سودانايل:
2025-12-13@15:55:04 GMT

الفرق بين الإسلام السياسي والإسلام غير السياسي

تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT

محمود عثمان رزق

12/03/2024
كثير من السياسيين وغير السياسيين لا يفهمون الفرق بين فكرة الشخص الإسلامي صاحب التوجهات والبرنامج السياسي وبين المسلم الذي يعتقد أن الدين هو "عبادة بين العبد وبين ربه، وما لله لله وما لقيصر لقيصر" فلماذا لا يسمى الأخير "إسلامي" أيضاً؟. وفي الحقيقة الفرق بين الإثنين كبيرً جداً بالرغم من وجود أرضية مشتركة بينهما في مسائل العقيدة والعبادات والشعائر.

فالمسلم الذي ليس لديه برنامج سياسي هو ذلك المسلم الذي يؤدي عباداته في معزل عن معظم أنشطة وقضايا المجتمع. هذا العابد الزاهد الطاهر التقي يسبح ربه ويقرأ قرآنه ويحمل سبحته وهو في حاله لا يهتم بشئون الناس العامة ولا يتحدث في السياسة أو الحرب أوالتعليم أو الصحة أوغيره. وهذا النوع من التدين هو الذي يريده الغرب للمسلمين ويرضى عنه ياسر عرمان ويصفق له، ويراه صدقاً في التدين، ويرفع من شأنه وشأن أصاحبه يزفهم للخلوة للعبادة ويدخل هو الحكومة للسواطة!
وهذا النوع من التدين يسقط بالضرورة معظم أحكام القرآن الكريم الذي يعكف على تلاوته هذا العابدُ ليلاً ونهاراً. فالذي ينعزل عن المجتمع في الخلاء أو في خلوته أو بيته بعيداً عن المجتمع، غير مطالب - بحكم الواقع ومنطق العقل- بمسألة الدعوة، أو إقامة العدل، أو مسألة القضاء، أو مسألة الحرب، أو مسالة الصلح والسلام، أو مسألة الإقتصاد، أو أي مسألة من المسائل العامة التي تتعلق بإدارة الدولة. وذلك لأن الرجل بكل بساطة منعزل لايعيش في مجتمع إنساني ليهتم به ويتفاعل معه بكل ذلك. وبالتالي هذا النوع من التدين يلغي ويجمد بالضرورة كل الآيات القرآنية التي تخص الشأن العام، وتصبح تلاوة تلك الآيات القرآنية للأجر والتبرك فقط، ولن تجد لتلك الأحكام التي تخص الشأن العام أثراً على حياة ذلك العابد الزاهد، وهذا الطريق هو عين فكرة "هجر القرآن" ولو خًتم تلاوةً في كل يوم وكل ساعة.
أما الإسلام السياسي فهو ذلك النوع من الإسلام النشط الذي يرى كل شيء بنظارة الإسلام وفلسفته الوجودية، ولأصحاب هذا المذهب مقدرة فائقة لربط كل أنشطة الحياة بقيم الدين وحقائقه من غير أن تفقد تلك الأنشطة طعمها وجوهرها، وكما أن الأرض جُعلت للمسلمين مسجداً، فكذلك كل أوجه الحياة الإنسانية بالنسبة للإسلام السياسي مختبراً وميداناً ومعتركاً مفتوحاً للدخول. وطبعاً هذا النوع من الإسلام يعتبر حركة مزعجة يخافها الغرب ويخافها اليسار ويخافها البعثيون وغيرهم، وقطعاً يخافها ياسر عرمان وصحبه الطامعون في الحكم.
هذا النوع من الإسلام أو التدين مبني فلسفياً على الفكرة الإسلامية الفقهية المُجمع عليها والتي تقول: "إن العبادة المتعدية خير من العبادة اللازمة في الأجر" بمعنى أن إطعام الناس أجره أكبر من صلاة النافلة، وأن القتال دفاعاً عن المسلمين خير من صيام الدهر نافلة، وأن كفالة اليتيم أو العمل على كفالته خير من العمرة ...الخ (وبالطبع في كلٍ خير متفاوت في الدرجات). وهذا النوع من الإسلام النشط تجده في الإنتخابات والنقابات والصناعات العسكرية والمشاريع الزراعية وفي المتاجر وميادين الكورة، والحكومة والوزارت وفي الجيش وأركان النقاش وفي كل مكان، وكما قال الإمام الحريف لأصحابه بتاعين السيجة بعد صلاة الجمعة وهم يلعبون السيجة: "هنا نبكيكم ومن على المنبر نبكيكم" هههههههه.
وبهذا تكون الفكرة قد وضحت، فمن أراد تجميد معظم الأحكام القرآنية وهجرها على جميع المستويات، فعليه بحمل مصحفه وإبريقه وتبروقته ومعزته ويدقش الخلاء أو الخلوة فهو حر في قراره وهذا مبلغه من العلم وحسابه على الله لا يلومه أحد...ومن أراد تعمير الأرض ومداوسة أو مدافعة الأفكار الرأسمالية والليبرالية والشيوعية والبعثية والناصرية والطائفية والعنصرية وفقاً لتعاليم وفلسفة وقيم الدين فعليه بالإسلام السياسي فهو الحركة السياسية الأمثل التي تجابه هذه الأفكار وتهزمها وتقدم البديل، ولا بديل للإسلام السياسي إلا الإسلام السياسي مهما كانت الأخطاء ومهما تعثرت التجربة ومهما كان الثمن. وثمن المسير في هذا الخط هو الإعدامات والسجون والإغتيالات والأمراض ومصادرة المال والفصل من الوظيفة وتشويه السمعة والشيطنة والحسد والحقد وتضخيم الأخطاء وتقليل الحسنات وكل البلاوي التي تخطر على البال، ومع هذا البلاء يكون الأجر عظيماً بإذن الله وحده.
وعلى أية حال إن الإسلام السياسي داخل السودان أو في البلدان الأخرى قد أصبح رقماً صعباً لا تتم المعادلات السياسية ولا تستقر إلا به، ولن يستطيع أحدٌ أن يتجاوزه ويهمشه، ولن يستطيع أحد ابعاده من الساحة السياسية لا بالقوة ولا بالإنتخابات ولا بالتحالفات ولا بالغزو، ومن ظن أنه سيهزم الإسلام السياسي فهو واهم واهم واهم. وقد تخسر أحزاب الإسلام السياسي معركة أو معركتين ولكنها لن تخسر الحرب أبداً بإذن الله ربها. ونقولها نعم ومليون نعم للطرح الإسلامي في مجال السياسة وملحقاتها.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الإسلام السیاسی هذا النوع من

إقرأ أيضاً:

اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺗﺘصدى ﻟﻠﺒﺸﻌﺔ

هل تخيلت يومًا أن يلعق إنسان عاقل قطعة من الحديد خرجت لتوها من النار لإثبات برائته، وهذا فى عصر الدولة والقانون، بل فى زمن التكنولوجية والذكاء الاصطناعى!.

هذا ما حدث مؤخرًا فى مقطع فيديو مُنتشر لفتاة تجرى اختبار(البِشعة) لإثبات عُذريتها، حيث ظهرت ترتجف من الخوف فى محاولاتها لإثبات برائتها أمام اتهامات زوجها، لتُعيد إحياء واحدة من أكثر الممارسات الجاهلية الصادمة فى المجتمع المصرى فى موجة عنيفة من الجدل والتعاطف، ولكن الصادم أن رواد مواقع التواصل الاجتماعى اكتشفوا فيما بعد أن المقطع لبلوجر معروف باسم(كيداهم)، وهكذا سرعان ما انقلب المشهد ضدها، بعدما تم تداوله من أن ما جرى قد يكون جزءًا من محتوى مُعد مسبقًا، بحثًا عن الترند، ويقدمه أشخاص يتقاضون أموالًا مقابل تمثيل تلك الطقوس، حيث قامت البلوجر بنشر أرقام من يمارسون البِشعة.

ما هى البِشعة؟

البِشعة هى أحد الموروثات القديمة التى نشأت فى الحياة القبلية والصحراوية، واعتمدتها بعض قبائل البدو كوسيلة لتقاضى النزاعات بين العشائر عند غياب الشهود، وتشكل حاليًا أحد أخطر أشكال الانتقام خارج نطاق القانون والقضاء الشرعى، حيث يتم إجبار المتهم على وضع لسانه على حديد محمّاة بالنار، للاستخلاص من آثار الحرق صدقه أو كذب.

وقال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء إن البشِعة ما زالت موجودة فى صحراء مصر الشرقية، خاصة فى محافظات سيناء والإسماعيلية والشرقية، كأحد أساليب التحكيم بين المتخاصمين من البدو، وتُستخدم هذه العادة كوسيلة لكشف الكذب، حيث يحتكم المتخاصمون للنار ويُجبرون على لعقها أمام محكم متخصص يُعرف باسم «المبشع»، المسئول عن تنفيذ حكم القضاة العرفيين.

 

مؤسسات الدين

ووفقًا لهذا الجدل المتصاعد فى الرأى العام المصرى، خرجت المؤسسات الدينية لتُصحح الطريق وتنفى تلك الممارسات الجاهلة، حيث خرجت دار الإفتاء المصرية تؤكد بشكل قاطع أن «البشعة» محرّمة شرعًا ولا أصل لها فى الإسلام، وأن الشريعة لا تقبل بأى ممارسة تُعرض الإنسان للأذى أو الامتهان، مستشهدةً بالقاعدة النبوية الراسخة: «البَيِّنةُ على مَنِ ادَّعى، واليَمِينُ على مَن أنكر». 

وكذلك جاء رد الأزهر حاسم بتحريم نشر أى فيديو أو صورة أو خبر يُروِّج لممارسة «البِشعة»، معتبرًا إياها من أخطر أشكال التعذيب والإذلال التى تتعارض مع مبادئ الإسلام فى حفظ الكرامة والعدل، وأن الإسلام أسّس منظومة قضائية وأخلاقية قائمة على أدلة ثابتة والبَيِّنات، وليس على الخرافات أو الممارسات الجارحة.

وأشار الأزهر فى تصريحاته إلى أن «البشعة» تمثّل استحضارًا لممارسات تعود إلى الجاهلية، تشبه ما كان يُعرف بـ«الاستقسام بالأزلام»، وهو أمر نهى عنه القرآن، وهذه الممارسات تحتوى على تعذيب جسدى ونفسى، وإذلال للإنسان، وتتنافى مع قوله : «لا ضَررَ ولا ضِرَار».

 

أمام القانون

كما أشارت وزارة الأوقاف المصرية فى ردها على الجدل القائم إلى أن البشعة ليست مجرد خطأ أخلاقى، بل جريمة قانونية أيضًا، تشمل الاعتداء البدنى والتحايل على القضاء، وهو ما يعاقب عليه القانون المصرى وفقًا للمواد المتعلقة بالإيذاء البدنى وتعذيب المتهم.

 وأكدت أن الإسلام وفر بدائل شرعية تحفظ الحقوق والكرامة، من خلال القضاء الرسمى القائم على الأدلة الشرعية والقانونية، والتحكيم الأهلى المنضبط برضا الطرفين، والوساطة المجتمعية المبنية على الصلح والتعويض، مع الالتزام بالبينة والقرائن الشرعية والإقرار غير المُكره.

فيما أكد المحامى محمد ميزار بالدستورية العليا، أن قانون العقوبات المصرى لا يذكر «البشعة» بالاسم، لكن ذلك لا يبرئ ممارسيها، إذ تُطبق عليهم مواد تجريم الإيذاء الجسدى والإكراه، وتُعد ممارستها تحت ضغط اجتماعى أو عرفى جريمة يعاقب عليها بالحبس أو الغرامة، مع إمكانية رفع المتضرر دعوى مدنية أو جنائية للتعويض عن الأذى النفسى أو الجسدى وفق المادة 163 من القانون المدنى، وقد تصل التعويضات فيها إلى عشرات الآلاف من الجنيهات.

وأضاف ميزار أن استخدام «البشعة» كبديل عن القضاء يمثل تحريضًا على مخالفة القانون ويخالف الدستور الذى يكفل الحق فى اللجوء للقضاء، وأن بثها أو نشرها يعد مخالفة صريحة لقوانين الإعلام والآداب العامة.

 

شرك وكفر صريح

ومن جانبة حذر الشيخ محمد أبوبكر جاد الرب، إمام وخطيب بوزارة الأوقاف، من اللجوء إلى ما يُعرف بـ«البشعة» لإثبات الحقوق أو نفى التهم، مؤكدًا أن هذه الممارسة تُخرج المسلم من الملة وتعد شركًا بالله، حتى وإن كان يحافظ على الصلاة والصيام، واصفًا انتشار ظاهرة «البشعة» بين الناس بأنها كارثة أخلاقية ودينية، وقال إنها لا تمثل دينًا ولا أخلاقًا ولا مروءة.

 

أعراف المجتمع

ورد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، على من يدعى أن البِشعة جائزة لأنها من العُرف قائلًا: "أى عرف يخالف نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية لا يُعمل به، ومن يقول إنها من قديم الأزل وكان يمارسها الآباء والأجداد، فكذلك كانت عبادة الأصنام"، «هذا ما وجدنا عليه آباءنا».

وأضاف: «الاعتقاد بأن للبشعة تأثيرات معجزة غير صحيح، فالمعجزات تكون للنبى فقط، مثل ما حدث مع سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما أمر الله النار أن تكون بردًا وسلامًا عليه، ولم يحدث مثل ذلك لأى إنسان آخر».

وأشار إلى أن حتى الاعتماد على أجهزة كشف الكذب التى تركن إلى التكنولوجيا غير دقيقة، قائلاً: «حتى فى الماضى، استطاع بعض الأشخاص خداع أجهزة كشف الكذب، كما حدث فى بعض العمليات التابعة للموساد الإسرائيلى كما فى قصة رأفت الهجان وجمعة الشوال».

فيما أكد الدكتور مصطفى الهلباوى، من علماء الأزهر الشريف، أن البشعة جريمة كبيرة، ولا توافق الشرع الشريف من قريب أومن بعيد، لأن العرف الصحيح هوما يوافق أحكام الكتاب والسنة، وعندما نضع ممارسة البِشعة على مبدأ القياس فى الدين الإسلامي(وهو ما يستخدمه العلماء لتحديد حكم الأمور المستحدثة) نجد أن البِشعة توافق ما كان يُسمى فى الجاهلية بـ(الاستقسام بالأزلام)، أى أنها تأخد حكم الاستسقام بالأزلام وهو التحريم

وتابع موضحًا أن الاستقسام بالأزلام عادة جاهلية محرمة، كانت تحدث قبل الإسلام حين يذهب بعض الناس إلى الكاهنة لتحديد الأمور باستخدام الأسهم فى كأس، ويأخذون القرار حسب ما يظهر من السهم الأول أو الثانى، وقد حرم الله الاستقسام بالأزلام وقال عنه فى كتابه الكريم: «وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ».

واختتم الدكتور الهلباوى تصريحه مؤكّدًا: «أى ممارسة مثل البشعة تتعارض مع الشريعة والعقل، ولا يجوز اللجوء إليها أو اعتبارها وسيلة مقبولة لتقرير المصائر».

مقالات مشابهة

  • توقيف سوري بالجرم المشهود في كسروان.. ما الذي كان يقوم به؟
  • أسعار الأسماك والمأكولات البحرية اليوم السبت 13-12-2025
  • أنواع عديدة للحرائق تندلع بشكل متكرر فى المنشآت.. اعرفها
  • كأس العرب ... وكأسك يا وطن!
  • اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺗﺘصدى ﻟﻠﺒﺸﻌﺔ
  • التطرف ليس فى التدين فقط
  • «قتل الجماعة للواحد»
  • التطرف ليس في التدين فقط.. موضوع خطبة الجمعة القادمة
  • هل تحالف الإسلام السياسي وقوى اليسار لنصرة فلسطين؟
  • الفرق بين الورم والسرطان.. ما الذي يجب معرفته؟