من الذي يعذب يوم القيامة الروح أم النفس.. الإفتاء تجيب
تاريخ النشر: 20th, November 2024 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية إن لفظ "الروح" و"النفس" من الألفاظ التي تؤدي أكثر من معنًى، وهما في الواقع متغايرتان في الدلالة بحسب ما يحدده السياق، وإن حلَّت إحداهما محلَّ الأخرى في كثير من النصوص الشرعية، لكن على سبيل المجاز وليس الحقيقة.
وأوضحت الإفتاء معنى الروح وهي ما سأل عنها اليهودُ فأجابهم الله تعالى في القرآن بقوله: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 85]؛ فهذه الروح التي يحيا بها الإنسان هي سِرٌّ أودعه الله في المخلوقات واستأثر في علمه بكنهها وحقيقتها، وهي التي نفخها في آدم عليه السلام وفي ذريته من بعده.
وأضافت الإفتاء أما مسألة العذاب فقد ورد في السنة ما يدلُّ على أن العذاب للنفس يكون يوم القيامة، وأن عذاب الروح وحدها يكون بعد مفارقتها للجسد بالموت، وأن الروح بعد السؤال في القبر تكون في عليين أو في سجِّين، وهذا لا ينافي عذاب القبر للروح والجسد لمن استحقه، كما جاء ذكره في الأحاديث الشريفة.
الفرق بين الروح والنفسقالت الإفتاء إنَّ كلمتَي الروح والنفس ترددتا في آيات كثيرة في القرآن الكريم، وكثر ورود الكلمة الأخيرة مفردة ومجموعة قرابة الثلاثمائة مرة أو تزيد.
وتابعت: وقد اختلف العلماء في الروح والنفس، هل هما شيءٌ واحدٌ؟ أو هما شيئان متغايران؟ فقال فريق: إنهما يطلقان على شيء واحد، وقد صحَّ في الأخبار إطلاق كلٍّ منها على الأخرى، من هذا ما أخرجه البزَّار بسند صحيحٍ عن أبي هريرة: "إن المؤمن ينزل به الموت ويعاين ما يعاين فَوَدَّ لو خرجت -يعني نفسُه-، والله يحب لقاءه، وإن المؤمن يصعد بروحه إلى السماء، فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الأرض"، فهذا الحديث يؤيد إطلاق الروح على النفس والنفس على الروح.
وقال الفريق الآخر: إنهما شيئان؛ فالروح ما به الحياة، والنفس هذا الجسد مع الروح، فللنفس يدان وعينان ورجلان ورأس يديرها وهي تلتذ وتفرح وتتألم وتحزن، فالروح جسمٌ نورانيٌّ علويٌّ حيٌّ يسري في الجسد المحسوس بإذنِ الله وأمرِه سريانَ الماء في الورد لا يقبل التحلُّل ولا التبدل ولا التمزق ولا التفرق، يعطي للجسم المحسوس الحياة وتوابعها، ويترقى الإنسان باعتباره نفسًا بالنواميس التي سنَّها الله وأمر بها؛ فهو حين يولد يكون كباقي جنسه الحيواني لا يعرف إلا الأكل والشرب، ثم تظهر له باقي الصفات النفسية من الشهوة والغضب والمرض والحسد والحلم والشجاعة، فإذا غلبت عليه إنابته إلى الله وإخلاصه في العبادة تغلَّبت روحه على نفسه فأحبَّ الله وامتثل أوامره وابتعد عما نهى عنه، وإذا تغلبت نفسه على روحه كانت شقوته.
معاني كلمة الروح في القرآن والسنة
وجاءت الروح في القرآن الكريم وفي السنة بمعانٍ: فهي تارة الوحي؛ كما في قوله تعالى: ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [غافر: 15]، ويسمى القرآنُ روحًا باعتباره أحيا الناس من الكفر الشبيه بالموت، وأُطلق الروح على جبريل عليه السلام؛ كما في قوله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ [الشعراء: 193-194]، وقوله: ﴿وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ [البقرة: 253]، وفي الحديث الشريف: «تحابُّوا بروح الله» رواه أبو داود، قيل: المراد بالروح هنا: أمر النبوة أو القرآن، وهو المعنى عند أكثر العلماء في قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى: 52].
معاني كلمة النفس
وكلمة النفس تجري على لسان العرب في معانٍ؛ فيقولون: خرجت نفسه، أي: روحه، وفي نفس فلان أن يفعل كذا، أي: في رُوعه وفكره، كما يقولون: قتل فلان نفسه، أو أهلك نفسه، أي: أوقع الإهلاك بذاته كلها وحقيقته، فمعنى النفس في هذا: جملة الإنسان وحقيقته؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: 29]. وتطلق كلمة النفس على الدم، فيقال: سالت نفسه؛ ذلك لأن النفس تخرج بخروجه.
وقد أطلق القرآن هذه الكلمة على الله في قوله: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ [المائدة: 116] والمعنى: تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك، أو كما قال ابن الأنباري: إن النفس في هذه الآية: الغيب، ويؤكد ما انتهت به الآية: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ [المائدة: 116]؛ أي تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم. فلفظ "الروح" و"النفس" من الألفاظ التي تؤدي أكثر من معنًى يحددها السباق والسياق واللحاق، وهما في الواقع متغايرتان في الدلالة حسبما تقدم، وإن حلَّتْ إحداهما محلَّ الأخرى في كثير من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، لكن على سبيل المجاز لا الحقيقة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: دار الافتاء المصرية دار الإفتاء الروح النفس يوم القيامة فی قوله تعالى فی القرآن فی قوله ت
إقرأ أيضاً:
رحلة الروح بين الصعود والهبوط.. واقع الإيمان زمن الفتن
هذه الطبيعة المتغيرة للإيمان ليست عيباً في الإنسان، بل سنة كونية أقرها الشرع الحنيف وبينها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
وهذا التقلب الذي استعرضته حلقة (2025/6/9) من برنامج "حكم وحكمة" -للداعية الشيخ عمر عبد الكافي- يمثل واقعاً يعيشه كثير من مسلمي اليوم، حيث ينشطون مع الله أيام العافية، ويفترون أيام المحن، وكأنهم "يعبدون الله على حرف".
وفي أطار تقلب بعض النفوس البشرية في رحلة الإيمان، تبدأ خطوات أصحاب هذه النفوس بالابتعاد عن ربها، ثم تتثاقل عن العبادة حتى تفتقدها المساجد، وتشتاق لتسبيحاتها لسانها الذاكر، دون أن تكفر بربها أو تترك دينها، وإنما باتت تجمع الصلوات في البيت ثم تهجر النوافل تماماً.
واستضاف البرنامج الدكتور عبد الحي يوسف لتأصيل هذا الموضوع شرعاً، حيث أوضح الشيخ عبد الكافي الفرق الجوهري بين الإسلام والإيمان انطلاقاً من الحديث الشريف عن جبريل عليه السلام.
فالإسلام يتمثل في "الشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً" بينما "الإيمان: بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره".
وأكد البرنامج أن الإسلام يسبق الإيمان، مستشهداً بقوله تعالى "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخلِ الإيمان في قلوبكم".
إعلانفالإيمان مرحلة تأتي بعد ترسيخ أسس الإسلام، وهو مرحلة "الثقة واليقين والتوكل والإخبات والإذعان لله".
وتناول الداعيان طبيعة تقلبات الإيمان من منظور شرعي، مؤكدين أن "الإيمان يزيد وينقص" كما جاء في حديث حنظلة بن الربيع مع أبي بكر رضي الله عنهما.
فقد شكا حنظلة قائلاً "نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنشعر أننا في السماء، ثم نعود فتشغلنا البيوت والزوجات والأولاد والضيعات" فطمأنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "ساعة وساعة".
وأوضح الشيخ عبد الكافي أن القلب له حالتان أساسيتان: حالة إقبال على العبادة وحالة إدبار.
ففي حالة الإقبال يجد أن قلبه يهفو للمسجد، يصلي الصبح ويرجع يقول يا رب إن شاء الله سأحضر لصلاة الظهر. وفي حالة الإدبار، يسأل الفرد نفسه في وقت صلاة العشاء ويقول "أروح المسجد؟ أم أصليها في البيت؟ أو أصليها قبل الفجر؟".
تحديات العصر
وأوضح الدكتور عبد الكافي أن المؤمن في حالة الإدبار عليه أن يكتفي بالفريضة، لأن القلب قد يسأم وقد يتكاسل، مشدداً على أن الحد الأدنى الذي لا يجوز تجاوزه هو ألا يؤخر الصلاة عن وقتها وألا يهجر المصحف لفترات طويلة.
وقد سلط البرنامج الضوء على التحديات العصرية التي تواجه المؤمنين اليوم، والتي وصفها الشيخ بأنها "ضغوط ومعوقات ما، لا يعلمها إلا الله".
وأهم هذه التحديات -حسب الشيخ- تتمثل في غياب القدوة الحقيقية، حيث لا يريد الأبناء أن يروا أباً ينهى أولاده عن التدخين وهو مدخن، مؤكداً أن أبناءنا ليسوا سمعيين، بل هم بصريون يريدون أن يروا سلوكاً.
كما تناول تأثير وسائل التواصل السلبي، حيث إن الإنسان لو أحصى الوقت الذي يمكث مع محموله (تلفونه) أو الآيباد، فإنه سيحزن على ضياع عمره، مذكراً بأن "الإنسان سوف يُسأل عن شبابه فيما أبلاه وعن عمره فيما أفناه".
وأضاف الدكتور عبد الحي بعداً تاريخياً للموضوع، مستشهداً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم "يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه كالقابض على الجمر، للعامل منهم يومئذ أجر خمسين منكم".
إعلانوأوضح أن كثيرا من الأمور في زماننا الحالي تصرف الناس عن طاعة الله عز وجل، واستدرك قائلا "لكن الذي يصلي في زماننا والذي يصوم والذي يؤدي زكاة ماله، هذا أجره عند الله عظيم".
وقدم البرنامج وصفة عملية لمن يشعر بضعف الإيمان، تبدأ بـ"الإكثار من الاستغفار" وتجديد الإيمان بحضور مجلس العلم، ثم الالتزام بنصف ساعة يومياً للاستماع للقرآن أو القراءة في المصحف، مشددا على أهمية إخراج الصدقة وأداء العمل الخالص لوجه الله تعالى.
الصادق البديري10/6/2025