أهمية الثقافة القومية فـي معركة الوعي
تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT
عِندما نمعن النظر في واقع الحال العربي على المستوى الرَّسمي والشَّعبي نلحظ التراجعات في ممارسات العمل السِّياسي والاقتصادي والثقافي العربي، ونسقطها على المجالات الأخرى. وبعيدًا عن الدخول في الأسباب الكثيرة التي أدَّت إلى تلك التراجعات نجد أنَّ المُشْكِلة الحقيقيَّة لدَيْنا في مستوى حركة الثقافة القوميَّة ودَوْرها في تغذية معركة الوعي العربي وخطِّها البياني المتذبذب، وهذه الإشكاليَّة ـ للأسف الشديد ـ يتنازعها الكثير من التيَّارات الفكريَّة التي تولَّدت وأُريد لها أن تتغذَّى على حساب الفكرة القوميَّة، ومحاولة دسِّ حالة اضطراب فكري مزدوجة بَيْنَ «الفكرة القوميَّة» و»العقيدة الإسلاميَّة»، وهذا بحدِّ ذاته كافٍ لضرب الفكرة القوميَّة وكأنَّها تتصارع على حساب العقيدة، وهي ـ بلا شك ـ حركة مقصودة منذ زمن، ونجحت في تحقيق أغراضها دُونَ انتباهٍ لمقاصدها، كما أنَّ الردَّة على الحركة القوميَّة كرَّست أيضًا مشكلات أخرى ضاعفت من حجم التراجعات، وهذه الردَّة أيضًا جاءت نتيجة حرب مُوجَّهة استهدفت الفكرة القوميَّة من قِبل جهات دوليَّة استعماريَّة كانت الفكرة القوميَّة عدوَّها اللَّدود الأوَّل والشَّرس، والتي عزَّزت صلابة الفكر القومي في معركة الوعي طوال العقود الماضية التي ناضل فيها الأجداد العرب للتخلُّص من الاستعمار وتحقَّق لهم ذلك المشروع العظيم.
أيقن أعداء الأُمَّة أنَّ ضرب الفكرة القوميَّة العربيَّة ضرورة قصوى يُحقِّق لهم حالة تقدُّم في حركة الصراع لمحاولة إعادة الاستعمار بثوب جديد أقلّ تكلفة من المواجهة العسكريَّة والاحتلال المباشر فوجّهت الثقافة العربيَّة منذ ما بعد حرب أكتوبر/ تشرين ١٩٧٣م لضرب الفكر القومي العربي. وبالفعل وجدوا مساحة جيِّدة في الأنظمة العربيَّة ونوعيَّة بعض القيادات التي تؤمن بالولايات المُتَّحدة والصهيونيَّة فانهار الكثير من عوامل الفكرة القوميَّة تحت ضربات حركة ارتداديَّة رسميَّة عِندما حدَث أوَّل سقوط لها في اتفاقيَّة كامب ديفيد التي ضربت العرب في مقتل، وضربت الحركة القوميَّة وانفضَّت عرى الوحدة العربيَّة، واستمرت في حالة تذبذب وانكفاء في دائرة القطريَّة، فاستفاد الاستعمار من تلك الظروف التي أسَّسها في الوطن العربي ليظلَّ العرب من انقسام إلى تشرذم ثم تطوَّر إلى مواجهات عربيَّة لَمْ تكُنْ معروفة قَبل ذلك.
الفهم العميق للفكرة القوميَّة ضرورة قصوى وعدم الخلط بَيْنَ الفكرة القوميَّة والعقيدة الإسلاميَّة؛ فكلاهما يُعزِّز الآخر ولا يتناقض معه، وما دمَّر الأُمَّة إلَّا مِثل تلك الأفكار التي فصَلت بَيْنَ القوميَّة العربيَّة والإسلام عن قصدٍ أو غير فهم، والرسول جاء بلسان عربي مبَيْنَ ومن العرب، والقرآن بلسان عربي عزَّزته تلك العقيدة السماويَّة، وبالتَّالي فإنَّ القوميَّة العربيَّة لَمْ تكُنْ يومًا تتعارض مع الإسلام الحنيف أو مختلف الأديان الأخرى، وما يروِّج له بعض العرب عن جهل أو تعمُّد ليس له إلَّا هدف واحد وهو ضرب الفكرة القوميَّة العربيَّة.
القوميَّة العربيَّة لَمْ تتجاهل يومًا الدَّائرة الكبرى من العالَم الإسلامي، لكن لها خصوصيَّتها القوميَّة شأنها شأن باقي القوميَّات الأخرى، وهي ترتبط بمشتركات تستطيع من خلالها خلق هذا الشعور القومي المرتبط باللغة والجغرافيا والهُوِيَّة والثقافة والمصير المشترك، وهذه المشتركات تستطيع من خلال بناء مساحة قوميَّة مترابطة تُمثِّل إضافة للأُمَّة الإسلاميَّة. أمَّا الدَّعوة إلى رفض الفكرة القوميَّة فهي ممارسة الجهل المُركَّب ومحاولة تمريره ادعاءات مختلفة لتمييع الفكرة؛ باعتبار أنَّ مَن نادى بالفكرة القوميَّة كانوا في دوَل غربيَّة أو من ديانات غير إسلاميَّة، ولكن تلك الفئة كانت نخبة عربيَّة دارسة مثقَّفة هناك، ولم تتراجع في حركة النِّضال والدِّفاع عن حياض هذه الجغرافيا العربيَّة، بل أسهمت بالكثير من التضحيات في سبيل الأرض والوطن، كما أنَّ هناك مَن يحاول دسَّ فكرة الاشتراكيَّة كتهمة للقوميَّة العربيَّة ويضع من التوصيفات التي يحاول تمريرها من أجْل الإساءة إلى الفكرة القوميَّة العربيَّة التي تُمثِّل الرابطة المصيريَّة الجامعة للأُمَّة العربيَّة وفقًا لمشتركات اللغة والتاريخ والجغرافيا والثقافة والعادات والتقاليد المشتركة التي تُشكِّل هُوِيَّة المُجتمع العربي، وتضبط إيقاعه وتجعل آلامه وأفراحه واحدة. الأُمم تفخر بقوميَّتها ويجِبُ علَيْنا نحن العرب أن نعليَ من شأن قوميَّتنا العربيَّة وعدم التنكُّر لها، فهذه تُمثِّل ضربة استباقيَّة في معركة الوعي التي يجِبُ الانتباه لها للانطلاق في بناء مشروعنا العربي بدلًا من حالة التِّيه التي أكملت نصف قرن من الزمان ويجِبُ أن نستدركَها قَبل فوات الأوان.
خميس بن عبيد القطيطي
khamisalqutaiti@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الفکرة القومی ة العربی ة القومی ة التی التی ت
إقرأ أيضاً:
خطوات حثيثة لبناء برج ترامب في العاصمة دمشق.. كيف ولدت الفكرة؟
كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية، الخميس، عن اعتزام رئيس مجموعة "تايجر" العقارية وليد الزعبي التوجه إلى العاصمة السورية دمشق من أجل الحصول على تراخيص بناء "برج ترامب" الشاهق، وذلك على وقع تواصل جهود التقارب بين سوريا والولايات المتحدة.
ونقلت "الغارديان" عن الزعبي الذي التقى الرئيس السوري أحمد الشرع في وقت سابق من العام الجاري، قوله "هذا المشروع هو رسالتنا - أن هذا البلد الذي عانى وأُنهك شعبه لسنوات عديدة، وخاصة خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة من الحرب، يستحق أن يتخذ خطوة نحو السلام".
وأشارت الصحيفة إلى أن تكلفة برج ترامب المزمع بناؤه في دمشق إلى أن "ستتراوح بين 100 و200 مليون دولار"، موضحة أنه يتم دراسة عدة مواقع في العاصمة السورية وأن لبناء قد يتكون من 45 طابقا قابلا للزيادة أو النقصان حسب الخطة.
ويوضح التقرير أن الزعبي سيحتاج بعد حصوله على رخصة البناء في دمشق، إلى التواصل مع علامة ترامب التجارية من أجل الحصول على حقوق الامتياز.
ويقدر أن تستغرق عملية بناء البرج التجاري ما يقرب من ثلاث سنوات بمجرد حصول الزعبي على الموافقات القانونية من الحكومة السورية الجديدة والامتياز من علامة ترامب التجارية.
وقال الأكاديمي والباحث السوري رضوان زيادة في حديثه لـ"الغارديان"، إن "الفكرة الرئيسية كانت تكمن في جذب انتباه الرئيس ترامب".
وبحسب الصحيفة، فإن زيادة طرح الفكرة على الزعبي وبدأ الاثنان العمل معا على المشروع. وفي مطلع نيسان /أبريل الماضي أخذ الباحث نموذجا أوليا للبرج وقدمه إلى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني.
وأشارت الصحيفة إلى أن الوزير السوري كان "متحمسا جدا" للفكرة، وقد قام الشيباني بتسليم النموذج إلى السفير السعودي في دمشق، على أمل أن يصل إلى فريق ترامب عبر الرياض.
وعلق زيادة بالقول "هكذا تكسب عقله (يقصد ترامب) وقلبه".
ويقول الزعبي إن "المشروع يتعلق بكيفية انتقال البلد الذي مزقته الحرب إلى مكان مليء بالنور والجمال"، موضحا أنه "مشروع رمزي يساهم في الأمن والسلام، حسب تعبيره.
يأتي ذلك بعد أيام من اجتمع الرئيس السوري أحمد الشرع مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب في العاصمة السعودية الرياض بحضور ولي العهد، ومشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الهاتف.
وجاء اللقاء على هامش جولة أجراها ترامب في منطقة الشرق الأوسط، كما جاء بعد يوم واحد من إعلان الرئيس الأمريكي قراره رفع العقوبات المفروضة على سوريا بعد مناقشات مع أردوغان وولي العهد السعودي.
وقال الشرع في تعليقه على قرار ترامب رفع العقوبات، إن "الدبلوماسية السورية نجحت في فتح أبواب مغلقة ومهدت الطريق لعلاقات استراتيجية مع الدول العربية والأجنبية"، واصفا الخطوة الأمريكية بالقرار "التاريخي والشجاع".
وعملت الإدارة السورية منذ وصولها إلى السلطة بقيادة الشرع عقب سقوط الأسد في الثامن من كانون الأول /ديسمبر عام 2024، على دفع المجتمع الدولي نحو رفع العقوبات بالكامل من أجل إفساح المجال أمام تعافي الاقتصاد وإعادة الإعمار.