الحرب النفسية .. والأساليب غير المعروفة
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
قال نابليون بونابرت: إن حرب العقول أقوى من حروب الأسلحة؛ إذ أن هناك قوتين فقط في العالم: العقل والسيف، وفي المدى “الطويل” العقل دائما ما ينتصر على السيف.
ومع حرب الإبادة المستمرة في غزة وبشاعة التدمير الذي حدث قبل الانسحاب من لبنان، تتزايد “شراسة” الحرب النفسية على البلدين بصورة غير مسبوقة، في محاولة لكسب ما عجز الاحتلال عن تحقيقه بالقوة العسكرية.
الحرب صراع بين دول يتسم بالعنف لفرض ما يريده كل طرف بالقوة، ولا تقتصر على استخدام الأسلحة، وتتسع لتشمل الحرب النفسية؛ حيث بذل “أقصى” الجهد للنيل من القوة المعنوية للعدو وضربها في مقتل؛ لأنها من أسباب الانتصار.. وكذلك إضعاف ثقة شعب العدو به بنشر دعاية مضللة لها “تبالغ” في قوة العدو وتضخم من إنجازاته في الحرب، وتقلل في الوقت نفسه من إنجازات الطرف الآخر وتوحي بهزيمته أو الاقتراب منها، وتثير الرعب في نفوس الشعب “بالتركيز” على المذابح التي يرتكبها العدو؛ لإخافتهم وتعمد “إخفاء” هزائمه وخسائره، ليبدو وكأن الطرف الآخر هو “وحده” الذي يخسر..
وهو ما يفعله الاحتلال ويحقق هدفين في الوقت نفسه رفع معنويات شعبه “وإيهامه” بأنه يقترب من النصر ويحطم ثقة شعب العدو في جيشه، فيعلو صوت السخط وينفض من حوله ولا يدعمه فينهزم من “الداخل”.
فنرى تعمد تصوير هدم البيوت في غزة، ثم في لبنان، وتصوير نزوح السكان في البلدين؛ في مشاهد مؤلمة تترافق مع تصريحات “كاذبة” بالإجهاز على المقاومة في غزة وفي حزب الله، وتناسي أنهم يقولون ذلك منذ عام وشهرين، وما زالت الصواريخ تنطلق بغزارة من لبنان، وما زالت الكمائن تنتظرهم في غزة؛ حيث يخرج لهم المقاومون من وسط الأنقاض، ويقتلون جنود الصهاينة من مسافة صفر، في بسالة وشجاعة ليس لها سابقة في التاريخ المعاصر..
تهدف الحرب النفسية إلى “تمزيق” وحدة الشعب بإثارة النعرات الطائفية، كما يحاول الاحتلال فعله في لبنان، فيصور الحرب “وكأن” حزب الله هو المسئول عنها، بينما احتل لبنان عام 1982 قبل ميلاد الحزب، ويحاول جعل حماس “المسئولة” عن الحرب، بينما احتل فلسطين منذ 80 عامًا قبل نشوء حماس وفصائل المقاومة بعشرات الأعوام.
أفشلت غزة ولبنان هذا المخطط، ولا ينفي ذلك ظهور بعض الأصوات التي تردد كلام الصهاينة؛ فلا يوجد مجتمع في الكون يخلو من بعض ضعاف النفوس أو ممن يضعفون “أنفسهم” أثناء الحروب “ولا” يتكاتفون، المقاومون هم من يدافعون عنهم وعن كرامتهم “وحقهم” المشروع في العيش بحرية، وحرمان العدو من “سرقة” ثرواتهم وأراضيهم.
يثبت الواقع “كذب” وفشل الحرب النفسية، إذ كتبت صحيفة “هآرتس”: حزب الله لا يزال ينجح في تعطيل الحياة تمامًا في الشمال، وفرض روتين الإنذار في الوسط، ومن الواضح أنه يريد حرب استنزاف.
بينما قالت صحيفة يديعوت أحرونوت”: “وحدة الجبابرة” الإسرائيلية تشكو من عدم حماية جنودها!! وقال رئيس أركان جيش الاحتلال “هرتسي هاليفي” أثناء زيارته لقاعدة جولاني التي استهدفها حزب الله: نحن في حالة حرب، والهجوم على قاعدة تدريب في العمق صعب والنتائج “مؤلمة”.
ولا شك أنه لا يقصد بالنتائج الخسائر في القاعدة وفي الجنود فقط؛ فهي تمتد للخسائر النفسية التي تصيب الجنود بالخوف في أماكن تدريبهم على قتال العدو، فإذا بالعدو يصل إليهم وهم يتدربون لقتاله.
وقالت “سي إن إن” على الرغم من الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل، فإن الجيش الإسرائيلي لا يزال يواجه مقاومة شرسة من حزب الله، وأحد الجنود الإسرائيليين قال إن الحرب على الحدود مع لبنان مختلفة تمامًا عما شهده في غزة.
من أهم “أدوات” الحرب النفسية للصهاينة الاستخدام المفرط “والوحشي” للقنابل والمبالغة في التدمير والتمادي في “الترويع” لأهل غزة؛ حيث يخبرونهم بضرورة النزوح وإخلاء منازلهم على الفور وإلا سيهدمونها فوق رؤوسهم، ثم “يباغتونهم” غدرًا كعادتهم أثناء النزوح ويقذفونهم لتحقيق أكبر ما يمكن من الترويع.
هذا بالإضافة بالطبع إلى هدم البيوت بلا إنذار على رؤوس الناس، وغالبًا وهم نيام لمضاعفة الفزع “أملًا” في دفعهم للهجرة، وأيضًا لتخويف الناس في الضفة من هذا المصير.
وهو ما فعلوه في جنوب لبنان “لعقاب” المقاومة اللبنانية على “دعمها” لغزة منذ 8 أكتوبر 2023.
من أبواب الحرب النفسية “إضعاف” عزيمة العدو وإشعاره بعدم جدوى الحرب والمبالغة في تصوير قوة المعتدي مقابل قوة المدافع؛ والثابت أن كل مقاومة في التاريخ كانت قوتها العسكرية “أقل” من قوة المعتدي؛ لذا نجح أولًا في العدوان، لكن المقاومة التي “واصلت” الكفاح انتصرت مع قلة قوتها العسكرية، “وعوضت” ذلك بقوة العزيمة والثبات وعدم السماح بالتراجع وهزيمة النفس.
رأينا اعتقال مئات في غزة وتجريدهم من ملابسهم وتصويرهم “لإذلالهم” ونشر الشعور بالهزيمة وفشلوا، فرأينا في الصور التي بثها الاحتلال “معتلقين” يرفعون أيديهم بعلامة النصر، ويثبتون أن الشموخ والعزة لا أحد يستطيع انتزاعهما من الروح “إلا” إذا استسلم الإنسان.
في فيديو رائع بعنوان أصحاب الأرض ظهر شابان لبنانيان وهما يحملان “أريكة” ويضعانها أمام بيتهما الذي دمره الصهاينة وأصبح حطامًا.. يجلس الشابان على أريكة بعد أن يضعا أمامهما طاولة صغيرة، ويحضران “إبريقًا” من الشاي وبضعة أكواب ويتناولان الشاي بهدوء “لافت” واستمتاع واضح جدًا، وبعدها يتوافد عليهم بعض الشباب الذين يتناولون الشاي وسط الركام بنفس الهدوء والاستمتاع وينصرفون، ليرفع الشابان أياديهم بعلامة الانتصار!! وتكتب على الشاشة “أصحاب الأرض”.
نجلاء محفوظ – بوابة الأهرام
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الحرب النفسیة حزب الله فی غزة
إقرأ أيضاً:
اتفاق سري بين واشنطن وتل أبيب..ما مصير غزة؟
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اليوم الجمعة، إن إدارته تسعى لضمان حصول سكان قطاع غزة على الغذاء، في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية واستمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية. ويأتي ذلك بالتزامن مع تقارير إعلامية تحدثت عن اتفاق بين واشنطن وتل أبيب على ما يسمى "مبادئ الحل" في غزة.
وأكد ترامب أن الولايات المتحدة قدمت 60 مليون دولار للمساعدات الإنسانية في غزة قبل أسبوعين، لكنه لا يرى أثرًا ملموسًا لتلك المساعدات، مضيفًا أن "من الضروري أن يحصل الناس في القطاع على الطعام".
ونقلت شبكة "ABC" الأميركية عن مسؤول في حكومة الاحتلال أن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، الذي يزور الاحتلال الإسرائيلي حاليًا، توصل إلى تفاهم مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن مبادئ تتضمن وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، ونزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بالإضافة إلى زيادة المساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر.
وفي السياق نفسه، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن ترامب يُتوقع أن يوافق اليوم على "خطة جديدة للمساعدات الإنسانية" إلى غزة، بالتعاون مع شركاء إقليميين ودوليين.
من جانبه، وصل وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول إلى تل أبيب قادمًا من القدس لإجراء محادثات مع المسؤولين الإسرائيليين بشأن ما وصفه بـ"تخفيف معاناة سكان غزة"، وسط ضغوط أوروبية متزايدة لإنهاء الحرب.
وعلى الأرض، تتصاعد مظاهر الغضب داخل الكيان الإسرائيلي، حيث تظاهر عشرات من ضباط الجيش والأمن السابقين أمام وزارة الدفاع مطالبين بوقف الحرب، فيما دعا ذوو الأسرى الإسرائيليين الولايات المتحدة إلى الضغط على نتنياهو لإبرام صفقة تبادل شاملة.
كما فرقت الشرطة الإسرائيلية مظاهرة في تل أبيب نظّمها ناشطون يطالبون بوقف سياسة التجويع في غزة، وسط تصاعد الغضب الشعبي من إدارة الحرب.
وفي ظل استمرار تدهور الأوضاع، حذر برنامج الأغذية العالمي من أن موجة الجوع في القطاع لا يمكن كبحها دون "زيادة هائلة في حجم المساعدات"، في وقت لا تدخل فيه إلى غزة إلا أعداد ضئيلة من الشاحنات مقارنة بالاحتياج الفعلي.
وقال المكتب الحكومي في غزة إن 104 شاحنات مساعدات دخلت أمس، لكن غالبيتها تعرضت للنهب نتيجة فوضى أمنية ممنهجة، متهما الاحتلال بممارسة سياسة "هندسة الفوضى والتجويع" لتفكيك البنية المجتمعية، في ظل حاجة القطاع لأكثر من 600 شاحنة يوميًا لتلبية الحد الأدنى من المتطلبات المعيشية.
وأكد المكتب أن "جريمة الفوضى والتجويع" التي تطال أكثر من 2.4 مليون إنسان، بينهم 1.1 مليون طفل، هي جزء من الإبادة الجماعية المتواصلة بدعم أميركي مباشر، محمّلاً الاحتلال والدول الداعمة له المسؤولية الكاملة عن استمرار الكارثة.
وبحسب أرقام رسمية ، أسفرت الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عن أكثر من 207 آلاف شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، فضلًا عن عشرات الآلاف من المفقودين والنازحين، في ظل دمار شامل ومجاعة تُعد الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية.
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
قانوني وكاتب حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق، وأحضر حالياً لدرجة الماجستير في القانون الجزائي، انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن