في ليلة مطرية اربدية بعيدة.. بينما كانت حبات المطر اكثر اكتنازاً وهي تنقر الشبابيك التي تهزها أصوات رعد قوية وصفير رياح شديدة تخترق الظلام الذي زادت منه غيوم متراكمة حبلى بمطر وفير….تضيئها بين فينة وأخرى صواريخ برقية توارى الى ذاكرة جدتي تلك الأيام التي عايشتها عروس الشمال إبان دخول قوات الجيش السوري الأراضي الاردنية.
من الصور التي حدثتني عنها جدتي وهي تروي احداث الماضي بطريقتها العفوية الشيقة.
الحرب النفسية المروعة التي كانت أشد وقعا من حرب الصواريخ.. حدثتني عن الجنود وهم يجولون في السهول الحورانية الاربدية التي قصها شيك حدودي يفصلها بشقين متجاورين.
قالت لي بمصطلحاتها الاربدية الحورانية انهم بمجرد النظر الى هؤلاء الجنود كانت تنتابهم مشاعر الخوف والقلق يبعدون الأطفال إلى الملاجىء والأماكن البعيدة عن أنظار الجنود رغم انهم لم يسببوا لهم الاذى.
جدتي قدرت عمر روايتها بشجرة الياسمين الشامي المزروعة في فناء منزلنا التي بقيت مؤرخاً على تلك الاحداث التاريخية المحفورة في ذاكرة أبناء الشمال اكثر من غيرهم لقربهم منها ومعايشتهم لها.
ربما عايشت في تلك الليلة المطرية مشاعر الخوف التي حدثتني عنها جدتي لطبيعة الاجواء التي كانت من حولنا وكوني كنت وقتها طفلة صغيرة تعشق قصص الأجداد وتبحث عن شواهدها الواقعية نمت ليلتي بنصف عين انتظر حتى ينقشع الظلام بفجر جديد اتفقد شجرة الياسمين علني استكشف عمرها.
كانت الشتوة الأخيرةظاهرة على شجرة الياسمين وجدت وريقاتها التي بدأت بالظهور أكثر بهاء وفروعها بدأت بالاخضرار لم تقتلعها رياح الشتاء القاسي بل كانت زاهية وصامدة ولولا فروعها الكثيرة المتشابكة على جدران المنزل وشبابيكه لقدرت عمرها بأشهر وليست بسنوات طويلة.
رواية جدتي جعلتني اكثر قربا من شجرة الياسمين واؤرخ من خلالها العديد من الذكريات وخاصة في مواسم تساقط وظهور اوراقها وتدلي زهورها الربيعية .. حتى تولدت بيني وبينها علاقة عشق أبدية وحميمية واذكر عندما كنت اطلق على نفسي اسم “ياسمين” نسبة اليها.
ومع مستجدات احداث اليوم تذكرت رواية جدتي عندماعلمت متأخرة ان شجرة الياسمين الشامي التي تحكي قصة تاريخ حافل بالذكريات المختلفة كان قد أحضرها أحد أقاربنا من سوريا منذ اوائل السبعينات ولم تتأثر بتغير مكانها كون شمسها وتربتها واحدة.
لينا جرادات – وكالة عمون الإخبارية
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
تجارة الجنازات.. الفساد يلاحق قتلى الحرب في أوكرانيا
في ظل الحرب المستمرة بأوكرانيا، لم تسلم جثث الجنود من الاستغلال، حيث تحوّلت مراسم الدفن إلى قطاع للربح غير المشروع وسط غياب الرقابة والمحاسبة، وهو مشهد يعكس عمق الأزمة الأخلاقية والمؤسسية في زمن الحرب.
وفي تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، ذكر الكاتب أليستر ماكدونالد أنه في ربيع عام 2023، وأثناء احتدام الحرب في أوكرانيا، عقد مدير جنازات وموظف حكومي صفقة في مقبرة بمدينة زابوريجيا لنقل 23 جثة لجنود قتلى.
ووفقا للادعاء، منح الموظف مدير الجنازات عقد نقل الجثث مقابل ربع المبلغ الذي ستدفعه له البلدية، والتقى مدير الجنازات بالموظف لاحقا ليسلمه حصته البالغة أكثر من 13 ألف هريفنيا، أي نحو 320 دولارا.
وأوضح الكاتب أن هذه الصفقة -التي تخضع الآن للتحقيق القضائي- تعكس واقع انتشار الفساد في أوكرانيا والبلدان التي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي سابقا.
وتحتل أوكرانيا المرتبة 105 من 180 دولة في مؤشر الشفافية الدولية، ويُظهر التحقيق في هذه الواقعة كيف يلاحق الفساد الأوكرانيين في كل جوانب حياتهم، حتى بعد الموت.
ورغم الاحترام الذي يحظى به قتلى الحرب بأوكرانيا في أوساط المجتمع، فإنهم أصبحوا مصدر دخل للمسؤولين الفاسدين، حيث تدفع دور الجنازات رشاوى للفوز بعقود نقل ودفن الجنود، وتفرض أسعارا مرتفعة على المجالس المحلية مقابل شواهد قبور الجنود وتوابيتهم، ويتقاسمون الأرباح مع المسؤولين، وفقا للشرطة.
إعلانوستظل مكافحة الفساد من أهم التحديات التي تواجهها أوكرانيا بعد انتهاء الحرب، إذ يؤثر الفساد سلبا على التعافي الاقتصادي، ويعرقل جهود الانضمام للاتحاد الأوروبي الذي يضع شروطا صارمة بشأن معالجة الكسب غير المشروع، وقد شهدت سنوات الحرب تزايد قضايا الفساد المرتبطة بالمشتريات العسكرية والرشاوى لتجنب التجنيد.
ويُقدّر عدد الأوكرانيين الذين قُتلوا منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط 2022 ما بين 40 و100 ألف قتيل.
وفي مدينة بولتافا الأوكرانية، طلب المسؤول سيرهي نيتشيبورينكو من مدير الجنازات ألكسندر بورغاردت نقل بعض الجثث من الخطوط الأمامية لدفنها في مناطقهم الأصلية.
وسلّم بورغاردت، نيتشيبورينكو حصته المالية في وقت لاحق من الشهر نفسه، إلا أن الأخير نفى الحصول على رشوة، وأكد محاميه أن العقود التي يُزعم أنها فاسدة تم توقيعها قبل توليه هذا المنصب الحكومي. وقال بورغاردت إنه أبلغ الشرطة بعد طلب نيتشيبورينكو المزيد من الرشاوى، مضيفا أن هناك حدودا يجب احترامها، خاصة عندما يموت الشباب في الحرب.
ولا يقتصر دفع الرشاوى لإجراء جنازات عسكرية على بولتافا فقط، ففي الشهر الماضي، أعلنت الشرطة في كريفي ريه اعتقال 8 مسؤولين محليين ومالك دار جنازات بتهم رشوة، تتعلق بنقل جثث الجنود وجرائم أخرى مرتبطة بخدمات الجنازات.
ويقول مسؤولون آخرون إن مشكلة الفساد التي تتسلل إلى جنازات الجنود القتلى منتشرة في جميع أنحاء البلاد، من أوديسا إلى زابوريجيا.
ومن حق أي عائلة فقدت جنديا أن تطالب بحوالي 360 دولارا من الدولة لتغطية تكاليف الجنازة، ويمكن للعائلات التي تحصل على هذا المبلغ أن تقرر مكان إجراء المراسم، ولكن دون تحديد من يقوم بذلك.
وتطرح السلطات المحلية دفن الموتى في مناقصات، وتقوم دور الجنازات بتقديم عطاءات للحصول على حق إجراء المراسم على دفعات.
وتدفع دور الجنازات في بعض الأحيان أموالا للسلطات للفوز بهذا العمل، وفقا لثلاثة مسؤولين على دراية بعملية المناقصة في مدينة زابوريجيا.
ويقول أحد المسؤولين إنه في كثير من الأحيان يتم تخصيص شروط المناقصة بطريقة لا يمكن أن يفوز بها سوى مقدم عطاء واحد، مثل تحديد التوابيت وفقا لمعايير لا تتبعها سوى شركة واحدة.
إعلانوأوضح الكاتب أن عائلات الجنود أعربت عن استيائها من عدم قدرتها على اختيار جهة تنظيم الجنازة. فلم يكن لدى لاريزا أوفتشارينكو الحق في اختيار من يتولى جنازة ابنها الجندي المتوفى، بدنيبرو في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث قُدم لها نعش رخيص وباقة من الزهور، وقد أنفقت الأم نحو 723 دولارا أميركيا من مالها الخاص لتحسين القبر.
وحسب الكاتب، فإن أوكرانيا قامت بإصلاح نظامها القضائي ونفذت تدابير أخرى للتصدي للكسب غير المشروع، في ظل إدراك الرئيس فولوديمير زيلينسكي لأهمية هذه الإجراءات لضمان مواصلة الحصول على الدعم المالي والعسكري من الدول الغربية.
وأشار الكاتب إلى أن عدد الإدانات في قضايا الفساد ارتفع بنسبة 10% منذ عام 2021، لتصل إلى نحو 5 آلاف و235 إدانة العام الماضي، ويأتي هذا في وقت تشير فيه تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد سكان أوكرانيا انخفض بنحو الربع، حسب الباحث أندري بيلتسكي.
وتختم الصحيفة تقريرها بأن دفن الموتى في أوكرانيا أصبح بؤرة للفساد منذ اندلاع الحرب، وقد أدى ذلك إلى استبعاد دور الجنازات التي ترفض الانخراط في هذه الممارسات، ومن بينها دار "سورو" للجنازات في رودينسكي، التي رفضت دفع الرشاوى ما جعلها تخسر نصف زبائنها، وفقا لمالكها أرتيم بوبوف.