تذكّر الإمام أنه لم يكن مُتوضئًا فأخبر المصلين .. هل تجب إعادة الصلاة؟
تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (صلينا العصر خلف الإمام، وبعد انتهاء الصلاة أخبرَنا الإمام أنه كان محدثًا ولم يكن متذكرًا حدثه عند الشروع في الصلاة، وانقسم المأمومون إلى قسمين: قسم أعاد الصلاة مع الإمام، وقسم لم يُعد؛ ونرجو منكم بيان الحكم الشرعي في المسألة.
وقالت دار الإفتاء في إجابتها عن السؤال إن الطهارة شرطُ صحةٍ للصلاة لا تصح بدونها؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم يقول: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ» رواه مسلم في "صحيحه"، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» متفقٌ عليه.
وذكرت أنه من المقرر في صلاة الجماعة أن المأموم مأمورٌ بالاقتداء بإمامه، وأنَّه إذا أخطأ الإمام فخطؤه عليه لا على المأموم، إلا إذا تيقن المأموم وتابعه عليه فالخطأ عليهما معًا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ» رواه البخاري في "صحيحه".
قال العلامة شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "منحة الباري بشرح صحيح البخاري" في شرح هذا الحديث (2/ 409، ط. مكتبة الرشد): [(فإن أصابوا) أي: في الأركان والشروط والسنن (فلكم) أي: ثواب صلاتكم كما أنَّ لهم ثواب صلاتهم (وإن أخطئوا) أي: ارتكبوا الخطيئة في صلاتهم كأن صلَّوا محدثين (فلكم) أي: ثواب صلاتكم (وعليهم) أي: عقاب أخطائهم؛ لأن على تستعملُ في الشرِّ، واللَّام في الخير] اهـ.
وتابعت: فإذا صلى الإمام وهو مُحْدِثٌ غير متذكر للحدث، ولم يعلم المأمومون بحدثه إلا بعد الانتهاء من الصلاة؛ فصلاة المأمومين صحيحة، ولا إعادة عليهم، وإنما تجب الإعادة على الإمام وحده، وبهذا قال جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة.
واستدلُّوا على ذلك بما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَصَفَّ النَّاسُ صُفُوفَهُمْ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ مَقَامَهُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ، فَخَرَجَ وَقَدِ اغْتَسَلَ وَرَأْسُهُ يَنْطُفُ الْمَاءَ، فَصَلَّى بِهِمْ" متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم.
وفي رواية أخرى، عن أبي بكْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم «دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَصَلَّى بِهِمْ» رواه أبو داود في "سننه"، والبيهقي في "سننيه الكبرى والصغرى".
قال الإمام الخطَّابي في "معالم السنن" معقبًا على حديث أبي بكرة رضي الله عنه (1/ 78، ط. المطبعة العلمية بحلب): [في هذا الحديث دلالة على أنه إذا صلى بالقوم وهو جنب وهم لا يعلمون بجنابته أن صلاتهم ماضية، ولا إعادة عليهم وعلى الإمام الإعادة، وذلك أن الظاهر من حكم لفظ الخبر أنهم قد دخلوا في الصلاة معه ثم استوقفهم إلى أن اغتسل وجاء فأتم الصلاة بهم، وإذا صح جزء من الصلاة حتى يجوز البناء عليه جاز سائر أجزائها، والاقتداء بالإمام طريقه الاجتهاد، وإنما كُلِّفَ المأموم الظاهِرَ من أمره وليس عليه الإحاطة؛ لأنه يتعذر دركها فإذا أخطأ فيما حكمه الظاهر لم ينقض عليه فعله كالحاكم لا ينقض عليه حكمه فيما طريقه الاجتهاد وإن أخطأ فيه، ولا سبيل للمأموم إلى معرفة طهارة الإمام ولا عتب عليه إن عزب عنه علمهما] اهـ.
واستدلَّوا أيضًا بما جاء عن سليمان بن يَسَارٍ رضي الله عنه: أَنَّ أمير المؤمنين عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه "صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ، ثُمَّ غَدَا إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ، فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلاَمًا، فَقَالَ: إِنَّا لَمَّا أَصَبْنَا الْوَدَكَ لاَنَتِ الْعُرُوقُ، فَاغْتَسَلَ، وَغَسَلَ ما كان في ثَوْبِهِ من احْتِلاَمَ، وَعَادَ لِصَلاَتِهِ" رواه الإمام مالك في "الموطأ".
وقد تواردت عبارات الفقهاء على ذلك، كما في "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" للإمام الدسوقي المالكي (1/ 124، ط. دار الفكر)، و"الحاوي الكبير" للإمام الماوردي الشافعي (2/ 238، ط. دار الكتب العلمية)، و"المغني" للإمام ابن قدامة الحنبلي (2/ 73، ط. مكتبة القاهرة).
وذهب الحنفية إلى أن الإعادة في هذه الحالة واجبة على الإمام والمأموم؛ بناءً على أن فساد صلاة الإمام يلزم منه فساد صلاة المأموم.
وعن عليٍّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم «أنه صلى بهم، ثم جاء ورأسه يقطر فأعاد بهم»؛ ولأن صلاته مبنية على صلاة الإمام والبناء على الفاسد فاسد] اهـ.
وأوضحت أن المختار للفتوى هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة من صحة صلاة المأمومين إذا صلوا خلف إمام وهو مُحْدِثٌ غير متذكر للحدث، ولم يعلموا بحدثه وقت شروعهم في الصلاة، ولا تلزمهم إعادة الصلاة، وإنما تجب الإعادة على الإمام وحده؛ لما ثبت من فعل النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وما أفاده وفهمه العلماء، ولكون ذلك أوفق للتيسير ورفع الحرج عن المكلفين كما هو مقصد الشريعة الغراء.
وأضافت أنه يترتب على ذلك أن من ترك الإعادة فلا حرج عليه وصلاته صحيحة، ومن أعادها من المأمومين فلا حرج عليه أيضًا؛ لموافقة فعله مذهبًا فقهيًّا معتبرًا وهو مذهب الحنفية، والـمُقرَّر أنه "لا إنكار في مسائل الخلاف".
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإذا أخبر الإمام بعد انتهاء الصلاة أنه صلى بالمأمومين العصر وهو محدثٌ فتلزمه إعادة صلاته، وأمَّا صلاة المأمومين خلفه فصحيحةٌ ولا تلزمهم إعادتها، وهو مذهب جمهور الفقهاء، ومن أعاد صلاته من المأمومين ففعله صحيح أيضًا ولا حرج عليه، وهو موافق مذهب الحنفية، وننبه إلى أنه لا مجال لجعل المسائل الخلافية سبيلًا للانقسام أو الشقاق؛ إذ الجميع مأجور في مسائل الاجتهاد، وعلى من ابتلي بمثل هذا أن يتخيَّر من مذاهب الفقهاء المعتبرين ما فيه تأليف الناس واجتماعهم.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الصلاة دار الإفتاء الإمام المأموم الطهارة المزيد المزيد صلاة المأموم رضی الله عنه ى الله علیه على الإمام ى الله ع على ذلک
إقرأ أيضاً:
ما حكم من فاتته صلاة الجمعة بسبب النوم؟.. الإفتاء تجيب
ما حكم من فاتته صلاة الجمعة بسبب النوم؟ فأنا نمت ليلة الجمعة متعبًا بسبب عملي فلم أستيقظ إلَّا بعد صلاة الجمعة؛ فهل يقع عليَّ إثم في هذه الحالة؟ وما الواجب عليَّ حينئذٍ؟سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية
وقالت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى: إن من فاتته صلاة الجمعة بسبب النوم من غير تهاونٍ ولا تقصيرٍ لا يكون آثمًا شرعًا، ويلزمه قضاؤها ظهرًا اتفاقًا.
ونوهت انه ينبغى على المسلم أن يحتاطَ لأمر صلاة الجمعة ويحرص على حضورها، وأن يأخذَ بما يعينه على أدائها من الأساليب والأسباب؛ كالنوم باكرًا وعدم السهر بلا فائدة، أو كأن يعهد إلى أحدٍ أن يوقظَه، أو أن يضبط ساعته أو منبه هاتفه لإيقاظه ونحو ذلك من الوسائل التي تعين المرء على أداء صلاة الجمعة في وقتها؛ قيامًا بالفرض، وتحصيلًا للأجر وعظيم الفضل.
حكم صلاة الجمعة
صلاة الجمعة شعيرة من شعائر الإسلام، أوجب الشرع السعي إليها والاجتماع فيها والاحتشاد لها؛ توخِّيًا لمعنى الترابط والائتلاف بين المسلمين؛ قال الإمام التقي السبكي في "فتاويه" (1/ 174، ط. دار المعارف): [والمقصود بالجمعة: اجتماعُ المؤمنين كلِّهم، وموعظتُهم، وأكملُ وجوه ذلك: أن يكون في مكانٍ واحدٍ؛ لتجتمع كلمتهم، وتحصل الألفة بينهم] اهـ.
ولذلك افترضها الله تعالى جماعةً؛ بحيث لا تصح مِن المكلَّف وحدَه مُنفرِدًا؛ فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: 9-10].
وهاتان الآيتان تدلان على وجوب شهودها وحضورها على كلِّ مَنْ لزمه فرضُها، من وجوه:
الأول: أنهما وردتا بصيغة الجمع؛ خطابًا وأمرًا بالسعي؛ فالتكليف فيهما جماعي، وأحكامهما متعلقة بالمجموع.
الثاني: أن النداء للصلاة مقصودُه الدعاء إلى مكان الاجتماع إليها؛ كما جزم به الإمام الفخر الرازي في "مفاتيح الغيب" (30/ 542، ط. دار إحياء التراث العربي).
الثالث: أن "ذكر الله" المأمور بالسعي إليه: هو الصلاة والخطبة بإجماع العلماء؛ كما نقله الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/ 60، ط. دار الكتب العلمية).
الرابع: أنَّ مقصود السعي هو: حضور الجمعة؛ كما في "تفسير الإمام الرازي" (30/ 541-542)، والأمر به: يقتضي الوجوب؛ ولذلك أجمع العلماء على أن حضور الجمعة وشهودها واجب على مَن تلزمه، ولو كان أداؤها في البيوت كافيًا لما كان لإيجاب السعي معنى.
قال الإمام ابن جُزَيّ في "التسهيل لعلوم التنزيل" (2/ 374، ط. دار الأرقم): [حضور الجمعة واجب؛ لحمل الأمر الذي في الآية على الوجوب باتفاق] اهـ.
وهو ما دلت عليه السنة النبوية المشرفة؛ فعن أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» رواه النسائي في "سننه".
وعن طارق بن شهاب رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةٌ: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ» رواه أبو داود في "سننه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
التحذير من ترك صلاة الجمعة ممَّن وجبت عليه
كما شدَّد الشرع الشريف على مَنْ تخلَّف عن أدائها ممَّن وجبت عليه، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيُّ أَوْ مَمْلُوكٌ، فَمَنِ اسْتَغْنَى بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ اسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْهُ، وَاللَّهُ غَنِيُّ حُمَيْدٌ» رواه الدارقطني والبيهقي في "سننيهما".
وروى الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ» وروى أبو داود في "سننه" عن أبي الجعد الضمري رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ».