سايكس-بيكو الجديد سيُفجّر المنطقة ويُمهّد لقيام إسرائيل الكبرى
تاريخ النشر: 13th, December 2024 GMT
كتبت دوللي بشعلاني في" الديار": يكثر الحديث عن أنّ المنطقة مقبلة على إعادة رسم خرائطها أو على ما يُسمّى بـ سايكس-بيكو "جديد" على أسس مذهبية وعرقية قائمة، وأن التقسيم سيصيب الكثير من الدول، ومنها سوريا أو حتى لبنان. ولا نعرف حتى الآن هل انقسم العراق، أم لا يزال نظامه "فيديراليا" موحّدا بين الشيعة والسنة والأكراد؟ وليس واضحاً إذا كان تحوّل لبنان إلى نظام فيديرالي أو كونفيديرالي يندرج تحت عنوان "التقسيم المقنّع".
هذا رغم نفي مروّجي الحلّ الفيديرالي خصوصاً، بأنّ هذا ليس هو هدفهم المُعلن أو المستتر.
ويمكن الإستدراك، بأن لبنان الحالي في واقع الأمر هو نظام "هجين" نوعاً ما، على ما يقول مؤلّف كتاب "مئة عام على إتفاقية سايكس- بيكو: قراءة في الخرائط" الدكتور بسّام عبد القادر النعماني لـ "الديار"، إذ يجمع بين الاثنين، أي الفيديرالية والكونفيديرالية الطوائفية، وذلك تحت عنوان عريض هو "الديموقراطية التوافقية" أو "الميثاقية". أمّا "الفيتو" الذي يمتلكه بعض التكتلات السياسية لتمرير أو عدم تمرير القوانين أو الاستحقاقات الدستورية، مثل انتخاب رئيس الجمهورية أو تشكيل الحكومة، فهو بالحقيقة مظهر من مظاهر "الكونفيديرالية". كما أنّ وجود مناطق "مغلقة" يمكن دخولها أو عدم دخولها أو الإقامة فيها، فهو أيضاً مظهر من مظاهر "الفيديرالية" الجغرافية.
وفي ما يتعلّق بمسألة تعديل الحدود، يلفت الى أنّه سبق لرئيس الحكومة "الإسرائيلية" بنيامين نتنياهو أن قال أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وأمام الكونغرس الأميركي أنّ ما يجري حالياً هو في إطار "إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط". وهو يُلوّح بخرائط يحملها بيده. فهي تُبدي بعض التفاصيل، وتغفل عن تفاصيل أخرى. وكذلك فعل الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان أمام الجمعية العامّة بتلويحه بخريطة للحدود مع سوريا أمام الأمم المتحدة، مع تأكيده بأنّ ليس لديه أطماع في سوريا الشمالية بل مجرّد حفظ الأمن. ومنذ سبعة أشهر، أي قبل إنفجار جبهة "الإسناد" اللبنانية، تشكّلت جماعات من المستوطنين "الإسرائيليين" تنادي بدفع الحدود إلى نهر الليطاني أو الأولي بحجة أن منطقة جبل عامل لطالما كانت إمتداداً شمالياً للجليل الأوسط، وبأنها ضمن تشكيلة تضاريس الجليل الأعلى، وبأنّ جنوب لبنان كانت ضمن التوزيع التوراتي للأسباط الإثني عشر في أرض كنعان. كما بأن الحركة الصهيونية الحديثة لطالما نادت أمام عصبة الأمم وفي عرائض قدمتها إلى الدول الكبرى، بضمّ جبل الشيخ، والجولان والجنوب اللبناني إلى دولة "إسرائيل" المزمع إقامتها. وها قد تقدّمت "إسرائيل" في الأيام الأخيرة لتحتلّ جبل الشيخ ولتُلغي المنطقة المنزوعة السلاح بين جيشها والعاصمة دمشق.
وكما يتبين من الخريطة، على ما يُضيف، فإنّ لبنان وسوريا يُشكّلان لوحة فسيفساء تختلط فيها الأديان والطوائف والمذاهب والإثنيات. ولا يمكن أن تبرز إلّا من خلال تعايش وتواصل هذه المجموعات بين بعضها البعض لقرون مضت. ولكن تظلّ الخريطة تعكس نوايا الحكم الفرنسي: بأنه يمكن حكم هذه المنطقة عن طريق سياسة "فرّق تسد". ومن المظاهر المضحكة إستماتة الفرنسيين في الفصل والتفريق بين التركمان وبين القادمين من تركستان. فالفريق الأول يُسمّيه الفرنسيون بال Turcoman. بينما يسمون الفريق الثاني بال Turkménes. وهم تركمان أيضاً، ولكنهم قادمون من جمهورية تركستان في الاتحاد السوفياتي القديم. فهل هذا يعني بأنه يتوجّب منح كل منهما دويلة"؟!
ويبدو أنّ صعوبة تشكيل دول جديدة على النطاق الطائفي، وفق النعماني، هو عدم وجود تكتلات جغرافية واحدة لهذه "الفسيفساء" إلا في حالات قليلة إستثنائية. فعلى سبيل المثال، هنالك "جيوب" درزية في ريف دمشق في مدينتي كسوة وجديدة أرتوس، وفي الشمال في تأريب وقرون الشغرة؛ و"جيوب" شركشية حول القنيطرة وبنات يعقوب في الجولان وممبج وأعزاز على الحدود التركية؛ ويزيديون في جنوب عفرين، وأرمن في دير الزور؛ و"جيوب" كردية في جسر الشغور وفي المناطق حول حلب، وأشوريون شمال بئر آغا، وموارنة في بانياس؛ وسريان كاثوليك في نبك؛ وروم كاثوليك في مسمية جنوب دمشق.
والأمر يسري على "جيوب" سائر الطوائف والمذاهب والإثنيات المنفصلة عن قطب رحى هذه الدويلات الطائفية أو الإثنية والتي من المفترض بأنّها ستقام لها بشكل مستقل، بحسب بعض المؤرّخين والخبراء أمثال المستشرق الأميركي برنارد لويس: الدروز في جبل العرب والشوف؛ والعلويون في ساحل اللاذقية؛ والشيعة في البقاع وجبل عامل؛ والموارنة في جبل لبنان؛ والإسماعيليون في السلمية؛ والأكراد في المنطقة الفراتية التي تمددت فيها "قوات سوريا الديموقراطية" بشكل مثلث قواعده جرابلس- دير الزور-المالكية؛ إلخ...وإذا تمت محاولة مطابقة توزع فصائل المعارضة السورية الحالية (قوات سوريا الديموقراطية)، الأكراد وحلفاؤهم؛ هيئة تحرير الشام؛ داعش؛ الجيش السوري الوطني؛ تحرير تركستان؛ وفصائل أخرى مجهولة الهوية (على الخريطة المُرفقة)، فسيتبين بأن بعض الفصائل يتضح ما هي المناطق التي أتت منها، بينما تمدّدت الفصائل الأخرى، وسيطرت على جهات يفترض بأنها غير خاضعة لها تقليدياً.
ولهذا فإن سايكس-بيكو "الجديد"، في الخلاصة، سيؤدي إلى تشظّي المنطقة، بحسب رأي النعماني، وبداية حروب طاحنة لا نهاية لها على رسم الحدود "الجديدة" وكيفية توزيع مختلف الطوائف والمذاهب والقوميات. ولنا في ما حصل بين لاسا والعاقورة، والخلافات حول ملكية القرنة السوداء مثالين صغيرين للخلافات حول رسم الحدود. وحتماً ستقع خلافات مماثلة بين أقاليم ومناطق دويلات سايكس-بيكو "الجديد". فلاسا والقرنة السوداء تُشكّلان خلافات عقارية امتدت لمئات السنين تختلط فيها الحدود بالجغرافيا بالتاريخ وبالطائفية أيضاً. ولن يوجد أي حلّ لها إلّا إذا اعتمدت الأطراف لغة المنطق والحوار والتسوية واللجوء إلى القانون وإلى المؤسسات الدستورية القائمة.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: سایکس بیکو
إقرأ أيضاً:
سوريا: تزايد التوترات بين العشائر العربية وقوات سورية الديمقراطية
أنقرة (زمان التركية) – نشرت العشائر العربية السورية قائمة من 8 بنود لمطالب قوات سوريا الديمقراطية بإنهاء حكمها الأحادي الجانب في المنطقة والامتثال لاتفاق الوحدة الوطنية الذي تم التوصل إليه مع دمشق في ظل رفض إدارة قوات سوريا الديمقراطية هذه المطالب مشيرة إلى أنها لن تتخلى عن وضعها المستقل.
ودخل انعدام الثقة القائم منذ فترة بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة شرق الفرات والمعروفة باسم “الجزيرة” مرحلة جديدة بالمطالب الملموسة والتحركات العسكرية.
وعبر بيان مشترك وقعه العديد من القبائل العربية والمنظمات غير الحكومية والممثلون المحليون في المنطقة، تم تقديم مطالب واضحة تستهدف سلطة الأمر الواقع لقوات سوريا الديمقراطية وممارساتها في المنطقة.
وأثارت الإحاطة، التي أرسلت إلى وزارات خارجية سوريا وفرنسا والولايات المتحدة وحصلت عليه صحيفة الشرق الأوسط، مخاوف من أن الجمود السياسي في المنطقة يمكن أن يتحول إلى صراع.
وأكد البيان الصادر عن العشائر العربية على أن قوات سوريا الديمقراطية أنشأت إدارة قمعية تفضل مجموعة عرقية واحدة في المنطقة وتستبعد الآخرين (عرب، تركمان، آشوريين).
وذكر البيان أن الوضع لا يختلف كثيرا عن النظام السابق من حيث الحريات مشيرا إلى اعتقال أصوات المعارضة وقمع التعددية في ظل حكم قوات سوريا الديمقراطية.
وتشمل مطالب القبائل المكونة من 8 مواد بالاستناد على وحدة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية ما يلي:
الرفض الحاسم لدمج قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة ككتلة سياسية وعسكرية واحدة. إلغاء كافة القطعات الأمنية والاستخباراتية التابعة لقسد. إعادة جميع الموارد الوطنية والمؤسسات العامة كالنفط والماء إلى الدولة. إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية المفروضة على أهالي المنطقة. إنهاء ممارسات مثل اختطاف النساء على وجه الخصوص. تفكيك معسكرات التدريب التي كانت تؤوي فلول النظام القديم. مكافحة فعالة للاتجار بالمخدرات. ضمان العودة الآمنة للنازحين لأسباب سياسية وعرقية.الخطاب المزدوج لقوات سوريا الديمقراطية والاختناق السياسي أدى لموقف العشائر العربية هذا وردود الفعل المتناقضة داخل قيادة قوات سوريا الديمقراطية.
من جهته يجدد قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، التزامه بهدف “جيش واحد والتوحيد تحت علم واحد ومن جهة أخرى يتخذ موقفا يبطئ عملية الاندماج من خلال اقتراح شروط مثل “اللغة الكردية هي اللغة الرسمية” و “حماية الإدارة الذاتية”.
وفي لقاء مع شيوخ العشائر في القاعدة الأمريكية جنوب الحسكة، أوضح عبدي أنهم لا ينوون تسليم أراضيهم أو إلغاء الحكم الذاتي وأن أي اتفاق مع دمشق مشروط بالحفاظ على هذه الهياكل.
ونفى المتحدث باسم قسد، فرهاد الشامي، بيان القبائل واصفا إياه بأنه “كاذب” و “يهدف إلى إحداث الفوضى”، غير أن الشيخ حمود الفرج، عضو المجلس الأعلى للقبائل والقبائل السورية، أكد أن القبائل في المنطقة كانت “في حالة تأهب” وأن القوات الحكومية السورية كانت تحشد حول الرقة والطبقة على الرغم من أنه قلل من خطر “ثورة عامة” المتداول بكثرة على وسائل التواصل الاجتماعي.
لماذا لا يُطبّق اتفاق مارس/ آذار؟
يستند التوتر الحالي إلى اتفاقية التكامل الموقعة في 10 مارس/ آذار الماضي بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، التي ظلت على الورق منذ ذلك الحين.
ونص هذا الاتفاق على النقل التدريجي للمعابر الحدودية وحقول النفط وجميع المؤسسات المدنية والعسكرية الأخرى إلى الدولة المركزية في دمشق، غير أن ميل جانب قوات سوريا الديمقراطية إلى الحفاظ على وضعها المستقل والاعتماد على دعم التحالف الدولي حال دون تنفيذ الاتفاق.
وتفاقم الاختناق السياسي نتيجة لعدم انعقاد الاجتماع المخطط له بين دمشق وقسد في باريس بسبب رفض سوريا كدولة ذات سيادة عقد المباحثات في عاصمة أجنبية ومعارضة العشائر لهذه الخطة.
هذا ويعكس الوضع في شمال شرق سوريا صراعا على السلطة معقدا ومتعدد الطبقات. وتعبر العشائر العربية الآن عن عدم ارتياحها للإدارة الأحادية لقوات سوريا الديمقراطية والتوزيع غير العادل للموارد من الأعلى مؤكدة أن عنوان الحل هو دمشق. وفي المقابل، تريد قوات سوريا الديمقراطية الحفاظ على وضعها المستقل والحفاظ على قوتها في المفاوضات مع الحكومة المركزية بالاعتماد على دعم الولايات المتحدة والتحالف الدولي.
ويؤدي هذا الموقف إلى خلاف مع القبائل العربية، التي يمكن أن تكون أهم حليف لها في المنطقة.
وترى إدارة دمشق أن مطالب العشائر فرصة وتزيد الضغط على قوات سوريا الديمقراطية من خلال زيادة وجودها العسكري في المنطقة بالتماشي مع هدف استعادة وحدة أراضي البلاد وسلطتها المركزية.
ونتيجة لذلك، خلق الجمود السياسي في شمال شرق سوريا مناخا متصاعدا من انعدام الثقة بين الأطراف وسط قلق من استبدال التوتر السياسي في المنطقة بصراع عسكري أوسع حال عدم العودة إلى اتفاق 10 مارس/ آذار وعدم اتخاذ خطوات ملموسة.
Tags: أحمد الشرعاتفاق 10 مارسالتطورات في سورياالعشائر العربية في سورياقسدقوات سوريا الديمقراطية