ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (صلينا العصر خلف الإمام، وبعد انتهاء الصلاة أخبرَنا الإمام أنه كان محدثًا ولم يكن متذكرًا حدثه عند الشروع في الصلاة، وانقسم المأمومون إلى قسمين: قسم أعاد الصلاة مع الإمام، وقسم لم يُعد؛ ونرجو منكم بيان الحكم الشرعي في المسألة.

وقالت دار الإفتاء في إجابتها عن السؤال إن الطهارة شرطُ صحةٍ للصلاة لا تصح بدونها؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم يقول: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ» رواه مسلم في "صحيحه"، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» متفقٌ عليه.

وذكرت أنه من المقرر في صلاة الجماعة أن المأموم مأمورٌ بالاقتداء بإمامه، وأنَّه إذا أخطأ الإمام فخطؤه عليه لا على المأموم، إلا إذا تيقن المأموم وتابعه عليه فالخطأ عليهما معًا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ» رواه البخاري في "صحيحه".

قال العلامة شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "منحة الباري بشرح صحيح البخاري" في شرح هذا الحديث (2/ 409، ط. مكتبة الرشد): [(فإن أصابوا) أي: في الأركان والشروط والسنن (فلكم) أي: ثواب صلاتكم كما أنَّ لهم ثواب صلاتهم (وإن أخطئوا) أي: ارتكبوا الخطيئة في صلاتهم كأن صلَّوا محدثين (فلكم) أي: ثواب صلاتكم (وعليهم) أي: عقاب أخطائهم؛ لأن على تستعملُ في الشرِّ، واللَّام في الخير] اهـ.

وتابعت: فإذا صلى الإمام وهو مُحْدِثٌ غير متذكر للحدث، ولم يعلم المأمومون بحدثه إلا بعد الانتهاء من الصلاة؛ فصلاة المأمومين صحيحة، ولا إعادة عليهم، وإنما تجب الإعادة على الإمام وحده، وبهذا قال جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة.

واستدلُّوا على ذلك بما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَصَفَّ النَّاسُ صُفُوفَهُمْ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ مَقَامَهُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ، فَخَرَجَ وَقَدِ اغْتَسَلَ وَرَأْسُهُ يَنْطُفُ الْمَاءَ، فَصَلَّى بِهِمْ" متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم.

وفي رواية أخرى، عن أبي بكْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم «دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَصَلَّى بِهِمْ» رواه أبو داود في "سننه"، والبيهقي في "سننيه الكبرى والصغرى".

قال الإمام الخطَّابي في "معالم السنن" معقبًا على حديث أبي بكرة رضي الله عنه (1/ 78، ط. المطبعة العلمية بحلب): [في هذا الحديث دلالة على أنه إذا صلى بالقوم وهو جنب وهم لا يعلمون بجنابته أن صلاتهم ماضية، ولا إعادة عليهم وعلى الإمام الإعادة، وذلك أن الظاهر من حكم لفظ الخبر أنهم قد دخلوا في الصلاة معه ثم استوقفهم إلى أن اغتسل وجاء فأتم الصلاة بهم، وإذا صح جزء من الصلاة حتى يجوز البناء عليه جاز سائر أجزائها، والاقتداء بالإمام طريقه الاجتهاد، وإنما كُلِّفَ المأموم الظاهِرَ من أمره وليس عليه الإحاطة؛ لأنه يتعذر دركها فإذا أخطأ فيما حكمه الظاهر لم ينقض عليه فعله كالحاكم لا ينقض عليه حكمه فيما طريقه الاجتهاد وإن أخطأ فيه، ولا سبيل للمأموم إلى معرفة طهارة الإمام ولا عتب عليه إن عزب عنه علمهما] اهـ.

واستدلَّوا أيضًا بما جاء عن سليمان بن يَسَارٍ رضي الله عنه: أَنَّ أمير المؤمنين عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه "صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ، ثُمَّ غَدَا إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ، فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلاَمًا، فَقَالَ: إِنَّا لَمَّا أَصَبْنَا الْوَدَكَ لاَنَتِ الْعُرُوقُ، فَاغْتَسَلَ، وَغَسَلَ ما كان في ثَوْبِهِ من احْتِلاَمَ، وَعَادَ لِصَلاَتِهِ" رواه الإمام مالك في "الموطأ".

وقد تواردت عبارات الفقهاء على ذلك، كما في "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" للإمام الدسوقي المالكي (1/ 124، ط. دار الفكر)، و"الحاوي الكبير" للإمام الماوردي الشافعي (2/ 238، ط. دار الكتب العلمية)، و"المغني" للإمام ابن قدامة الحنبلي (2/ 73، ط. مكتبة القاهرة).

وذهب الحنفية إلى أن الإعادة في هذه الحالة واجبة على الإمام والمأموم؛ بناءً على أن فساد صلاة الإمام يلزم منه فساد صلاة المأموم.

وعن عليٍّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم «أنه صلى بهم، ثم جاء ورأسه يقطر فأعاد بهم»؛ ولأن صلاته مبنية على صلاة الإمام والبناء على الفاسد فاسد] اهـ.

وأوضحت أن المختار للفتوى هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة من صحة صلاة المأمومين إذا صلوا خلف إمام وهو مُحْدِثٌ غير متذكر للحدث، ولم يعلموا بحدثه وقت شروعهم في الصلاة، ولا تلزمهم إعادة الصلاة، وإنما تجب الإعادة على الإمام وحده؛ لما ثبت من فعل النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وما أفاده وفهمه العلماء، ولكون ذلك أوفق للتيسير ورفع الحرج عن المكلفين كما هو مقصد الشريعة الغراء.

وأضافت أنه يترتب على ذلك أن من ترك الإعادة فلا حرج عليه وصلاته صحيحة، ومن أعادها من المأمومين فلا حرج عليه أيضًا؛ لموافقة فعله مذهبًا فقهيًّا معتبرًا وهو مذهب الحنفية، والـمُقرَّر أنه "لا إنكار في مسائل الخلاف".

وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإذا أخبر الإمام بعد انتهاء الصلاة أنه صلى بالمأمومين العصر وهو محدثٌ فتلزمه إعادة صلاته، وأمَّا صلاة المأمومين خلفه فصحيحةٌ ولا تلزمهم إعادتها، وهو مذهب جمهور الفقهاء، ومن أعاد صلاته من المأمومين ففعله صحيح أيضًا ولا حرج عليه، وهو موافق مذهب الحنفية، وننبه إلى أنه لا مجال لجعل المسائل الخلافية سبيلًا للانقسام أو الشقاق؛ إذ الجميع مأجور في مسائل الاجتهاد، وعلى من ابتلي بمثل هذا أن يتخيَّر من مذاهب الفقهاء المعتبرين ما فيه تأليف الناس واجتماعهم.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الصلاة دار الإفتاء الإمام المأموم الطهارة المزيد المزيد صلاة المأموم رضی الله عنه ى الله علیه على الإمام ى الله ع على ذلک

إقرأ أيضاً:

حكم الاعتماد على اليدين في الجلوس بين السجدتين.. الأزهر يجيب

تلقى مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية سؤالا مضمونه: ما حكم وضع الكفين على الأرض في الجلوس بين السجدتين [الاعتماد على اليدين]؟

وأجاب الأزهر للفتوى عبر موقعه الرسمى عن السؤال قائلا: إنه يُستحب للجالس بين السجدتين أن يضع يده اليمنى على فخذه الأيمن، ويده اليسرى على فخذه اليسرى، شأنه كشأن الجلوس للتشهد، بحيث تكون الأصابع مبسوطةً موجهةً جهة القِبلة، مُفَرَّجَةً قليلا عند الحنفية، ومضمومة عند الحنابلة، منتهيةً إلى الركبتين.

وبينت ان هذه هي الصفة المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك فهو مكروه، إلا إذا تعذر وضعها كذلك لمرض أو غيره فيجوز بغير كراهة؛ لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ). ومما ذُكر يُعلم الجواب. والله أعلم.

هل طواف الحاج في الطوابق العلوية بنفس ثواب صحن الكعبة؟.. الأزهر يجيبفضل حج بيت الله الحرام.. الأزهر للفتوى يوضحما أقصى عدد للمشتركين في شراء الأضحية ونصيب الفرد الواحد؟..الأزهر يجيبالهيئة الصحيحة لكيفية السجود في الصلاة


قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن من أركان الصلاة السجود : مرتين في كل ركعة ـ وأقله مباشرة بعض جبهة المصلي موضع سجوده من الأرض أو غيرها مع وضع جزء من ركبتيه ومن باطن كفيه ومن باطن أصابع قدميه على الأرض أو غيرها وأكمل السجود أن يكبر لهويه للسجود بلا رفع يديه ويضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه.

وأضاف جمعة عبر الفيسبوك: الطمأنينة فيه أي في السجود بحيث ينال موضع سجوده ثقل رأسه ولا يكفي أن تمس رأسه موضع سجوده، بل يتحامل به بحيث لو كان تحته قطن لانكبس وظهر أثره ليد لو فرضت تحته، و الجلوس بين السجدتين : في كل ركعة سواء صلى قائما أو قاعدا أو مضطجعا وأقله سكون حركة أعضائه وأكمله الزيادة على ذلك بالدعاء الوارد «اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني» فيه فلو لم يجلس بين السجدتين بل صار إلى الجلوس أقرب لم يصح.

الجلوس بين السجدتين


وأوضح: الطمأنينة فيه : أي في الجلوس بين السجدتين، و الجلوس الأخير : أي الذي يعقبه السلام، و التشهد فيه : أي في الجلوس الأخير وأقل التشهد «التحيات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله» وأكمل التشهد أن يقول المسلم : «التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.

الصلاة على النبي ﷺ فيه : أي في الجلوس الأخير بعد الفراغ من التشهد وأقل الصلاة على النبي ﷺ: «اللهم صلِّ على محمد » فالصلاة على الآل لا تجب في الصلاة وإنما هي سنة وأكمل الصلاة على النبي «اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد».

وتابع: التسليمة الأولى ويجب إيقاع السلام حال القعود وأقله السلام عليكم مرة واحدة وأكمله السلام عليكم ورحمة الله مرتين يمينا وشمالا، و نية الخروج من الصلاة : وهذا وجه مرجوح وقيل لا تجب ذلك أي نية الخروج وهذا الوجه الأصح، وترتيب الأركان : حتى بين التشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه ويستثنى من الترتيب مقارنة النية لتكبيرة الإحرام ومقارنة الجلوس الأخير للتشهد والصلاة على النبي ﷺ.

طباعة شارك السجود الصلاة حكم وضع الكفين على الأرض في الجلوس بين السجدتين حكم الاعتماد على اليدين في الجلوس بين السجدتين الجلوس بين السجدتين

مقالات مشابهة

  • حكم الاعتماد على اليدين في الجلوس بين السجدتين.. الأزهر يجيب
  • الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: الإمام أبوحنيفة وضع حلولا لمسائل مستقبلية
  • أنوار الصلاة والسلام على سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم
  • هل إدراك الإمام قبل الرفع من الركوع تحسب ركعة؟ الأزهر للفتوى يوضح الضوابط
  • دعاء المذاكرة مكتوب للحفظ والفهم .. احرص عليه قبل الامتحان
  • دعاء ردده النبي بعد كل صلاة.. واظب عليه
  • عمرو أديب يسخر من تجسس منشد لبناني على حزب الله: كان عليه أقساط
  • لو ناسي إجابة في الامتحان .. ردّد 6 كلمات يذكّرك الله بكل شيء
  • الأزهر: الإحسان للحيوانات والطيور في الأيام الحارة عليه أجر وثواب
  • يسري جبر: زيارة المريض مستحبة شرعًا.. لا يثقل عليه ولا يحرجه أو يزعجه