لماذا تستهدف إسرائيل رؤساء بلديات قطاع غزة؟
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
غزة- بعد استلامه صهاريج خاصة بسحب وضخ مياه الصرف الصحي قدّمتها دولة الإمارات، توجّه دياب الجرو، رئيس بلدية مدينة دير البلح وسط قطاع غزة إلى مكتبه لمقابلة بعض المراجعين، وما هي إلا دقائق، وفي تمام الساعة الواحدة و40 دقيقة بعد ظهر السبت، أطلقت طائرة إسرائيلية صاروخا أصاب مكتبه، وأدى لاستشهاده رفقة موظف، و9 من المواطنين، وإصابة آخرين.
ورغم خطر الاغتيال والتهديد الواضح الذي توجهه إسرائيل لكل الموظفين الذين يقدمون أي خدمات للمواطنين، اختار الجرو الاستمرار في أداء رسالته، حتى قضى شهيدا، حيث سبق أن تعرض لمحاولة اغتيال في شهر يونيو/حزيران الماضي عندما قصفت طائرة إسرائيلية مكتبه، وأصابته بجروح.
وبدأ الجرو عمله كرئيس لبلدية دير البلح في يونيو/حزيران 2020، بعد أن عمل لمدة 5 سنوات نائبا لرئيس البلدية السابق سعيد نصار. ويُعد رابع رئيس بلدية تغتاله إسرائيل خلال الحرب، حيث سبق أن قتلت مروان حامد رئيس بلدية الزهراء، وحاتم الغمري رئيس بلدية مخيم المغازي، وإياد المغاري رئيس بلدية النصيرات.
خلال الغارة، كان عضو المجلس البلدي محمد أبو بركة داخل مبنى البلدية، ليصبح شاهد عيان على الجريمة الإسرائيلية، ويقول للجزيرة نت، إن الغارة كانت في وقت الذروة، حيث كان مبنى البلدية وساحته يعجان بالمواطنين.
وأضاف "بينما كان هناك الكثير من المراجعين، وكان الشهيد دياب الجرو على رأس عمله، تعرض مبنى البلدية لغارة إسرائيلية بدون سابق إنذار، وهو ما أسفر عن استشهاد الرئيس وموظف آخر و9 مواطنين مراجعين، وإصابة العديد من الموظفين والمراجعين".
وأشار إلى أن العدوان تسبب بإصابة مباني البلدية بأضرار فادحة، لكنه أكد أن البلدية "لن تتوقف عن تقديم الخدمات للمواطنين مهما زاد الاحتلال من عدوانه"، مضيفا "نحن مؤسسة خدماتية وعملنا محمي بموجب القانون الدولي الإنساني".
إعلانوأشاد أبو بركة بالجرو، وقال "هو رجل في زمن عز فيه الرجال، لم يتخلّ عن واجبه رغم التهديد والخطر الكبير، وظل على رأس عمله حتى اليوم الأخير"، وأضاف "كان رجلا يحمل عزيمة قوية وحسا إنسانيا كبيرا، ويشعر بمعاناة المواطن ويسعى بكل جدية لحل مشاكله".
وأشار إلى الأعباء التي وصفها بـ"الهائلة" والتي كانت ملقاة على عاتق الجرو، خاصة أن عدد سكان مدينة دير البلح تضاعف قرابة 10 مرات بسبب عمليات النزوح، وبات يقترب من المليون شخص.
كما لفت إلى أنه تمكن من تحقيق العديد من الإنجازات رغم قلة الإمكانيات، ومنها افتتاح محطة تحلية، وتوقيع اتفاقية مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتحسين خدمات النظافة، بالإضافة إلى جلب صهاريج لسحب وضخ مياه الصرف الصحي من مخيمات الإيواء التي تعاني من امتلاء الحفر الامتصاصية التي اضطر المواطنون لحفرها.
وختم أبو بركة حديثه بالقول "رحل أبو الوليد (دياب الجرو) وهو يؤدي واجبه، متحملا مسؤوليته بشجاعة قلّ نظيرها، لقد ضحى بنفسه وأدى رسالة سامية في مواجهة حرب الإبادة الصهيونية".
استهداف البلدياتيرى الكاتب والمحلل السياسي من قطاع غزة وسام عفيفة، أن إسرائيل تسعى من خلال استهداف رؤساء البلديات إلى "خلق حالة من الفوضى والإرباك وضرب الجبهة الداخلية، على غرار ضرب المنظومة الأمنية، وهو ما أسفر عن انتشار ظاهرة سرقة قوافل المساعدات الإنسانية بما ترتب عنها من مآس".
وأشار إلى أن مخطط إسرائيل "خطير للغاية، نظرا لأن البلديات -وحدها- تقدم حاليا الخدمات لنحو مليوني فلسطيني (عدد سكان القطاع)، في ظل غياب الوزارات بسبب الاستهداف الإسرائيلي".
وأضاف موضحا "حاليا، رئيس البلدية هو صمام الأمان في منطقته، واستهدافه يخلق حالة من الخوف والإرباك داخل المنظومة الإدارية في البلدية، ويؤثر على الخدمات المقدمة، حيث إنه المخوّل بتوقيع الاتفاقيات مع الجهات المانحة التي تقدم المساعدات".
إعلانوأكمل "استهداف رئيس البلدية عقاب جماعي للمواطنين، وضرب للجبهة الداخلية، وإحداث فراغ يتسبب بفوضى عامة، وهي لا تقل خطورة عن العدوان العسكري المباشر".
لكنّ عفيفة يرى أن البلديات تنجح في كل مرة في امتصاص الضربات الإسرائيلية، وتعود إلى إصلاح الأضرار التي تكبدتها، وتواصل العمل في تلبية الحد الأدنى من الخدمات التي يحتاجها المواطن، رغم التداعيات الكارثية التي لا يمكن إغفالها.
ولد دياب الجرو (أبو الوليد) عام 1974 في مخيم دير البلح للاجئين، لأسرة هُجرت من قرية "يِبنا" في النكبة عام 1948، وهو أب لستة من الأبناء، وخلال الحرب التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2023 فقد الجرو والدته وشقيقه خالد و4 من أبنائه.
تعلم الجرو في مدارس دير البلح، وحصل على درجة البكالوريوس في التاريخ من الجامعة الإسلامية بمدينة غزة، ولاحقا على درجتي الماجستير والدكتوراه في التاريخ، حيث عمل في البداية مدرسا لمادة التاريخ في مدارس جمعية الصلاح بدير البلح في الفترة ما بين عامي 2000 و2004.
ثم تولى لاحقا العديد من المناصب الإدارية، ومنها رئاسة مجلس إدارة جمعية الصلاح الخيرية، ورئاسة لجنة زكاة دير البلح، ثم رئاسة لجنة الطوارئ الحكومية في قطاع غزة.
وفي عام 2015 شغل منصب نائب رئيس بلدية دير البلح، وفي يونيو/حزيران 2020 تولى رئاسة البلدية، وبقي في منصبه حتى استشهاده.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات بلدیة دیر البلح رئیس بلدیة قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
لماذا ركزت إسرائيل ضرباتها الافتتاحية على حدود إيران الغربية؟
وصف الخبير العسكري العقيد حاتم كريم الفلاحي الضربة الافتتاحية الإسرائيلية التي شنتها ضد أهداف إيرانية بالقاسية والدقيقة والاستباقية، مبينا سبب تركيز المقاتلات الإسرائيلية على استهداف غربي إيران.
وأوضح الفلاحي -في تحليله المشهد العسكري- أن الضربة الاستباقية هي التي تبدأ بها الحروب، وتستطيع من خلالها توجيه ضربة قاتلة وقاسية "سيعاني منها الخصم لفترة طويلة".
ووفق الخبير العسكري، فإن الضربة الاستباقية تشمل ضرب البنى التحتية التي يمكن أن تستخدمها الدولة المنافسة في عملية التصدي والمواجهة العسكرية.
وشنت إسرائيل فجر اليوم الجمعة ضربات واسعة النطاق على إيران، وقالت إنها استهدفت منشآت نووية ومصانع صواريخ باليستية ومنظومات الدفاع الإيرانية وقادة عسكريين بارزين، مؤكدة أنها "بداية عملية مطولة لمنع طهران من صنع سلاح نووي".
وحسب الفلاحي، فإن الضربات الإسرائيلية تركزت على حدود إيران الغربية باتجاه العراق، إذ يوجد فيها قواعد جوية وبنى تحتية عسكرية، مشيرا إلى أن المقاتلات الإسرائيلية ستمر من هذه المناطق للدخول إلى العمق الإيراني.
وبناء على هذا المشهد، عملت إسرائيل على تحييد الرادارات والدفاعات الجوية والقواعد العسكرية والبنى التحتية الموجودة في هذه المنطقة "لضمان ذهاب الطائرات وعودتها بدون تعرض، وسيادة جوية متكاملة لإسرائيل على الأجواء الإيرانية".
إعلانوفي هذا السياق، قال الجيش الإسرائيلي إنه وجّه "ضربة واسعة ضد منظومة الدفاع الجوي التابعة للنظام الإيراني في غرب إيران".
وادعى الجيش -في بيان- "تدمير عشرات أجهزة الرادار ومنصات صواريخ أرض-جو".
كما شملت الأهداف المستهدفة قيادات أمنية وعسكرية وشخصيات علمية ومعرفية في الملف النووي الإيراني في العاصمة طهران "لإخراج منظومة القيادة والسيطرة بشكل تام عن الخدمة".
وتزامنت هذه الضربات مع عمليات أمنية وعسكرية تمت على الأرض نفذها عملاء الموساد، وصفها الفلاحي بـ"الخرق الأمني الكبير الذي لم يتم تداركه"، مستدلا بحوادث سابقة مثل اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وأرادت إسرائيل من ضرباتها هذه التأثير على الرد الإيراني المحتمل ضد إسرائيل، مستفيدة من طائرات "إف-35"، التي لديها القدرة على التخفي والوجود في بيئة معادية تماما بفضل إمكانياتها القتالية.
وتمتلك هذه المقاتلة مهارة الاشتباك الجوي، ولديها القدرة على الرصد والمراقبة، وتنفيذ عمليات ضد مواقع مهمة وحساسة ودقيقة في الداخل الإيراني، كما تستطيع الذهاب والعودة من دون التزود بالوقود.
ووفق الفلاحي، فإن استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية بهذا الشكل حتى الآن "دليل على شلل في منظومة الدفاعات الجوية، أو تدميرها كليا"، واصفا ما يجري بـ"حالة فوضى وإرباك كبيرة على مستوى منظومة القيادة والسيطرة".
وتحاول إيران "احتواء الضربة وتوجيه ضربات مضادة ريثما تستعيد زمام المبادرة"، مرجحا أن وجود الأقمار الصناعية والاستخباراتية في المنطقة "قد يمنع إيران من استخدام كثير من البنى التحتية في تنفيذ هجمات ضد إسرائيل".
وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد نقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن "الضربة الإسرائيلية لإيران خطط لها على مدى سنوات"، وإنها تمت بعد "جمع معلومات عن المواقع النووية ومسؤولين عسكريين وعلماء".
إعلانأما الجيش الإسرائيلي فقال في بيان إن سلاح الجو استكمل سلسلة غارات على منظومة الصواريخ أرض-أرض التابعة للنظام الإيراني، مضيفا أنه "تدمير عشرات منصات إطلاق الصواريخ، ومواقع تخزين صواريخ أرض-أرض، ومواقع عسكرية أخرى".
بدوره، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية– الضربة بأنها "لحظة حاسمة في تاريخ إسرائيل"، كاشفا أن الهدف من هذه العملية غير المسبوقة هو ضرب المنشآت النووية الإيرانية.
كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن الجيش "حقق إنجازا كبيرا، وضرب بدقة قادة الحرس الثوري والجيش والاستخبارات وعلماء نوويين إيرانيين"، مؤكدا أن الجيش "مستمر في عملياته لإجهاض البرنامج النووي الإيراني وإزالة التهديدات على إسرائيل".
من جانبها، نقلت وكالة رويترز عن مصادر قولها إن "20 من القادة العسكريين الإيرانيين الكبار قتلوا في الهجمات الإسرائيلية على إيران"، أبرزهم رئيس الأركان الإيراني محمد باقري وقائد الحرس الثوري حسين سلامي.