هل تدخل مصر عصر الأحزاب المسلحة؟
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
في منتصف الثلاثينات من القرن المنصرم شهدت مصر ظاهرة المليشيات الحزبية ممثلة في مجموعات القمصان الزرقاء التابعة لحزب الوفد، والقمصان الخضراء التابعة لمصر الفتاة. كانت المجموعتان بمثابة ذراع شبابية خشنة لكلا الحزبين، وادعى كلا الطرفين أنه أنشأ مجموعته في مواجهة المجموعة الأخرى، وبهدف تأديب الخصوم السياسيين.
وقد تبادلت المنظمتان الاعتداءات، حيث حاولت مجموعة القمصان الخضراء اغتيال زعيم الوفد ورئيس الوزراء في ذلك الوقت مصطفى باشا النحاس، في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 1937، في شارع القصر العيني وسط القاهرة وقرب مجلس الوزراء، لكنه لم يصب وإن تهشم زجاج سيارته. ووقعت اشتباكات بين أصحاب القمصان الزرقاء والخضراء ما أسفر عن مقتل شخصين، وتعرضت مقرات مصر الفتاة للإغلاق، وبدا أن الأمور تتجه إلى المزيد من العنف. وقد طلب الملك كما طلب الإنجليز حل تلك التشكيلات شبه العسكرية.
الحزب المنتظر لا يحمل من الحزب إلا اسمه، فهو مجرد تجمع لقادة اتحاد القبائل ومعهم بعض كبار المسئولين السابقين في الدولة، مثل رئيس البرلمان السابق وبعض الوزراء والنواب السابقين والحاليين، ولا يحمل الحزب برنامجا أو توجها سياسيا واضحا، لكنه يركز فقط على ما اسماه بدعم الدولة، ويقصد السلطة، وهذا جهل واضح بفكرة الأحزاب التي تنشأ بالأساس للمنافسة على السلطة، وفق برنامج سياسي محدد
ومن قبل ذلك شهد حزب الوفد نفسه معركة داخلية بين الداعمين والرافضين لوجود القمصان الزرقاء، وهي المعركة التي كانت أحد أسباب فصل النقراشي باشا وعدد من القادة الوفديين الرافضين من الحزب في أيلول/ سبتمبر 1937، وانتهى أمر المجموعتين بالحل بقرار من محمد محمود باشا الذي تولى رئاسة الحكومة بعد النحاس باشا.
ما دعانا لاستحضار هذا التاريخ هي البروباجندا الواسعة لتأسيس حزب سياسي جديد من رحم اتحاد القبائل العربية الذي يرأسه رجل الأعمال السيناوي، إبراهيم العرجاني، والذي عقد اجتماعا قبل أسبوعين طرح خلاله الفكرة، ثم تبع ذلك اجتماع كبير آخر يوم 9 كانون الأول/ ديسمبر بحضور عدد كبير من المسئولين الحاليين والسابقين، والنواب، ورجال الإعلام، والفن، والدين، من توجهات سياسية متنوعة (يمين- يسار- وسط) داخل معسكر 30 يونيو الداعم للسلطة، وإن كان لافتا غياب العرجاني عنه!!
هذه البروباجندا أحدثت فزعا في الوسط السياسي المصري؛ كون الحزب المرتقب الذي ينافس أحزابا سلطوية أخرى على الاقتراب أكثر من حجر السلطة يحظى برعاية سياسية لقربه من الجهاز الأمني الأكبر في مصر، ويحظى بحاضنة اجتماعية وهي القبائل المنضوية تحت راية الاتحاد، وحاضنة اقتصادية ضخمة يديرها العرجاني، وأخيرا يحظى بذراع أمني، اعتمادا على مليشيات سبق أن ساندت الجيش في مواجهة الإرهاب في سيناء، وحتى شركات حراسة مرخصة رسميا يمتلكها الصديق الأقرب للعرجاني وهو صبري نخنوخ، وهو ما يجعل منافسة آخرين انتخابيا لهذا الحزب محفوفة بالمخاطر، وقد يدفع أحزابا أخرى لتشكيل مليشيات للحماية أيضا، وبذلك تدخل مصر مجددا عصر الأحزاب المسلحة أو المليشياوية!!
الحزب المنتظر لا يحمل من الحزب إلا اسمه، فهو مجرد تجمع لقادة اتحاد القبائل ومعهم بعض كبار المسئولين السابقين في الدولة، مثل رئيس البرلمان السابق وبعض الوزراء والنواب السابقين والحاليين، ولا يحمل الحزب برنامجا أو توجها سياسيا واضحا، لكنه يركز فقط على ما اسماه بدعم الدولة، ويقصد السلطة، وهذا جهل واضح بفكرة الأحزاب التي تنشأ بالأساس للمنافسة على السلطة، وفق برنامج سياسي محدد.
هذا الحزب سيضاف إلى أحزاب أخرى أسستها السلطة منذ العام 2014، في سياق مسعاها لضبط المشهد السياسي وفقا لاحتياجاتها، وظهر جليا أن هناك تنافسا بين الأجهزة الأمنية في تأسيسها، وسارعت لوضع رجالها من كبار الجنرالات السابقين من العسكريين والأمنيين في قيادتها وعضويتها، بل إن أحد تلك الأجهزة دفع وكيله للاستقالة للتفرغ لإدارة حزب مستقبل وطن صاحب الأغلبية البرلمانية حاليا، وقد جاء الحزب الجديد لينافس سابقيه من أحزاب الموالاة على كعكة المقاعد البرلمانية في انتخابات 2025، حيث يسعى للحصول على ثلث المقاعد، وهو بذلك يريد فرض نفسه مبكرا على الطاولة التي ستحدد أنصبة كل حزب من مقاعد البرلمان، فالجميع يدرك أن المرشحين لا يفوزون نتيجة عملية تنافسية جادة، بل وفقا للحصص المقررة سلفا لكل حزب من الجهة الأمنية التي تدير الانتخابات من خلف الستار.
الحزب الجديد (الذي لم يتم التوافق على اسمه حتى الآن) قد يستقطب الكثيرين من كبار المنتسبين لأحزاب الموالاة الحالية، على طريقة ما جرى حين أسس الرئيس الراحل أنور السادات الحزب الوطني عام 1980، فسارع كل أعضاء حزب مصر الذي كان يمثل السلطة إلى الحزب الجديد باعتباره حزب السلطة، وهو ما قد يتكرر مع حزب العرجاني الذي أتوقع أيضا أن لا يكون هو الرئيس المباشر له، بل سيترك ذلك لرئيس البرلمان السابق، أو لأحد الوزراء السابقين، في حين سيبقى العرجاني في موقع معنوي أعلى؛ بمثابة المرشد الأعلى للحزب ولكل الكيانات والمؤسسات المنبثقة عن اتحاد القبائل.
المشهد الحزبي الحالي هو مشهد طبيعي في ظل حكم لا يؤمن بالسياسة، بل جاء انقلابا عليها، ورأسه يعلن أنه ليس سياسيا، ولن تقوم للأحزاب والحياة الحزبية قائمة إلا في ظل مناخ سياسي حر
رغم كل محاولات التجريب والتزويق في الأحزاب السياسية خلال السنوات العشر الماضية إلا أن المشهد الحزبي ظل مسدودا كئيبا، لا مجال فيه لتنافس حقيقي رغم أن كل الأحزاب القائمة حاليا (باستثناء تلك التي جمدت نشاطها) تنتمي لمعسكر 30 يونيو، وإن كان لبعضها مطالبات بالإصلاح الجزئي، وليس بالتغيير الكامل.
لم تشهد مصر فترة أشد قتامة للمشهد الحزبي من هذه الفترة، كانت هناك تجربة حزبية قوية قبل 1952 أو ما توصف بالحقبة الليبرالية، ورغم ما طال بعض أحزاب تلك الحقبة من انتقادات إلا أنها كانت أحزابا قوية قادرة على المنافسة وتداول السلطة، ثم تم إلغاء الأحزاب بعد 1952، واكتفي النظام الجديد في ذلك الوقت بالحزب الواحد وهو الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي، وفي منتصف السبعينات قرر الرئيس السادات إعادة الحياة الحزبية، وبدأت المسيرة بما سمي المنابر (منبر اليمين واليسار والوسط) والتي تحولت لاحقا لأحزاب، تبعتها أحزاب أخرى، لكنها ظلت تجربة حزبية مقيدة حتى ثورة يناير 2011 التي فتحت الباب واسعا للعمل الحزبي فبلغ عدد الأحزاب مائة حزب، وتنافست بشكل حر في انتخابات البرلمان أواخر عام 2011، ثم في الانتخابات الرئاسية 2012 في مشهد مشابه للدول الديمقراطية العريقة.
المشهد الحزبي الحالي هو مشهد طبيعي في ظل حكم لا يؤمن بالسياسة، بل جاء انقلابا عليها، ورأسه يعلن أنه ليس سياسيا، ولن تقوم للأحزاب والحياة الحزبية قائمة إلا في ظل مناخ سياسي حر..
x.com/kotbelaraby
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر المليشيات اتحاد القبائل العرجاني الأحزاب مصر مليشيات أحزاب العرجاني اتحاد القبائل مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة اتحاد القبائل لا یحمل
إقرأ أيضاً:
رواتب كردستان تعود الى الواجهة.. والكرد منقسمون
مايو 31, 2025آخر تحديث: مايو 31, 2025
المستقلة/-توعدت الأحزاب الكردية، باللجوء إلى “جميع الخيارات”، باتجاه لزمة رواتب موظفي إقليم كردستان، رغم أن الاجتماع الموحد الذي عقد لمناقشة الموضوع كان هشًا بعد مقاطعة واسعة وفتور سياسي كشف عمق الشرخ داخل البيت الكردي ذاته.
فماذا نعرف عن الأزمة؟
وادانت الأحزاب الكردية التي التقت في مصيف صلاح الدين، قرار وزارة المالية العراقية بإيقاف رواتب موظفي إقليم كوردستان، واصفة إياه بـ”غير الدستوري وغير القانوني”.
ووصف البيان القرار بأنه “سياسي ويتعارض مع إرادة شعب كوردستان والكيان الدستوري والقانوني لإقليم كوردستان”.
وطالب الحكومة الاتحادية “الالتزام بواجباتها والتزاماتها تجاه شعب إقليم كوردستان وفقاً للدستور الدائم للعراق وقرار المحكمة الاتحادية”، مؤكداً ضرورة “عدم خلط حقوق موظفي إقليم كوردستان بالصراعات السياسية والابتعاد عن سياسة الإجبار والضغط على إقليم كوردستان”.
واعتبرت الأطراف المجتمعة أن “سياسة الضغط تتجاهل التغييرات الكثيرة والسريعة في المنطقة ولا تصب في مصلحة أي طرف”. وأعلنت أن “خيار الحوار والتفاوض هو أفضل طريق للحل في هذه المرحلة، وفي الوقت نفسه، ترى جميع الخيارات مفتوحة أمامها من أجل المصالح العليا لإقليم كوردستان”.
مقاطعة واسعة
ورغم محاولة إظهار جبهة موحدة، إلا أن كواليس الاجتماع كشفت عن مقاطعة واسعة من قبل قوى سياسية بارزة، مما ألقى بظلاله على مدى فعالية أي موقف كردي موحد تجاه بغداد.
وكشفت مصادر سياسية مطلعة عن فشل الاجتماع الذي دعا له الحزب الديمقراطي الكردستاني في صلاح الدين، بسبب مقاطعة أغلب الأحزاب السياسية في الإقليم.
وأفاد مصدر مطلع بأن الاجتماع “فشل قبل انعقاده” بعد إعلان حركة الجيل الجديد مقاطعتها، وامتناع بقية الأحزاب الكردية عن الحضور.
ونقلت (العين الإخبارية) عن المصدر قوله أن رئيس الحزب الديمقراطي، مسعود بارزاني، الذي كان من المقرر أن يترأس الاجتماع، قرر عدم الحضور شخصياً بعد هذه المواقف الرافضة، واقتصر التمثيل على أعضاء من المكتب السياسي للحزب، وهو ما اعتبر مؤشراً على فتور التفاعل السياسي.
وأضاف إن “القيادي في الحزب الديمقراطي وزير الخارجية بالحكومة الاتحادية فؤاد حسين ترأس الاجتماع للأحزاب الكردية”.
وأكد المصدر أن قرار “الجيل الجديد” بعدم المشاركة أسهم في تعطيل التحضيرات بشكل فعلي، حيث تبعته قوى كردية أخرى في المقاطعة.
تسويق و«إفلاس»
ووصفت النائبة سروة عبد الواحد، رئيسة كتلة الجيل الجديد في مجلس النواب، الاجتماع بأنه “عديم الجدوى”، معتبرة أنه لا يتجاوز كونه محاولة للتسويق الإعلامي والتقاط الصور في ظل “إفلاس واضح” للحزبين الرئيسيين.
وأضافت في تدوينة عبر حسابها الرسمي بمنصة “إكس”، أن الاجتماع الذي “دعا إليه البارزاني شارك فيه الحزبان الحليفان (الاتحاد والديمقراطي)، وثمانية أحزاب أخرى عدد مقاعدهم من أصل 100 مقعد في برلمان الإقليم كرسي ونصف فقط”، مما يؤكد “إفلاساً واضحاً للحزبين، لأنهم لا يستطيعون أن يجمعوا الأحزاب الكردية”.
وجددت عبد الواحد رفضها لمثل هذه الاجتماعات، مشيرة إلى أن من يديرون الإقليم “يرفعون الضرائب، ويزيدون أسعار الكهرباء بنسبة 500%، ويكتمون الأصوات، ويتقاسمون المناصب، ولا يفكرون مجرد تفكير بطلب رأي الآخرين”.
واتهمت المنظومة الحاكمة في إقليم كردستان بمحاولة التغطية على “السرقات المستمرة”، مؤكدة غياب النية الحقيقية للتنازل أو الإصلاح. كما انتقدت غياب الشفافية في ملفي النفط والنقاط الحدودية، حيث يتحكم حزبين فقط بهذه الموارد دون اطلاع الجهات الرقابية أو المعارضة.
لا اجتماعات حزبية خارج المؤسسات الشرعية
وأعلنت حركة التغيير رفضها حضور الاجتماع، مؤكدة أنها “ترفض أي اجتماع حزبي خارج المؤسسات الشرعية”. وشددت الحركة في بيانها على أن “إقليم كردستان يعيش فراغاً قانونياً. برلمان كردستان هو الهيئة المسؤولة عن اتخاذ القرار في كافة القضايا، بما في ذلك العلاقة بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية العراقية”.
من جانبه، أعلن رئيس تيار الموقف، علي حمه صالح، أن تياره لن يكون جزءاً من هذه الاجتماعات الحزبية، مؤكداً أنه “لا يمكن أن تكون الاجتماعات الحزبية بديلاً عن برلمان كردستان المعطل منذ عامين ونصف”.
ودعا علي حمه صالح في بيان له إلى “الحكمة وإصلاحات داخلية حقيقية واتفاق جاد مع الحكومة الاتحادية” بدلاً من الاجتماعات والتهديدات.
كما أعلنت أحزاب أخرى مثل الاتحاد الإسلامي الكردستاني، وحركة العدل، وجبهة الشعب برئاسة لاهور شيخ جنكي، عدم مشاركتها في الاجتماع.
تسوية قريبة
على صعيد آخر، كشف عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، ماجد شنكالي ان القيادات الكردية تنتظر ما تفرز عنه زيارة هادي العامري يوم غد الى اربيل كمبعوث لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
وأضاف أن “الاجتماع أكد على وحدة القرار والموقف الكردي، وأي قرار سيتخذ سيكون بالإجماع، وينفذ من قبل جميع الأحزاب التي شاركت في هذا الاجتماع”، مبيناً أنه “لم يتخذ قرار الانسحاب من بغداد، لأنه وصلت إلينا اتصالات من قيادات سياسية على مستوى رفيع، تطالبنا بالتأني، لمعالجة المشكلة”.
كما أوضح أن رئيس تحالف الفتح هادي العامري سيزور أربيل يوم غد على رأس وفد سياسي، لمعالجة الخلل الأخير، مشيراً إلى أنهم تلقوا “وعداً بصرف الرواتب يوم الاثنين المقبل، بعد توقيع السوداني على الصكوك”.