15 ديسمبر، 2024

بغداد/المسلة: تعتبر الأزمة السورية الأخيرة، والتي توجت بسقوط نظام بشار الأسد، من الأحداث التي تلقي بظلالها على العديد من القطاعات الاقتصادية في المنطقة، وعلى وجه الخصوص، في العراق. فقد شكلت سوريا في السنوات الماضية أحد الشركاء الرئيسيين للعراق في التبادل التجاري، لكن مع التغيرات السياسية والأمنية المتسارعة، أصبح المستقبل الاقتصادي أكثر ضبابية.

في حديثه حول تأثير الأزمة السورية على السوق العراقية، أكد المتحدث الرسمي باسم غرفة تجارة بغداد، رشيد السعدي، أن “القطاعات الاقتصادية العراقية تأثرت بشكل كبير نتيجة لتداعيات الأحداث في سوريا”. وأ

ويبلغ التبادل التجاري بين العراق وسوريا  نحو 3 مليارات دولار سنويًا، مع التركيز على استيراد المواد الغذائية مثل الخضار والفواكه والمستلزمات المنزلية.

لكن مع دخول الفصائل المعارضة إلى دمشق في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ودفع بشار الأسد إلى الفرار، توقفت معظم عمليات التبادل التجاري بين البلدين، مما ترك فجوة اقتصادية كبيرة في السوق العراقي.

أحد أبرز التأثيرات كان في قطاع المواد الغذائية. حيث تحدثت مصادر مطلعة أن التجار في العراق قد ترددوا في استيراد السلع من سوريا نتيجة للظروف الأمنية غير المستقرة.

ويبدو أن هذا التردد شمل بشكل خاص المواد التي كانت تُستورد من سوريا مثل الخضراوات والفواكه.

في هذا السياق، قال مصدر تجاري من بغداد: “مع توقف استيراد المواد من سوريا، بدأنا نبحث عن بدائل من إيران وتركيا لتغطية النقص، إلا أن هذا يأتي بتكلفة أعلى ويؤثر على الأسعار في السوق”.

من جهة أخرى، لم تكن سوريا المصدر الوحيد للمواد الغذائية في العراق، بل كانت تمثل جزءًا من شبكة معقدة للتوريد مع دول الجوار مثل إيران وتركيا والسعودية.

و وفقًا لتحليلات اقتصادية، تعتبر هذه الدول الآن الشركاء الأساسيين للعراق في مجال التوريد.

ورغم أن التبادل التجاري مع سوريا كان محدودًا في السنوات الأخيرة بسبب الأوضاع الأمنية، إلا أن الفجوة الناجمة عن الأزمة السورية ساهمت في تسريع عمليات استبدال السلع السورية بمنتجات من دول أخرى، مثل تركيا وإيران، والتي بدأت تكتسح السوق العراقي بعد فقدان البضائع السورية حصتها.

وفي السياق ذاته، تحدثت مصادر عراقية عن تراجع بعض الصناعات المحلية العراقية التي كانت تعتمد على المواد المستوردة من سوريا.

وقال أحد أصحاب المصانع في بغداد: “الأسواق السورية كانت تمثل وجهة رئيسية لصادراتنا من المنسوجات والأثاث، لكن مع الوضع الجديد، أصبحنا في حالة من التخبط، ولا نعلم إلى أين سيصل الأمر”. وأضاف: “نحاول الآن توسيع صادراتنا إلى دول الخليج والصين، لكن الأمر يتطلب وقتًا واستثمارات إضافية”.

وتتعدد التأثيرات الأخرى للأزمة السورية على الاقتصاد العراقي، حيث لم تقتصر الأزمة على التبادل التجاري فحسب، بل شملت أيضًا السياحة والقطاع الخاص،  فقد شهد قطاع السياحة تراجعًا ملحوظًا في أعداد الزوار، خاصة الذين كانوا يأتون إلى العراق عبر الحدود السورية للزيارة الدينية أو للسياحة. ولم تقتصر هذه التأثيرات على العراق فقط، بل امتدت لتشمل قطاع النقل البري، حيث أغلقت العديد من الحدود، مما أدى إلى تعطيل حركة النقل بين البلدين بشكل كامل تقريبًا.

ويبدو أن العديد من رجال الأعمال الذين كانوا قد أقاموا مشاريع مشتركة في سوريا أو استثمروا في قطاعات أخرى هناك أصبحوا في حالة من القلق الشديد بشأن مستقبل استثماراتهم. وقال أحد رجال الأعمال من بغداد في تدوينة له على منصة “إكس”: “الاستثمارات التي كانت قائمة في سوريا أصبحت اليوم في مهب الريح. الأوضاع السياسية غير واضحة، والمستقبل لا يبشر بالخير، ما يجعلنا نفكر في سحب أموالنا والبحث عن أسواق جديدة”.

وفيما يتعلق بمستقبل العلاقات الاقتصادية بين العراق وسوريا، قال محلل اقتصادي من بغداد: “مع تزايد الضبابية في المشهد السوري، من المحتمل أن يتجه العراق نحو تعزيز علاقاته الاقتصادية مع إيران وتركيا بشكل أكبر. لكن، ومع ذلك، فإن الوضع السياسي الداخلي في العراق سيكون له دور حاسم في تحديد كيفية تعاطي الحكومة مع هذه المتغيرات”.

وبحسب بعض التوقعات، فإن العراق قد يستفيد في الأجل المتوسط من استقرار الوضع في سوريا بعد انتهاء الأزمة السياسية، حيث قد يعيد تشكيل شراكاته التجارية، لكن هذا لن يحدث إلا في حال وجود استقرار أمني حقيقي في سوريا يتيح فتح الحدود وتفعيل التبادل التجاري بشكل دائم.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: التبادل التجاری فی العراق فی سوریا من سوریا

إقرأ أيضاً:

الدولار تحت الضغط.. تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وتصاعد التوترات التجارية يعيدان تشكيل النظام المالي العالمي

في خضم التوترات الاقتصادية والجيوسياسية، يعيش الدولار الأمريكي لحظة فارقة تُنذر بتحولات قد تعيد تشكيل النظام المالي العالمي. في نهاية أسبوع مضطرب، يوشك الدولار على تكبّد خسارة أسبوعية جديدة، وسط إشارات واضحة على تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وغياب التقدم في المفاوضات التجارية بين واشنطن وشركائها، وعلى رأسهم الصين والاتحاد الأوروبي.

اقتصاد أمريكي متباطئ.. والدولار يدفع الثمن

شهد الأسبوع سلسلة بيانات اقتصادية أضعف من المتوقع في الولايات المتحدة، ما ساهم في تعزيز القلق بشأن المسار المستقبلي للاقتصاد الأمريكي. ويأتي ذلك في وقت لم تسجل فيه المحادثات التجارية أي انفراجة تذكر، رغم اقتراب مواعيد نهائية حاسمة. هذا التباطؤ الاقتصادي، المقترن بالجمود الدبلوماسي، انعكس بشكل مباشر على أداء الدولار، الذي فقد بعضًا من بريقه كملاذ آمن.

وينتظر المتعاملون في الأسواق العالمية تقرير الوظائف في القطاعات غير الزراعية في الولايات المتحدة، وهو المؤشر الذي يُعتبر أحد أبرز معايير صحة الاقتصاد الأمريكي. وتُشير التوقعات إلى زيادة طفيفة بمقدار 130 ألف وظيفة خلال الشهر الماضي، بينما يُرجّح أن يستقر معدل البطالة عند 4.2%، مع احتمالات لارتفاعه إلى 4.3%.

تذبذب العملات في ظل الحذر العالمي

في الأسواق الآسيوية، سادت حالة من الحذر، حيث تم تداول العملات ضمن نطاقات ضيقة. اليورو ارتفع إلى 1.1436 دولار، مستفيدًا من لهجة التشديد النقدي التي أظهرها البنك المركزي الأوروبي عقب اجتماعه الأخير. وفي المقابل، استقر الجنيه الإسترليني عند 1.3576 دولار، محتفظًا بجزء من مكاسبه الأسبوعية البالغة نحو 0.9%، بينما تراجع الين الياباني إلى 143.93 مقابل الدولار.

وساهم الاتصال الهاتفي الذي دام أكثر من ساعة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ في تهدئة طفيفة للأسواق، لكن التأثير لم يدم طويلًا، حيث قلّصت العملات مكاسبها لاحقًا. أما مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة من العملات الرئيسية، فارتفع بشكل طفيف إلى 98.85، لكنه لا يزال يتجه نحو خسارة أسبوعية تُقدّر بـ 0.6%.

رأي الخبراء.. أزمة ثقة حقيقية

 أكد الدكتور رمضان معن، أستاذ الاقتصاد في كلية إدارة الأعمال، أن تراجع الدولار ليس مفاجئًا في ظل التباطؤ الاقتصادي الملحوظ. 
واضاف معن أن راينا انخفاض في معدلات النمو وتراجع ثقة بعض المستثمرين هذه كانت مؤشرات واضحة على أن الاقتصاد الأمريكي بدأ يفقد زخمه. 
أشار إلى أن الأسواق لم تعد تنظر إلى الدولار بنفس الثقة السابقة، خاصة مع ازدياد التوترات التجارية والجيوسياسية.

التجارة العالمية ترفع راية القلق

لا تقتصر الأزمة على الداخل الأمريكي فقط، فالتوترات التجارية المستمرة مع الصين والاتحاد الأوروبي وعدد من الشركاء الآخرين تُلقي بظلالها على ثقة المستثمرين. يقول معن إن هذه الأزمات تدفع المستثمرين إلى البحث عن بدائل أكثر استقرارًا مثل الذهب، أو حتى اليورو واليوان الصيني.

تداعيات قد تغير ملامح الاقتصاد العالمي

يحذر الدكتور معن من أن استمرار هذا الاتجاه قد يغيّر خريطة الاقتصاد العالمي. فبعض الدول بدأت بالفعل في تقليل اعتمادها على الدولار ضمن احتياطاتها النقدية، وهو مؤشر خطير قد يؤدي إلى تراجع الطلب العالمي على العملة الأمريكية. ويضيف: إذا لم تتخذ الولايات المتحدة خطوات سريعة لإعادة الثقة في اقتصادها، فقد نشهد تحوّلات استراتيجية في موازين القوى المالية العالمية.

الإنذار المبكر لمستقبل الدولار

خسارة الدولار هذا الأسبوع قد لا تكون عابرة، بل ربما تمثل ناقوس خطر لصناع القرار في واشنطن. فالمؤشرات السلبية المتلاحقة، من تباطؤ اقتصادي إلى جمود سياسي وتجاري، قد تعيد ترتيب أولويات المستثمرين والدول، ما يجعل من الضروري إعادة النظر في السياسات الاقتصادية والتجارية الأمريكية قبل فوات الأوان.

طباعة شارك الصين واشنطن الاتحاد الأوروبي الأمريكي الدولار

مقالات مشابهة

  • الدولار تحت الضغط.. تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وتصاعد التوترات التجارية يعيدان تشكيل النظام المالي العالمي
  • ما أسباب عدم تأهل العراق بشكل مباشر إلى كأس العالم 2026؟
  • لأول مرة منذ سقوط الأسد.. سوريا تسمح للمفتشين بالوصول إلى المواقع النووية
  • بعد 12 عاما .. استئناف الرحلات الجوية التجارية المنتظمة السورية إلى السعودية
  • 175 مليون يورو دعم أوروبي إلى سوريا.. وموافقة أولية على دخول مفتشين دوليين
  • مسؤول تركي: 30 مليار دولار هدف للتبادل التجاري مع العراق
  • السوداني وبزشكيان:العراق وإيران جسدان في روح خمينية واحدة!
  • تعزيز النفوذ.. كيف توظف تركيا التحولات الجيوسياسية بعد سقوط الأسد؟
  • بين قوى إقليمية ودولية أين تتجه البوصلة السورية؟
  • تراجع التبادل التجاري بين الجزائر وفرنسا