تطور سريع جدا شهدته رحلة انهيار الرئيس السوري الراحل بشار الأسد، ففي أقل من شهر كان خارج أروقة قصره الجمهوري، في العاصمة دمشق، بعد تحرك المعارضة المسلحة المكونة من فصائل مختلفة التوجه والأيدلوجية، الموحدة البوصلة حول هدف واحد وهو إسقاط الأسد.
لن أقف عند السنوات الماضية، التي بدأت بأحداث الربيع العربي، وما شهدتها من خروج على الحكومات والأنظمة العربية، ومنها النظام السوري بقيادة الأسد، ومطالب السوريين بإصلاحات دستورية واقتصادية في البلاد، ثم ارتفاع سقف تلك المطالب برحيل النظام عن بكرة أبيه، قبل أن يتدخل الروس والإيرانيون، لدعم الأسد ونظامه حتى القضاء على المعارضة وإسكاتها بقوة النيران، ثم هدوء حذر تخلل تلك السنوات حتى فجر يوم رحيل بشار.
ولكن ما يشغل بالي وبال الكثيرين الآن، هو مستقبل ذلك البلد المحبوب ما بعد الأسد، في خضم التكتلات والأطراف المختلفة والمتشعبة التي تزيد المشهد السوري قتامة وتعقيدا شديدا، ينبئ بأيام لا يعلم مصيرها إلا الله.
ينتابني وغيري حزنا عميقا على الحال الذي وصل إليه هذا البلد، من أيقونة في الجمال والرقي والحضارة والقوة، إلى جثة شبه هامدة، تحيطها الأسلحة من كل مكان، وتحفها الأطماع في تحويلها إلى بؤرة صراع، لا رجاء منها.
دائما كانت سوريا منارة للحضارة، وموئلا للتاريخ والثقافة، بلد يحتضن في جنباته آثار أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية، وسقوطها في يد الجماعات الإرهابية لا يعني فقط تهديدا لشعبها ومصيرها، بل يعني أيضا كارثة للمنطقة والعالم.
خاصة وأن تلك الجماعات لا تعترف بالحدود ولا تلتزم بالقيم الإنسانية، بل تعمل على تصدير الفكر المتطرف والعنف إلى دول الجوار والعالم بأسره.
وإذا تحولت سوريا إلى قاعدة للإرهاب، فإن العواقب ستكون وخيمة على الأمن والاستقرار الدوليين، فالإرهاب لا يدمر الحجر فحسب، بل يطمس الهوية الثقافية والدينية والاجتماعية.
فماذا سيبقى من تدمر وحلب ودمشق، إذا استمر التطرف في تمزيق النسيج الوطني؟ وماذا سيكون مصير الأطفال الذين يكبرون تحت وطأة القهر والعنف؟
إن مستقبل سوريا، بل والمنطقة، مرهون بمواجهة جادة للإرهاب، ليس بالسلاح فقط، ولكن بالفكر والتعليم والتنمية.
لا أنكر على السوريين تطلعهم إلى الأفضل فهذا حقهم وهذا مصيرهم يقررونه كيفما شاؤوا، ولا أقف مع بشار وأؤيد أفعاله فقد فعل في السوريين الأفاعيل وأحدث فيهم ما لم يحدثه الصهاينة في فلسطين، ولكني بكل صدق أقف مع الدولة السورية، أحد أركان العروبة ودعائم الاستقرار في المنطقة، جناح التوازن الذي شارك مصر نصرها العظيم على الصهاينة في 6 أكتوبر 1973.
يعتصرني الألم ومرارة التفكير في المجهول الذي ينتظر دمشق الآن، فها هي تقف وحيدة أمام الأطماع الإيرانية التي لطالما عبثت فيها ونحرت في شعبها طيلة السنوات الماضية، وكذلك الأهداف الروسية، التي دفعت موسكو لدعم الأسد، إضافة إلى الفصائل التي أتوقع تناحرها قريبا جدا على السلطة، بين جبهة داعش، والأكراد، والدولة العميقة، والعلويين، والدروز، وكذلك ما تطمح إليه تركيا في شمال سوريا، ناهيك عن الأطماع الإسرائيلية التي بدأت تحقيقها فور إعلان سقوط الأسد، إذ سارعت إلى تنفيذ عملية عسكرية في المنطقة الملاصقة لهضبة الجولان المحتلة، وحفرت الأنفاق والخنادق، وضربت مخازن أسلحة في العمق السوري.
كان الله في عون السورين الذين يعيشون حاليا بين خيارين أفضلهما مر جدا، ما بين نشوة الخلاص من بشار وحكمه وأخطائه وذلاته وجرائمه، وبين مصير مجهول ينتظرهم، نتمنى بإخلاص أن يكون خيرا في صالح سوريا العروبة، التي كانت ولا زالت أحد أعمدة الاستقرار في المنطقة.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: بشار الأسد الاسد دمشق المعارضة المسلحة فصائل اسقاط الأسد الربيع العربي الأنظمة العربية النظام السوري اصلاحات دستورية الروس
إقرأ أيضاً:
النجاة من سجون سوريا فيلم وثائقي يكشف فظائع سجون الأسد
يسلط الوثائقي "النجاة من سجون سوريا" الضوء على السنوات القاسية التي قضاها المعارض السوري شادي هارون في معتقلات نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، كاشفا فظائع التعذيب والانتهاكات التي تعرض لها المعتقلون.
ويأخذ الفيلم المشاهدين في رحلة مؤلمة داخل الزنازين التي شهدت معاناة عشرات آلاف السوريين، كما يتضمن شهادات صادمة لأشخاص كانت لهم أدوار محورية في تأجيج تلك المعاناة، مثل سجان ومعذب وممرضة زورت أسباب وفاة المعتقلين، وسائق جرافة حفر المقابر الجماعية التي دُفن فيها المئات.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تفاصيل مثيرة عن هجوم إسرائيلي على سفينة أميركية عام 67 خلف 34 قتيلاlist 2 of 2الصين تحكم قبضتها على المعادن النادرة وتربك التصنيع العالميend of listواستعرض تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية محاور هذا الوثائقي الذي أنتجته شبكة "بي بي سي" مشيرا إلى أن هارون كان يبلغ من العمر 27 عاما حين اعتقل عام 2011 لمشاركته في الاحتجاجات السلمية ضد نظام بشار.
ووفق التقرير، اعتقل هارون بتهمة تشكيل جماعة إرهابية، وعاش 10 سنين من التعذيب والإهانات والتنكيلات.
تعذيب ممنهجويتناول هذا العمل الوثائقي، بإشراف المخرجة والصحفية سارة عبيدات، الجوانب النفسية والإنسانية العميقة لتجربة هارون وشقيقه هادي الذي اعتقل أيضا، حسب التقرير.
ونقل تقرير الصحيفة البريطانية أن الفيلم يصف رحلتهما بأنها محاولة شجاعة لاستعادة جزء من الحقيقة بشأن مصير المعتقلين المفقودين، إضافة إلى كونها شهادة حية على الصمود في وجه "القمع والظلم".
إعلانويرافق الفيلم هارون في زيارته الأولى منذ الإفراج عنه إلى مواقع احتجازه السابقة، حيث يستعرض عبر لقطات حية شهاداته عن الانتهاكات التي تعرض لها، وكذلك ظروف عشرات الآلاف من المعتقلين الذين يُقدر عددهم بـ100 ألف شخص اختفوا قسرا في سجون النظام.
وبحسب فايننشال تايمز، يؤكد هارون أن سجانيه كانوا يتفننون في أساليب التعذيب، مضيفا أن "هدفهم الرئيسي من كل ما فعلوه كان جعلنا نشعر بأننا أقل من البشر، وكأننا حشرات، وكأننا لا شيء".
وفي أحد المشاهد التي نقلها التقرير، يُظهر هارون للكاميرا سلاسل كانت تُستخدم لتعليق السجناء من أنابيب معدنية، كما يوثق الفيلم مشاهد من مكاتب حكومية مهجورة تحوي وثائق مرتبطة بسجن صيدنايا، وتظهر بيروقراطية التعذيب الممنهج.
شهادات متورطينويتضمن الفيلم -حسب التقرير- شهادات نادرة لمتورطين سابقين في شبكة سجون الأسد، منهم منشقون وآخرون بقوا في صفوف نظام بشار حتى النهاية.
وأعرب بعضهم عن ندمهم أو زعموا أنهم تصرفوا تحت التهديد، بينما لم يُبدِ مسؤولون رفيعو المستوى أي شعور بالذنب، وحمّل الفيلم الجميع مسؤولية فشلهم الأخلاقي على حد سواء.
وتذكر فايننشال تايمز أن المخرجة أكدت -في مقابلاتها مع هؤلاء الشهود- أهمية الاعتراف العلني بالذنب، وطرحت أسئلة "تمس الضمير الإنساني والعدالة" حسب التقرير، في محاولة لكشف عمق المأساة الإنسانية التي شهدتها السجون السورية.
وشدد هارون في الفيلم على رسالة مفادها أن غياب قادة النظام عن الساحة لا يعفيهم من المحاسبة، ودعا إلى استمرار جهود توثيق الجرائم والتحقيق، ويقول إن الحرب قد تكون انتهت ولكن معركة العدالة -بحسب تعبيره- بدأت للتو.