحتفاظ ترامب بوثائق رسمية تتعلق بمعلومات بالغة السرية لم يسلمها إلى الأرشيف الوطني، ونقلها واحتفظ بها في مقر إقامته في فلوريدا.
توعد ترامب بالعودة والفوز بانتخابات الرئاسة للانتقام من «أعداء الداخل» ـ وينفذه بعدة طرق، بشن حملة تشويه وتهديد ووعيد ضد لما يصفه بخصومه في الدولة العميقة الذين ساهموا بمحاربته في رئاسته الأولى، وعمدوا إلى محاسبته وتوجيه تهم له، بدءاً من محاولتين فاشلتين لعزله، ولاحقا بعد خسارته الرئاسة ورفضهم الوقوف معه في أطروحاته غير الواقعية عن سرقة الانتخابات منه لمصلحة منافسه الرئيس بايدن ـ ومواجهة خصومه ـ وخاصة نائبه مايك بنس ونصف وزرائه وقيادات المؤسسات القضائية والعسكرية والأمنية والاستخبارات التي أصرت على دور روسيا بالتدخل بانتخابات الرئاسة عام 2016 لمصلحته ضد منافسته كلينتون.
ويصعّد الرئيس المنتخب دونالد ترامب في محاربته للدولة العميقة بترشيحاته شخصيات موالية مثيرة للجدل وعديمة الكفاءة والخبرة والتجارب لوزارات بالغة الحساسية والأهمية، أبرزها مرشحو وزارات الدفاع العدل والاستخبارات الوطنية. اثنان منهما متهمان بالاعتداءات الجنسية وحيازة مخدرات.
وبعكس ترشيحات وتعيينات وزرائه في رئاسته الأولى الذين اتسم معظمهم بالاستقلالية، مثل أول وزير خارجية تيلرسون ووزير العدل الأول جيف سشنز، ووزير الدفاع الجنرال ماتيس، جميع اختياراته يدينون بالولاء الكامل والطاعة لترامب والدعم الكامل لإسرائيل وسرديتها وحربها على غزة ولبنان.
وبينهم شخصيات بالغة التطرف الديني مثل مايك هاكابي السفير الأمريكي المرشح لإسرائيل ـ الذي لا يؤمن بوجود الفلسطينيين ولا الضفة الغربية، ويصف المستوطنات بالتجمعات ولا يعترف بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين! ووزير الخارجية ماركو روبيو، وأليس ستفينك المرشحة لمنصب السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، ومبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط اليهودي ويتكوف. ما يدعم التطرف والأصولية الصهيونية في إدارة ترامب القادمة مطلع العام ويعتبرها نتنياهو وزمرته المتطرفة بالضوء الأخضر للاستمرار بالتصعيد والمواجهة!
كما أن ترشيح ترامب لوزير الدفاع هاغسيث ووزير العدل مات غيتس ـ المثيرين للجدل (وهما متهمان باعتداءات جنسية وأحدهما مع قاصر قبل سنوات ـ وتعاطي مخدرات) وعدم الإلمام بمهام وزراتيهما ـ ووصف جون بولتون مستشار الأمن الوطني السابق لترامب ـ ترشيح وزير الدفاع هاغسيث بأنه أسوأ ترشيح في تاريخ الرئاسة الأمريكية. ويهدد الأمن الوطني الأمريكي!
وبدأت بعض التسريبات عن إمكانية استبدال ترشيح هاغسيث بسبب التهم الخطيرة الموجهة له! كما يعتقد أن ترشيح وزير العدل غيتس لن يمر بسهولة بعد انتقادات علنية من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين لترشيحه بعد الاتهامات ـ واستقالته من منصبه في مجلس النواب بسبب تحقيقات لجنة الأخلاق والقيم لتهم اعتداءات جنسية وحيازة مخدرات وتلقي هدايا بطرق غير شرعية!!
وكذلك الجدل حول ترشيح ترامب لتولسي غابارد ـ هندية الأصل وهندوسية ونائبة سابقة في مجلس النواب ـ انشقت عن الحزب الديمقراطي عام 2022 ودعمت ترامب في حملته ـ لمنصب مديرة الاستخبارات وتشرف على 18 جهاز استخبارات، ومديرة عامة للاستخبارات الوطنية وهو أرفع جهاز بما فيه وكالة الاستخبارات المركزية ـ CIA ـ ومكتب التحقيقات الفيدرالية FBI و NSA ـ وكالة الأمن الوطني ـ وأجهزة استخبارات مدنية واستخبارات عسكرية، وتتبنى أطروحات بوتين حول حربه على أوكرانيا وعلاقتها مع بشار الأسد ـ زارت دمشق والتقت مع الأسد سراً عام 2017.
ستكون لتعيينات وترشيحات ترامب في المناصب الرئيسية في إدارته القادمة تداعيات كبيرة
ويشكّل ترشيح ترامب روبرت كنيدي الذي انشق عن حزب عمه الرئيس جون كنيدي الديمقراطي ووالده روبرت كنيدي وزير العدل الأسبق الذي اغتيل أثناء حملته الرئاسية عام 1968، وزيرا للصحة وهو الذي يروج نظرية المؤامرة، ويشكك بجدوى التطعيم ضد وباء كورونا وتسببه بمرض التوحد، صدمة إضافية للقطاع الصحي في الولايات المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وشركات انتاج اللقاحات الرئيسية التي انخفضت قيمتها السوقية بسبب ترشيح كنيدي!
وكذلك ترشيح ترامب للمليارديريين ألون ماسك ـ أغنى رجل في العالم ـ وفييك رامسوامي لإدارة كفاءة أداء الحكومة والبيروقراطية ـ حتى بتجاوز الكونغرس ودوره الرقابي، لتحسين أداء الحكومة وخفض الإنفاق والترهل. تشكل التعيينات والترشيحات صدمة حقيقية وواقعا جديدا يفرض نفسه لخلفية ونوعية المرشحين. يثير ترشيح غابارد وهاغيتس وغيتس وكنيدي برغم كونهم عديمي الخبرة في مجال عملهم في المجتمع الاستخباراتي ـ والأمني والدفاعي والقضائي والصحي علامات استفهام كبيرة حول كفاءتهم، وتشير إلى توجه إدارة ترامب القادمة بالتصعيد والمواجهة العاصفة وتحدٍ واضح للبيروقراطية وتفكيك وخطورة تقويضهم وإضعافهم للدولة العميقة، وإخضاع جميع أركانها ومؤسساتها لنفوذه وأزلامه الموالين بهدف التطويع والانتقام.
ستكون لتعيينات وترشيحات ترامب في المناصب الرئيسية في إدارته القادمة تداعيات كبيرة ليس فقط على الداخل الأمريكي والعلاقة بين إدارة ترامب والمؤسسات الراسخة للنظام السياسي والأمني والاستخباراتي الأمريكي، ولكن على دور أمريكا في الخارج ما لم يتم تصحيح وإعادة النظر بترشيحات وزير العدل ووزير الدفاع ومديرة الاستخبارات الوطنية ـ حيث بدأ يرشح أن مؤسسات استخباراتية في عدة دول لن تتشارك معلومات استخباراتية مع مرشحة ترامب لقيادة المجتمع الاستخباراتي.
كذلك لواقع عدم كفاءة وإلمام وزيري الدفاع والعدل بمهام وزراتيهما ـ والتهم الجنائية الموجهة لهما.
يعود ترامب أقوى، مدفوعا بالانتقام من الدولة العميقة ـ لكنه سيتسبب بفوضى في الداخل الأمريكي وبتشكيك وقلق الحلفاء في الخارج!
لنستعد ونربط الأحزمة!!
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الدولة العميقة ترامب هاكابي الدولة العميقة اليمين المتطرف ترامب هاكابي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات رياضة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدولة العمیقة ترشیح ترامب وزیر الدفاع وزیر العدل ترامب فی
إقرأ أيضاً:
ماذا دار في اجتماع وزارة العدل الأمريكية مع شريكة إبستين في تهمة الاتجار بالجنس؟
في تطور جديد يعيد تسليط الضوء على شبكة الاتجار الجنسي التي كان يديرها رجل الأعمال الراحل جيفري إبستين، اجتمع مسؤول بارز في وزارة العدل الأمريكية، الخميس الماضي، مع غيلين ماكسويل، الشريكة الأساسية لإبستين والمدانة بتهم الاتجار في الجنس، وذلك وسط تصاعد الضغوط السياسية والشعبية على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لكشف الوثائق المرتبطة بالقضية.
وعُقد اللقاء في مدينة تالاهاسي بولاية فلوريدا، حيث تقضي ماكسويل (63 عاماً) عقوبة السجن لمدة 20 عاماً بعد إدانتها بمساعدة إبستين في استغلال فتيات قاصرات.
وأفاد محاميها، ديفيد ماركوس، لشبكة "سي بي إس نيوز"، بأن اللقاء استمر طوال اليوم، مضيفاً أن موكلته أجابت عن "كل الأسئلة دون استثناء"، واصفاً الاجتماع بأنه "خطوة إيجابية".
وكان نائب المدعي العام، تود بلانش، قد أبدى في وقت سابق رغبته في لقاء ماكسويل للاستماع إلى أي معلومات تملكها بشأن شخصيات قد يكون إبستين ساعدهم في ارتكاب انتهاكات جنسية.
وأعرب محامي ماكسويل عن "امتنانه" لجدية وزارة العدل في متابعة القضية بعد سنوات من الإهمال.
اسم ترامب يتصدر العناوين
ويأتي الاجتماع في خضم تجدد الجدل حول علاقة إبستين بشخصيات نافذة، من بينهم الرئيس دونالد ترامب، بعد أن كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن اسم ترامب ورد في مستندات تابعة لوزارة العدل مرتبطة بالقضية، خلال إفادة قدمتها المدعية العامة بام بوندي إلى ترامب في أيار/ مايو الماضي.
ورغم نفي البيت الأبيض صحة تلك التقارير ووصفها بـ"الأخبار الكاذبة"، إلا أن الضغوط تصاعدت على إدارة ترامب من قبل مؤيديه وأعضاء في الكونغرس للمضي قدمًا في الإفراج عن ما يُعرف بـ"قائمة عملاء" إبستين. وتعهّد ترامب سابقًا خلال حملته الانتخابية بالكشف الكامل عن ملفات القضية، إلا أن هذا الوعد لم يُنفّذ، مما أثار موجة استياء في الأوساط المحافظة.
وفي هذا السياق، أصدرت لجنة الرقابة في مجلس النواب، التي يهيمن عليها الجمهوريون، أمراً باستدعاء غيلين ماكسويل للإدلاء بشهادتها عن بُعد من السجن في 11 آب/ أغسطس القادم، بينما صوّتت لجنة فرعية أخرى على استدعاء وزارة العدل لتقديم الملفات ذات الصلة بالقضية.
وحذر رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، من الوثوق بشهادة ماكسويل، بالنظر إلى ماضيها في التعاون مع إبستين، لكن محاميها شدد على أن موكلته "ستقدّم شهادة صادقة" إذا قررت الإدلاء بها، رافضاً الاتهامات المسبقة بأنها غير موثوقة.
رفض الإفراج عن وثائق هيئة المحلفين
في خطوة اعتُبرت مؤشراً على استمرار التعتيم، رفض قاضٍ في ولاية فلوريدا، الأربعاء الماضي، طلب وزارة العدل بنشر شهادات لجنة المحلفين الكبرى المتعلقة بتحقيق أُجري عام 2006 بشأن إبستين.
وجاء هذا الطلب ضمن محاولة جديدة لإضفاء مزيد من الشفافية على التحقيقات السابقة، إلا أن القرار القضائي أعاد القضية إلى المربع الأول.
ومنذ وفاة إبستين في زنزانته في نيويورك عام 2019 في ظروف وُصفت بأنها "انتحار"، لم تهدأ نظريات المؤامرة حول طبيعة وفاته، وشبكة علاقاته المعقدة، وسط اتهامات لأجهزة استخباراتية وسياسية بالتستر على حقيقة ما جرى.
هل كان إبستين عميلا استخباراتيا؟
في إطار الجدل المستمر، نفت مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، تولسي غابارد، وجود أي دليل على أن جيفري إبستين كان عميلاً استخباراتيا، محليا أو أجنبيا. وخلال مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض، أكدت غابارد أنها "لم تطّلع على أي معلومات تثبت ذلك"، مضيفة: "إذا طرأ أي شيء يغير ذلك، فسندعم الكشف عنه".
لكن هذه التصريحات لم تمنع استمرار التكهنات، خاصة بعد أن صرّح نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق، دان بونجينو، العام الماضي، بأن لديه معلومات موثوقة تفيد بأن إبستين كان بمثابة "مصدر استخباراتي" لإحدى دول الشرق الأوسط، دون تقديم أدلة ملموسة.
رغم مرور سنوات على انتحار إبستين المفترض والغامض، لا تزال قضيته تطارد النخبة السياسية والمالية في الولايات المتحدة، وتثير تساؤلات حول مدى تورط شخصيات نافذة في واحدة من أكبر شبكات الاستغلال الجنسي في العصر الحديث.