خلصت دراسة حديثة أجرتها جامعة سري البريطانية إلى أن التعامل بالنقد لا يؤثر على مقدار الإنفاق فحسب، بل يعزز أيضًا شعورًا عميقًا بالملكية النفسية، وهو شعور يصعب على المدفوعات الرقمية محاكاته.

ولفت البحث الذي نشرته مجلة "كواليتيتف ماركيت ريسيرتش" إلى أن استخدام النقد يُبقي المستهلكين أكثر وعيًا بأموالهم، مما يحد من عمليات الشراء المتهورة وغير الضرورية، في حين أن الاعتماد على الخيارات الرقمية يجعل المال يبدو "غير مرئي".

A recent study reveals how the physicality of cash influences our spending behaviour. Unlike digital payments, cash creates a sense of psychological ownership that can lead to more mindful spending.

Findings show that cash is not just "money" but a tactile experience that… pic.twitter.com/OLhuOTgaGF

— University of Surrey (@UniOfSurrey) November 14, 2024

النقد والوعي المالي

وأوضحت الدراسة أن التعامل مع النقود المادية (الكاش) -بما في ذلك لمسها وعدّها- يعزز ارتباطًا عاطفيًّا ووعيًّا أكبر بقيمة المال، وهو ما قد يؤدي إلى سلوكيات إنفاق أكثر حكمة. في المقابل، يبدو المال باستخدام المدفوعات الرقمية  مجرد أرقام على الشاشة، مما يسهم في الإنفاق غير المدروس.

الأستاذ المشارك في التسويق وإدارة الأعمال الدولية والمؤلف الرئيسي للدراسة الدكتور جاشيم خان، قال إن "الطبيعة الحسية للنقود -رائحتها وملمسها وعملية عدها- تخلق ارتباطًا عاطفيًّا تفتقر إليه المدفوعات الرقمية. فعندما نتعامل مع النقود، فإننا لا ننفق المال فحسب؛ بل نفترق عن جزء من أنفسنا".

وأضاف أن البحث أظهر "أن النقود ليست مجرد مال، بل هي وسيلة للبقاء على اتصال بما ننفقه. إن حمل النقود في أيدينا يذكرنا بقيمتها، وهو أمر يمكن أن تجعله المدفوعات الرقمية سهل النسيان. ومع استخدامنا لمزيد من الخيارات غير النقدية، فمن الجدير أن نتذكر الدروس التي تعلمناها من النقود حول الإنفاق بحكمة".

وختم "نحن لا نقول إن النقود عفا عليها الزمن. في الواقع، نحن نعيد التفكير في كيفية نظرتنا إلى الأموال وإدارتها مع تغير الأشياء. إن الانتقال إلى مجتمع بلا نقود يعني أننا بحاجة إلى فهم كيف تؤثر خيارات الدفع المختلفة علينا، ليس فقط من الناحية المالية ولكن أيضًا من الناحية العاطفية. إن معرفة هذا يمكن أن يساعدنا في اتخاذ قرارات مالية أفضل في عالم غالبًا ما يبدو فيه المال غير مرئي".

تجربة ثنائية الثقافات

أُجريت الدراسة في سياقين ثقافيين مختلفين؛ نيوزيلندا في عام 2013، والصين في عام 2023، باستخدام مجموعات تركيز واستبيانات مفتوحة.

وشملت النتائج ما يلي:

الصين: تتم 50% من المعاملات عبر التطبيقات الرقمية، ما جعل المشاركين يشعرون بانخفاض ملكيتهم لأموالهم. ووصف أحد المشاركين المال الرقمي بأنه "لا يشبه إنفاق أموالك الخاصة". نيوزيلندا: أظهرت النتائج أن التعامل بالنقد يعزز الشعور بالخسارة عند التخلي عنه، مع استجابات عاطفية تشمل الحزن والذنب. الملكية والإنفاق

تشير الدراسة التي أجرتها جامعة "سري" إلى أن النقد ليس مجرد وسيلة دفع فحسب، بل مخزن للقيمة ينقل إحساسًا بالملكية النفسية. وأوضحت النتائج أن التفاعل الحسي مع النقود يزيد من وعي المستهلكين بالإنفاق، ويقلل من احتمالية الإنفاق العفوي أو غير الضروري.

من جهة أخرى، وجدت الدراسة أن التطبيقات الرقمية تعزز شعورًا بالراحة والثقة، لكنها تقلل من الشعور بالمسؤولية عن الأموال المخصصة للإنفاق. ويتجلى هذا الشعور في السعادة عند استخدام التطبيقات، مقابل الحزن الذي يصاحب إنفاق الأموال النقدية.

تقدم هذه الدراسة دعمًا تجريبيًّا لتفسير سبب تنظيم الملكية النفسية للنقد للإنفاق ولماذا تعمل العمليات النفسية التي تكمن وراء "ملكية" الأموال على مقاطعة الإنفاق بالنقود.

مستقبل الدفع

وبينما يتحول العالم نحو مجتمع غير نقدي، دعت الدراسة إلى فهم أعمق لكيفية تأثير خيارات الدفع على سلوكنا المالي والعاطفي.

يؤكد الدكتور خان، "علينا أن نتعلم من الدروس التي علمتنا إياها النقود المادية، ونفكر في كيفية تطبيق هذه المفاهيم في عصر التحول الرقمي".

نتائج الدراسة البريطانية تظهر أن النقد له تأثير نفسي عميق على الوعي بالإنفاق، ما يجعله أداة فعالة للحد من الإسراف وتعزيز المسؤولية المالية. وفي الوقت الذي يتجه فيه العالم نحو حلول الدفع الرقمية، تبقى الحاجة إلى إدراك هذا البُعد النفسي محورية لضمان اتخاذ قرارات مالية مستدامة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المدفوعات الرقمیة

إقرأ أيضاً:

عالية المهدي: طباعة النقود بدون مقابل إنتاجي أدت إلى ارتفاع الأسعار

قالت الدكتورة عالية المهدي عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق بجامعة القاهرة، إنّ إصدار النقود يجب أن يستند إلى قاعدة اقتصادية ترتبط مباشرة بالنمو الحقيقي للإنتاج المحلي، مشيرة إلى أن هذه القاعدة طورها الاقتصادي الشهير ميلتون فريدمان وتنص على ألا تتجاوز الزيادة في إصدار النقود معدل نمو الاقتصاد الفعلي.

وأضافت المهدي، في حوارها مع الإعلامي خالد أبو بكر، مقدم برنامج "آخر النهار"، عبر قناة "النهار"، أنّ  الوضع في مصر كان مغايرًا تمامًا، حيث تمت طباعة كميات ضخمة من النقود وصلت في بعض السنوات إلى ما بين 17% و25%، رغم أن الناتج المحلي لم يكن ينمو سوى بنحو 4% إلى 5%، ما تسبب في حدوث تضخم مرتفع نتيجة زيادة الكتلة النقدية دون غطاء إنتاجي.

وشددت، على أن الفارق بين معدل طباعة النقود ومعدل نمو الإنتاج الحقيقي يخلق ضغوطًا تضخمية، موضحة أن 10% من النقد المطروح في السوق لم يكن يقابله إنتاج حقيقي، وبالتالي ارتفعت الأسعار بشكل ملحوظ، وهو ما أضر بالاقتصاد الكلي وأثر سلبًا على معيشة المواطنين.

وذكرت،  أن المواطنين باتوا يلاحظون هذا الواقع من خلال وجود كميات كبيرة من العملات الجديدة في التداول، ما يُعد مؤشرًا عمليًا على استمرار طباعة النقود بكثافة في ظل ضعف القاعدة الإنتاجية.

خالد أبو بكر يكشف عن حالة وحيدة تستوجب تطبيق قانون الإيجار القديم أغسطس المقبلترك أثراً لا يُنسى في وجدان المصريين.. خالد أبو بكر ينعي لطفي لبيب على الهواءخالد أبو بكر: إبراهيم عيسى شاهد على محطات فارقة وما زال فاعلاً في المشهد


 

طباعة شارك عالية المهدي عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية خالد أبو بكر النقود

مقالات مشابهة

  • تعرف على عادتين بسيطتين تحسنان صحتك النفسية
  • وزارة المالية: قمنا بشكل مؤقت واحترازي بنقل أرصدة الأموال المخصصة لرواتب العاملين في القطاع العام من أبناء محافظة السويداء إلى فروع البنوك في مدينة إزرع، وذلك في سياق حرص الدولة على الوفاء بالتزامات تسديد الرواتب، وفي ضوء الاعتداءات المؤسفة التي تمت من قب
  • بين الرشاقة والاكتئاب.. دراسة تربط الحميات القاسية بتدهور الحالة النفسية
  • ساعة Galaxy Watch Ultra تدخل التاريخ.. أول اختبار لمحاكاة الفضاء باستخدام ساعة ذكية
  • أيهما أفضل ليلة الجمعة.. قيام الليل أم الصلاة على النبي؟
  • عالية المهدي: طباعة النقود بدون مقابل إنتاجي أدت إلى ارتفاع الأسعار
  • مقارنة بين لحم البقر والدجاج تظهر نتائج مثيرة.. اعرف أيهما أفضل لصحتك
  • صراع المال الذي سيشكل مستقبل أوروبا
  • أيهما أفضل للشراء ولماذا ..هاتف OnePlus Nord CE 5 أوOPPO Reno 14F
  • هل ثواب قراءة القرآن من الموبايل له نفس ثواب المصحف الورقي؟.. أيهما أفضل