شهدت مصر منتصف القرن السادس الهجري مرحلة حاسمة من تاريخها السياسي والعسكري، حين تزامن ضعف الدولة الفاطمية مع تصاعد الهجوم الصليبي على سواحلها، وحين تصارع الوزيران ضرغام وشاور على السيطرة المطلقة على البلاد.

هُزم الأخير في ذلك الصراع، واضطر إلى اللجوء إلى السلطان نور الدين محمود زنكي قائد بلاد الشام للاستنجاد به، وإعادته للوزارة مقابل العديد من الامتيازات الاقتصادية والمالية التي ستعود على الدولة الزنكية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ما حقيقة طائر صلاح الدين الأيوبي الأسود الذي أرعب المصريين؟list 2 of 2لماذا اغتال بيبرس السلطان قطز في وهج الانتصار؟end of list

ولكن نور الدين كان ينظر إلى أبعد من الاستفادة المالية والاقتصادية، كان يرى أن السيطرة السياسية والاقتصادية على مصر ستؤدي إلى تقوية بلاد الشام في مشروعها أمام الصليبيين، حيث ستمدها بالمال والقوة البشرية اللازمة في حروب الاستنزاف تلك، ولهذا السبب أرسل أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب لحسم ذلك الصراع.

وقد نجح صلاح الدين بالفعل في حسم ذلك الصراع لصالح شاور الذي سرعان ما نكص على عقبه وتجاهل اتفاقه السابق مع نور الدين، بل عمل على خيانتهم والقضاء عليهم، ولما اكتشف أسد الدين وصلاح الدين هذه المؤامرة، قررا القضاء عليه وقتله وهو ما حصل بالفعل، ثم ارتقى أسد الدين لمنصب الوزارة في مصر باتفاق مع الخليفة الفاطمي الأخير العاضد، ولما مات أسد الدين سنة 564هـ/1169م تولى صلاح الدين الوزارة مكانه، بحسب ما يقول أبو شامة في تاريخه "الروضتين".

ما قبل سقوط الفاطميين

وفي نفس العام بلغت هذه التحديات ذروتها في مصر، حين اتفق الصليبيون والبيزنطيون على غزو مصر وطرد قوات صلاح الدين ونور الدين منها، وهو ما وقع في غزوة دمياط حين أصبحت هذه المدينة الساحلية ساحة أول مواجهة كبيرة يخوضها صلاح الدين بعد تولّيه الوزارة بالقاهرة، وهي المواجهة التي ستتحول لاحقا إلى نقطة فاصلة على طريق إنهاء الحكم الفاطمي.

ففي أعقاب هذه الحملة أرسل نور الدين إلى صلاح الدين ما يساند صموده أمام الخطر الصليبي، إدراكا منه أن صمود مصر ضرورة إستراتيجية لمنع توسع الصليبيين إلى مصر، وقناعته بأن الدفاع عن مصر دفاع عن الشام والقدس معا، كما يذكر المؤرخ شاكر مصطفى في كتابه "صلاح الدين الفارس المجاهد".

إعلان

وقد كان لانتصار صلاح الدين في دمياط رغم قسوة الظروف أثر بالغ، فقد رسّخ صورته كقائد قادر على إدارة المعارك المصيرية، وثبّت حضوره على الساحة المصرية سياسيا وعسكريا، ومنذ ذلك الوقت بدأ يتعامل مع بقايا السلطة الفاطمية بوصفها عائقا أمام الأمن الإسلامي العام، لا شريكا فعليًا في الحكم.

وتجلّى هذا التحوّل في سياساته التي اعتمدت على تفكيك النفوذ الفاطمي تدريجيا من دون صدام مباشر قد يثير اضطرابات داخلية أو يُظهره بمظهر المستقلّ عن نور الدين، فراح يقوي قبضته على مفاصل الحكم، مستندا إلى الجيش التركي الذي أرسله له نور الدين سابقا وإلى شعبيته المتنامية بين أهل مصر الذين لمسوا في وجوده حماية من الخطر الصليبي، بعد أن خيّبتهم قدرة الخلافة الفاطمية على الدفاع عن البلاد.

وكما يذكر شاكر مصطفى، ففي الوقت الذي كان فيه نور الدين يتابع الأحداث بدقة، كان صلاح الدين يفكر في خطوتين متلازمتين تتمثلان في فتح الطريق بين الشام ومصر لتسهيل مرور الجيوش والتجارة، وضمان وحدة الجبهة الإسلامية ضد الصليبيين، وضمان استقرار الداخل المصري ومنع أي التفاف قد يحصل حول الخليفة الفاطمي أو انبعاث لقوى التمرد داخل القصر.

وقد قاد صلاح الدين مشروعه بهدوء محسوب، فلم يسرع بإعلان إنهاء الدولة الفاطمية، وفي نفس الوقت لم يسمح لها بأن تسترد عافيتها وتماسكها. ومع تراكم نجاحاته العسكرية والسياسية منذ هزم الصليبيين في دمياط، تهيأت الظروف التاريخية لإسدال الستار على الحكم الفاطمي، تمهيدا لقيام الدولة الأيوبية الموحدة التي ستتولى لاحقا مهمة تحرير القدس.

وتبيّن لصلاح الدين أن طريق تثبيت سلطته في مصر، وتحقيق مشروع التحرير، يمر عبر تأمين الصلة العسكرية والسياسية بين القاهرة ودمشق، حيث بدأ بتنفيذ سلسلة من الحملات على الساحل الفلسطيني منذ سنة 566هـ/1170م، فهاجم عسقلان ودمّر بعض التحصينات المحيطة بها حتى بلغت قواته إلى مدينة الرملة، وكانت تلك رسالة ميدانية مفادها أن القوة الإسلامية بدأت تتحرك في المناطق التي تعدّ امتدادا طبيعيا لجبهة الدفاع عن مصر، وأن الصليبيين لن يكونوا قادرين على تهديدها دون رد مقابل.

وقد أراد صلاح الدين أن يُظهر للصليبيين من وراء هذا التوغل المبكر في فلسطين أن القوة التي كسرت حملتهم في دمياط ما زالت مستعدة لخوض الجهاد من جديد، ومن جهة ثانية أسهمت هذه العمليات في تحذير التجار والقوافل العابرة بين الشام ومصر من التعاون مع الصليبيين تحت ضغط تهديداتهم، كما نجحت في ردع الأعراب الذين اعتادوا قطع الطرقات ونهب المسافرين، وبذلك وُضِعت أولى لبنات تأمين الطريق البري الحيوي بين مصر وبلاد الشام، كما يؤكد الدكتور شاكر مصطفى.

وعام 570هـ اتجه صلاح الدين بجيشه نحو ميناء ومدينة العقبة لما تمثّله من أهمية جغرافية محورية تتحكم في طرق العبور نحو الحجاز واليمن، وقد هدف من خلال هذه الخطوة إلى تضييق الخناق على الصليبيين عبر تعطيل قنوات تموينهم واتصالهم.

صلاح الدين والقضاء على الخلافة الفاطمية

وبالتوازي مع جهوده العسكرية، شرع صلاح الدين في تنفيذ مشروع سياسي طويل المدى يستهدف تحويل البنية الاجتماعية في مصر من الولاء للنظام الفاطمي الآفل إلى الارتباط بالدولة الصاعدة التي يقودها.

إعلان

وانطلقت هذه الرؤية من إصلاحات اقتصادية واجتماعية ممنهجة، ركّزت على تخفيف الأعباء الضريبية التي أرهقت السكان خلال العقود السابقة، وإشاعة العدل في مؤسسات الحكم، وتوجيه موارد الدولة نحو تلبية حاجات الفئات الضعيفة، وقد أسهمت هذه الإجراءات بصورة مباشرة في تعزيز قبول المصريين لسلطته وترسيخ الثقة الشعبية بالمشروع الأيوبي الجديد.

وتوجّه صلاح الدين نحو تحييد شبكات الفساد والولاء الفاطمي التي بقيت تنشط في الظل، إذ تصدى لقوى من الداخل -من بقايا الحرس الفاطمي وعناصر ارتبطت بمؤامرات داخلية- أهمها ما عُرف بـ"مؤامرة العبيد السودان" و"مؤامرة عمارة اليمني" وغيرها من محاولات لإعادة إحياء حكم الفاطميين عبر التآمر أو التحريض.

وباشر في تفكيك تلك التنظيمات بإجراءات أمنية صارمة، كذلك أُعيد تنظيم الجيش، بحيث استُبعدت وحدات الحرس القديم، وبُنيت قوة عسكرية جديدة من جيوش الشام الكردية والتركمانية، مما ضمن لسلطته سيطرة محكمة على القوة المسلحة، وأغلق الباب نهائيا أمام أي محاولة لاستعادة الحكم الفاطمي من الداخل أو من الخارج.

وقد جمعت إستراتيجية صلاح الدين بين الحزم العسكري في الخارج وبناء الشرعية على العدل ومحاربة الفساد بالداخل، وفي الوقت الذي كانت فيه خطواته ضد الصليبيين تُكسبه تقدير المصريين.

جاءت تحركات صلاح الدين الأيوبي العسكرية في جنوب بلاد الشام والساحل الفلسطيني جزءا من رؤية أوسع لتأمين الطريق بين مصر والشام، بما يسمح باندماج الجبهتين في مواجهة الصليبيين (ميدجيرني – الجزيرة)

وحين تعزز نفوذ صلاح الدين في مصر بعد سلسلة انتصاراته على الصليبيين وتثبيت سلطته بالقاهرة، وجد نور الدين فرصة ليحثه على تنفيذ التحوّل السياسي الأكبر الذي طال انتظاره لإنهاء الحكم الفاطمي وقطع الصلة رسميا مع العقيدة الإسماعيلية.

وأثناء تلك الحوادث كان الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله يواجه مرضا شديدا عزله عن شؤون الحكم، ولم يلتفت كثيرون إلى خبر وفاته حين وافته المنية بعد فترة وجيزة، إذ كانت مصر قد دخلت فعليًا في طور سياسي جديد.

وقد كان اعتدال المشهد في القاهرة مردّه إلى أن الخلافة الفاطمية، التي يمكن وصفها وقتئذ بـ"الرجل المريض" في الجبهة الإسلامية، فقدت قدرتها على التأثير، وانشغل الناس عنها وانهمكوا في مواجهة الغزو الصليبي الذي كان يُعدّ التهديد الأكبر لأرضهم وديانتهم، وهكذا أُغلِق آخر فصل لتلك الدولة دون ثورة شعبية أو اضطراب أهلي، بل عبر انتقال هادئ ناتج عن تآكل مقوماتها وفقدانها ثقة المحكومين.

ومن الملاحظ أن اثنين من أبرز المؤرخين المعاصرين لصلاح الدين في تلك الحقبة، هما ابن الأثير المقرَّب من الدولة الزنكية، وابن أبي طي الشيعي، قدّما روايات لا تخلو من بعض التحيز، ولكلٍّ منهما أسبابه. فابن الأثير – وهو من كبار مؤرخي الإسلام – ينتقد صلاح الدين بسبب تسيّده على مصر والشام وهما ميراث الزنكيين، مع أنه يكشف في مواضع كثيرة عن جوانب إيجابية من سياسته في مصر، ويؤكد أن السلطان الناصر لم يقطع تبعيته لنور الدين، كما ينبّه إلى إعلانه الولاء للخلافة العباسية.

أمّا ابن أبي طي، الذي استقى كثيرًا من رواياته من والده المنفي إلى حلب بأمر نور الدين، فتبدو في سرده ملامح تحيز أوضح. وعلى هذا الأساس شاع الاستناد إلى قول ابن الأثير بأن صلاح الدين تردد في القضاء على الخلافة الفاطمية خوفًا من نور الدين، لتأكيد زعم أنّه لم يكن مقتنعًا تمامًا بإسقاطها، وأنه كان يخشى أن يؤدي ذلك إلى تدخل  الزنكيين وتهديد نفوذه في مصر.

إستراتيجية صلاح الدين في مصر

والحقيقة أن عددا كبيرا من المؤرخين المعاصرين مثل شاكر مصطفى في كتابه "صلاح الدين" ويعقوب ليف في كتابه "صلاح الدين في مصر" ومايكل فلوتون في كتابه "التنافس على مصر، سقوط الخلافة الفاطمية" ينفون الادعاء بأن صلاح الدين لم يكن حاسما في موقفه من الخلافة الفاطمية، ويرون أن وجهة النظر هذه متهافتة عند إخضاع المشهد السياسي والعسكري آنذاك للفحص الدقيق، فخطوات صلاح الدين منذ بداية تولّيه الوزارة الفاطمية تشير بوضوح إلى رؤية إستراتيجية متكاملة تستهدف إنهاء الخلافة الفاطمية بصورة تدريجية ومدروسة.

إعلان

حيث حرص على تفكيك مراكز القوة التابعة للنظام القديم داخل مؤسسات الدولة، مع إقصاء العناصر المؤثرة في صنع القرار، ليُفرغ الخلافة الفاطمية من مضمونها فعليا قبل إعلان سقوطها رسميا، وهو ما يعكس مشروعا متواصلا نحو إلغاء الحكم الفاطمي لا نحو الإبقاء عليه كما يروّج بعض المؤرخين وعلى رأسهم ابن الأثير.

وقد جاءت تحركاته العسكرية في جنوب بلاد الشام والساحل الفلسطيني جزءا من رؤية أوسع لتأمين الطريق بين مصر والشام، بما يسمح باندماج الجبهتين في مواجهة الصليبيين، ولم يكن ذلك خروجا عن سلطة نور الدين كما قد يبدو في قراءة سطحية للأحداث، بل خطوة تمهيدية لتعزيز المشروع الزنكي في توحيد العالم الإسلامي، مع منح مصر موقعا قياديا داخل هذه المنظومة الجديدة.

أما على المستوى السياسي، فقد حافظ صلاح الدين على ولائه الواضح لنور الدين، ولم يُظهر أي سلوك يوحي بالرغبة في التفرد بالسلطة أو الانقلاب على الإطار الشرعي الذي تحرك من خلاله، حيث تجنّب المواجهة مع نور الدين، إدراكا منه أن أي صدام داخلي سيكون بمثابة خدمة مجانية للصليبيين، في وقت كانت فيه معركة الوجود الإسلامي هي العنوان الأكبر للمرحلة، فلما أمره نور الدين بالدعاء للخليفة العباسي المستضيء بالله على منابر القاهرة امتثل لأمره.

وسنرى مدى حرص نور الدين على استقرار الأوضاع لصلاح الدين في مصر، فيذكر أبو شامة في تاريخه نصيحة نور الدين لتورانشاه أخي صلاح الدين الأكبر، وكان صلاح الدين يعامله باحترام وتقدير وخدمة زائدة، وذلك قبل سفره إلى مصر ضمن جيش أرسله نور الدين ليدعم موقف صلاح الدين قائلا له:

"إن كنتَ تسير الى مصر وتنظر إلى أخيك أنه يوسف الذي كان يقومُ في خدمتك وأنت قاعد فلا تَسِر، فإنك تُفسد البلاد وأُحضرك حينئذ وأُعاقبك بما تستحقه، وإن كُنت تنظر إليه أنه صاحب مصر وقائم فيها مقامي وتخدمه بنفسك كما تخدمني فَسِر إليه واشدد أزره، وساعده على ما هو بصدده، فقال تورانشاه: أفعلُ معه من الخدمة والطاعة ما يصل إليك إن شاء الله تعالى فكان كما قال".

ويعترف ابن الأثير نفسه في تاريخه الكامل بعد ادعائه السابق بأن صلاح الدين لم يكن يريد تصفية الخلافة الفاطمية، قائلا "ألح عليه (نور الدين) بقطع خطبة العاضد، وألزمهم إلزاما لا فُسحة له في مخالفته، وكان على الحقيقة نائب نور الدين، واتفق أن العاضد مرض هذا الوقت مرضا شديدا، فلما عزم صلاح الدين على قطع خطبته استشار أمراءه، فمنهم من أشار به ولم يفكر في المصريين، ومنهم من خافهم إلا أنه ما يمكنه إلا امتثال أمر نور الدين.

وكان قد دخل إلى مصر إنسان أعجمي يعرف بالأمير العالم، رأيته أنا بالموصل، فلما رأى ما هم فيه من الإحجام، وأن أحدا لا يتجاسر أن يخطب للعباسيين قال: أنا أبتدئ بالخطبة لهم، فلما كان أول جمعة من المحرم صعد المنبر قبل الخطيب، ودعا للمستضيء بأمر الله، فلم ينكر أحد ذلك، فلما كان الجمعة الثانية أمر صلاح الدين الخطباء بمصر والقاهرة أن يقطعوا خطبة العاضد ويخطبوا للمستضيء، ففعلوا ذلك فلم ينتطح فيها عنزان".

إذن كان الخلاف -إن صح أن هناك خلافا- على التوقيت وليس الهدف ذاته، خوفا من قوى النظام القديم المتربصة والكامنة في المناصب المهمة وبين عامة الناس، ومن ثم كان تعامل صلاح الدين مع هذا الملف بحذر شديد تفاديا لأي اضطرابات داخلية قد تُفشل مشروعه العسكري ضد القوى الصليبية لاحقا.

وتأتي الأحداث التي أعقبت سقوط الفاطميين لتؤكد الهدف الثابت الذي كان صلاح الدين يتقدّم نحوه منذ دخوله القاهرة، فقد أرسى فورا أسس الدولة الأيوبية وبسط مظلة الشرعية العباسية، وأعاد توجيه مصر سياسيا ومذهبيا لتكون قاعدة المواجهة المرتقبة من أجل تحرير القدس، كل ذلك يؤكد أن ما كان منه ما قبل تصفية الدولة الفاطمية كان إعدادا محكما، وما بعده كان انطلاقًا نحو تحقيق الغاية الكبرى.

وبعد القضاء على الحكم الفاطمي وإعلان تبعية مصر للخلافة العباسية، انطلقت مرحلة إعادة تنظيم الحياة السياسية والإدارية في البلاد، لتأكيد شرعية التحول التاريخي الذي قاده صلاح الدين، وقد بدأت هذه المرحلة بإرسال وفد رسمي إلى بغداد ليُعلن نهاية الدعوة الفاطمية، وتفعيل الخطبة باسم الخليفة العباسي على منابر القاهرة وسائر المدن المصرية، ورافق ذلك تنكيس الرايات البيضاء التي ارتبطت بالحكم الفاطمي، ورفع الأعلام السوداء رمز الدولة العباسية.

إعلان

ويرصد عبد الرحمن عزام في كتابه "صلاح الدين وإعادة إحياء المذهب السني" عملية الإصلاح الشاملة التي قام بها صلاح الدين، فعلى مستوى الجهاز الرسمي ألزم قادة الدولة وكبار موظفيها بحضور صلاة الجمعة تحت الراية العباسية، ليبرهن المصريون علنا على انتقال ولائهم السياسي، كما أُعيد سكّ العملة باسم الخليفة العباسي المستضيء بالله، مع إبراز اسم نور الدين بوصفه صاحب السلطان الأعلى في مصر هذه المرحلة الانتقالية.

وشملت خطة الإصلاح أيضا تطهير الجهاز القضائي والإداري من العناصر الفاطمية التي كانت مؤثرة في مفاصل الحكم، وتعويضها بقضاة شافعيين جدد كان يدين لهم صلاح الدين فكريا وعقديا، ومنهم صدر الدين ابن درباس الذي تولّى منصب قاضي القضاة. ولم يكتفِ صلاح الدين بذلك، بل أعاد هيكلة المؤسسات التعليمية والدينية بإغلاق دار المعونة التي كانت سجنا سيئ السمعة في القاهرة وتحويلها إلى مدرسة لنشر المذهب الشافعي، مع إنشاء مدارس أخرى للمذهب المالكي.

كما أنهى صلاح الدين حضور الطقوس والشعائر الفاطمية في المجتمع التي تتصادم مع اعتقاد العامة، مثل الأذان بصيغة التشيّع "حي على خير العمل" ومنع تعليم المؤلفات التي تخدم العقيدة الإسماعيلية، واستبدلها بممارسات سنية جامعة، كما سعى أيضا إلى تنقية الهوية الاجتماعية من بقايا الخطاب الفاطمي الذي كان يربط النسب السياسي للخلفاء الفاطميين بآل البيت، فعمل على تفنيد تلك الدعوى ضمن سياق الشرعية العباسية الجديدة.

أما على الصعيد المالي، فقد اتخذ صلاح الدين قرارا حاسمًا بإبطال الضرائب الجائرة والمكوس التي أنهكت المصريين طوال العقود السابقة، ودوّن أوامر رسمية بإسقاط الديون والمظالم عن العامة وإعادة الأموال غير المشروعة إلى أهلها، بل وذهب إلى أبعد من ذلك بتخصيص مبالغ ضخمة لإصلاح الأحوال الاجتماعية ودعم الفقراء، وتسهيل شؤون الحجاج المصريين إلى الحجاز، بعد أن أعاق الفاطميون كثيرًا من طرقهم ونشاطهم التجاري.

وقد لمس المصريون لأول مرة منذ فترة طويلة نتائج سياسية واقتصادية تُعيد إليهم الشعور بالعدل والكرامة، وهو الأمر الذي لاحظه الرحالة والفقيه الأندلسي ابن جبير حين دخل مصر في عصر صلاح الدين، مما أكسب الأخير ثقة واسعة بين مختلف طبقات المجتمع في الداخل والخارج، وجعل مشروعه لتوحيد الجبهة الإسلامية يترسخ على أساس من الداخل قبل أن يتجه إلى تحرير القدس.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات حريات أبعاد صلاح الدین فی مصر الدولة الفاطمیة ه صلاح الدین شاکر مصطفى بلاد الشام نور الدین فی کتابه الذی کان لم یکن

إقرأ أيضاً:

مي عز الدين تستذكر والدتها الراحلة بكلمات مؤثرة على إنستجرام

وجهت  الفنانة مي عز الدين رسالة والدتها الراحلة، بطريقة مؤثرة عبر حسابها الرسمي على منصة إنستجرام.


وشاركت مي، عبر خاصية "ستوري"، منشورًا جاء فيه: "طول ما أمك جنبك يبقى أنت مخسرتش أي حاجة في الدنيا"، في رسالة تعكس حبها واشتياقها لوالدتها

إطلالة كاجوال.. مى عز الدين تخطف الانظار برفقة زوجها فى أحدث ظهورمي عز الدين توجه رسالة للفنانة سوسن بدروالد مي عز الدين يخضع لعملية جراحية

وأعلنت مى عز الدين، مؤخرًا زواجها من أحمد تيمور، وهو شاب من خارج الوسط الفنى، ونشرت صورًا من كواليس عقد القران الذى أقيم فى أجواء عائلية بسيطة بحضور الأهل والمقرّبين فقط.

يذكر أن آخر أعمال مى عز الدين كان مسلسل «قلبى ومفتاحه» الذى عُرض فى رمضان الماضى، وشاركها بطولته كل من آسر ياسين، ودياب، وأشرف عبد الباقى، والعمل من إخراج تامر محسن.

طباعة شارك مي عز الدين والده مي عز الدين وقاه والده عز الدين

مقالات مشابهة

  • جيل زد... هل يكسر ثنائية الإخوان والدولة العميقة؟
  • رئيس الوزراء: تخفيض الدين أولوية الحكومة وسعر الفائدة مرتبط بتراجع التضخم
  • مي عز الدين تستذكر والدتها الراحلة بكلمات مؤثرة على إنستجرام
  • كيف واجه ميلانشون اتهامه بمعاداة السامية والتحيز للمسلمين؟
  • في ذكرى رحيله.. من هو سمير سيف صاحب البصمة العميقة بتاريخ الفن السابع
  • ناصر الدين تطالب بمقاربة جديدة لتطوير الموازنة
  • المستقبل يُواجه اتهامات
  • وفود الألكسو تزور المتحف المصري الكبير وتثني على عبقرية التصميم وإبداع المحتوى
  • إسرائيل تشيد بسيطرة الانتقالي على وادي حضرموت.. عبقرية خلقتها الإمارات”